دخل البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، على خط أزمة طلاق الأقباط، بعدما أكد الأسبوع الماضى أنه يبحث حل المشكلة التى تعد الأكثر أهمية لدى أتباع الكنيسة الأرثوذكسية، الذين يشكلون جُل مسيحيى مصر، خاصة أن الكنيسة المصرية لا تأخذ حتى الآن بأحكام الطلاق فضلاً عن صعوبة انتزاع حق الزواج الثانى منها إلا لحالات خاصة جداً، ما أدى إلى خروج الآلاف من الأرثوذكسية وتغيير الملة بالانتماء إلى الكنائس الكاثوليكية أو البروتستانتية هرباً من جحيم الزواج المقدس. حديث البابا تواضروس فتح باب الأمل أمام الآلاف من الأقباط، الذين يطالبون بقواعد أكثر بساطة فى اعتماد إجراءات الطلاق بعيداً عن تعقيدات الكنيسة، التى تستند إلى تفسيرات معينة لعدة مواضع فى الأناجيل، تحصر إعلان بطلان الزواج فى علة الزنا، لكنها لا تعترف فى المقابل بعلة استحالة العشرة بين الزوجين كما هو مطبق عند المسلمين مثلاً. إحدى الوسائل التى لجأ إليها البابا تواضروس كانت باعتماده لقرار يقضى بعدم منح تصاريح زواج لأى عروسين إلا بعد اجتياز دورة المقبلين على الزواج يتعلمان ويتدربان على أسس التوافق الأسرى، نظراً لكثرة الخلافات والمشاكل الزوجية بعد الزواج وخاصة لحديثى الزواج، وأكد مصدر كنسى ل«الصباح» أن هدف البابا من اعتماد هذه الدورة هو ترسيخ ثقافة الاحترام بين الزوجين ووسائل إقامة علاقة حميمية تمنع الطلاق، مشيرا إلى أن الكنيسة أطلقت هذه الفكرة منذ مطلع العام الجارى، على أن يتم تعميمه على مختلف المحافظات. إلا أن تطبيق الدورة على الأقباط دفع بمجموعة من التساؤلات حول كيفية تطبيق دورة المقبلين على الزواج بين أقباط المهجر، وكيف ستصل الكنيسة إلى القرى والنجوع لنشر الفكرة وتطبيقها، خاصة أنها تأتى إضافة إلى أعباء الحصول على تصريح الإكليل وإلزام الزوجين بالكشف الطبى، بينما رأى الكثير من الأقباط الفكرة الجديدة تعد خطوة على الطريق الصحيح، وكان يجب أن تشرع فيها الكنيسة منذ سنوات. من جهته، أكد وكيل البطريركية القمص سرجيوس، أن البابا أصدر قراراً بابوياً بوقف تصاريح الزواج للمتزوجين الجدد، لحين عودته من رحلته الرعوية فى أوروبا، لافتاً إلى أن المجلس الإكليريكى لن يصدر تلك التصاريح، إلا بعد أن يجتاز المقبلون على الزواج دورات روحانية ونفسية مكثفة، وحصولهم على شهادة موثقة من مكتب البابا تفيد بأنهم صالحون للزواج، مشيراً إلى أن بعض الكنائس تفتقر لوجود موثقى عقود الزواج، بسبب تعنت وزارة العدل وعدم إصدارها تصاريح للقساوسة للعمل فى وظيفة موثق، وأضاف سرجيوس أنه سيتم عقد اجتماع طارئ للمجمع المقدس، لمناقشه أزمة الزواج والطلاق فى الكنيسة عقب عودة البابا تواضروس من رحلته الرعوية. فى المقابل، أكد منسق حملة الزواج المدنى، أيمن جورج، أن مشكلة الأقباط المطالبين بالزواج أو الطلاق لن تحل إلا بعد صدور قانون مدنى يعطى للأقباط حق الزواج والطلاق بعيدا عن الكنيسة، وتدخل رجال الدين فى حياة المواطنين، مشيرا إلى أن الكنيسة فى عهد البابا شنودة الثالث كانت أكثر تشددا، لأنه منع الطلاق إلا فى حالات الزنا، وقام البابا شنودة بإلغاء العمل بلائحة 1938 التى كانت تضع 9 أسباب للزواج والطلاق. وأضاف جورج: لم نجد حلولا أمامنا سوى أننا قدمنا استقالات جماعية من