يعكف بابا الأقباط تواضروس الثانى منذ تولية منصب بطريرك الكرازة المرقسية، على أن يقوم بالإصلاح داخل الكنيسة، وتميز بأسلوبه المختلف فى التعامل مع ملفات كثيرة، كان لا يمكن الاقتراب منها فى عهود من سبقوه، وخاصة ملف معاملة الطوائف المسيحية الأخرى، الذى اختلف اختلافًا يكاد أن يسير بالكنائس المسيحية إلى الوحدة التى طال انتظارها من الكثيرين بل إنهم صلوا من أجلها فى كل حين. وترأس البابا تواضروس الثانى، خلال الأسبوع الماضى، صلاة اليوم الخامس من أسبوع الصلاة العالمى الذى دعا له مجلس كنائس الشرق الأوسط، وهو عبارة عن هيئة دينية تضم العائلات الكنسية الأربع فى الشرق الأوسط أى الأرثوذكسية والأرثوذكسية المشرقية والإنجيلية والكاثوليكية، ومقره العاصمة اللبنانية بيروت، وله مكاتب أخرى فى القاهرة وليماسول وعمان والقدس وطهران. وشارك فى الصلاة التى أقيمت فى القاعة الكبرى بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية عدد من رؤساء الطوائف المسيحية فى مصر والشرق الأوسط من بينهم الدكتور القس صفوت البياضى، رئيس الطائفة الإنجيلية، والمطران منير حنا، مطران الكنيسة الأسقفية فى مصر وشمال إفريقيا والشرق الأوسط، والمطران نيقولا أنطونيو، مطران الروم الأرثوذكس بمصر. الصلاة المجمعة التى شارك فيها البابا تواضروس ضمت كل الطوائف المسيحية من أجل سلام العالم ووحدة الكنيسة، واشترك الجميع فى الصلاة من أجل هذا الهدف، ويبدو أن الحلم الكبير على التوحد بات سهل المنال لكن هناك من يقف أمام هذا المشروع ويحاربه بكل قوة. وتقف الكثير من العقبات فى طريق وحدة الكنائس فى العالم عامة وفى مصر خاصة، من أهمها الزعامة الدينية، فقادة الكنائس لن يتخلوا عن منصبهم فى قيادة طوائفهم لآخرين من طوائف أخرى، وهناك سؤال مطروح دائما إذا تمت الوحدة: من يتزعم الكنيسة الواحدة ومن أى خلفية يأتى؟ أما العقبة الثانية فتتلخص فى طابور معارض للوحدة، هؤلاء موجودون فى الثلاث طوائف وهم يحاربون كل خطوة على طريق الوحدة، ويعتبرون الوحدة بمثابة الخسارة الكبرى لهم ودائما يتهمون الطوائف الأخرى باتهامات كثيرة تصل إلى التكفير حتى يزيدوا من الخلافات بين الكنائس، أما العقبة الأخرى وهى خاصة بالعقائد فكيف يتخلى الشخص عن العقائد التى آمن بها وتربى عليها لصالح عقائد أخرى، ونحن شعوب تربت على الدفاع عن رأيها وعقيدتها حتى الموت، والتمسك بكل ما هو عقائدى وعدم التفريط فيه. فى هذا السياق كان ل«الصباح» جولة حول الكنائس الثلاث لمعرفة رأى كل منهم فى موضوع وحدة الكنيسة. يقول الأنبا أغابيوس أسقف دير مواس، وأحد أعضاء المجمع المقدس أن الوحدة بين الكنائس عمل عظيم حتى وإن كان فى الشكل الظاهرى للايمان، لأن كل المسيحيين يؤمنون بالمسيح، وهذا العمل يؤدى إلى الترابط بين مسيحيى العالم، والكنيسة خصصت أسبوعًا كل عام للصلاة من أجل هذا الغرض. ويتابع أغابيوس أن تحقيق وحدة الكنائس بمفهومها الكامل أمر صعب للغاية، لأن لكل طائفة إيمانًا خاصًا بها لا تستطيع التنازل عنه من أجل الوحدة مع الطوائف الأخرى، ويتساءل هل يستطيع بابا روما التخلى عن الإيمان الذى نشأ عليه، وتولى منصبه على أساسه، وهل يفعل ذلك بابا الإسكندرية، أعتقد أن الأمر فى غاية الصعوبة، مؤكدًا أنه لا يوجد فى داخل الكنائس من يقف فى طريق وحدتها إذا تحققت، فالجميع يصلى إلى الله كى يمد يديه لكى يتحقق هذا الاتحاد، لكن من هو الشخص الذى يستطيع قيادة كل مسيحيى العالم على اختلاف لغاتهم وثقافتهم !
ومن داخل الكنيسة الكاثوليكية تحدثت «الصباح» مع الأنبا يوحنا قلتة النائب البطريركى للكنيسة الكاثوليكية فى مصر فأكد أن هذا عمل عظيم، وبدأ منذ أكثر من 25 عاماً، حيث رفعت صلوات من أجل الوحدة من الكنائس الثلاث وبدأت حوارات بين الطوائف للتقارب وإزالة كل ما يؤدى إلى التباعد والاختلاف، وعن الوصول إلى مرحلة صلاة كل المسيحيين فى كنيسة واحدة، يؤكد قلتة أن هذا رجاء نأمل فيه على الرغم من الاختلافات بين الكنائس، ولكن الاختلافات ما بين الكنيسة الأرثوذكسية والكاثوليكية هى اختلافات تاريخية وسياسية وليست عقيدية بالمعنى الواسع. ويضيف النائب البطريركى أن البابا تواضروس بتواضعه الشديد ومحبته لأبناء دينه ووطنه يحاول أن يقرب بين الكنائس فى سلوك رائع ليتم مابدأه البابا شنودة ووحدة كنائس مصر هو عمل وطنى فى المقام الأول يأتى على مصر بالنفع. أما الدكتور القس إكرام لمعى رئيس المجلس الأعلى للكنيسة الإنجيلية المشيخية فكان له رأى مخالف حيث قال إن وحدة الكنيسة من الأمور البالغة الصعوبة وغير العملية، لكننا جميعًا نحاول أن نجد أرضية مشتركة نقف عليها لكن تقف فى طريق الوحدة العقائد الأساسية التى تؤمن بها كل طائفة، والتى من الصعب التنازل عنها وهى التى تمثل هويتها الدينية، ويضيف لمعى أن هناك اختلافات كبيرة جدًا بين الطوائف، لكن هناك أشياء كثيرة جدًا من الممكن أن تكون مساحات اتفاق، مؤكدًا أن كل مسيحيى مصر يعتبرون بابا الإسكندرية الذى يشغل منصبه الآن البابا تواضروس الثانى هو أب للجميع أدبيًا وروحيًا ورئيس لكل المسيحيين. ويكمل لمعى: البابا تواضروس اختلف كثيرًا عن سابقيه فى تقبل الآخر ومعاملة الطوائف الأخرى، لكنه يواجه مقاومة من داخل الكنيسة لبعض الاكليروس لمنع التوصل إلى أرضية مشتركة مع الطوائف الأخرى. ما بين المستحيل والأمل يقف مسيحيو مصر اليوم رافعين أيديهم إلى الله كى تنعم كنيستهم بالوحدة التى بدأت بها، فهل يأتى اليوم الذى تتحق فيه أمنياتهم أم تنكسر على صخور المستحيل؟