لا يزال الحديث عن جماعة الإخوان وظروف نشأتها والهدف منها محل الكثير من التأويلات، إلا أن معظم الكتب والتنظيرات خرجت مؤخرًا بعد سقوط الجماعة فى مصر وعدد من الدول العربية، وقبل 36 عامًا صدر كتاب يحمل عنوان «رهينة فى قبضة الخمينى» للكاتب روبرت دريفس، والذى يسرد آلاف التفاصيل الدقيقة لتوضيح دور المخابرات البريطانية فى نشأة جماعة الإخوان المسلمين فى مصر، فضلاً عن العلاقات بين أجهزة المخابرات الدولية وعدد من الرموز والشخصيات البارزة فى العالم الإسلامى فى الدول ذات الأغلبية السنية أو الشيعية على السواء. كما يروى الكتاب الدور الذى بذلته إدارة كارتر فى التواطؤ مع البريطانيين لتنصيب قائد الثورة الإيرانية الخمينى حاكمًا، ويدين عدد من القيادات على أعلى مستوى داخل الولاياتالمتحدة ممن قدموا العون والتأييد لآيات الله «المستذئبين وكيانهم السرى السرى الإخوان المسلمين»، وكيف اعتمدت بريطانيا على دعم الطوائف والجماعات الدينية فى الشرق الأوسط للتأكيد فى محاولة للتصدى لأية افكار استنارية وعلمية، محاولة تصدير الفكر الأصولى دائمًا الذى يرفض الحداثة والعلم ويتمثل بكل ما لا يتماشى مع العصر الحديث، ويشرح الكتاب دور عدد من الشخصيات الدينية البارزة فى خدمة الماسونية العالمية فى تنفيذ خطتها فى المنطقة وتحقيق بعض الأهداف التى ربما نشهد جزء كبير منها الآن فى سورياوالعراق وليبيا وغيرها من البلدان العربية. يبدأ الكاتب بتفاصيل أسرار العلاقة بين الخمينى وجماعة الإخوان المسلمين ونشأتها، ويبدأه بقول الخمينى فى مؤلفه «الكتاب الأخضر»: «ليس لدينا أى مانع من الصعود إلى القمر، أو بناء المنشآت النووية ولكن علينا مهمة لا بد أن ننجزها؛ إنها خدمة الإسلام وإبلاغ أصوله الربانية للعالمين جميعًا، أملاً فى أن يدرك جميع ملوك ورؤساء دول العالم الإسلامى فى النهاية أن القضية التى ندافع عنها قضية عادلة، وعلى أساس تلك الحقيقة المجردة يدينون لنا بالخضوع والإذعان، وما من شك فى أننا ليس لدينا أى رغبة فى سلب ما فى أيديهم من مهام، بل إننا سوف نسمح لهم بالإمساك على السلطة ما داموا يلتزمون السمع والطاعة لنا ويستحقون الثقة التى منحناهم إياها». ويؤكد الكاتب أن قول الخمينى « أننا ليس لدينا أى رغبة فى سلب ما فى أيديهم» هو تأكيد لولائه للجماعة لا للإسلام كما زعم. ويؤرخ الكتاب فكرة الاعتماد على جماعة الإخوان المسلمين ودعمها من قبل الجهات التى أرادت انتشارهم لتنفيذ ما يريدون، مدللًا على ذلك بأنه ما كان ممكنًا للجماعة التواجد حتى اليوم لولا حقيقة مفادها أن مستشرقى جامعات أكسفورد وكامبريدج البريطانية قاموا بتتبع العناصر الأكثر تخلفًا فى الثقافة الإسلامية وتدوين ملاحظات عنها وغرسها بعناية، ومن ثم جاءت جماعة الإخوان نتيجة التنظيم الصبور من جانب عملاء لندن فى العالم الإسلامى، من أمثال ت.ى. لورنس الشهير (لورنس العرب)، وويلفريد سكاوين بلانت، وإ. ج. براون، وهارى سان جون فيلبى، وأرنولد تونيبى، وبرتراند راسل. ويشير الكاتب إلى أنه عبر التاريخ تم الدفع بالرموز الرجعيين وتلميعهم لمناهضة أية طفرة علمية عقلانية حقيقية فى بلاد العرب، مشيرًا إلى أن أكبر مؤيدى مبادئ مناهضة العلم، والصوفية، وإنكار المبادئ الفلسفية الوجودية، كان من أمثال العشارى فى القرن التاسع (أبو الحسن على بن إسماعيل العشارى، مؤسس ما يعرف بالمدرسة العشارية