لا يوجد بمصر قانون لبناء الكنائس ويصدر بقرار منفرد من رئيس الجمهورية أول لجنة تقصي حقائق: يجب اعادة النظر في الخط الهمايوني وشروط العزبي مواطنون يروون معاناتهم في اقامة الصلاة: قس يأتي القرية كل اسبوع لاقامة الصلاة في احد المنازل مندرة 100 متر لا تصلح لاقامة القداس، ونصلي السبع فقط 35أسرة في قرية دالاص والمصلي بمنزل أحد الاقباط محامي : ترخيص الكنيسة يحتاج الي 20 سنة باحث : تحويل المنازل لكنائس تسبب في 40% من الفتن الطائفية
محمود علي
في جميع الاديان السماوية الصلاة في جوهرها صلة بين العبد والمولي عز وجل، وهي في العادة علاقة لا تحتاج سوي ايمان واقبال، لا علاقة لمسؤول او دولة فيها، لكن الحال في مصر يقتضي استصدار ترخيصا من الدولة يستغرق 20 عاما لاقامة دار عبادة لغير المسلمين، وهو ما أدي الي ظاهرة تحويل منازل أقباط لاقامة الصلاة سرا بغير ترخيص من الدولة وهو ما كان سببا في 60% من حوادث العنف الطائفي مؤخرا.
"ابانا الذي في السماوات ليتقدس اسمك ليأتي ملكوتك لتكون مشيئتك" هكذا تبدأ الصلاة في احدي دور المناسبات المملوكة لاحد الاقباط بقرية " عزبة النمر" في محافظة سوهاج، حيث يتجمع اقباط القرية، ويأتي قس من الكنيسة ليقيم لهم شعائر الصلاة.
"مندرة" لا تتعدي مساحتها 100 متر ليست لها قبة في المنتصف محمولة علي اربعة اعمدة، ولا حجرات متعددة، فهي عبارة عن حجرة واحدة، ولن تسمع صوت الاجراس اعلانا بوقت الصلاة، فهو مبني بسيط يتكون من طابق واحد بالاسقف الخشبية، اتخذه الاقباط منذ عدة سنوات لاقامة الصلاة فيه، نظرا لعد وجود اية كنيسة في القرية.
"تعالوا نسجد تعالوا نسأل المسيح إلهنا. تعالوا نسجد، تعالوا نطلب من المسيح ملكنا" هكذا تبدأ صلاة "باكر" بعد الصلاة الربانية والشكر، احد صلاة السواعي التي تتالف من صلاة الساعة الثالة وصلاة الساعة السادسة وصلاة الساعة التاسعة وصلاة الغروب وصلاة النوم وصلاة نصف الليل، وصلاة الستار، حيث يضطر المسيحيون في قرية عزب النمر لاقامة الصلاة النهارية والليلية فقط دون القداس.
القداس لقاء متميز بين المصلي والمسيح، حُرم منه اقباط القرية لعدم وجود مذبح بالمندرة، حيث يعد وجود المذبح امام المصلين بمثابة استقبال الرب يسوع، فالاب يسير بين الناس ليشجعهم علي التوبة والاعتراف وياخذ ذنوبهم ويضعها في المذبح، ويسجد الاب امام المذبح في اشارة الي انه يري العرش الالهي علي المذبح، لكن المندرة التي يصلي بها الاقباط ليست بها أي تجهيزات لاقامة القداس.
ويعتبر اقباط قرية عزبة النمر محرومون من لقاء الرب بأوامر الدولة، فقد تقدموا بعدة طلبات من قبل لاقامة كنيسة قوبلت جميعا بالفرض، رغم توفير قطعة أرض، بالرغم من ان الصلاة في حد ذاتها مجرد تجمع سلمي كفله الدستور، لكن حظرته الدولة اذا كان بهدف اقامة الصلاة لغير المسلمين، فالمسيحي في مصر يحتاج الي ترخيص من الدولة اذا اراد ان يصلي.
حضور القداس يتطلب من اقباط اقرية البالغ عددهم 46 اسرة تقريبا ان يقطعوا مسافة 5 كليومترات ايام الاحاد والاربعاء والجمعة، في طرق ترابية بسيارات خاصة تأخذ 5 جنيهات علي الفرد الواحد، ليصل الي قرية منجود.
وكانت القرية علي موعد مع مجزرة، بعدما اضطر الاقباط لاقامة كنيسة بدون الحصول علي ترخيص من الجهات المسؤولة بها كافة التجهيزات مثل المذبح والهيكل ليتمكنوا من اقامة القداس، الا ان البناء تم هدمه قبل ان يكمتل بسبب تحذيرات امنية بنشوب فتنة طائفية في القرية بعد تجمهر عدد من مسلمين القرية اعتراضا علي بناء كنيسة، وتم احتواء الازمة سريعا.
