تراجع عائدات السياحة وقناة السويس أكثر من 50 % ضغوط لخفض قيمة الجنيه والاستثمار الأجنبى يتراجع تمر مصر بأزمة اقتصادية قوية، وأحد أهم العوامل لاجتياز هذه الأزمة هو الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وفى ظل إحجام واضح للاستثمار الأجنبى فى مصر كان لابد من معرفة الأسباب. حين تكون أى مؤسسة أعمال كبرى راغبة فى الاستثمار فى بلد بعينه فهى لا تستمع لتصريحات حكومتها، كما أنها لا تنصت لوسائل الإعلام المعروفة وبرامج الدعاية المعتادة، ولكنها تلجأ لمؤسسات استشارية كبرى فى مجال الأعمال تمدها بما يلزمها من معلومات عن الدولة المعنية. ومن تلك المؤسسات مؤسسة مجلس العلاقات الخارجية (CFR)، ومقرها نيويورك، والتى نشرت دراسة عن الوضع الاقتصادى الحالى فى مصر، أشارت إلى أن مصر تعانى من أزمة اقتصادية عميقة، من ملامحها تدنى احتياطى العملة الأجنبية، مما يهدد قدرة البلاد على دفع ثمن الوقود والغذاء فى ظل الاعتماد على الاستيراد لسد الحاجة فيهما، أما عن عجز الميزانية فقد بلغ 14% من الناتج المحلى العام، فيما يتجاوز الدين العام الناتج من العجز المتراكم الناتج الاقتصادى، وذلك وسط اعتماد 45% من المصريين على أقل من دولارين فى اليوم الواحد كمتوسط للدخل، ويعانون من تضخم الذى وصل إلى 11.4% حاليًا. وبشأن موارد العملة الأجنبية التقليدية، أوضح التقرير أن السياحة وعائدات قناة السويس وتحويلات المصريين بالخارج، تقلصت إلى أقل من نصف ما كانت عليه فى 2010، بينما يكاد يكون الاستثمار الأجنبى المباشر قد انتهى تمامًا خارج قطاع الطاقة، وواصلت معدلات البطالة الارتفاع، ووصلت لنسبة 13.4%، منها 71% تبلغ أعمارهم ما بين 15 - 29 عامًا. وبحسب التقرير، فإن الضعف الاقتصادى يجعل من الصعب سياسيًا معالجة المشاكل التى تساهم فى أزمة الغطاء المالى وقدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها على المدى المتوسط والطويل، لأن الإصلاحات اللازمة ستفرض مشقة على الشعب الذى يواجه بالفعل آلامًا اقتصادية. «وعلى الرغم من أن الاقتصاد المصرى تلقى بعد أحداث يوليو 2013 دعمًا ماليًا متدفقًا من السعودية والإمارات والكويت والبحرين وسلطنة عُمان؛ إلا أن الاقتصاد لا يزال هشًا للغاية فخليط السياسات الاقتصادية غير المتماسكة للحكومات المتتالية تنذر باستمرار تدهور الاقتصاد، وهذا بدوره يمكن أن يخلق حلقة مفرغة قد تؤدى إلى انهيار كامل»، كما جاء بالتقرير. ويستنتج التقرير أن مصر التى تقترب بشكل خطير من أن تصبح دولة متعسرة، وعلى الرغم من استمرار المساعدات الخليجية فإن الجمع بين الاحتياجات الاقتصادية للبلاد والسياسات الاقتصادية المتضاربة والمستمرة والتحديات السياسية للإصلاح الاقتصادى، واحتمال الصدمات الاقتصادية الخارجية، كل هذا يجعل من مصر دولة غير قادرة على الوفاء بأى التزامات خلال مدى متوسط أو طويل. ودعا التقرير الولاياتالمتحدة وحلفاءها فى الخليج وأوروبا وآسيا، للاستعداد لنتيجة ما أسماه بالكارثة، إذ أن المساعدات الخارجية دون استعداد مصر لاتخاذ إصلاحات ضرورية وترشيد الإنفاق الحكومى والعسكرى لن تحل المشكلة. أما عن مؤسسة ستراتفور (STRATFOR) البارزة فى تقديم الاستشارات والتوقعات الاستراتيجية، ومقرها تكساس بالولاياتالمتحدةالأمريكية، فقد نشرت تقريرًا عن أزمة العملة فى مصر تحت عنوان أزمة الدولار تهدد الاقتصاد المصرى بدأت فيه بثلاثة توقعات هى: • سوف تستمر مصر فى الاعتماد على المساعدات الخارجية ليبقى اقتصادها قائمًا على قدميه، مع تأجيل إصلاحات اقتصادية صعبة لكنها ضرورية. • فى إطار الجهود الرامية لخفض فاتورة وارداتها وتخفيف أزمة الدولار فإن الحكومة الحالية اتخذت عددًا من القرارات المتخبطة. • سيتزايد التشكك الشعبى بين المصريين حول قدرة قادتهم لإنعاش الاقتصاد، مما يزيد من مخاطر عدم الاستقرار فى جميع أنحاء البلاد. وتحدث التقرير أن الاقتصاد المصرى فى أزمة جديدة مع عدم رغبة الحكومة فى اتخاذ إصلاحات اقتصادية مؤلمة من شأنها تخفيف عبء العجز الثقيل واستنزاف الاحتياطى النقدى