في الوقت الذي استنكرت فيه كل منظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني مقتل عدد من اللاجئين السودانيين أثناء الإنهاء الجبري لاعتصامهم أمام مفوضية شئون اللاجئين بعد فشل مفاوضات دامت أكثر من ثلاثة أشهر معهم لإقناعهم بالعودة لبلادهم بعد توقيع معاهدة السلام هناك.. فتحت هذه الأحداث ملف اللاجئين في مصر وكشفت عن وجود قنابل موقوتة تستعد للانفجار في أي لحظة مثل السودانيين، إذا لم تتدخل الحكومة والأممالمتحدة من أجل حل هذه المشاكل التي ترتبت علي استضافة مصر لهؤلاء اللاجئين باعتبارها دولة "ترانزيت" تمهيدا لتوطينهم، كما يحلمون في دول أوروبية أو في الولاياتالمتحدةالأمريكية واستراليا. وعلي الرغم من الرفض المتكرر من جانب هذه الدول لهذه المطالب، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر، وكذلك ما يترتب علي وجود هؤلاء اللاجئين من أعباء إضافية علي الدولة المضيفة أو الدولة الترانزيت. وفي البداية أوضحت الباحثة هبة قاسم التي أعدت تقريرا مهما حول حالة اللاجئين في مصر، حيث أكدت أنه طبقا لآخر إحصاء صادر من مفوضي حقوق اللاجئين أن عدد اللاجئين في مصر قد وصل إلي 500.13 ألف لاجئ تبلغ نسبة السودانيين فيها حوالي 70% من إجمالي أعداد اللاجئين في مصر يليهم الصوماليون، ولعل أكثر الدول المصدرة للاجئين بعد السودان والصومال، هم إثيوبيا وسيراليون وليبريا واليمن وأفغانستان، مشيرة إلي أن مشكلة اللاجئين في مصر لا تتسم ظاهريا بالحدة، إذ تشير أرقام الأممالمتحدة إلي أن أعدادهم الرسمية تدور حول 25 ألف شخص، إلا أن التقديرات غير الرسمية تشير لوجود مشكلة حقيقية، كما أنها ترتبط بأبعاد قانونية تتعلق بترتيب أوضاعهم، وقد تتصاعد في المستقبل إلي حد الظاهرة، بحكم الرفض المتزايد لعدد من الدول الغربية لاستقبالهم خلال مرحلة ما بعد 11 سبتمبر، مما قد يحول محطة الترانزيت المصرية إلي مقر دائم علي نحو يطرح مشاكل الإقامة والعمل والأبناء بصورة أكثر اتساعا. أشارت إلي أن إحصائيات الأممالمتحدة، أكدت أن مصر كانت دولة لطالب اللجوء ولإقامة 2300 شخص عام ،2001 كما يصل عدد المسجلين في مصر من اللاجئين، وطالبي اللجوء عام 2003 أي حوالي 9091 شخصا ويخرج عن هذا العدد المغلق ملفاتهم، وهم الذين لا يتمتعون بحماية الأممالمتحدة نهائيا، لأنهم خارج نطاقهم، ويضاف إليهم الذين لا يتقدمون إلي الأممالمتحدة، وتبعا لبيانات عام 2000 مثل السودانيون أكبر مجموعة من طالبي اللجؤ ويبلغ عددهم 8700 واللاجئون الذين تم قبولهم 2800 يليهم الصوماليون 2600 لاجئ و1500 طالب لجؤ ثم اليمنيون ثم الإثيوبيون، وعدد آخر من الدول الإفريقية. أضافت الباحثة أنه ليس لدي مصر تشريع خاص باللاجئين، وإنما يوجد تعريف في المادة 53 من الدستور المصري يقرر أن الدولة تمنح حصر الالتجاء السياسي لكل أجنبي اضطهد بسبب الدفاع عن مصالح الشعوب أو حقوق الإنسان أو السلاح أو العدالة، وأن تسليم اللاجئ السياسي محظور. وعلي الرغم من أن مصر عضو في اتفاقية الأممالمتحدة الخاصة باللاجئين لعام ،1951 إلا أن لديها عدة تحفظات علي بعض الفقرات منها وهي الفقرة "أ" من المادة 12 التي تخضع أحوال اللاجئ الشخصية لقانون بلد موطنه، وإذا لم يكن له موطن فلقانون بلد إقامته، والسبب أن هذا المبدأ يتناقض مع المادة 25 من القانون المدني المصري التي تؤكد، أنه في حالة الأشخاص عديمي الجنسية أو الذين لديهم أكثر من جنسية، فإن القانون المصري يجب تطبيقه، إذا لم يختر القاضي القانون الواجب تطبيقه. وتوضح الباحثة العمل داخل مكتب المفوضية في القاهرة، حيث يتقدم اللاجئ، في البداية بطلب للحصول علي استمارة اللجؤ، ثم يحدد له موعد للمقابلة ويقوم المكتب بعد المقابلة بكتابة تقرير عنه، ثم تظهر النتيجة، وفي حالة الرفض يقوم اللاجئ بالاستئناف، وقد ينتظر لمدة سنة حتي يحصل علي موعد جديد، حيث يتم