أسر وعائلات عربية بالصعيد تسخر اللاجئين السود فى أعمال شاقة بأموال زهيدة الصومالية ديالا هربت من بلدها بسبب الحرب فافترشت الأرض واضطرت لتأجير طفلها ب 1300 جنيه لاجئ إثيوبى: أخى يعمل ب15 جنيهًا فى مزرعة.. وصنعنا أكشاكًا للمبيت بالصحراء ولم نحتمل البرد لاجئ: موظفو مفوضية اللاجئين يعاملوننا بقسوة.. والمكتب ل«الصباح»: لا علاقة لنا بما يحدث خارج أسوارنا جثث مرصوصة، ليست لموتى، ولكنها لأحياء يعيشون الموت فى كل لحظة، أيادى مرتعشة وسط أجواء سيئة، يأكلون القمامة أحيانًا، ويمارسون التسول أحيانًا أخرى، كل أمانيهم فى الحياة هى أن تنقذهم أى أسرة ليعملوا عبيدًا وخدمًا فى بيوتهم، مقابل العيش فقط، نعم هم عبيد 2016. هذا ليس مشهدًا من فيلم رعب، لكنه المنظر المعتاد أمام عتبات مكتب الأممالمتحدة بحى 6 أكتوبر بالجيزة، للاجئين الأفارقة الذين يفترشون ويبيتون بتلك المنطقة، فى انتظار الاتجار بهم بكل رضى، انتشالًا لهم من أحوال بائسة تركوا بلادهم بسببها. «ديالا أجوان» صومالية الجنسية، 42 عامًا، تضم أطفالها الثلاث فى حضنها، ديالا أكبرهما لم يتخط ال 13 عامًا، مجاعة الصومال وفوضى المسلحين جعلتها تهرب بأسرتها بعد مقتل زوجها برصاص المتمردين خلال الحرب الأهلية هناك، تقول ديالا: «هربت بأطفالى إلى مصر عبر الحدود السودانية بعد رحلة شاقة سعيًا لحياة كريمة بعدما مات زوجى»، تتحدث عن معاناتها فى إيجاد عمل وعدم مساعدة الأممالمتحدة لها، ما اضطرها إلى تأجير طفلها إلى جماعة من عرب الفيوم مقابل 1300 جنيه ومنزل فى الصعيد، بعد حصولها على عمل هناك. تقول ديالا: «كنا نيامًا نفترش الأرض فى انتظار الصباح، خلال 12 يومًا أمام مكتب الأممالمتحدة للحصول على مساعدات أو منزل، وأتى 3 رجال وأيقظونا من النوم وطلبوا الحديث معنا عن فرص عمل بمبالغ جيدة، فجلسنا جميعًا نستمع إليهم، وقالوا إنهم سيوفرون لنا منازل ومرتبات شهرية مقابل العمل لدى أسر عربية فى الصعيد». أكثر ما يُشعر «ديالا» بعدم الأمان، أنه فور أخذ طفلها لم تستطع مكالمته لعدة أيام، حتى جاءتها مكالمة هاتفية من أحد أفراد الجماعة التى استأجرت الطفل الأكبر، مؤكدًا أنه حصل على عمل فى مزرعة لعائلة عربية فى سوهاج، كما يؤكد لها أنه خلال أيام سيتم نقلها هى وطفليها إلى المنزل الذى يعمل فيه طفلها، لخدمة أصحاب المنزل أيضًا، وتضيف ديالا: «خلال فترة انتظار السفر إلى الصعيد، ذهب إلى هناك أربعة رجال وأسرتان من إثيوبيا، وجميعهم فرحين بتلك الفرصة التى انتشلتهم من برد الشتاء والنوم على الأرصفة بلا مساعدة». عم حسن، حارس عقار بحى 6 أكتوبر، ملامحه مملوءة بتجاعيد تكشف أن عمره يزيد على ال 50، أتى من قرية سنهور بمحافظة الفيوم، ليعمل حارسًا، يقول: «أتيت إلى 6 أكتوبر منذ 18 سنة، أغلب حراس العمائر من قريتى، حيث أتيت بهم إلى هنا للعمل كحراس، ولغيرها من الأعمال، وعملت لأول مرة فى توظيف اللاجئين عندما أتى شاب إثيوبى يسأل عن عمل فى أحد محلات البقالة، حيث يحصل الفرد منهم على يومية لا تزيد على 3 جنيهات فى اليوم، فسألت الشاب عما إذا رغب فى العمل بإحدى المزارع بالصعيد للحصول على مقابل جيد»، مشيرًا إلى أنه منذ ذلك الوقت وهو يقوم بنقل اللاجئين من الصومال والسودان وإثيوبيا للعمل