*السادات يجرى حوارًا سنويًا فى بيته الريفى يحكى فيه كفاحه و الملك فاروق و فؤاد يمنحان الرعية « هبات من ملك البلاد» *الإخوان يصدرون عددًا خاصًا من «الحرية والعدالة » بمناسبة يوم ميلاد مرسى و يصفونه ب «القائد الفاتح» *السيسى «يأمر» يمنع أى احتفالات رسمية بعيد ميلاده رغم شعبيته الجارفة *بوتين يغادر إلى جبال سيبيريا و أوباما يلعب جولف مع أصدقاء طفولته فى هاواى *مبارك أكثر رئيس مصرى أهدر الملايين سنويًا على احتفالات يوم ميلاده بمشاركة 5 وزارات تنقسم الدول إلى شعوب و حكومات، و فى العالم العربى - تحديدًا - تنحصر المسألة فى رئيس و شعب، فالحكومات و الشخصيات التنفيذية غالبًا ما يتوارى تأثيرها تحت سطوة و مهابة منصب « رئيس الجمهورية»، و هو أمر ليس جديدًا على العالم العربى الذى يحمل على كتفه تاريخًا كان يضع الخليفة و الأمير فى مرتبة تجعله يقول «أنا الدولة و الدولة أنا» قبل أن يقولها لويس الرابع عشر فى فرنسا بقرون، و فى مصر حمل منصب رئيس الجمهورية سطوة أكثر و قوة تجعله أكبر من الدساتير فهو الذى يحدد هل نستخدم الدستور الآن أم نؤجله أم نتناساه، و لهذا كان نصيب مصر و حظها متأرجحًا فإذا جاء رئيس وطنى عاقل مثل عبد الناصر تقدمت البلاد، و إذا جاء مختل مثل محمد مرسى هوت إلى قاع سحيق، و على قدر مهابة المنصب يحتل « يوم ميلاد الرئيس « مكانة خاصة تستحق أن تروى بتفاصيلها، حيث تكشف كيف يفكر الرئيس، و ما المطلوب من الإعلام تجاهه، وهل الرئيس عاقل و متزن أم مريض لا قدر الله بالبارانويا، و لم يكتشف الشعب ذلك إلا بعد رحيله، و هل النخبة تتعامل مع هذا الرئيس باعتباره بشرًا أم إله فرعونى حل فى القرن الواحد و العشرين، و على الجميع تقديم القرابين من أجل نيل رضاه، قصة يوم ميلاد الرئيس و ما يحدث فيه مثيرة و طريفة و معقدة ولهذا نرويها هنا.. بالتفصيل: لن نبدأ القصة من مصر، ففى العالم حولنا اهتمام خاص أيضا بيوم ميلاد رئيس الجمهورية، و يكاد يكون شكل الاحتفال معبرًا بدقة عن ثقافة كل شعب، فى الولاياتالمتحدةالأمريكية مثلًا التى يعتقد الكثيرون أنها دولة «المؤسسات» التى لا مكان فيها لتمجيد أى شخص أو الاحتفاء به، يوجد لديهم احتفال سنوى بما يطلق عليه « يوم الرؤساء» فى الثالث من فبراير من كل عام و يتوافق مع يوم ميلاد «جورج واشنطن» مؤسس الجمهورية، و تقرر هذا فى عام 1968، و أضيف إلى واشنطن الاحتفال أيضًا بيوم ميلاد إبراهام لينكولن الذى يطلق عليه الأمريكيون « محرر العبيد»، وتصادف أنه كان فى يوم ميلاد واشنطن، وأصبح «يوم الرؤساء عيدًا رسميًا فى أمريكا و عطلة لا يمارس فيها الأمريكيون أى نوع من أنواع تقديس حكامهم التاريخيين بل يتذكرون أمجاد تأسيس دولة بعد معاناة و حروب و دماء و يعيدون تذكير الجميع بالقيم التى يؤمن بها الأمريكى من الديمقراطية إلى الحق فى الحياة إلى قيم التسامح، يؤمن الشعب الأمريكى بهذه القيم لكن الإعلام الأمريكى فى غالبه لا يكشف لهم أن هذه القيم تنتهك فى سياسات أمريكا الخارجية يوميًا و بانتظام، لكن نفس هذا الإعلام لا يقدم قائمة إنجازات الرئيس فى يوم مولده، و أقصى ما تفعله الصحف هناك هو إرسال مصورين و محررين يوم 4 أغسطس حيث يحتفل باراك أوباما احتفالًا «شخصيًا» بيوم ميلاده و لا يتعدى الاحتفال فى كل عام لعب الجولف مع أسرته فى جبال ماريو، والالتقاء بأصدقاء طفولته فى هاواى، فى روسيا يختلف الأمر، فعلى مقعد الرئيس هناك «فلاديمير بوتين» الذى يتجاوز فى طموحه و سياساته فكرة «الرئيس» إلى القيصر الحالم