إجراء المقابلة معه مرة أخري، أما بالقبول أو غلق الملف نهائيا ويصبح الشخص خارج حماية الأممالمتحدة من وجهة نظر المفوضية وعليه أن يواجه مصيره بنفسه فاستيقاف السلطات في مصر له يعني الترحيل خارج البلاد. ولا تقتصر مشاكل اللاجئ فقط علي قبوله تحت مظلة الأممالمتحدة، وإنما في العمل والتعليم واستخراج شهادات الميلاد وغيرها، فتبعا لقانون العمل المصري المادة "27" لا يجوز للأجانب أن يزالوا عملا إلا بعد الحصول علي ترخيص بذلك من وزارة القوي العاملة للحاصلين علي تصريح بالإقامة ومعظم الموجودين في مصر من تلك الفئة وبعضهم في انتظار تحديد موعد المقابلة أو مرفوض وقام بتقديم استئناف، وبالتالي فإن جوازات سفرهم لم يتم تجديدها وليست لديهم تصاريح إقامة، وهو أمر يجعلهم يقومون بالعمل في النطاق غير الرسمي في أماكن متعددة داخل مصر منها العاشر من رمضان أو يتجمعون في ساحة العمال بالحي السادس والكليو أربعة ونصف، فضلا عن تجارة العطور والحنة والشاي في العتبة، ويعمل أغلبهم باليومية، ويحتفظ معظم أصحاب الأعمال بجوازات سفرهم علي سبيل الضمان، ومن ناحية أخري فإنه لكي يتمتع اللاجئ بالتعليم يجب أن يكون مقبولا في الأممالمتحدة ولديه إقامة حتي يسمح لأولاده بدخول المدارس طبقا للوائح وزارة التربية والتعليم، كما أن هناك أيضا الإعانات الاجتماعية التي تحاول تقديمها المفوضية شهريا لبعض اللاجئين، وتقوم بذلك جمعية كاريتاس ويصل المبلغ إلي 100 أو 200 جنيه، ويتم اختيار الأسر أو الأفراد حسب أولويات عدد الأطفال والمرضي، وتتعثر كاريتاس في تقديم الأموال في ظل مشكلات ميزانية المفوضية. وأكدت الباحثة أن اللاجئين السودانيين تعرضوا للعديد من المضايقات الأمنية والإنسانية، بسبب بطاقات اللجؤ، وقد تم الاتجاه لحل هذه المشكلة من خلال التفكير في إصدار بطاقات لطالبي اللجؤ بالاتفاق بين مصر ومفوضية الأممالمتحدة، وإن كان ذلك سيؤدي إلي وضع الذين أغلقت ملفاتهم في موقف سيئ سوف ينتهي بترحيلهم، مشيرا إلي أن اللاجئين ينتظرون في مصر علي اعتبار أنها محطة لتسفيرهم إلي الخارج، حيث يصعب لأسباب مختلفة أن يستقروا في مصر، وتحاول المفوضية أن تقيم للاجئين المقبولين غير الخاضعين لبرنامج التوطين خارج مصر (لعدم انطباق الشروط عليهم) مشروعات للعمل داخل مصر، وإن كانت المسألة في بدايتها، لكن يجب أن يتم الاهتمام بمجمل ما يتصل بذلك الفئة من المقيمين في مصر، خاصة أن الظاهرة يزداد حجمها يوما بعد يوم. وعن تعريف اللاجئ تقول نشوي نشأت مديرة وحدة البحوث والنشر بالمنظمة المصرية لحقوق الإنسان أن اللاجئ حسب الاتفاقية الدولية للاجئين التي حررت عقب الحرب العالمية الثانية هو كل شخص يوجد نتيجة لأحداث وقعت قبل الأول من يناير سنة ،1951 وبسبب تخوف له ما يبرره من التعرض لاضطهاده لأسباب عرقية أو دينية أو جنسيته أو انتمائه لعضوية فئة اجتماعية معينة أو آرائه السياسية، خارج دولة جنسيته وغير قادر أو لا يريد بسبب ذلك التخوف أن يستظل بحماية دولته أو علي كل شخص لا يتمتع بجنسية ويوجد خارج دولة إقامته المعتادة، بسبب تلك الظروف ولا يستطيع أو غير راغب بسبب هذا التخوف أن يعود إلي تلك الدولة. وبقراءة هذا التعريف نجد أنه ينص علي تحديد زمني لتاريخ اللجؤ، مما يعني أن اللاجئ بعد يناير 1951 لا تشمله الاتفاقية، لذلك لم تشمل كل المهجرين واللاجئين، خاصة حالات اللجؤ في العالم الثالث، وبعض دول أوروبا الشرقية. أضافت نشوي نشأت أن القصور الواضح في اتفاقية جنيف واتفاقية 1951 دفعت عددا من الدول لصياغة تعريفات إقليمية للاجئ، حيث صاغت منظمة الوحدة الإفريقية معاهدة في عام 1969 بعد الأعداد المتزايدة للاجئين الأرفارقة هربا من الحروب والنزاعات الداخلية في إفريقيا منذ أواخر الخمسينيات، تناقش أوضاع هؤلاء اللاجئين وتنظم الجوانب الخاصة بمشاكلهم في القارة الإفريقية، لذلك وضعت تعريفا