وبحسب "م.جاد" احد شباب القرية، رغم موافقة الاهالي علي اقامة الشعائر الدينية ودروس لتعليم الاطفال قواعد الدين المسيحي، في المندرة، في الوقت يرفضون بناء كنيسة بسبب رفضهم توافد الاقباط عليها باستمرار بالاضافة الي عدم تقبلهم لفكرة تعليق "الجرس" وسماع صوته عند كل صلاة للأقباط.
رحلة حضرو القداس شاقة علي كبار السن، ومكلفة علي الاسر الفقيرة، في نفس الوقت رفض القس حضور صلاة السواعي بالقرية بعد حادث الاعتراض علي بناء الكنيسة، فاتخذت حياة الاقباط الدينية شكلا معقدا، فقد حرموا حتي من الحد الادني من الصلاة، وهو ما اضطر احد قساوسة الكنيسة لزيارة الاهالي بشكل منفرد في منازلهم مرة كل اسبوع لاقامة الصلاة وذلك فقط بالنسبة لكبار السن او المرضي ممن لا يستطيعون الحضور الي الكنيسة.
كنيسة قرية "منجود" تخدم خمسة قري، ولا تستوعب العدد الكبير من الاقباط في الاعياد نظرا لاحتفال الاقباط بالقداس بعد فترات من الصوم، ويشير الي انه من خلال زيارته لبعض كنائس القاهرة يري كيف ترسخ الكنيسة فكرة الانتماء للارض والمنطقة والوطن من خلال الانشطة التي تقوم بها، لكن أهل القرية محرومون من كل ذلك.
محمد شعبان احد الناشطين الحقوقيين في قرية دالاص بمحافظة بني سويف، أكد ان عدد الاقباط في القرية يزيد عن 35 أسرة بواقع 300 فرد تقريبا، واغلبهم من الفقراء.
وأشار الي ان القرية لا يوجد بها كنيسة لاداء الشعائر للمواطنين المسيحيين، ويمارسون شعائرهم الدينية في مصلي تابع لمنزل أحد الاقباط لم يصدر لهم ترخيص حتي الان سواء بممارسة الشعائر الدينية في هذا المنزل او اقامة كنيسة لهم.
وأكد ان الاهالي في القرية بينهم حالة من التعايش ولا يرفضون ان يكون المصلي بمنزل احد الاقباط لكن الازمة تحدث عند المطالبات ببناء كنيسة وبالرغم من التناقض في هذا الامر لكن يمكن ارجاعه لتنامي التيار السلفي بالقرية منذ صعود جماعة الاخوان المسلمين، وبعد 30 يونيو ربط التيار السلفي باجهزة الحكم المحلي علاقة قوية.
طُرح مشروع قانون دور العبادة الموحد للمساجد والكنائس بشكل يضمن المساواة، لكن في دستور 2014، تم تمييز النشاط الديني لغير المسلمين بقانون " بناء الكنائس"
ويظل الاقباط ممنوعين من اداء الصلاة والشعائر الدينية داخل الكنيسة حتي صددور قرار من رئيس الجمهورية، حيث تحتاج دور العبادة المسيحية الي ترخيصين، الاول للبناء من اجهزة الحكم المحلي والجهات الامنية، والثاني لاداء الشعائر ويصدر بقرار جمهوري من رئاسة الجمهورية، وهو امر مخالف للدستور الذي كفل حرية ممارسة الشعائر الدينية واعتبر الصلاة حق لا يخضل للتشريع، بينما احال بناء الكنائس للقانون الذي لما يصدر بعد وتبقي دور العبادة حتي الان خاضعة لفرمان الخط الهمايوني، الصادر من الدولة العثمانية عام 1856.
نتيجة لصعوبة استصدار تراخيص بناء الكنائس وممارسة الشعائر الدينية، اتجه الاقباط لتحويل بعض المنازل الي مكان مصلي دون ترخيص من الدولة، وأصبحت دور العبادة غير المصرح بها للمسحيين من مصادر تغذية المناخ والتعصب ضد المسيحيين، وهو ما ينشا عنه في النهاية فتن طائفية، ووصلت حوادث العنف الطائفي في شهر ونصف فقط الي 22 حالة في المنيا والفيوم وبني سويف بسبب تحويل منازل للاقباط الي كنائس واقامة شعائرهم الدينية فيها في السر.
واصبحت حاجة الاقباط لقانون لبناء الكنائس ضرورية كحق انساني الي جانب وقف نزيف العنف الطائفي، فعلي مدار الست سنوات السابقة لم يصدر سوي ترخيصين اثنين فقط لبناء كنيستين، وأوجب الدستور المصري، علي البرلمان الانتهاء من قانون لتنظيم وبناء واصلاح الكنائس في دورة الانعقاد الاول التي ستنتهي بعد شهر ونصف من الان.