الأصولية فى الإسلام)، والإمام أبى حامد الغزالى فى القرن الحادى عشر، واتهمهم بأنهم كانوا عملاء يعملون بأجر لصالح الطبقة الأرستقراطية فى أيام الخلافة والممالك التالية، وأنهم سعوا لتفكيك التوجه العقلانى الناشئ، الذى بدا واضحًا بدرجة كبيرة فى أعمال عباقرة العلوم الإنسانية مثل الفارابى وابن سينا وحسن بن الصباح، وأنه كان الهدف الدائم هو إقناع العالم الإسلامى بأن ثقافته التخلف واللا عقلانية. ثم يدلل الكاتب فى العلاقة ما بين مرجعية « العشارى والغزالى فى التأصيل للأصولية ومد الرجعية والتخلف لتدمير كافة النظريات العقلانية، قائلاً إن البريطانيين قد درسوا أعمال الغزالى لاستخدامه فى التأسيس طائفة التخلف التى تحولت فيما بعد إلى جماعة الإخوان المسلمين. ويشير الكتاب، إلى أنه ما بين القرنين الحادى عشر والرابع عشر انتشر كتابات الغزالى بشكل كبير، وتسبب فى انهيار الحركة الانسانية الإسلامية والنهضوية، والتى كانت بمثابة انهيار الحضارة الإسلامية. يربط الكاتب ما بين عدد من الحركات والتحركات فى دول مختلفة ليصل عبرها إلى التدليل على أصولية حركة جماعة الإخوان المسلمين، وكيف كان جمال الدين الأفغانى وحسن البنا ومحمد عبده عملاء لدى الحركة الماسونية العالمية، بحسب قول الكاتب. ويوضح الكاتب، كيف استغلت بريطانيا الحركات الصوفية كأداة توغل استعمارية إلى الشرق الأوسط، حيث أسست الأرستقراطية البريطانية، التى بدأت فى القرن السابع عشر، تنشئ لنفسها عددًا من مراكز المخابرات السياسية فى العالم الإسلامى، وفى ظل التوسع التدريجى للإمبراطورية البريطانية عن طريق شركة إيست إنديا وشركة ليفانت. إكسفورد والأفغانى تم تأسيس حركة اكسفورد فى العشرينات من القرن التاسع عشر على يد النخبة البريطانية التى تعمل فى إطار الإصلاح الدينى برعاية، وتحظى بتنظيم جامعة أكسفورد والكنيسة الإنجيلية والكلية الملكية فى جامعة لندن، وأدت هذه الحركة إلى استحداث نوع جديد من البعثات التبشيرية، تتمثل مهمته فى نشر الإنجيل الفاسد لحركة أكسفورد فى أجزاء أخرى من العالم، وكانت مظلة هذه الحركة المذهب الاسكتلندى من الماسونية الحرة، تم تكليف بعثات حركة أكسفورد ببناء فروع تابعة للمذهب الاسكتلندى فى كل أنحاء الإمبراطورية إلا أنها رأت أن منطقة الشرق الأوسط من الأفضل فيها عدم رد المسلمين عن دينهم وإنما استخدامهم بحيث يصبحون يتوافقون فى النهج مع أهدافهم وبذلك يكون تأثيرهم أقوى وقد استقروا على الصوفية بحيث إنها متوافقة مع المذهب، وكان أفراد العائلة المالكة هم رعاة المذهب وممولى التحركات والحركات الصوفية لتنفيذ مشروع الطوائف البريطانى، من أمثال هؤلاء بنجامين دزرائيلى ولورد بالميرستون ولورد شافتسبيرى، وإدوارد بالوير-لايتون. ويتابع الكتاب أن أول مشروع كان لتلك الحركة فى القرن التاسع عشر كانت الحركة البهائية التى بدأت كطائفة راديكالية تؤمن بالمسيح أو المهدى المنتظر فى بلاد فارس، والتى أفرخت جمال الدين الأفغانى فيما بعد تمددها وانتشارها فى بلاد أسيا، الذى اشار الكاتب إلى عدة تقرير تفيد بأنه ولد فى مكان ما فى آسيا الوسطى، فى كابول، أفغانستان، وأنه ولد يهوديًا، إلا أنه سرعان ما ترقى أخويات الصوفية العديدة التى غطت ذلك الجزء من آسيا، ثم أصبح حاملًا للواء الأساسى للحركة الأصولية التى عانقت الصوفيين والبهائيين والماسونيين الأحرار طوال