طونى خليفة منح المساحة لشخص قال إنه متزوج من جنية ولديه طفل رانيا محمود ياسين استضافت فلكيًا حضّر روح السادات وحذر السيسى من الاغتيال حلقة ريهام سعيد عن الجن حققت 3.5 مليون مشاهدة فى 4 أيام مدحت العدل أحرج الليثى وهاجمه لاستضافة مشعوذ: «هو ده الإعلام يا دكتور» دجال تائب يكشف زبائنه: ابن شقيق رئيس جمهورية سابق ورئيس حزب سياسى وفنانون
فى ظل الفوضى المنتشرة فى المجال العام، لاحظ متابعو أداء القنوات الفضائية المصرية بدءًا من نهاية العام 2014 أنها عمدت إلى تغيير الموضوع وتخفيف جرعة السياسة مقارنة بالوضع قبل عدة أشهر سبقت ذلك، فأصبحت برامج الفضائح والخرافات والاستشارات الجنسية تفوق فى عددها وساعات بثها برامج «التوك شو». حتى برامج «التوك شو» نفسها بدأ تغيير يطرأ على نوعية موضوعاتها وضيوفها ليصبح من المعتاد أن ترى مذيعًا لم يتحدث فى شىء بخلاف السياسة فى السنوات الأربع السابقة، يناقش مع ضيوفه أزمة الملل الزوجى أو يستضيف فرقة غنائية أو يُحيى ذكرى وفاة شاعر راحل. نعرف من الواقع أن بعض برامج وقنوات «التوك شو» واجهت مأزقًا حقيقيًا فى تراجع أهميتها والإقبال عليها، وبدلًا من أن تعيد النظر فى طريقة عملها وأدائها فضلًا عن توجهاتها، إذا بها تريد أن تأخذنا إلى عالم الشعوذة والدجل، وموضوعات الفضح والإثارة، مع تصويرها على أنها أم المشكلات، فى تزييف واضح للأولويات والاهتمامات لدى الرأى العام. فى كل أنحاء العالم فإن المنوعات والتسلية من ضمن أية وجبة إعلامية متكاملة، غير أن ما حدث على الفضائيات الخاصة فى الفترة التالية لثورة 25 يناير، وزادت جرعته فى الفترة الأخيرة، أقرب إلى الوجبات المسممة. كان لافتًا أن المجتمع الذى تحاصره ضغوط اقتصادية، ويواجه تحديات التنمية، وقضايا الحقوق والحريات العامة، وتطوير التعليم، والصحة، وتدعيم التنوع والتعددية، ومبادئ الحُكم الرشيد، وتهدده مخاطر إرهابية، وتموج حدوده من كل جانب بتهديدات وتحديات، تطفو على سطح الإعلام فيه مساجلات صاخبة، تنتقل بدورها إلى الفضاء الإلكترونى المضطرب، وتصبح معارك مصر الأساسية ليست التنمية والديمقراطية، ولكن الجدل حول تحضير الأرواح والجن والعفاريت وتأثير السحر، ودور الجن والمس فى حالات البشر وأحوالهم أو فى حرائق بيوتهم كما حدث أخيرًا فى إحدى قرى الشرقية. بجانب برامج الجن والعفاريت، هناك البرامج التى تتحدث عن المنشطات الجنسية والعلاقات الخاصة والمثلية، ليخسر الإعلام المصرى كل يوم الكثير من قواعده وقدراته أمام زعامات كاذبة وخبرات هزيلة وغياب تام لأهم مبادئ النشاط الإعلامى وهى القيمة والمسئولية. فى تلك الحلقات والبرامج عن الجن والعفاريت والخرافات، وجدنا أن الإعلام لا يعطى فقط معلومات مغلوطة، حيث المعلومة المغلوطة يمكن تصحيحها بمعلومات أخرى صحيحة، لكنه كذلك يحدد نمط التفكير المسموح به، والذى يجب استخدامه فى هذا الأمر أو ذاك. عمل هؤلاء - سواء عن عمد أو عدم دراية - إلى إغراق الجمهور فى الجهل والغباء والخرافة، لنشر عشوائية التفكير والحُكم على الأمور. فسر البعض ما جرى بأنه تزامن مع انتهاء دفعة التسجيلات الشخصية التى سلَّمتها أجهزة ما لعدد من مقدمى البرامج التليفزيونية لاستهداف شخصيات معينة، وتراجع حدة الإثارة والمشاجرات من البرامج فى ظل استضافة ممثلين لتيار واحد طوال الوقت، فى حين بدأت حالة التململ من أداء المذيعين والتنقيب فى رواتبهم السنوية والزهد فى مشاهدتهم، وتفضيل مباريات دورى أبطال أوروبا وحلقات مسلسلات مثل «هبة رجل الغراب». وضعٌ مقلق؛ لذا كان من الضرورى دور آخر يقوم به الإعلام. هكذا جرى التحول عن النص الدعائى إلى نظرية «إذا لم تستطع أن تقنع الآخر بوجهة نظرك غيّر الموضوع». كانت ريهام سعيد، من أبرز نماذج هذا الأداء الذى يختلط فيه الإعلام بالأداء غير المهنى. لم تظهر ريهام سعيد فجأة، أو تهبط من الفضاء بالمظلة على حين غرة. هى حاضرة، على الشاشة الصغيرة، منذ سنوات، تمارس عملها بذات الطريقة التى أودت بها إلى ذلك المأزق الوعر، الذى لا فكاك منه، جزئيًا، إلا بالاستقالة أو الإقالة. واقعة «فتاة المول» الأخيرة، الصارخة، جاءت فى سياق ممارسات مثقلة بالاستخفاف وخفوت الحس الإنسانى، ومنها، على سبيل المثال، تلك الحلقات التى استأجرت فيها بنات غلابة، يصرخن ويتمرغن على الأرض، متظاهرات بأنهن عليهن عفاريت وتعرضن للمسات الجن. ففى عام 2012 استضافت ريهام الفتاة دينا التى قالت إنها «ملبوسة» بعشيرة من الجن، كما عادت فى 2015 لتقدم حلقتين تحت عنوان «للكبار فقط»، عن فتيات قالت إنهن مسهن الجن ويزعمن أنهن ينزلن تحت الأرض ليلًا، وهو ما رآه البعض ترويجًا للجدل والخرافة. 3 ملايين و460 ألف مشاهدة حققتها حلقة ريهام سعيد عن الجن على موقع «يوتيوب» فى 4 أيام، هى وصفة مثالية لإعلام يفشل فى إحراز الأهداف فيتفنن فى إضاعة الوقت؛ سينشغل الناس لأيام بالقضية، سيتحدث البعض عن رأى الدين فيها، ويدافع البعض عن حق الإعلام فى عرض أى قضية، ويستنكر البعض محاولة شغل الناس بقضايا هامشية، ويسخر البعض من المذيعة وموضوع الحلقة، وعندما ينتهى الجدل حول الحلقة ستكون هناك حلقة من برنامج آخر جاهزة لإثارة دوامات جديدة من الجدل. ريهام سعيد ليست الاستثناء السيئ فى منظومة الإعلام المتردى، ذلك أنها جزء لا يتجزأ من الصورة التعيسة. لا يمكن إغفال حال زملائها وزميلاتها ممن ارتكبوا خطايا لا تُنسى على الشاشة وأفلتوا فى معظم الأحوال من المساءلة والعقاب. وعلى قناة «العاصمة»، قدمت الممثلة رانيا محمود ياسين، فى برنامج «صباح العاصمة» فى يناير 2016، حلقة تحضير أرواح، استضافت فيها الفلكى أحمد شاهين، الذى استدعى خلال الحلقة روح الرئيس الراحل أنور السادات بطريقة مسيئة، ليحذر الرئيس عبدالفتاح السيسى من التعرض للاغتيال. ومن أبرز البرامج التى اهتمت بمناقشة تلك القضية برنامج «أسرار من تحت الكوبرى» الذى قدمه اللبنانى طونى