لدى أسر تحتاج إلى عمالة قوية، ومؤكدًا أن تلك الأسر تقوم بمكافأته على كل فرد يرسله إليهم، وتابع: «الأسر العربية تحتاج إلى رجال ترعى وتحمى أراضيهم وأسرهم ومنازلهم مقابل ترتيب أمور هؤلاء الأسر اللاجئة عبر إعطائهم غرف وتزويدهم بالغذاء والأموال». «أنا كمقاول أنفار لما بحتاج نفر بلاقى 100، وأسرهم بتطلب أى فلوس مقدمًا» يقول عم حسن بلغة حاسمة، مشيرًا إلى أن الأمر ليس به أى شبهات غير قانونية، فالأسر اللاجئة تتمنى أن تحصل على وظيفة ومسكن بل إن بعضهم أصبح يسأل عن رقم هاتفه ليحصل على عمل كالذى حصل عليه أقرانه من اللاجئين فى مصر، وعن اعتبار الأمر كأنه تجارة رقيق، قال غاضبًا «أنا بأساعدهم وهم يرحبون». يقول عم حسن «العمل فى الصعيد وعند عرب الصعيد به صعوبة كبيرة، حيث لا يقدر عليه الكثيرون، ويحاول بعضهم رد المبلغ الذى حصلوا عليه لترك العمل، ولكن لا أستطيع مساعدتهم فى ذلك بعدما ساعدتهم فى الحصول على عمل وأن الأمر بيد أصحاب الشأن بعد ذلك»، منوهًا إلى أن سماسرة تشغيل العمالة تختلف وفقًا لضمير السمسار نفسه، وأنه لا توجد معايير محددة يسير بها السمسار، حيث من الممكن أن يتفق مع التاجر منذ البدء بأنه سيحصل على 100 جنيه مقابل كل عامل يوفره لهم، وهناك بعض السماسرة الذين لا يكتفون بذلك ويقتطعون نسبة كبيرة من المبلغ المقدم للعامل، وتابع: «لا أقبل سوى بشباب لا تقل أعمارهم عن 20 سنة، حتى يتحملوا المجهود البدنى الكبير فى حرث الأرض وخدمة أصحاب المنزل، حيث يتم استخدامهم فى المزارع مقابل يومية من (40 إلى 50) جنيهًا»، مؤكدًا أنه يتعامل مع من يلجأ له بإنسانية، لكونه عالمًا بالظروف الصعبة التى يعانى منها هؤلاء الناس. حالة ثانية، تكشف استعباد الأفارقة فى الصعيد، يحكى «تالوا لاجين» وهو إثيوبى يبلغ من العمر 27 عامًا، عن شقيقه ذهب إلى الصعيد للعمل منذ شهرين، بسبب ضيق الحال منذ قدومهم إلى مصر فى سبتمبر الماضى عبر حافلة من إحدى الدول المجاورة، حيث عانى هناك من العمل ل 90 يومًا فى إحدى المزارع على الطريق الصحراوى مقابل 15 جنيهًا يوميًا. وعن الظروف المعيشية الصعبة التى يتحملها اللاجئون فى مصر، يقول تالوا: «فور وصولنا لمصر بعد السفر الطويل الذى اجتزناه نقضى ليلتنا يوميًا تحت الشجر وفى الطرقات وأمام مكاتب الأممالمتحدة وبداخل الكنائس والمساجد، وذهبنا إلى الصحارى وبنينا أكشاكًا من النفايات، من خشب وحديد وكارتون لنحتمى من البرد، إلا أن الأمر لم ينجح، فالطقس يكون شديد البرودة فى الصحارى». ويشير تالوا إلى أن الأممالمتحدة لا توفر لهم شيئًا منذ قدومهم وأنه حاول البحث عن عمل كثيرًا حتى استطاع الوصول إلى عم حسن، الذى ساعدهم للعمل لدى بعض الأسر فى سيناء والصعيد والشرقية، مؤكدًا أن شقيقه يعمل فى مزارع تستعين بعمال تتراوح أعمارهم من (12 حتى 50) سنة، حيث تكون يومية الرجل البالغ 50 جنيهًا أما الطفل 30 جنيهًا، بالإضافة إلى وجبة طعام ومسكن، ويضيف تالوا قائلًا «كثير من التجار يفضلون عمالة الأطفال والشباب، فالسماسرة يأتون ويختارون الفئات العمرية الصغيرة مقابل إعطاء أسرهم مبالغ مقدمة لحين تشغيلهم، ثم يتم نقل أفراد زسرهم للعمل هناك أيضًا». وأكد تالوا ل«الصباح» أنه لا يعلم كثيرًا عن طبيعة العمل هناك، فأخوه