*المسيح ركب سيارة شنودة والبابا يظهر للمؤمنين على طريقة العذراء *دور النشر تقبلها إذا كانت من تأليف أسقف أو كاهن لضمان التوزيع *أبرز الحكايات: البابا قابل المسيح عند دير وادى النطرون ونقله فى سيارته لم تكد تمر ثلاث سنوات على وفاة البابا شنودة الثالث، إلا وامتلأت مكتبات الكنائس بكتب تتحدث عن معجزاته، تكاد ترفعه إلى مكانة الآلهة. وكان من اللافت للنظر أن يصدر أكثر من 20 كتابًا لكاتب واحد فقط تتحدث جميعها عن معجزات البابا الراحل، الذى يشير إحصاء سريع إلى أن الكتب التى تتناول المعجزات المنسوبة إليه وصلت إلى أكثر من مائة كتاب، تحوى آلاف المعجزات التى تكون فى معظمها لرواة مجهولين. وتعد كتب معجزات القديسين من أكثر الكتب انتشارًا فى المكتبات المسيحية، ومن أكثر الكتب قراءة وشراء من الأقباط، مما شجع المؤلفين على تبنى هذا الخط من تأليف الكتب، وقيام دور النشر المسيحية بنشرها. ومن أكثر الكتب التى تسرد معجزات القديسين هى الخاصة بالسيدة العذراء والبابا كيرلس السادس والبابا شنودة الثالث، وحتى الآباء المتوفين ظهرت لهم كتب معجزات كثيرة. ومن المعروف داخل الأوساط الثقافية القبطية أن دور النشر المسيحية لا تقبل نشر أى كتب لأنها لا تدر ربحًا عليها، لكنها تقبل نشر كتب المعجزات، خاصة إذا كان المؤلف أسقفًا أو كاهنًا، أو على الأقل يكون الكتاب من تقديم أسقف لضمان البيع والتوزيع على نطاق واسع، بما يعود بالربح على دور النشر. معجزات متشابهة فى أحداثها، لا يوجد دليل عملى وواقعى عليها، امتلأت بها هذه الكتب، وأحيانا تنسب لشخصيات مجهولة لا يمكن أن تقع فى نطاق المنطق، وتفاقم الأمر حتى أثار استياء الكثير من الأقباط، خاصة المثقفين منهم. تقول إحدى معجزات هذه الكتب: «يحكى أن فتاة خادمة ضلت وكذبت على أهلها، وأخبرتهم أنها ذاهبة إلى خدمة، فى حين أنها كانت ذاهبة لتقابل شابًا فى منزله.. فما أن طرقت الباب حتى فوجئت بأن من يفتح لها هو قداسة البابا شنوده الثالث بنفسه، فقال لها: «روحى خدمتك يابنتى، وما تعمليش كده تانى.. فانصرفت الفتاه ذاهبة إلى خدمتها، خجلانة تائبة ومرتعبة مما كانت مقدمة على فعله». وفى قصة جديدة عن معجزات البابا شنودة، يحكى أن فتاة كانت ذاهبة لحضور اجتماع البابا شنودة الثالث، يوم الأربعاء فى الكاتدرائية، ولكنها لم تكن تعلم مكان الكاتدرائية، فسألت سيدة تسير فى الطريق، فأخبرتها أنها هى الأخرى ذاهبة لحضور اجتماع قداسة البابا شنودة الثالث.. ولكنها أخذتها معها إلى شقة مجاورة، بحجة إحضار شىء نسيته هناك. وذهبت الفتاة معها، ففوجئت بأن فى الشقة العديد من الرجال الذين كانوا يعتزمون اغتصابها، فاستنجدت الفتاة قائلة: «بقى كده يا بابا شنودة؟ بقى يبقى فى نيتى أحضر اجتماعك تقوم تسيبنى كده؟!». وفجأة ظهر البابا شنودة الثالث أمامها، وأخذها واختفيا من الشقة لتجد، الفتاة نفسها واقفة فى الكاتدرائية بجوار قاعة اجتماعات البابا شنودة. وهناك قصة أخرى تتحدث عن أن البابا شنودة قام بتوصيل المسيح بسيارته. وتقول القصة المسوبة إلى شنودة إنه فى يوم من الأيام، وكان قداسته يذهب إلى دير الانبا بيشوى فى وادى النطرون، فى ساعة مروره ومجيئه فى هذا المكان مر شخص، ووقف أمام سيارة البابا، توقف السائق لكى يعرف ماذا يريد هذا الشخص الغريب، وقال له: «ماذا تريد؟ انت ماتعرفش دى عربية مين؟». فسأله الغريب: «عربية مين؟». فقال السائق: «دا قداسة البابا شنودة». فقال الغريب: «ماشى يا عم، إيه يعنى؟ نشوفه ونأخذ بركته، فرأى قداسته وأخذ بركته، وقال له: «ياريت يا سيدنا توصلنى للبر أو المدينة، علشان المسافة بين البر ده والدير كبيرة، ومش هاقدر أمشيها». فقال البابا شنودة للسائق: «تعالى نوصل الرجل ده للمكان اللى هو عايزه». وبين الدير والبر الذى يريده الرجل، بدأ يتكلم مع قداسة البابا فى أمور كثيرة لا نعرفها، حتى نزل هذا الشخص عندما وصل إلى المكان الذى يريده، فقال البابا للسائق: «يلا نرجع الدير تانى». وعندما وصلوا الدير، قال شنودة للسائق: «عايزك تقفل العربية دى كويس أوى، وتغطيها، علشان العربية اللى يركب فيها رب المجد، ماحدش يركب فيها تانى!». ويقول محسن جرجس، الذى قابلناه وهو يحمل كتابًا عن معجزات أحد القديسين، فى إحدى المكتبات المسيحية: «أقتنى كل كتب معجزات القديسين، وأهدى بعضًا منها للمرضى للتبرك بهذه المعجزات، ولا أعتقد أن يتجرأ أحد ليكتب معجزات غير حقيقية». أما مارجريت فيكتور فتقول: إن معجزات القديسين موجودة وتحدث كثيرًا لمن لديهم إيمان، وتعتبر كتب المعجزات «بركة كبيرة». ويؤكد صاحب إحدى المكتبات الموجودة فى شبرا أن كتب معجزات القديسين هى الأكثر مبيعًا ويقتنيها البسطاء من الناس، وما أكثرهم، على حد تعبيره. يقول صاحب دار نشر مسيحية (تحتفظ «الصباح» باسمه) إن الكتب التى تلقى رواجًا كبيرًا فى المكتبات المسيحية وعند الأقباط هى كتب معجزات القديسين، حيث يلجأ كثير من المؤلفين إلى امتهان هذا الموضوع حتى يحقق أرباحًا كبيرة. ويعترف صاحب الدار بأن كثيرًا من مؤلفى هذه الكتب يقومون بفبركة قصص المعجزات حتى يسارعوا بإخراج كتبهم للجمهور، الذى يتلقفها بلهفة، خاصة لو كانت هذه المعجزات منسوبة لقديس مشهور. ويؤكد أن كثيرًا من آباء الكنيسة والرهبان يستاءون من هذه الكتب لأنها تؤدى فى النهاية إلى الاستهتار بالقديسين، وليس تقديسهم. ويطالب صاحب دار النشر بتقنين هذه الظاهرة المنتشرة بنطاق واسع فى كل مكتبات الكنائس والأديرة على مستوى مصر. من جانبه، يقول القمص يوأنس كمال، صاحب سلسلة كتب «صدق ولا بد أن تصدق»، والتى تتحدث عن معجزات البابا كيرلس السادس: «بالنسبة للذين يسردون معجزات القديسين، كل واحد وضميره، وكل واحد حيتحاسب على كل كلمة بيكتبها، لأن ربنا بيخصص ناس تتحدث عن عجائبه على يد قديسيه، على الرغم من انتقاد البعض لذلك». من جانبه، يقول هانى رمسيس، محام وناشط قبطى، ل«الصباح»: «هناك سيرة قديسين مشهود لهم جميعًا بقداستهم، يحكى الناس فى تلك الكتب عن أهم محطات فى حياتهم، ومدى سيرتهم المقدسة، ولكن المعجزه تحتاج لتوثيق، حتى لو كانت صحيحة ولا تقبل الشك من الناحية الإيمانية، كما تفعل بعض الأديرة، ولنا فى هذا منهج دير أبو سيفين، فى معجزات الشهيد أبو سيفين، والكتب التى صدرت عن الأم ايرينى». ويضيف رمسيس: «لا يجب نشر أى كتاب معجزات قبل التأكد من الاتفاق على منهج توثيق يتفق عليه الجميع، حتى لا ندع لضعاف النفوس فرصة للخلط بين الحقيقة وغيرها». فى المقابل، يقول لطيف شاكر، كاتب قبطى: إن هذه الظاهرة ليست سوى تعبير عن إفلاس دينى، «وهذا ما تتبعه الكنيسة دائمًا حين تحدث ضغوط سياسية أو اقتصادية أو أمنية، فتلجأ إلى الدين، وتحاول أن تكتب معجزات قد تكون من أجل التعزية أو تثبيت الإيمان أو لأى علة». ويضيف شاكر: «قد تتخذ كتب المعجزات للتجارة، وقد حدث ذلك فى كتب معجزات البابا كيرلس السادس، حتى أن دور النشر التى كانت مسئولة عن نشر المعجزات حذرت من أن الكتب الجديدة ليست لها مصداقية وأنها مجرد تجارة». أما كمال زاخر، مؤسس التيار العلمانى المسيحى، فيقول: «أنا أؤمن بالمعجزة، ولكنها داعمة للإيمان، وليست هى الإيمان، وأى كتب تتحدث عن معجزات القديسين تحتاج إلى هيئة كنسية لمراجعتها كى تتحقق منها وتعطيها تصريحًا بالنشر، وهذا الموضوع ينقلنا إلى أهمية دور التعليم فى الكنيسة، وأنه لا بد أن يعتمد على قواعد سليمة، وهذا هو دور الكنيسة».