الطائفة الأرثوذكسية إلى مصلحة الشهر العقارى بوزارة العدل، نعلن فيها أننا أصبحنا غير تابعين للكنيسة الأرثوذكسية، ولا نحضر أى لقاءات دينية فى الكنيسة، ولكننا ما زلنا على الديانة المسيحية، ونقوم بالصلاة طبقا للطائفة الأرثوذكسية وذلك من أجل الحصول على ورقة من الكنيسة تفيد بأننا أصبحنا خارج الملة، وبناء على تلك الورقة يمكن أن نقدم طلباً للمحكمة للحصول على حكم بالطلاق والزواج الثانى. فى السياق ذاته، قال منسق حملة «حقنا فى الزواج الثانى»، ميخائيل حكيم، ل«الصباح» إن الأغنياء فى المسيحية من أبناء الطائفة الأرثوذكسية لا يجدون أى مشكلة فى الطلاق أو الزواج الثانى، لأنهم يستطيعون دفع مصاريف تغيير الملة التى تتراوح ما بين 30 و70 ألف جنيه، ويقومون بإجراءات تغيير الملة فى لبنان أو بعض الدول الأوروبية، ويتم دفع تلك الأموال إلى رجال الدين فى الطائفة الجديدة التى يطالبون بالانضمام إليها، مشيرا إلى أنه بموجب تغيير الملة يمكن الطلاق أو الزواج الثانى. وأكد ميخائيل أن البابا شنودة الثالث وجد أن تغيير الملة سبب رئيسى فى الصراعات بين الطوائف المسيحية فى مصر، فعقد اجتماعا مع رؤساء الطوائف المسيحية واتفق معهم على عدم السماح للأقباط الأرثوذكس بتغيير الملة داخل مصر، للحفاظ على العلاقات بين الكنيسة الأرثوذكسية الكنيسة الكبرى فى مصر وبين باقى الطوائف الأخرى، وبالفعل استجابت الكنائس الثلاث الكبرى، ومنعت تحويل الأقباط من الأرثوذكس إلى الطوائف الأخرى، وبذلك أصبح تغيير الملة للأغنياء فقط، لأنهم القادرون على السفر خارج مصر لتغيير الملة. وقال منسق «حقنا فى الزواج الثانى»: قمنا بعمل العديد من الوقفات الاحتجاجية أمام الكاتدرائية الكبرى بالعباسية قبل وفاة البابا شنودة وبعدها، ولكنها كانت بلا فائدة وفى إحدى هذه الوقفات قام مدير أمن الكنيسة بإطلاق الكلاب البوليسية على المتظاهرين ضد البابا، والمطالبين بحقهم فى الحياة مرة أخرى، بدلا من الانحراف وممارسة الرذيلة لعدم القدرة على الزواج مرة أخرى. من جهتها، طالبت حركة أقباط 38 بتطبيق الشريعة الإسلامية فى قوانين الأحوال الشخصية على غير المسلمين، وقال المتحدث باسم الحركة نادر الصرفى: إن أوضاع الأقباط المطالبين بالطلاق أصبحت أكثر سوءاً منذ عام 2008 بعد أن قام البابا شنودة بإجراء تعديلات فى قانون الأحوال الشخصية يقضى بعدم السماح لغير المسلمين بالحصول على حكم قضائى بالطلاق أو الزواج الثانى، إلا بعد موافقة الكنيسة على ذلك، من أجل إنقاذ البابا شنودة من السجن بعد امتناعه عن تنفيذ حكم قضائى يقضى بحصول أحد الأقباط على تصريح ثانٍ للزواج، إلا أن الكنيسة رفضت تنفيذ الحكم، فقام الرئيس السابق مبارك بإصدار قرار بإدخال تعديلات قانونية بدون موافقة مجلسى الشعب والشورى، وبتلك التعديلات الباطلة أغلقت كل الأبواب أمام الأقباط فى الأحوال الشخصية. وأضاف أننا نطالب بسيادة دولة القانون بعيدا عن تعاليم رجال الدين، فليس من المعقول أن تمنع الأديان الطلاق والزواج الثانى بعد فشل الحياة الأولى، بل لا يوجد نص فى الكتاب المقدس يمنع الطلاق، فإذا كان الطلاق فى المسيحية لغير علة الزنا، كانت معظم حالات الطلاق والزواج الثانى باطلة قبل تولى البطريرك شنودة الثالث لجنة بحث مشاكل الطلاق والزواج الثانى.