23 ألف سوداني يخشون من العودة لبلادهم.. وبعضهم يخطط «للهروب الكبير» المفوضية تنصح اللاجئين بالتسلل لإسرائيل مقابل 400 دولار.. وحفلة وداع! «راشد السوداني»: خرجت من ندوة «مخاطر التسلل لإسرائيل» بالجامعة الأمريكية مقتنعا بحتمية المخاطرة محامي المؤسسة المصرية لحقوق اللاجئين: طالبت بتنفيذ حكم ب6 أشهر على موظف بالمفوضية فاكتشفت أنه «ضابط أمن دولة»
عيون لامعة لكنها خائفة، هى أبرز ما فى وجوه الأفارقة ومنهم السودانيون الذين يفترشون الأرصفة أمام مكتب مفوضية، بعضهم يخطط للتسلل إلى اسرائيل، ومنهم من سافر بالفعل ولكنهم عادوا بعدما لاحقتهم خيبة الأمل هناك، ولم يجدوا ما كانوا يتطلعون إليه، عقب هروبهم من المعاناة فى اوطانهم. عدد من الذين يخططون للتسلل إلى اسرائيل، اكدوا انهم مقتنعون بضرورة المخاطرة، وفقا لنصيحة مسئولين فى مفوضية اللاجئين، استجابة لنداء «سماسرة التسلل»، ليلحقوا بمن سبقوهم وكان منهم سعيد الحظ، نجا بحياته فى النهاية، أو من وقع فريسة لتجار الأعضاء البشرية، «الصباح» التقت عددا منهم، لتنقل تفاصيل معاناتهم من أمام مكتب مفوضية الأممالمتحدة للحفاظ على حقوق اللاجئين، أملا فى ايجاد حل بعدما اصبحوا بلا أوطان أو ماض وبالطبع بلا مستقبل. قصص كثيرة رواها المعتصمون الذين افترشوا الأرض أمام المفوضية، كان أكثرها غرابة تلك القصص التى ابطالها «إيهاب والضوء، وراشد» حيث عبرت «القصص» بوضوح عما يحدث ل23 الف لاجئ سودانى، حسب آخر إحصائية صادرة عن مكتب مفوضية اللاجئين فى أبريل عام 2011، حيث يمثل اللاجئون السودانون أكثر من نصف عددهم فى مصر البالغ إجمالا تعدادهم 40.930 ألف.
«الضوء»: المفوضية تعتبرنا أرقاما وتبحث عن الإعانات! الضوء عبدالله الضوء، لاجئ سودانى يحمل ملف رقم 1573 لعام 2003، يتقن اللغة العبرية والانجليزية والروسية، عمل مترجما وطباخا فى سيناء وبعد فترة من عمله عاد للقاهرة لاستخراج جواز سفر للسفر لدولة أخرى يستقر بها، ويأمل فى الحصول على جنسيتها حتى يعيش حياة كريمة. يقول «الضوء»: «هل من الإنسانية أن أعيش طيلة عمرى لاجئا محروما من التنقل، والاستقرار، ورغم احترامى لمصر وشعبها، ولكن من حقى أن أنتقل لدولة أخرى، فأنا لا أرغب فى العيش بها أليس من حقى هذا؟». استطاع «الضوء» الحصول على فيزا «طالب لاجئ»، من المفوضية، لكن أحلامه انهارت لفشله فى استخراج جواز سفر من الصليب الأحمر، لأنه لا يحمل جنسية تسمح له باستخراج جواز السفر، وأمام إصراره رفضت المنظمة طلبه فى الحصول على جواز السفر بقول واحد «مفيش»، شكا بعدها «الضوء» وطالب بحقه، فما كان من المفوضية إلا أنها منعته من دخول مقرها، وتلقى الخدمات التى يكفلها له القانون. وأكد «الضوء» فى حديثه ل«الصباح»: «حررت المفوضية محضرا ضدى اتهمتنى فيه بحمل سكين فى وجه الموظفين وتهديدهم، ولأنها هيئة دبلوماسية، استطاعت أن تحرر محضرًا وهميًا، وتم عرضه على النيابة وأمن الدولة، والتى أمرت بإخلاء سبيلى. مضيفًا: «المفوضية بدلاً من حمايتنا تلفق لنا الاتهامات، لذا أصبح معظمنا بسبب تلفيق القضايا ممنوعا من دخول المفوضية وتلقى الخدمات، واستحدثت المفوضية لائحة مغايرة للمواثيق الدولية ومواثيق الأممالمتحدة، وهى