أشرف عبدالشافى: يكتب كان طوق الحمامة مفاجأة القرن العشرين ، رجل دين يؤلف كتاباً كاملاً عن الحب! ويا داهية دقى ، فالرجل أحصى فى البداية خمسين اسماً للهوى والحب واللوعة والشوق والسهد والصبوة والجوى والحنين ،وزاد على ما أحصاه ابن القيم فى روضة المحبين،وخصصّ أبواباً لأسباب الوقوع فى الحب وصفات العاشق وطبائع المغرمين وأساليب الهوى وفن المراسلة ،ليس هذا فحسب بل انه اختار " الحمامة وطوقها "عنوناً للألفة والإلاف والتقارب والتناغم ، ولماذا الحمامة يا مولانا؟ ، قال رحمه الله إن نوحاً عليه السلام اختارها ليعرف إن كان الطوفان قد انحسر عن الأرض فكانت خير رسول ، والحب طوفان قد يغرق فيه المحُب إن لم يختر " سفيراً " جيداً يكون " حمامة الغرام " وينقل إلى المحبوبة الجوى ونار الهوى . انه ابن حزم الندلسى (384 456ه) الذى يستحق لقب القائد والمُعلم الثانى بعد "أوفيد" صاحب الكتاب الأشهر " فن الهوى"، حيث يتجول فى حدائق العشاق ويقدم إلينا النصائح والمواعظ حتى نفوز بقلب الفتاة وكيف تُحصنها من المتلهفين إليها . 2 يوصيك ابن حزم (أكبر علماء الإسلام تصنيفًا وتأليفًا بعد الطبرى "أبو محمد , على بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب بن صالح الأندلسى القرطبى 384 456ه ) بأن لا تترك باباً من أبواب أنوثتها إلا وتطرقه مرة وأثنتين وأربعة ، ويحذرك من اليأس إن شعرتْ بأنها تتجاهل وجودك ، فهذا وهم كبير فهى تحس بك وربما تسمع دقات قلبك! ، كيف يا مولانا ؟! يقول الإمام البحر كما لقبوه :".. وشىء أصفه لك وهو أنى ما رأيت قط امرأة فى مكان تحسّ أن رجلاً يراها ، أو يسمع حسها ،إلا وأحدثت حركة فاضلة ( زائدة ) كانت عنها بمعزل،وأتت بكلام زائد كانت عنه فى غنية (رغى فاضى يعنى ) ،والرجال كذلك إذا أحسّوا بالنساء فإما إظهار الزينة ، وترتيب المشى ،وإيقاع المزاح عند قدوم المرأة " ويمضى بك بن حزم ليدفعك إلى التمسك بالفتاة التى دق لها قلبك ، فالسماء قد أنعمت عليك بمن تتشابه فى محاسنها وملامحها مع خيال روحك ، والأرواح كما يقول مولانا جنود مجندة ما تعارف منها آتلف وما تناكر منها اختلف وقبل أن تراها كنت غير قادر على تحديد ما تريد ، أما الآن فقد اهتز بدنك وانشغلت بها روحك وتلك أولى علامات الحب ، وإذا وجدت نظرك لا يحيد عنها والعين تتابعها ويجن جنونك إن غابت بحثاً عن أخبارها فاعلم أنه الهوى وعليك أن تقتنص الفرصة ، وقديماً قال أحد العارفين بالهوى والعشق: "غريب – يا أبنائى – أمر الحب ،يدفع الإنسان إلى اختيار فتاته من بين مئات النساء ومن المؤكد أن هناك من تشبهها ،بل من تتفوق عليها حسناً وجمالاً لكنها بالذات تستأثر عواطفه وتمتلك كل تفكيره - إننى أتصور – يا أبنائى – أن حركة الحب لا تقل إعجازاً عن حركة الأفلاك" . ولأن النساء رياض كما يصف شيخ الإسلام تذبل إن لم نرعاها ، فعليك وإيانا أن نسقى الورد ونقص حشائش البستان ونشم عطر الياسمين . كن قريباً منها مراعياً تقلبات مزاجها حريصاً على هدهدة روحها ، وعليك بالرسائل فالأنثى تنتظر المكتوب وتتلهف إلى البريد أو الأنبوكس فى زمن الفيس ولا تبخل بشراء ورق جيد ويا حبذا لو عملت بنصيحة الشيخ الإمام ووضعت عطرك على "الرسالة" أو ضمنتها وردة ،فحبيبة قلبك قد ُتقبلها أو تدسها فى فتحة صدرها إن داهمها متطفل سخيف ، وإذا أسعدك حظك وكانت هى سيدة فراشك وبيتك فلا تتكاسل عن عشقها كأنها أول مرة تراها واحتفظ بذكريات حبكما طازجة وتحادث معها عن أول نظرة والصدفة التى صاحبت لقائكما ، ولا بأس من الثناء على صديقتها المخلصة التى كانت " حمامة الغرام " أو الذم فى تلك التى كانت تدبر مؤامرات ضد حبكما الأسطورى الذى تكلل اليوم بالزواج ، وأصبح بإمكانكما أن تتهامسا كعشيقين يخطفان قبلة وسط الزحام ، وينفردا ببعضهما لأول مرة ،واسكر بسحر اللحظة واهتف مع ابن الرومى : أعانقها والنفس بعد مُشوقة إليها وهل بعد العناق تدانى ؟! وألثُم فاها كى تزول صبابتى فيشتد ما ألقى من الهيمان ! كأن فؤادى ليس يشفى غليله سوى أن يرى الروحين تمتزجان !!. 3 والكتاب فى مجمله وصايا للرجال كى يكسبن حب زوجاتهن ، ونصائح للنساء لتصبح أنثى زوجها وعشيقته وخطيبته وطفلته وأمه إن شاء مادام يسقى الورد ويقص الحشائش ويزين حديقته بيديه فالنساء رياض كما أوضح مولانا. ورغم أن الفقيه العلامة الكبير ألف كتابه هذا ليؤكد أن الحب والعشق هما لذة الفراش ومن دونهما تنهدم الحياة وتفتر المودة وتذبل المحبة ، إلا أن الحمقى تطاولوا عليه واتهموه فى دينه باعتباره يروج للرذيلة وينشر الفاحشة!! وهو حال كبار الفقهاء فى التاريخ الإسلامى الذين اهتموا بفنون الحب والهوى لتثقيف الأزواج وتوسيع مخيلتهم حتى يصلوا إلى لذة الحياة ، فإذا كان الإسلام لم يغفل هذا الجانب المهم فى الحياة فإن مهمة العلماء الشرح والتفسير وتذليل الصعاب أمام لذة العشق، ولكن كيف يفهم غلاظ القلوب ؟! ...................... من كتاب : فن الهوى .. تحت الطبع اللوحات المصاحبة للفنان الروسى: (فلاديمير فوليجوف)