كما أن الإرهاب لا دين له، فهو أيضا بلا وطن .. هذا هو الدرس الذى عرفته الإدراة الأمريكية بقسوة، بعد أن انقلب عليها الإرهابيين الذين صنعتهم مخابراتها المركزية فى أفغانستان تحت حجة «الجهاد»، لينقلبوا عليها وبالا يقتل المدنيين الأبرياء بأساليب وخطط تمرنوا عليها من مدربين أمريكان لمواجهة السوفيت إبان الحرب فى أفغانستان. الموقف الآن يتكرر عن طريق دعوات تتخفى فى مصطلح «الجهاد» إلى سوريا من أجل صنع إرهاب جديد، لن يكون الإسلام دينه، ولن يكتفى بسوريا وطنا، بل سيتفشى مرضه فى المنطقة كلها. «الجهاد فى سبيل الله فرض على كل مسلم» «انصر أخاك ظالما أو مظلوما» «الشهادة فى سبيل الله».. كانت هذه هى الشعارات التى انعقد من خلالها لواء الجهاد فى سوريا، كان أول من أطلقها الرئيس السابق محمد مرسى خلال مؤتمر جماهيرى تناقلته الشاشات حول العالم، مؤكدًا أن الجهاد فى دمشق واجب وأن مصر ستمد سوريا بالمال والمؤن، فانطلق الشباب العربى من كافة أرجاء الوطن زرافات ووحِدانًا لتحقيق إحدى الحسنيين.. النصر أو الشهادة- هكذا خيّل لهم القائمون على تجنيدهم. من مكتب سفريات بمدينة دمنهور بالبحيرة، مديره يدعى الشيخ أحمد عاشور، تبدأ أولى فعاليات الجهاد «المزعوم» فى صفوف الجيش السورى الحر، حيث يؤكد مصدر أمنى خبير فى الملف السورى أن الأسماء التى خرجت من مصر إلى سوريا إلى الآن غير معروفة بشكل كامل، نظرا لأنهم لا يخرجون بشكل مباشر إلى هناك بل كانوا يتوجهون إلى الإمارات أو السعودية، ومنها يتم النزوح إلى سوريا، حتى لا تتبعهم أجهزة الأمن، كذلك فإن مكتب السياحة الذى يديره «عاشور» فى دمنهور له طريقة خاصة فى العمل حيث يخفى قوائم المسافرين «أسماء الشباب ووجهتهم»، كما أن مصادر تمويل هذا المكتب مجهولة تماما. يقول «أ. م» إن أحد أصدقائه ويدعى «محمد أحمد» عاد إلى مصر منذ شهر تقريبًا بعد رحلة إلى سوريا استمرت لمدة عام محملا بالأفكار العدائية للحكومة المصرية، التى أطلق عليها حكومة الانقلابيين، مؤكدًا أنه يعمل وفقا لخلية من «20» فردًا، هم إخوانه فى الجهاد، عادوا إلى مصر لتحريرها والقضاء بشرع الله -على حد تعبيرهم- على السلطة الحاكمة. حمدى السيد -21 عاما- من قاطنى مدينة السلام، خريج معهد الحاسبات والكمبيوتر، انتقلت والدته «الأرملة» للعيش مع زوجها الجديد فى الإسكندرية، فقرر السفر للانضمام إلى الجيش السورى الحر -وفقا لرواية «م. ط» أحد جيرانه المقربين– والذى قال: «حمدى حاول إقناعى بمرافقته فى السفر للجهاد، لكننى رفضت، وبالفعل سافر هو، بأوراق مضروبة، ومر عام على سفره ثم عاد شخص آخر، بعدها اكتشف أن ليس كل من يسافر إلى سوريا فهو فى سبيل الله كما زعموا». تحدثنا مع محمد غنيم، المحلل السياسى، الذى قال لنا إن هناك عددًا من الكيانات المصرية سافرت إلى سوريا منذ تولى «الإخوان» حكم مصر وإلى الآن، ثم قرر عدد كبير منهم العودة، وبدءوا فى العمل من خلال خلايا صغيرة متفرقة يبلغ عدد كل منها 20 شخصا، يترأسهم فرد واحد ولا يعرفون بعضهم بعضا، وقد لجئوا لهذه الحيلة حتى لا يعرفهم جميع أفراد التنظيم وبالتالى يصبحون ورقة محروقة للأمن، لكنهم فضلوا تشكيل خلايا ذات أعداد صغيرة، فعندما تُكشف واحدة وتُحرق يبقون هم بمأمن ومعزل عن أى ضرر، فحتى رسائلهم يتبادلونها عبر أفراد متغيرين، حيث يختلف الوسيط فى كل مرة. ويضيف أن العائدين إلى مصر يحملون أسماء مختلفة وورقًا غير مسجل رسميا، وبطرق غير شرعية، وإن عادوا بطرق شرعية فهى بأسماء غير حقيقية، وأغلبهم من قاطنى الدلتا وشمال سيناء، نظرا لأن هذه الأماكن ذات مستوى معيشى متدنٍ، مما يسهل إقناع أهله والتأثير عليهم فى مسألة كهذه متعلقة بالدين والكفاح، وهم منظمون ومحترفون فى القتل ليس فى مصر فقط بل لهم عدة أعمال عنف كان آخرها عملية المجمع الطبى فى اليمن، وهى تعد إحدى أهم العمليات الانتحارية التفجيرية التى تمت على يد مقاتلين أجانب تولى تدريبهم الجيش السورى الحر فى سوريا.