حرمان اللاجئ من خدمات المفوضية ودخوها، إذا قرر الاعتصام». على عتبات المفوضية.. لم يفكر «الضوء» فى الرحيل عن مصر حبا فى الهروب والذهاب لبلد آخر، لكنه شعر بمهانة لكرامته وإنسانيته بسب تعامل مفوضية الأممالمتحدة، فمنذ اللحظة الأولى للتقدم بطلب الحصول على خدمة من المفوضية يشعر ب«الذل»، فالمساحة المخصصة للاجئين كى يلتقوا فيها مع الموظفين لعرض مشكلاتهم ضيقة جدا لا تتجاوز 3% فقط من مساحة المنظمة. يقول «الضوء»: «البقر فى أستراليا عندما يدخل المذابح يعامل أكرم من المعاملة التى نعامل بها منذ دخول المفوضية، فاللاجئ يظل يدور فى حلقة حلزونية أمام باب المفوضية، حتى يستطيع الوصول للموظف مقدم الخدمة، بينما يجلس الموظف بالمفوضية فى حجرة مكيفة ويركب أفخم السيارات، وعندما نطالبهم بصرف إعانة أو أدوية يكون الرد الميزانية لا تسمح». ويضيف: «موظفو المفوضية لن يستطيعوا الشعور بنا فجميعهم من علية القوم وأقاربهم موظفون فى وزارة الخارجية، ولا يوجد بينهم موظف واحد من سكان المناطق الشعبية، لذا فلن يشعروا بنا، الأمر الذى دفعنا لبدء الاعتصام منذ شهر مارس فى المنطقة المواجهة للمفوضية، وهو الاعتصام الذى لم يثمر عن أى شيء، وقاموا بقطع الكهرباء عنا حتى نفُض اعتصامنا، وعندما لم نفض الاعتصام قامت المفوضية بتحرير محاضر ضدنا». تعنت ضد السودانيين.. أشار «الضوء» إلى أن صديقه «مؤنس فاروق» لاجئ سودانى، حضر قبل 8 أشهر عرف بعدها أن «المفوضية تمارس الكذب على اللاجئين البسطاء المحتاجين، حيث طالبته المفوضية بالذهاب لمنظمة كاريتاس لتلقى الخدمات، ولكن كاريتاس أبلغته أن عليه العودة للمفوضية، وعندما عاد لها مرة أخرى وجد ورقة على باب المفوضية مكتوبا عليها «تسجيل اللاجئين بمنظمة كاريتاس»، وظل يتردد بين المفوضية وكاريتاس وهو لا يملك حق المواصلات، رغم تلاعب المفوضية باللاجئين ومشاعرهم وحقوقهم». وتساءل «الضوء»: لماذا هذه السرعة التى تقبل بها المفوضية تسجيل اللاجئين وهى لا تقدم لهم شيئًا؟.. إلا إن كانت مستفيدة منهم، وتحصل على معونات.. كلما ارتفعت أعدادهم. موضحًا: «لم يستغرق مؤنس ولا غيره وقتا طويلا بين مجيئه وتسجيله كلاجئ، لكنه منذ مجيئه القاهرة لم يحصل إلا على عناوين وأرقام منظمات للتردد عليها، لاستجداء عطفهم والتسول منهم». وانتقد «الضوء» المفوضية وقال إنها سبب التشرد الذى يعانى منه اللاجئون، ما دفع بعضهم لعرض أعضائهم البشرية للبيع، وانحرفت بعض اللاجئات لعدم امتلاكهن ثمن الطعام، فى حين رفضت المفوضية مساعدتهن». راشد: 400 دولار لتذكرة التسلل لإسرائيل.. راشد حسين.. أحد اللاجئين السودانيين الذين اضطرتهم ظروفهم للوقوف أمام المفوضية والتعامل مع موظف الأمن بالمنظمة، عمل فور قدومه مصر فى احد مكاتب تقديم خدمة الإنترنت «سايبر»، بمنطقة مدينة نصر، تعرض أثناء عمله لحادث بعدما اقتحمت عصابة من السودانيين المكتب وحطمته، وقامت بسرقة محتوياته، ولم يستطع تحرير محضر، لكن صاحب المكتبة حرر محضرا، وحضر بالمحضر للمفوضية، التى طلبت راشد للشهادة، وقابل موظف الحماية بالمفوضية يدعى «سامح كرم فهمى»، الذى كان مسئول التحقيق مع اللاجئين فى أحداث «مصطفى محمود» التى راح ضحيتها 50 لاجئا، واقتصر