أربعين عامًا. وبحسب الكاتب، بدأت العلاقة بعد ذلك بين الأفغانى والمرزا محمد الباقر، أحد الشركاء الأفغان فى الطائفة البهائية الفارسية، والذى وصف بأنه «شيعى ناجح ومحمدى ودرويش ومسيحى وملحد ويهودى» والذى استكمل رحلاته بوضع تفاصيل نظام دينى خاص به أطلق عليه اسم «المسيحية الإسلامية». بدأت مسيرة الأفغانى فى 1870،عندما تقلد منصب فى مجلس التعليم فى اسطنبول، ورئيس وزراء أفغانستان عام 1866 وحافظ على علاقات وثيقة مع الطائفة البهائية، والماسونيين البريطانيين وبعض الصوفيين المقيمين فى الهند. وفى عام 1869،ذهب إلى الهند، ومن هناك سافر إلى اسطنبول. وبعد فترة وجيزة، تم نفيه من تركيا لوعظه بمبادئ اعتبرها العلماء معادية للإسلام وذهب الأفغانى، الذى أجبر على مغادرة اسطنبول إلى القاهرة، ومع بدايته فى القاهرة عام 1871،لم يكن الأفغانى فى رعاية أى شخص سوى رئيس الوزراء مصطفى رياض باشا، الذى قابله فى اسطنبول، والذى حرص على أن يحظى براتب نقدى كبير وأن يمنحه منصبًا فى جامعة الأزهر، وتم توجيه التعليمات له بأن يعمل فى هدوء، التزم الأفغانى طوال سبع سنوات بالأصولية الإسلامية فى تعاليمه العامة، وكان يزيد سرًا من عدد أتباع طائفته. وفى عام 1878، ترك الأفغانى الأزهر وانتقل إلى الحى اليهودى فى القاهرة، حيث بدأ التنظيم السياسى العلنى، وأعلن الأفغانى تأسيس الجمعية الماسونية العربية بمساعدة رياض باشا وسفارة لندن فى القاهرة، وأعاد الأفغانى تنظيم جماعتى «المذهب الاسكتلندى» و«المعاقل الشرقية الكبرى» للماسونيين الأحرار فى القاهرة. وبدأ يجمع حوله شبكة من الأفراد من العديد من الدول الإسلامية، وبخاصة سورياوتركيا وبلاد فارس، ويشير الكاتب إلى أن محمد عبده كان حواريه المخلص الذى أكمل المسيرة بوضع أسس لجماعة الإخوان المسلمين. يشير الكاتب إلى مرحلة جديدة فى نشأة الإخوان المسلمين فى ليبيا على يد محمد بن على السنوسى الخطابى الإدريسى الحسنى هو مؤسس النظام السنوسى للإخوان عام 1829 عندما أسس جمعية سرية من الباطنية الصوفية الكبرى وكان شعار الحركة «الوحدة الإسلامية»، وانتشرت تدريجيًا فى تونسوطرابلس وبرقة وأصبحت فيما بعد تعرف ب «أخوية السنوسى» وأصبح لها أتباع بنحو 5 ملايين فى مصر وتونس وليبيا، ثم يتابع إنه عقب الحرب العالمية الأولى، تم اعتبار أخوية السنوسى رسميًا أحد أصول المكتب العربى البريطانى فى القاهرة، وأنه تم إرسال عميل جرئ من عملاء المخابرات البريطانية إلى طرابلس للمساعدة فى تنظيم العمل السياسى للحركة، وكان اسم هذا العميل عبدالرحمن عزام الذى كان أول أمين عام لجامعة الدول العربية. البنا يتابع الكاتب فى فصل آخر تحت عنوان (الإخوان المسلمون- المقر فى مصر)، العلاقة التى نشأت بين الأفغانى ومحمد عبده وكيف صار الأخير على ذات درب الأفغانى فى تنفيذ الحركة الماسونية والعمالة لصالح بريطانيا، وعقب رحيل الأفغانى القسرى، تم ترشيح محمد عبده على نحو غير متوقع رئيسًا لتحرير مجلة الجريدة الرسمية، وهى الجريدة الرسمية الصادرة عن الحكومة المصرية والخاضعة للسيطرة البريطانية، مشيرًا إلى أنه لولا وجود محمد عبده فى الحركة السرية للأفغانى ما كان قد رشح لهذا المنصب، والذى وصل فيما بعد إلى منصب رئيس اللجنة الإدارية بالجامع الأزهر فى 1892 والذى أشار الكاتب إلى أنه تمكن من تمكين رجال الحركة السرية فى أماكن قيادية فى