بإعادة مجد روسيا، و لهذا تتخذ الإحتفالات هناك شكلا أقرب لمراسم ميلاد الإمبراطور اليابانى حيث يقيم الجيش الروسى مراسم باهرة فى شوارع موسكو الرئيسية يوم 4 أغسطس فى حين يفضل بوتين نفسه الاحتفاء على طريقة رجل مخابرات عتيد حيث يذهب إلى غابات التايجا فى سيبيريا و يتزلق الجليد و يلتقط صورًا مع الدببة، و تظهر الصور المنشورة لبوتين حرصه على الحفاظ على صورة الرجل القوى البنية بارد الأعصاب المستعد دومًا لمواجهة الخطر و المجهول. أما فى دولة ديكتاتورية فجة مثل كوريا الشمالية فيتخذ الاحتفال بيوم ميلاد الزعيم الكورى «كيم يونج أن» أشكالا بالغة الغرابة تختلف عامًا عن الآخر، و فى آخر احتفال قرر الزعيم الاحتفال بيوم مولده بإقامة كرة سلة بين فريقه و فريق منافس، بالطبع انتصر فريق الزعيم، و أقيم احتفال لتكريم الفريق الفائز أحياه مغنى أمريكى هو «دينيس رودمان» حرصت الصحافة الكورية الشمالية على تصويره منحنيًا أمام الرئيس وقائلة «الفن الأمريكى ينحنى أمام العظمة»، و قد تلقى المغنى الأمريكى المجهول مليون دولار مقابل هذه اللقطة. لدينا فى مصر قصص كثيرة فى يوم ميلاد الرؤساء من أهمها ما كان يفعله الملك فؤاد فى يوم ميلاده الموافق 26 مارس، حيث كانت الصحف المصرية تقدم التهانى لفؤاد على صدر صفحاتها الأولى مصحوبة بألقابه « ملك مصر و النوبة و كردافان و دارفور»، ثم تقوم نفس هذه الصحف بتقديم قائمة طويلة من إنجازات «مليك البلاد المفدى»، وتضم تأسيسه الجمعية السلطانية للاقتصاد والتشريع و جمعية ترغيب السياح فى زيارة البلاد المصرية، و قيامه بتأسيس أول برلمان مصرى، الملك من ناحيته لا يتواضع أبدًا، فهو يعلن عن مجموعة هبات للشعب المصرى عبارة عن مشروع لكسوة تلاميذ فقراء المدارس الأولية «الابتدائية» - و كان من إنجازاته أن غالبية الطلبة لا يجدون ملبسا ! - ثم يقوم بعمل استعراض عسكرى يسير فيه فؤاد محفوفًا بالخيل من القصر الملكى مخترقًا شوارع القاهرة وسط استعراض عسكرى تسير فيه أورطتان من الجيش، و تتلقى «طابية صالح» كلمة من الياور النوبتجى فتطلق المدافع 100 طلقة احتفالًا بعيد ملك البلاد. بعد فؤاد جاء ابنه الملك فاروق و لطبيعة فاروق الفنية و عشقه للسهر و الحظ كان الفن فى مقدمة أولوياته للاحتفال السنوى بعيد ميلاده فى 11 فبراير من كل عام حيث كانت أغنيات مشاهير الطرب هى أهم ما يحرص عليه فاروق للشعور بالسعادة فى «هذه الليلة العظيمة التى ولد بها» - بحسب تعبير الأهرام فى حينها- و قد قدم له عبر سنوات حكمه العديد من الفنانين أعمالًا لا يذكرها أحد الآن مثل « السلام الملكى. تهنئة عيد الميلاد » التى ألفها بديع خيرى و لحنها زكريا أحمد و غنتها المجموعة، كما قدمت أم كلثوم أغنيتها الشهيرة « يا ليلة العيد» فى احتفال حضره فاروق قبل أن تضم الأغنية لفيلم « دنانير»، و ذلك قبل أن تقوم بحذف و إلغاء ما يتعلق بفاروق بعد قيام ثورة 52، و هى الفقرة التى تقول فيها « يا نيلنا ميتك سكر / و زرعك فى الغيطا نور / و يعيش فاروق و يتهنى / و يحيى الفرح يوم العيد». جمال عبد الناصر لم يحتفل فى حياته بعيد ميلاده و اعتبر دائمًا ذلك تقليدًا لا يتناسب مع مكانته ولا هيبته ولا كونه صعيديًا فى الأصل، و عندما اشتد «نفاق» بعض الإعلاميين له خاصة مع تصاعد مكانته فى العالم العربى رفض أن يكتب أحد مقالات عن هذا اليوم و اتصل شخصيًا بالكاتب المعروف فكرى أباظة طالبًا منه عدم الكتابة من جديد عن ميلاد الرئيس بعد أن أعلن فى مجلة « المصور» أن المجلة ستصدر