اللقاء على نصائح بالتسلل لإسرائل، وذلك بعد أن قال له الموظف «لا نملك لك أى حماية ولا مساعدة، وأنصحك بالسفر إلى إسرائيل». وشكك «راشد» فى الموظف وصلاحياته قائلا: «كيف لموظف أن يدعونى للسفر بطريقة غير شرعية، وإصرار المفوضية على تحديد هذا الموظف لمقابلة اللاجئين، فى طريقة للتخلص من اعتصامهم أمام المفوضية لأنهم لن يستطيعوا فض اعتصام مثلما حدث مع اعتصام مصطفى محمود من قبل». ويرى «راشد» أن ما تفعله المفوضية هو تنفيذ لسياسة الدولة «فالجيش المصرى والحكومة المصرية إذا لم يرغبا فى عبور نملة إلى إسرائيل فلن تعبر هذه النملة، لكن مسئول المفوضية بعد اللقاء أمر اثنين من الأمن بالتعدى علىّ بالضرب وتصوير ذلك، وهو ما دفعنى للجوء لمسئولى المفوضية للتحقيق فى الأمر، لكنها طالبته بتحرير محضر ضد سامح، بسبب التعدى عليه بالضرب وتشجيعه على التسلل لإسرائيل». بلاغ ضد المفوضية.. تقدم محمد بيومى، «محامى» بمؤسسة «المصرية لحقوق اللاجئين» ببلاغ اتهم فيه موظف المفوضية «سامح»، بتحريض «راشد» على التسلل لإسرائيل، بعدها تلقى اتصالاً من المقدم هشام محفوظ، بنيابة أمن الدولة، وعندما ذهبت لمقابلته إحدى السودانيات تدعى «شفيقة» التى أكدت مطالبة «سامح» لها بالتسلل لإسرائيل. لم يعلم «راشد» مصير المحضر الذى حرره إلا عقب اندلاع الثورة، حيث صدر حكم ضد «سامح» بالحبس 6 أشهر، وعندما حاول تنفيذ الحكم، تبين له أن «الموظف» هو ضابط بأمن الدولة. ويرى»راشد» أن دعوة اللاجئين للتسلل لإسرائيل تهدف لتحقيق مصلحة وهى قتلهم والاستيلاء على أعضائهم عن طريق تجار أعضاء البشر. حضر «راشد» ندوة فى الجامعة الأمريكيةبالقاهرة بعنوان «عدم التشجيع على التسلل الى إسرائيل»، لكنه خرج من الندوة ووصلت له معلومة واحدة هى «إذا سافرت إلى إسرائيل فستجد حلا لكل مشكلاتك». قال «راشد»: «ما وصل إلى جميع من حضر الندوة هو التشجيع على السفر لإسرائيل لحل جميع المشكلات، وهو ما يدل على شيء واحد أن ما تقوم به المفوضية والجامعة الأمريكية عبارة عن سياسة وشبكة لتشجيع اللاجئين على التسلل إلى إسرائيل، خاصة بعد أحداث مصطفى محمود، فتاريخيا الشعب السودانى يتعاطف مع القضية الفلسطينية، ويكره إسرائيل، فلماذا يسافر سودانى للعيش فى إسرئيل؟ إلا أن الأمر يشير إلى أن الحكومة المصرية تخشى من تجمع اللاجئين مرة أخرى فى مصر، لذلك فهى تدفع السودانيين للتسلل لإسرائيل، والدليل على ذلك هو الأعداد الكبيرة للمتسللين الى إسرائيل، وهو ما يصعب تنفيذه إلا باتفاق مع الحكومة الإسرائيلية». وأكد «راشد» أن «تكلفة التسلل لإسرائيل من خلال عدد من السماسرة السودانيين تصل إلى 400 دولار، تكون كفيلة بحجز تذكرة دخول إسرائيل بطريقة «غير رسمية»، مضيفا: «تلقيت عرضًا من أحد اللاجئين بالذهاب إلى إسرائيل مقابل 400 دولار، لكنى لم أوافق خوفا من الوقوع فريسة فى يد تجار الأعضاء البشرية، أو الاختطاف للمطالبة بفدية». وكشف عن استجابة عدد من اللاجئين لعرض التسلل لإسرائيل، ونجح بعضهم فى دخولها، فيما انقطعت أخبار المئات منهم منذ رحيلهم، مشيرا أن قرار أى لاجئ بالسفر لإسرئيل يسبقه حفل وداع من اللاجئين له، لأنهم يعلمون أنهم لن يروه مرة أخرى- حسب قوله.
