المقاومة ليست فقط بالضجيج والصراخ والحشد المتجهم، بل إن مظاهر الحياة المبهجة وحدها تكفى لمواجهة الأفكار الظلامية التى يحاربها المجتمع الآن، ولا ترى فى الحياة إلا كل ما هو متجهم وكريه، ففى الوقت الذى تشتعل فيه بعض الجامعات بمظاهرات إخوانية تستعذب الدماء، شهد حى الزمالك انتفاضة من البهجة المصرية الخالصة، هى أول مهرجان رقص فى الشارع تحت عنوان «ترقص». المهرجان هو نتاج حملة أطلقها موقع «المسخرة بالشين» ووجه خلالها دعوة عامة لجموع المصريين من أجل القدوم و«الرقص» فى الشارع، أو مجرد الحضور والاستمتاع بالموسيقى والفعاليات المبهجة. الذين لبوا الدعوة يوم الخميس الماضى كان أغلبهم من الشباب، بعضهم من سكان الزمالك وأغلبهم من خارجها، واللافت أن الباعة المتجولين بالمنطقة أتوا للمشاركة فى الاحتفالية، ليس فقط لبيع غزل البنات والمناديل ولكن للرقص والغناء. فى تمام الثالثة عصرا بدأ المهرجان أمام كلية فنون جميلة، ومنذ الدقيقة الأولى تنافس الشباب على إثبات جدارتهم فى إتقان مختلف أنواع الرقص مثل الهيب هوب والبريك دانس والسالسا، وكان الرقص يتم فى الشارع مباشرة مثلما يحدث فى المهرجانات الغربية، وكانت فرصة دعاية كبيرة لعدد من الراقصين المحترفين المشتركين فى برنامج اكتشاف المواهب Arab,s got talent والذى بدأ تصويت الجمهور فيه هذا الأسبوع، إذ قدم الراقص hamad عرض بريك دانس تفاعل معه الحضور وطلبوا منه إعادة فقرته مرة أخرى، أيضا new mind crew قدموا فقرة خاصة هى نفس العرض الذى قدموه أمام لجنة التحكيم فى Arab,s got talent. وعلى الصعيد الغنائى شاركت فرقة let,s play percussion وقدموا فقرة من العزف الإيقاعى تفاعل معها كل من بالشارع، أما فريق «اسمه إيه» فقد قدم عرض بانتو مايم صامتا، بعدها قدم El- mazzikaty band فقرته قبل يستأذن للرحيل لاستكمال بروفاته لحفله القادم بساقية الصاوى. آخر الفقرات اليوم الراقص كانت مع فريق TAXI BAND والذى بذل جهداً كبيراً للغناء بشكل احترافى فى شارع مفتوح، خصوصاً مع تزايد الأعداد غير المتوقع، لكن الفريق لم يبخل على الحضور بفنه خصوصاً أن البعض كان قد جاء من محافظات أخرى فقط لحضور فعاليات اليوم والاستمتاع. على هامش الرقص قدم المسئولون عن المهرجان أيضا فعالية «التراشق بالألوان» والتى أضافت جوا من البهجة والحيوية إلى اليوم، والذى انتهت ساعاته الثلاث سريعا، ففى تمام السادسة قررت الشرطة -التى حضرت مع بداية التجمع للتأمين- فتح الشارع لعبور السيارات، فبعد مفاوضات مع منظمى المهرجان قرروا الاكتفاء بالثلاث ساعات من الرقص والبهجة وإنهاء الحفل. تحدثنا مع الشابة «رضوى سمير، صاحبة فكرة مهرجان ارقص، والتى أخبرتنا أن الفكرة فى البداية كانت عبارة عن أمنية كتبها أحد أعضاء فريق موقع “المسخرة بالشين” على صفحته الشخصية يوم 2 يوليو على “فيس بوك”، أوضح فيها أنه يرغب فى الرقص فى الشارع فرحاً بسقوط دولة الإخوان ورحيل “مرسي” عن الحكم.. وبعد عدة تعليقات من أصدقائه تطورت الفكرة إلى إطلاق دعوة عامة للناس للرقص فى الشارع فرحاً بنجاة مصر من حكم الجماعة. وبالفعل تم التحضير لليوم واختيار المكان وعمل “الإيڤنت” على فيس بوك، لكن أحداث العنف والإرهاب الذى شهدته البلاد بعد ثورة 30 يونيو، ثم فرض الحظر، ودخول شهر رمضان، جعلا أصحاب الفكرة يؤجلون المشروع حتى تهدأ الأوضاع. رضوى سمير أوضحت أن منذ بداية أكتوبر عادت الفكرة مرة أخرى للبروز، وقرروا تنفيذها بعد دخول المدارس والجامعات واستقرار الوضع نسبياً، وأكدت أنه بعد نجاح فعاليات اليوم تنوى تكرار التجربة على نطاق أوسع، إلى أن نصل لمرحلة عقد مهرجان الرقص بشكل دورى مثل الكرنفالات الكبيرة التى تضىء أمريكا اللاتينية. وعن مكونات هذا الحدث الاستثنائى، يقول أحمد برعى، مدير فريق «اسمه إيه»، إن المهرجان تضمن العديد من المفاجآت الغنائية والفنية المختلفة، وقدم من خلاله الفريق عددًا من عروض التمثيل الصامت «المايم» التى استمتع بها الجمهور بسبب أدائها البسيط والكوميدى، وتمنى برعى تكرار التجربة مرة أخرى مختتما: «على جميع المهتمين بالفنون الإبداعية تنظيم مثل هذه المهرجانات والفعاليات، وكفانا انتظار القيادات الحكومية أن تنعش نبض الفن فى مصر وحدها».