الأجنبى، والذى يبقى القاهرة واقفة على قدميها هى المساعدات الخارجية وبدونها، فإن الاستقرار الهش للبلاد قد لا يصمد. وتحت عنوان «دولارات مصر تجف»، ذكر التقرير أنه حتى بعد أن تحملت الدولة التكلفة السياسية لتخفيض قيمة العملة المحلية عدة مرات فى الفترة الماضية، فإن الضغوط ما زالت متزايدة لخفض قيمة الجنيه المصرى مرة أخرى. وتابع: «القاهرة قد تضطر للسماح للجنيه المصرى ليتم تداوله بسعر صرف حقيقى، وهو ما يتناقض مع كلام طارق عامر محافظ البنك المركزى عن «أن مصر لن تخفض قيمة عملتها مرة ثانية»، مما يجعل البلاد تسير لمسافة أطول نحو ارتفاع التضخم وتكاليف المعيشة، ويجبر الحكومة على استمرار دعم العملة من احتياطياتها، والذى سيؤدى بدوره إلى تزايد الضغوط على المستوردين المصريين حتى بالنسبة لاستيراد سلع لازمة للتصنيع وإعادة التصدير». وفى فقرة بعنوان السياسات المهتزة تنتج الشك، قال التقرير إنه فيما تسعى الحكومة المصرية لإيجاد حل للمأزق المالى، فإن المواطنين والمستوردين يتحملون عواقب هذا التردد الرسمى، يؤكد ذلك رفضها الغريب لوصول شحنات من السلع الأساسية للموانئ المصرية مما جعل مصر شريكًا تجاريًا غير جدير بالثقة، ويكلف مصر دفع تكاليف إضافية لوارداتها. ووفق التقرير، فإن الحكومة حاولت تهدئة الشركات العاملة فى البلاد من خلال معالجة أكبر مشاكلهم، وهو الوصول للدولار لدفع ثمن وارداتهم، لكنها كانت محاولة بطيئة وغير مرضية على الإطلاق، بسبب أن الحكومة تسعى فى اتجاهين متعارضين، ومن ناحية يمكن للقاهرة أن تقلل العجز فى ميزانيتها بالحد من طلب الواردات غير الأساسية، ومساعدة الشركات بتخفيض قيمة الجنيه، والتى ستقلل بالتبعية من الضغط على احتياطياتها الأجنبية من النقد، والحاجة لضخ المزيد من الدولارات إلى البنوك المصرية، ومن ناحية أخرى، فإن مثل هذا الإجراء سيؤدى إلى ارتفاع معدلات التضخم وأسعار المواد الغذائية، وتدهور مستويات المعيشة بشكل كبير حتى بالنسبة لمتوسطى الدخول والمخاطرة بالدخول فى حالة قوية من عدم الاستقرار فى البلاد. ووصف التقرير، الحكومة بالمتخبطة التى تأرجحت قراراتها من خلال طارق عامر محافظ البنك المركزى الذى حدد سقفًا أعلى للودائع بالعملات الأجنبية من قبل المستوردين المصريين فى أوائل 2015، ثم رفع هذا السقف، وعاد وحدده فى منتصف فبراير 2016 قبل أن يلغيه كليًا فى 8 مارس. وقالت ستراتفور: «سياسات القاهرة المترددة خلقت حالة من التشكك بشأن آليات صنع واتخاذ القرار الاقتصادى والمالى لديها، وكثيرًا ما أدى النمط المعتاد للحكومات المتعاقبة فى مصر من فكرة جس النبض، وقياس رد الفعل من الجمهور تجاه القرارات والتعديل، وفقًا لذلك إلى تأجيل إصلاحات صعبة، ولكنها ضرورية وهذه الاستراتيجية لا يمكن أن تستمر إلى الأبد. أما الفقرة الأخيرة من التقرير فكانت بعنوان «الخيارات الجيدة قليلة» التى أكدت أن طرق الحل الإيجابى وتحسين الحال محدودة، فيمكن أن تقلل الحكومة المصرية من قيمة الجنيه المصرى مع اتخاذ إجراءات رادعة تجاه نشاط العملة فى السوق السوداء والحد الحاسم من الطلب على الواردات غير الضرورية، ولكن قبل ذلك يجب أن تؤمن مصر احتياطاتها النقدية أو يُمكن أن تفكك القاهرة بعض برامج الدعم الذى سوف يعتبر تلبية لمتطلبات البنك الدولى للإفراج عن المزيد من القروض للقاهرة، وفى الواقع فقد حققت القاهرة بعض التقدم منذ 2014 فى رفع دعم الطاقة والغذاء، ومع ذلك فإن قدرتها على مواصلة خفض عبء الدعم تبقى محدودة أما الخيار الأخير فسيكون طلب المزيد من المساعدات الخارجية والإذعان لشروط الدائنين فى مقابل تلك المبالغ المالية، ولأن الخيارين الأولين من شأنهما أن يضعا عبئًا ثقيلًا على الشعب المصرى، وزيادة احتمالات الاضطرابات الاجتماعية، فمن المرجح أن تتخذ القاهرة الطريق الثالث، وهو التمويل الأجنبى والاستدانة الخارجية، كما يمكن لمصر أن تلجأ لصندوق النقد الدولى الذى أعلن أنه سيمول الدول المنتجة للنفط فى إفريقيا بدون شروط، وهى فرصة لتأمين تمويل دون الحاجة لتقديم التزامات أو الإيفاء بشروط صعبة.