يسترشد به واستندت فيه إلي اتفاقية الأممالمتحدة عام ،1951 ولكنها أضافت إليه ما يتفق مع ظروفها السياسية، لذا نص تعريف اللاجئ علي أنه أي شخص بسب عدوان أو احتلال خارجي أو سيطرة أجنبية أو أحداث تخل بشدة بالنظام العام، إما في جزء أو كل من الدولة التي ينتمي إليها بأصله أو جنسيته، أجبر علي ترك مكان إقامته المعتادة للبحث عن مكان آخر خارج دولة أصله أو جنسيته. وقالت: إن المجتمع الدولي وضع عدة حلول لمشكلة اللاجئ، وهي من خلال العودة الاختيارية وهي إمكانية عودة اللاجئين إلي بيوتهم في أوطانهم بسبب أن حياتهم وحريتهم لم تعد مهددة والاندماج المحلي وهي سماح الدولة المضيقة للاجئين الاندماج في بلد اللجؤ الأول أو إعادة التوطين في بلد ثالث، إذا رفضت بلد اللجؤ الأول إدماجهم محليا، ولقد نصت المادة الثامنة من النظام الأساسي للمفوضية العليا لشئون اللاجئين علي حلول مشكلة اللاجئين، فذكرت أن مهمة الحماية الدولية تشمل منع إعادة اللاجئين قسرا أو المساعدة علي استقرار طالب اللجؤ من خلال إجراءات بعيدة عن التعقيد وتقديم العون والمشورة القانونية لهم، ووضع الترتيبات التي تضمن سلامتهم وأمنهم والتشجيع علي العودة الاختيارية الآمنة والمساعدة في إعادة استقرار حقوق اللاجئين. وعن حقوق اللاجئين يقول طارق خاطر مدير جمعية المساعدة القانونية لحقوق الإنسان: إن المادة "3" من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان نصت علي أنه لكل فرد الحق في الحياة والحرية والأمان علي شخصه، كما نصت المادة "7" من العهد الدولي علي أنه لا تجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الخاصة بالكرامة، كما نصت المادة "18" من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والتي صدقت عليها مصر أن لكل إنسان حقا في حرية الفكر، كما نصت المادة "19" فقرة "1" أن لكل إنسان حقا في اعتناق آراء دون مضايقة، وكذلك الفقرة "2" أن لكل إنسان الحق في حرية التعبير، ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف دروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلي الآخرين دونما اعتبار للحدود سواء علي شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأي وسيلة أخري يختارها. كما نصت المادة "45" من الدستور علي أنه لحياة المواطنين الخاصة حرمة يحميها القانون. ويعلق عصام صقر علي دور مفوضية شئون اللاجئين بأن دورها حسب قانون إنشائها هو حماية اللاجئين من أي تعسف يحدث ضدهم في الدولة الموجودين فيها، أو من السلطات الموجودة فيها، كما أن دورها التدخل لعدم اعتقال أي طالب للجؤ وتسكينهم في وضع آمن وتوفير الرعاية الصحية والطبية لهم ورعاية العجائز والأطفال منهم، وكذلك القيام بدور الوساطة بينهم وبين الدولة المضيفة أو دولتهم الأصلية، مشيرا إلي أن هذه الجهود يمكن أن تمتد لشهور طويلة ويتم التعامل خلالها مع اللاجئين بحذر شديد، فهؤلاء قوم مسالمون لا يحملون أي سلاح ولم يخطفوا رهائن، وبالتالي يجب التعامل مع هذه القضايا بصبر كبير حتي لا تؤثر علي وضع هؤلاء اللاجئين أو تضيع حقوقهم. ويري حجاج نايل رئيس البرنامج العربي لنشاط حقوق الإنسان أنه لا يجوز فض اعتصامات اللاجئين في أية دولة بالقوة المسلحة أو اعتقالهم، مشيرا إلي أن اتفاقية اللاجئين الصادرة عام 1951 وكل المواثيق الدولية تؤكد علي حق اللاجئين في رفض العودة الطوعية لبلادهم، إذا ما مثل ذلك خطرا علي حياتهم، وكذلك من حقهم رفض الاندماج المحلي، وأيضا المطالبة بعدم التمييز بينهم وبين غيرهم من اللاجئين والحصول علي رد علي شكاويهم، بالإضافة إلي الاهتمام بالمسنين والأطفال والنساء بلا عائل، وبالتالي فنحن أما مخالفات خطيرة حدثت في وقائع مأساة اللاجئين السودانيين، حيث تم ترحيلهم إلي معسكرات الأمن المركزي بالمخالفة للقانون الدولي، حيث يحظر اعتقال اللاجئ في بلد اللجؤ.