يجدر الاشارة الي انه تم تشكيل اول لجنة برلمانية لتقصي الحقائق في احداث العنف الطائفي كانت في فتنة الخانكة عام 1972، وأرجعت اللجنة التي شكلت برئاسة جمال العطيفي وكيل المجلس سبب الفتنة الطائفية الي تحويل دار جمعية الكتاب المقدس الي كنيسة بغير ترخيص لإقامة الشعائر الدينية، مما دفع مجهولون لادرام النار في الجمعية، وكان تحويل المنازل لكنائس دون ترخيص سببا في ظهور فتن طائفية كثيرة في ذلك الوقت طبقا للتقرير.
وقالت اللجنة في تقريرها انه يجب اعادة النظر في أحكام " الخط الهمايوني" والشروط العشرة لوزارة الداخلية، بوضع نظام ميسر لاستصدار التراخيص دون تطلب صدور قرار جمهوري، تجنبا للحالة التي بدت ظاهرة بتحويل المنازل لكنائس بسبب الحاجة.
وبالرغم من مطالبات نواب اقباط في البرلمان الحالي بتشكيل لجان تقصي حقائق في احداث المنيا الي انه لم يحدث، ومنع رئيس البرلمان الدكتورة نادية هنري من تناول الحادث، ويعتبر تقرير لجنة العطيفي هو الحل الامثل للقضاء علي الفتن الطائفية بشكل عام وازمات دور العبادة بشكل خاص، يمكنك الاطلاع علي نصه من خلال هذا الرابط http://goo.gl/bzHPWG
ويبدو ان قانون بناء الكنائس الجديد لن يحل الازمة، فعقب ظهور المسودة توجهت اليها سهام نقد كثيرة، وتشكلت ائتلافات لمناهضة تلك المسودة، مما زاد المشهد ضبابية أكثر، بالاضافة الي ان القانون الذي كان 8 مواد زاد بين ليلة وضحاها الي 16 مادة.
سعيد فايز المحامي واحد النشطاء الاقباط أكد ان استصدار ترخيص لبناء الكنائس لا يخضع لقانون، وهو قرار منفرد من الرئيس، مما يجبر المسيحيين علي التحايل في تحويل المنازل لكنائس او بناء كنائس دون ترخيص، مشيرا الي ان كنيسة شهداء ليبيا رغم تكفل الجيش بها لم يتم بنائها حتي الان.
وأشار الي ان قانون دور العبادة الموحد تحول الي قانون خاص ببناء الكنائس وهو احد مصادر التمييز الديني ضد الاقباط في الدولة، بنص المادة 235 من الدستور التي احالت بناء الكنائس الي قانون خاص تتناقض مع باقي مواد الدستور التي كفلت حرية العقيدة ومنعت التمييز بين المواطنين.
اسحاق إبراهيم مسؤول ملف حرية الدين والمعتقد في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، أكد ان أزمات الفتن الطائفية الناجمة عن تحويل المنازل لكنائس تمثل 40 بالئمة من احداث العنف الطائفي واحيانا يعمق خطباء المساجد الازمة.
وأضاف ان قانون بناء الكنائس الجديد من البداية اخذ طريقا خطأ الي الظهور باقتصاره علي الكنيسة والدولة دون مشاركة المجتمع المدني، وان القانون بهذا الشكل سيعمق الازمة في المستقبل وسيزيد من الفتن الطائفية لانه يعيد شروط العزبي باشا من جديد.
ويطالب الاقباط في القانون الجديد بان يكون للتسهيل وليس للتنظيم فقط، وان تكون هناك جهة حكومية مختصة باصدار التراخيص، بالاضافة الي منح تراخيص باثر رجعي للكنائس غير المرخصة، وان يتم تنقيح القانون من النصوص المطاطة التي لم تحدد النسبة التي يجب بناء كنيسة لها بدلا منتركها لهوي الموظف المسؤول، كما ان الدير في حد ذاته مكان مخصص للعبادة فلا يستلزم تصريحا لبناء كنيسة داخله، ويجب ان تلتزم الدولة بتوفير الحماية طول المدة الزمنية التي يتم خلالها بناء الكنيسة حتي لا تقع أي منازعات تعرقل اتمام بناء الكنيسة.
في النهاية ستظل ازمات العنف الطائفي مستمرة نتيجة تحويل منازل الي دور عبادة دون ترخيص طالما لم يصدر قانون يعطي للمسيحيين حقهم في ممارسة شعائرهم الدينية، فالمسيحيون لن يتوقفون عن صلاتهم، والتيار المتشدد لن يمنحهم ما منعته الدولة، فالمتشددون والدولة سواء.