حكايات داخل الزنزانة: طالب دكتوراه لا يغادر المكتبة.. وقاتل يتحول إلى «شيف ».. وتاجر مخدرات «فهم الحياة صح » السجناء يصنعون غرف نوم ومكاتب بأسعار تنافسية.. وواعظ من الكنيسة أسبوعيًا لإقامة القداس.. والأوقاف توفد مشايخ لصلاة الجمعة كانت عقارب الساعة تشير الى التاسعة صباحًا عند وصول الوفد الصحفى إلى سجن برج العرب بالإسكندرية والذى يبعد 280 كيلو مترًا عن القاهرة، فيما كان مساعد وزير الداخلية لقطاع مصلحة السجون، اللواء حسن السوهاجى، فى استقبال الوفد، والذى قال: «السجن أمامكم، ولكم مطلق الحرية فى تفقده،ولقاء المسجونين، ولن نمنع أحدًا من دخول أى عنبر .» يدخل الزائر للسجن عبر بوابة رئيسية ترتفع عن الأرض قرابة 8 أمتار، مصنوعة من الحديد الثقيل، ومزودة بقوائم فولاذية تمنع الاقتحام،تطل على ترعة صغيرة تمر أمامها ووسط حشائش خضراء تنمو وسط الصحراء الجرداء المحيطة بالسجن الممتد على مساحة 60 فدانًا. على بعد أمتار من البوابة الثانية «المركزية ،»التى تشبه بوابة القلاع القديمة، وملحق بها برجا مراقبة على الجانبين، تقف مدرعات الشرطة المزودة بالمدافع الرشاشة على البوابة، وبعد خطوات من دخول البوابة تقع نقطة التفتيش وهى غرفة كبيرة بجوار بوابة الأفراد، وفيها يتم تفتيش كل المترددين على السجن، من مساجين وزائرين وأفراد ومجندين، وبها جهاز كشف السلاح والمعادن وك اب بوليسية للكشف عن المخدرات. الملفت أنه على جهة اليمين يقع ملعب خماسى لكرة القدم، وأمامه مجموعة من العنابر المحيطة بالزراعات الواسعة، تتوسطها نافورة مياه، تطل عليها كافيتريا السجن، والتى يعمل بها أحد الطباخين المسجونين، يُدعى «عم حسن ،» ويقضى عقوبة السجن المؤبد فى قضية قتل، يقول إنه قضى من عقوبته خمس سنوات، تعلم فيها الكثير داخل السجن، وأصبح طاهيًا جيدًا، ويطمع فى قيام الرعاية اللاحقة بمساعدته بعد خروجه من السجن فى إنشاء مطعم له، يوفر له الرزق الحلال. مخبز متكامل. فرن بلدى يقع وسط الكافتيريا الضخمة، خمسة من السجناء الشباب يديرونه،الابتسامة تكسو وجوههم، رغم انهم محبوسون فى قضايا مخدرات وقتل وأموال عامة لكنهم اشادوا بالمعاملة الحسنة التى تعاملهم بها ادراة السجن وما توفره لهم من سبل للراحة وأنهم تعلموا مهنه يرتزقون منها بعد خروجهم الى الحياة مرة اخرى بمجرد انتهاء مدتهم. يحكى النزيل مراد محمود، 55 عامًا، الذى قضى من عمره 15 عامًا فى قضية قتل، وأصبح «شيف » تعلم على يده عدد كبير من المساجين، وهو من يقوم بالإشراف على الوجبة اليومية للسجناء، ويطبق الجدول العام للإفطار والغداء والعشاء، مؤكدًا ان السجن جعل منه رجلً صالحًا. معرض يضم افخم أنواع الاثاث، ومصنع يقع على بعد أكثر من ألفى متر تقريبًا، أسرّة ودواليب وغرف نوم ومكاتب على أعلى مستوى من التصنيع، وبأسعار أرخص من السعر المحلى، يقوم بصناعتها مساجين يقضون عقوبات مختلفة تعلموا خلالها فى تلك الورش التى انشأتها ادارة السجن، أعمال النجارة، حتى يكون السجن تأهيلا وإصلاحًا وتطبيق الشعار المستحدث «التعلم »وجميعهم تحاوروا معنا، واشادوا بحسن معاملة الادارة لهم، وانه لا توجد تفرقة بين النزلاء داخل السجن، ومعهم سجناء من جماعة الاخوان،يعملون معهم فى الورش ولا يوجد تفرقة فى اى شيء بين مسجون وآخر. مساحات شاسعة من الم اعب والحدائق الخضراء، وجدنا هناك السجناء يقضون وقت التريض وساعات الترفيه، حيث يوجد ملعب كبير لكرة القدم مزود بكراسى للمتفرجين،وآخر خماسى، وطاولة «بينج بونج » كما توجد حدائق للترفيه بها مقاعد أسفل الشجر وبها كافيتريا للمشروبات السريعة، وتنظم إدارة السجن مسابقات رياضية للترفيه على النزلاء وتوزع فيها جوائز مالية وعينية لتشجيع المساجين. مكتبة شاملة تضم 5068 كتابًا، تجمع بداخلها عدد من السجناء يقرأون ومن بينهم شاب يبلغ من العمر 35 عامًا يدعى محمد الشناوى دخل السجن وهو حاصل على ليسانس