الشئون المصرية والإسلامية، وعمل على العمل ضمن الحركة السرية التى كانت النواة لجماعة الإخوان المسلمين، حيث يربط بين الأفغانى ومحمد عبده والبنا الذى تتلمذ على يد محمد عبده، ويشير إلى أنه كان أحد أعضاء الحركة السرية حيث إنه كان رئيس جمعية أُطلق عليها «جمعية السلوك القويم»، ثم انتقل إلى «جمعية منع المحرمات». وفى بداية حياته، تعرف البنا على الدوائر الصوفية للإخوان الحصافية، وظل عضوًا بهذ الجمعية السرية لأكثر من عشرين عامًا، وبحلول عام 1922 تم قبوله كعضو كامل الصلاحيات فى الطائفة الحصافية، وبعد وصوله إلى قيادة حزب المنار وتأسيس الجماعة عام 1929 موله البريطانيون فى بناء أول مسجد للإخوان المسلمين فى الإسماعلية 1930، وفى عام 1941 تم تسجيل أول حالة تعاون بين الإخوان وأحد كبار ضباط المخابرات البريطانية، ج.هيورث دان، فى سفارة لندن فى القاهرة، وكانت هذه البداية بين المخابرات البريطانية وجماعة الإخوان المسلمين الوليدة. ويتابع الكاتب سرد الأحداث فيما بعد ثورة 23 يوليو 1952، وتحديدًا فى فبراير وأبريل عام 1953، حيث عقد المرشد العام حسن الهضيبى سلسلة من اجتماعات سرية مع تريفور إيفانز فى السفارة البريطانية بالقاهرة حيث أخبر البريطانيين أنه قد يتحالف معهم لمنح بريطانيا العظمى حقوقًا دائمة فى قاعدة قناة السويس بعد الانسحاب الرسمى للقوات البريطانية المتمركزة هناك. يعود الكاتب للربط بين النظام الإيرانى وجماعة الإخوان المسلمين فى إشارة لإجابة الرئيس الإيرانى أبو الحسن بنى صدر، فى إحدى اللقاءات عند سؤاله عن التنازع الحدودى عام 1980 بين إيران ودولة العراق العلمانية حيث أجاب أنه «ليس ثمة حدود بين الدول الإسلامية»، ويشير الكتاب إلى أن نقل مكتب الاستخبارات البريطانية العربى القديم من القاهرة إلى لندن جاء بعد ضمان الولاء الكامل للجماعة وأنه يطلق عليه حاليًا اسم المركز العربى البريطانى، ومجلس تعزيز التفاهم العربى البريطانى (CAABU،(ومحطته الفرعية المعطلة حاليًا فى لبنان، مركز الشرق الأوسط للدراسات العربية (MECAS (فى قرية شملان. منظمات ومؤسسات وبحسب ما رصد الكاتب فإن هناك عددًا من المؤسسات مولتها حركة اكسفورد والمذهب الاسكتلندى من الماسونية الحرة، منها مركز الشرق الأوسط الذى أنشئ عام 1944، وضم المعهد المستعربين البريطانيين والصهاينة والعرب المناصرين لبريطانيا، وكان من بين أعضائه المؤسسين رئيس وزراء إسرائيل السابق، أبا إيبان، أحد الأعضاء المؤسسين. وكان نقل مقر الإخوان المسلمين إلى لندن وجنيف بسويسرا عام 1955 -عندما دفعهم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر للرحيل من مصر-، فإن الإخوان كانوا يخرجون بعلاقة استمرت لفترة طويلة إلى حيز العلن بشكل كامل يؤكد كافة العلاقات الخفية التى تمت مع القيادات السابقة ويخوض الكتاب سرد بعض التفاصيل المتعلقة بإمبراطورية الإخوان المالية فى العالم العربى وفى السعودية وإيران وغيرها، وكيف أن بريطانيا أصبحت شريكًا لهذه الجماعة فى كافة الدول وتؤثر بشكل كبير فى العملية الاقتصادية لهذه الدول التى ما زالت تسعى إلى العمل على إظهار طوائف جديدة وجماعات عرقية جديدة فى سورياوالعراق وغيرها من اجل استمرار مسلسل التقسيم فى المنطقة معتمدة على بعض القيادات الحالية كما اعتمدت على الصوفية والإخوان والأفغانى ومحمد عبده وحسن البنا والغزالى أيضًا.