يقول إن الأمر متعب لكنه أفضل من العمل بالقاهرة حيث يتوفر السكن والمأكل وغيرها من الأمور التى يتكفل بها كل كفيل أو مسئول عن الأفراد العاملة، مؤكدًا أنهم لا يستطيعون ترك المكان إلا بإذن من صاحب العمل. وأفاد بأن أخيه الصغير سرد له قائلًا: «المكان مظلم جدًا فى الليل وهناك حرس يقفون على بوابات المزارع والمنازل، والمسئول عنه أعطاه بضعة تعليمات عندما وصل مع 4 آخرين، وبعض تلك التعليمات تتعلق بسيدات المكان حيث لا يجب النظر إليهن أبدًا أو محاولة التحدث معهن، وعدم الخروج بدون إذن المشرف عليهم، والذى يدعى الشيخ عطران»، ويشير تالوا إلى أنه يشعر بالحزن، لأنه يعيش فى القاهرة وأخوه فى محافظة أخرى، خاصة أن كليهما لا يتحدث العربية بسهولة، مؤكدًا أنه يريد الرحيل عن مصر إلى فرنسا لكنهم لم يمتلكوا المال الكافى للهرب لدول أوروبية. وانتقد تالوا تعامل بعض المواطنين فى مصر معهم، مشيرًا إلى أنهم تعرضوا للإهانات ونظرات السخرية لشدة سمار بشرتهم، بالإضافة إلى عدم اهتمام أى من المكاتب الخاصة بشئون اللاجئين بهم وهو ما دفعهم للعمل فى أشياء قاسية ومجهولة. واشتكى تالوا قائلًا: «اللاجئون يعانون من المعاملة السيئة من قبل بعض الموظفين فى مكاتب الأممالمتحدة، وتحدث مشاجرات بين الموظفين واللاجئين ويتدخل حرس المفوضية لحل المشكلة». مساعدات مادية ونفسية للاجئين عبر الأممالمتحدة، يتحدث عنها المسئولون عن ملف اللاجئين ل«الصباح»، بعضها عبر التبرع المادى المباشر عن طريق المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين، وبحسب مفوضية اللاجئين فإن «مصر تحتضن أكثر من 186 ألف لاجئ مُسجل فى سجلاتها، بينهم 131 ألف لاجئ سورى، بينما تقدر الخارجية المصرية أعدادهم ب 320 ألف لاجئ، ما بين إثيوبيين وصوماليين وسوريين، حيث لا تهتم الحكومة المصرية بفرض تسجيل اللاجئين لأسمائهم فى المفوضية، بقدر ما تهتم بحصولهم على تأشيرة وتصريح أمنى للدخول إلى أراضيها». ويرى محمد الكاشف، الباحث فى شئون اللاجئين، إن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية ترى تغيرًا سلبيًا فى سلوك المصريين تجاه اللاجئين منذ 2013 إلى الآن، متهمًا الإعلام بالتسبب فى هذا التغير، ويضيف «منذ بداية النزوح كان التعامل راقيًا، ولكن مع ازدياد الأعداد أصبح الأمر فوق قدرة المكاتب الأممية، فأصبحوا هدفًا للمتاجرة بهم، وهناك إهانات عنصرية تتم مع اللاجئين وخاصة الأفارقة.. فهم يعانون فى مصر من التحرش الكلامى والاستغلال الجسدى القاسى فى الأعمال التى يتم تشغيلهم فيها، ولابد من التعامل معهم كبشر دون التفرقة على أساس الدين أو اللون». وأكد الكاشف «البعض يستغل قدراتهم الجسدية وحاجتهم للمال والمسكن، إلا أن كثيرًا منهم يهربون من الأعمال القاسية ويلجئون للأمم المتحدة بحثًا عن الهجرة لدول أجنبية»، نافيًا معرفته بتأجير عرب الصعيد للاجئين الأفارقة فى أعمال أقرب إلى السخرة. من جانبه قال أنطونيو غوتيريس، رئيس مكتب مفوضية اللاجئين، فى تصريحات ل«الصباح»: «نساعد بكل مواردنا لمواجهة الأزمة فى مصر والعالم كله، لكل اللاجئين من كل الدول»، منتقدًا نظام الهجرة الذى يعتمد على تهريب البشر، ومؤكدًا أن المفوضية لا علاقة لها بما يحدث خارج مكاتبها.