التدريب فى تركيا يقول الشيخ محمد أبو سمرة، القيادى الجهادى: إن الجهاديين الموجودين فى سوريا ليسوا جميعا من التابعين للجيش السورى الحر فقط بل انضم عدد لا بأس به للتنظيمات الإسلامية هناك هذا طبعا بخلاف جبهة النصرة -المنتمية لتنظيم القاعدة- وكان يتم التدريب فى معسكرات الثوار بتركيا ثم يدخلون إلى المناطق المحررة من سوريا، فالجهاديون حين يجدون موطنًا للجهاد، يبدءون فى تنظيم أنفسهم أو الانضمام للتنظيمات الموجودة فى المكان نفسه، ولكن من ذهبوا لسوريا عدد كبير منهم عاد إلى مصر لأنهم وجدوا شبهات كثيرة هناك، وتحول الموضوع لخلاف بين مسلمين ومسلمين، فعاد عدد كبير منهم إلى مصر مرة أخرى بخلاف من قُتل هناك.
محاولة اغتيال وزير الداخلية كانت محاولة اغتيال وزير الداخلية محمد إبراهيم على يد أحد العائدين منذ عدة شهور من سوريا، الأمر الذى تكتم عليه التنظيم فى مصر، ويرى المراقبون والخبراء أن أعداد العائدين إلى مصر ستزيد خلال الأيام المقبلة كثيراً، ولكن بعد الانتهاء من الأزمة السورية أولاً لأن أولوية الجهاد بالنسبة لهم الآن فى سوريا، بينما سيتوجهون بعدها إلى مصر مباشرة مما يشكل خطرا كبيرا فى الفترة المقبلة، وغالبا سيكون هذا الدخول عبر السودان، لأنه لا يوجد أى معبر آخر أو منفذ يدخلون من خلاله إلا من خلال الحدود الليبية أو السودانية، وما دون ذلك فسيكون صعبا جدا، مع الأخذ فى الاعتبار أن الدخول عبر الحدود السودانية سيكون أسهل كثيرا من نظيرتها الليبية التى تعج بالألغام التى تحتفظ الحكومة المصرية وحدها بخريطة توزيعها، إذ كان ذلك مقصودًا لحماية حدود مصر الغربية، وليبقى السودان وحده منطقة الاختراق الحقيقية والبوابة المفتوحة على مصراعيها لدخول مصر. مصريين ماتوا فى سوريا كذلك فإن هناك من فقدوا أرواحهم من المصريين فى سوريا أمثال «حذيفة عبدالباسط «شاب مصرى استشهد فى سوريا ويتغنى الشباب السورى ببطولاته إلى الآن، وقالوا عنه إنه خاض معارك بطولية منفرداً فى مواجهة رجال بشار الأسد، حتى اقتحم حاجزاً هناك لتحرير زميله المُصاب وبالفعل وصل ل «أحمد بقبوق» الذى قد أصيب واستشهد على الفور، ورفض أن يتركه وظل يقذف بالقنابل اليدوية التى فى حوذته وينادى على زميله الذى لقى مصرعه، وحاول حمله، إلا أن جاءت التعزيزات لرجال من كانوا يحاربونهم، وأفرغ حذيفة وقتها، «خمسة مخازن سلاح» برشاشه «الكلاشينكوف» وقد أوقع بينهم قتلى وجرحى كثر، وقد امتلأت بهم جنبات الحاجز الذى أقامه رجال النظام الأسدى لاصطياد المدنيين من خلال الصواريخ التى يتم قذفها ليلاً على أحياء «إدلب».