الحقوق، فى قضية عسكرية محكوم عليه فيها بالسجن 12عامًا، وحصل على درجة الماجستير وكانت رسالته فى المؤسسات العقابية وحاليًا يقوم بالتحضير للدكتوراه، مؤكدًا بأن ادارة السجن وفرت له المناخ الذى جعله يحصل على تلك الدرجات العلمية وانه لا يترك المكتبة إلا عندما يخلد الى النوم. محمد السيد أو المهندس، حسبما يلقبه زملاؤه فى سجن برج العرب، خريج كلية الحاسبات والمعلومات يقضى عقوبة 10 سنوات فى قضية قتل دفاعًا عن الشرف، رفض الخوض فى تفاصيل القضية وقال انه قضى ثلاث سنوات،وينتظر من ادارة السجن أن توفر له كافة سبل الرعاية ويتمنى الخروج من السجن حتى يقبل قدمى والديه. سيد عبد الرحمن شاب، لا يتعدى عمره 25عامًا سجن فى قضية مخدرات، قال: «انا كنت فاهم الحياه غلط، واعتقدت فى يوم من الايام ممكن ابقى رجل اعمال وامتلك الملايين من وراء تجارة المخدرات، حلمت بالثراء السريع فوجدت نفسى محكومًا على ب 5 سنوات فى قضية مخدرات، وفشلت فى التعليم وقررت انى ابقى صاحب اصدقاء السوء، فأكدوا لى ان سكة المخدرات هى من ستجعلنى احقق اح امى،ولكن الحلم اصبح سرابًا، وعندما دخلت السجن تمنيت لو كنت حققت حلم والدى بان اصبح شابًا جامعيًا يحترمه المجتمع كله فالعلم افضل بكثير من المال .» «طه »، شاب دخل السجن فى قضية قتل، لكنه اصبح طاهيًا داخل السجن، قال: «لو كنت سلكت الطريق الصحيح من البداية، لكن فعلً السجن تأهيل واصلاح، فقد اصبحت اقرأ القرآن كل يوم وابتعدت عن الشر وتبت، وعاوز ربنا يسامحنى فيما كنت أرتكبه من جرائم فى حق مواطنين ابرياء، كل ذنبهم ان الصدفة وحدها قادتهم للقائى، حتىجاء اليوم المشئوم وتصادف مرور شخص رفض اعطائى ما معه لأسرقه، فهددته بالقتل، لكنه لم يهابنى، فانهلت عليه بالسلاح، حتى سقط غارقًا فى دمائه، وتحصلت على ما معه وهربت، لكن ضباط المباحث القوا القبض على، وفى النهاية اقول إن طريق الشيطان مهما طال سينتهى بالسجن .» الصدفة وحدها قادتنا لحضور قداس للمسجونين المسيحيين، وعلمنا من لقائنا بهم انه يقام بصفة اسبوعية يوم الاثنين، ويعظ فيه اثنان من واعظى الكنيسة المصرية، وعندما سألنا العميد جمال النجدى، مأمور السجن، بهذا الشأن، أكد لنا ان ادارة السجن ايضا اتفقت مع وعاظ من مديرية الاوقاف لإلقاء الخطب الدينية داخل السجن، وتعليم القرآن الكريم وتحفيظه وتعقد ندوات بصفة يومية، بخلاف صلاة الجمعة. وقال اللواء محمد على، نائب مدير الادارة العامة للمباحث، ان رجال المباحث يقومون بجهد كبير فى الحد من ارتكاب الجرائم داخل السجن،فيقومون بتشكيل مصادر خاصة بهم داخل كل عنبر تخطره اولً باول بمجريات الامور التى تحدث، لكى يتم التعامل السريع معها. وأوضح أن وجود رجال البحث فى البوابات يساعد فى كشف المخدرات والاسلحة والهواتف المحمولة، مشيرًا الى ان المساجين ابتكروا ألاعيب شيطانية تزداد يومًا بعد يوم، لكن رجال المباحث ينجحون فى كشفها، ومن امثلتها تهريب الاقراص المخدرة داخل اليوسفى والبرتقال وعلب السجائر بل وداخل السيجارة نفسها وتباع علبة الاقراص هذه بمائة جنيه وتغلف مثل العلبة السليمة تمامًا، وهناك من يقوم «بأمبلة » الأقراص المخدرة وقطع الحشيش والأمواس لإدخالها للعنبر ونقوم بكشف هؤلاء من خلال فحص طبى يجريه السجين قبل دخوله السجن بمستشفى السجن. والشيء الغريب انه تم ضبط عدد كبير من المساجين يقوم بابتلاع موبايل واخر ابتلع «نصلة » سلاح ابيض للتشاجر بها مع زملائه وفرض سيطرته على العنبر. أما العميد جمال النجدى، مأمور السجن، فأكد أن هناك اجراءات تأمينية تجريها ادراة السجن لتأمين 15 ألف نزيل بالسجن واوضح ان السجن مزود بوحدة اطفاء بها سيارة ومدافع مياه، وكذلك سيارة اسعاف على اعلى مستوى وهناك مستشفى مزود بأجهزة متطورة. وعن الزيارات قال انه لا مانع من زيارة يومية لكل سجين فى التحقيق، لكن المحكوم عليه له زيارة واحدة كل 15 يومًا وفقًا لقانون السجن.