3 إيهاب.. لاجئ سودانى تسلل إلى إسرائيل وعاد بعد 3 سنوات إيهاب عبدالله سليمان هو بطل القصة الثالثة، ويبلغ من العمر 37 عاما ويحمل الملف رقم 2727، يقول ايهاب إنه سمع موظف الامن سامح فهمى والمعروف لدى جميع اللاجئين، يقول لكثير من اللاجئين ممن جاءوا لطلب المساعدة أو الشكوى من شيء «اذهب الى إسرائيل» ، فهو ينصح كل اللاجئين الذين يلجأون الى المنظمة للشكوى او طلب اى شيء بجملة واحدة، روح اسرائيل»، اللاجئون يعرفون هذا الموظف جيدا ويعرفون أيضا أنه معروف عنه تشجيع اللاجئين على التسلل، ويعتقد بعضهم أنه يستفيد من ذلك، ويعتبرها تجارة. إيهاب بطل الوقائع التالية،هرب من السودان فى شهر يونيو عام 2003 بسبب تعرضه للاضطهاد والضغوط الأمنية هناك، فجاء إلى مصر، وتقدم لمكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين طالبا الحماية والأمن، بحثا عن حلول لمشاكله، وبعد شهرين حصل على موعد مقابلة فى المفوضية للبحث فى أمره، وظهرت النتيجة بعد17 يوما بالاعتراف به كلاجئ، ومن 2003 إلى 2007 أصابه الاحباط «فقد تم الاعتراف بى كلاجئ ولكن دون حقوق ودون حماية». قصة إيهاب هى النموذج الذى يمكن أن نعرف منه نتيجة التعرض للاضطهاد والدعوة والتشجيع على التسلل، حيث فضل المخاطرة بحياته، وقرر التسلل إلى إسرائيل، ونجح فى ذلك، حيث عاش بها ثلاث سنوات ثم عاد إلى السودان، ولكن رحلته اتسمت بالخطورة الأقرب إلى الانتحار، وبعد أن واجه الموت أكثر من مرة وكاد أن يكشفه الضباط المصريون على الحدود، وصل إلى إسرائيل، لكنه لم يجد الاستقرار أما ما كان يتوقعه، كما لم يجد الأمان هناك، قائلا، أنا لاجئ ولست طرفا فى أى شيء مما يحدث هناك ولا أطلب سوى الامان»، كما أن أوراق الاقامة هناك مؤقتة كل ثلاثة شهور، ويمكن سحبها فى أى وقت، والإحباط الشديد الذى انتابنى جعلنى أعود الى السودان بعد ثلاث سنوات قضيتها فى إسرائيل، ولكن فى السودان بدأ موضوع سفرى إلى إسرائيل ينتشر، وخشيت أن تعرف السلطات السودانية بهذه الرحلة، وعندما هددنى شخص بالافصاح عن خبر سفره على إسرائيل، قررت العودة الى مصر وخصوصا بعد قيام الثورة. إيهاب لم يزر مكتب مفوضية الاممالمتحدةبالقاهرة بعد عودته للمرة الثانية الا لتجديد إقامته كل ثلاثة شهور، لأنه يعلم أن «المفوضية لم ولن تفعل شيئا.. وعلى الرغم من انه كان يعتقد أن الامر سيتغير بعد الثورة، إلا أن ما حدث له اثبت له عكس ذلك، فتعرض للوقوع فى قبضة الشرطة خمس مرات، وفى إحدى المرات كان يعمل فى جنوبسيناء، حيث دخلت عليه الشرطة غرفته وألقت القبض عليه باعتباره مواطنا مصريا يدعى إيهاب سعيد، وعلى الرغم أنه قدم لهم كل الاوراق التى تثبت أنه لاجئ سودانى واسمه إيهاب عبدالله الا أن الشرطة أصرت على القبض عليه، وحبسه فى نويبع يومين وفى الطور 8 ايام ثم قضى فى سجن الخليفة يوما واحدا، وفى مدينة نصر يومين كما قضى فى أمن الدولة 6 ساعات دون أن يعلم أى شيء، وعندما عاد إلى المنظمة وسرد لهم ما تعرض له لم يجد إلا ردا واحدا «روح مش هنعمل لك حاجة، والحماية من الله». لانى غلبان وضعيف، وروى ما حدث له فى مرة أخرى حيث كان يعمل فى مخيم بسيناء مع حارس المخيم ويساعده، فضبطته الشرطة واعتبرته سائحا لا يدفع مقابل وجوده، وجاء الى المكتب واشتكى وسمع نفس الرد. يقول إيهاب تعليقا على هذه الرحلة إن «اللاجئ لا يجد حماية من الدولة التى يحمل جنسيتها ولا المفوضية تحميه، كما أنه إذا عاد الى بلده سيموت وإن ظل بمصر سيتعرض للإهانة والمستقبل الغامض وربما الموت أيضا، فاللاجئ السودانى بمصر كالغريق الذى يتعلق بقشة التسلل إلى إسرائيل، ليس حبا فى إسرائيل، ولكن اضطرارا بسبب الظروف التى تدفعه لذلك».