خليفة، على قناة «القاهرة والناس»، حيث إنه قدم فى عام 2014 العديد من الحلقات الخاصة بقضايا الجن والعفاريت حيث استضاف خليفة فى إحدى الحلقات أحد المشايخ المعالجين بمحافظة الفيوم، للاطلاع على الطريقة التى يعالج بها من يمسهم الجن، وفى حلقة أخرى استضاف أحد الأشخاص، الذى زعم بأنه تزوج من جنية ولديه طفل منها. «مطلوب منك فقط أن تجرى اتصالًا هاتفيًا مع الشيخ، وتحكى له مشكلتك مع الجن والعالم السفلى، بعدها يتحدث الشيخ مباشرة مع الجن ويخرجه من جسدك».. هذا بالضبط ما يحدث عبر قناة «الفتح»، مع الشيخ أحمد عوض، الذى يعالج المرضى عن طريق تلاوة بعض الآيات القرآنية التى تتحدث عن الجن، يعقبها تكبير من الشيخ للإعلان عن الانتهاء من العلاج والشفاء التام. وقد هاجم الكاتب والسيناريست مدحت العدل، مقدم البرامج عمرو الليثى، لاستضافته معالجًا روحانيًا على الهواء، وقال مازحًا: «إحنا فى القرن الكام عشان نستضيف مشعوذ يضحك على الناس.. هو ده الإعلام يا دكتور». كان عمرو الليثى قد استضاف فى برنامجه المذاع على القناة الفضائية الحياة فى برنامج «واحد من الناس» من يدعى الشيخ عزت، الذى وصف بأنه معالج روحانى، كما استضاف فى حلقة تالية الدكتور محمد المهدى أستاذ الطب النفسى فى جامعة الأزهر، والمعالج الروحانى والذى أظهر قدرته على العلاج الروحانى بالقرآن، وفى الحلقة الأولى قام الشيخ عزت بما قيل إنه معالجة روحانية لكل من معدة البرنامج ومراسلة وكالة رويترز فى حين قال عزت إنه يعتبرها عملية كشف وليست تجربة علاجية. فى تلك الحلقة، بدأ الشيخ عزت إبراهيم الكشف بتلاوة آيات من القرآن الكريم، بعدها أخذ يتحدث مع أحد ما، ثم قال: هذه هى البنت التى تحتاجنا. فى لحظةٍ ما، قامت المعدة برفع يدها إلى أعلى. وعندما سأل عمرو الليثى مُعدة البرنامج عما حدث لها قالت إنها كانت تحاول تقاوم، ولكن كل ما حدث بدا كأن شيئًا ما يدفعها رغمًا عنها. وحين سأل عمرو الليثى الشيخ عزت عمن يساعده ويعينه على هذه الأمور هل هم الجن أم أن ما فعله له علاقة بالسحر أكثر، فكان رد الشيخ عزت أنها رحمة قد أنزلها الله علىّ! قبل ذلك، استضاف عمرو الليثى، أحد الدجالين التائبين، حيث روى قصته مع الدجل والنصب، حتى دخوله السجن، وعرض الدجال التائب، خلال البرنامج، إحدى وسائل الإيقاع بضحاياه، حيث طلب من الإعلامى عمرو الليثى كتابة اسم فى ورقة، وتمكن من معرفة الاسم دون أن يراه، بعدها كشف كيف تمكن من ذلك، كما كشف عن أبرز من تعامل معهم، ومنهم ابن شقيق رئيس جمهورية سابق، وصاحب سلسلة صيدليات شهيرة، وصاحب توكيل سيارات، ورئيس حزب سياسى، وفنانون وفنانات. يبقى أن برامج وحلقات الجن والخرافة والعفاريت وتحضير الأرواح تثبت مجددًا أن مصر تعمل بلا نظام إعلامى. المشكلة ليست غياب ميثاق الشرف، ولكن المشكلة أنه لا توجد أركان نظام إعلامى متكامل، يمكن من خلاله للجمهور أن يضمن حدًا أدنى من سلامة المنتج الإعلامى الذى يستهلكه.