ملفًا خاصًا عن يوم ميلاد ناصر، كل الشواهد كانت تؤكد أن معظم من حاولوا الكتابة عن يوم ميلاد عبد الناصر فى حياته لم تكن بدافع النفاق بالحتم، و هذا ما تأكد من احتفالات لا تزال موجودة بيوم مولده فى عواصم عربية كثيرة حتى اليوم. السادات المولود فى 25 أغسطس ناله نصيب كبير من المقالات فى كل سنوات حكمه فى عيد ميلاده، وكان أنيس منصور و موسى صبرى هما الأشهر فى تذكير الناس و الاحتفاء و بلغ الاثنان أقصى درجات مديح الرجل بعد اتفاقية كامب ديفيد لكن السادات و باعتباره صحفيًا قديمًا لم يكن «يأكل» من مثل هذه المقالات أو حتى الإشعار التى كان يكتبها شاعر منثر اسمه كمال عمار، دخل السادات عصر التليفزيون باعتباره وسيلته الأساسية للوصول للناس فى مصر و العالم، و كانت حواراته فى التليفزيون المصرى مع المذيعة همت مصطفى تقليدًا سنويًا يرتدى فيه السادات الجلباب البلدى و يجلس فى بيته الريفى بالمنوفية ليحكى لهمت قصة كفاحه و ذكرياته، و كانت هذه الحوارات السنوية مما حول به السادات دعم صورته ك «كبير للعائلة المصرية ». الرئيس المخلوع حسنى مبارك هو أكثر من حول عيد ميلاد رئيس الجمهورية لمناسبة سنوية يحتشد لها الجميع، ففى يوم 4/5 من كل عام يتأهب اتحاد عمال مصر و وزارة الشباب و الرياضة و وزارة الإعلام و كل الوزارات الخدمية لحملة كانت تتجاوز أكثر من 100 مليون جنيه ما بين تهانى فى الصحف و بانرات أعلى الكبارى و ملاحق خاصة فى صحف عريقة يظهر فيها رجال الأعمال مهنئين الرئيس بما حققه من استقرار فى البلاد، ولبقاء مبارك فى السلطة ثلاثين عامًا وصل الاحتفال بمولده إلى حدود تتاخم الجنون الكامل إلى درجة أن أحد كُتّاب عصره كتب افتتاحية شهير يقول فيها إن مصر ولدت يوم ولد مبارك. الطريف أن مبارك كان يذهب إلى شرم الشيخ بصحبة أبنائه و زوجته ليقضى أيامًا هناك ليقرأ مقالات من عينة «اليوم عرس للشرفاء. عرس للوطنيين، عرس للحرية » -الأهرام - أو ليقرأ على لسان أحد رؤساء التحرير « يتميز مبارك بدهاء عقلى رهيب و خارق و مدهش» - روزاليوسف - لكنه عندما بدأ يحتفل بعيد ميلاده مسجونًا فى أعقاب ثورة يناير لم يجد سوى العشرات يذهبون إليه فى محبسه! محمد مرسى الرئيس الإخوانى الذى بقى عامًا واحدًا فى حكم مصر كانت كل المؤشرات تقول إنه لو استمر كان عيد ميلاده سيتحول إلى مهرجان إسلامى تكفيرى سنوى يشيد فيه المتطرفون بالقائد الفاتح و الزعيم الملهم، و هذه بالضبط هى الأوصاف التى جاءت فى العدد الخاص من جريدة «الحرية و العدالة» للاحتفال بيوم ميلاد مرسى فى 20 أغسطس حيث أتم 61 عامًا فى سنة حكمه الظلماء، الرئيس عدلى منصور مر عيد ميلاده «23 ديسمبر» تمامًا مثل شخصيته هادئًا مثلما يليق بقاض جليل، و ربما لم يكتب خبر فى الصحافة عن هذا اليوم فى العام الانتقالى الذى حكم فيه منصور البلاد فى أعقاب ثورة 30 يونيو. الرئيس عبد الفتاح السيسى الذى مر منذ أيام «19 نوفمبر » يوم عيد مولده ضرب مثالًا واضحًا و حاسمًا و صارمًا فى تعامل جديد بين الرئيس و الشعب حيث بدا للجميع أن هناك تعليمات رئاسية بعدم الاحتفال رسميًا بيوم ميلاد الرئيس هذا على الرغم من أن شعبية السيسى و العلاقة الخاصة و غير المسبوقة بينه و بين «الناس» أقوى من أى رئيس مصرى سابق، و ربما لهذا قام الناس بعيدًا عن أى رسميات بالاحتفال بطريقتهم بعيد ميلاد رجل يمزج فى مخيلتهم بين صورة الرئيس وصورة «البطل الشعبى» ودشن نشطاء هاشتاج باسم « كل سنة و أنت طيب يا ريس » شارك فيه مئات الآلاف بعد ساعات من إطلاقه.