إن هذا المشهد الذي نراه جميعا والذي يكشف إلي أي مدي وصلت حالة الفوضي داخل مؤسسة الرئاسة والنظام السياسي الحالي بشكل عام يجعلنا نعرف لماذا جاء وزير الخارجية الأمريكية جون كيري إلي القاهرة؟!.. فالأوضاع تنهار بمعدل خطير والسلطة الحاكمة وجدت نفسها محاصرة برفض شعبي كبير، وهو نفس المأزق الذي كانت تغرق فيه دولة مبارك كثيرا، ولذلك بدأت جماعة الإخوان تفكر في نفس الحل القديم لشراء غطاء سياسي يمتلك القوة لمساندتها ودعمها في تلك المرحلة الخطيرة، ولذلك قوبلت تلك الزيارة برفض شعبي كبير ففي الوقت الذي تندلع فيه الاعتصامات والإضرابات ويتم الإعلان فيه عن العصيان المدني نجد دولة الإخوان تتجه أولا إلي إجراء الانتخابات البرلمانية وتبحث ثانيا عمن يضمن لها البقاء والاستمرار!!.. وهي الولاياتالمتحدةالأمريكية التي كانت بالأمس العدو وأصبحت اليوم الصديق والمنقذ!! إن زيارة كيري ليست سوي صفقة جديدة من صفقات أمريكا مع الأنظمة العربية القديمة منذ عقود مضت وهي السياسة التي كانت ترفضها جماعة الإخوان التي تحتمي اليوم بأمريكا وأتباعها من الصهاينة واليهود!!.. وقفت قيادات الإخوان قبل الوصول إلي الحكم ضد تلك الممارسات وقامت ثورة يناير من أجل كرامة مصر واستقلالها وحريتها ولكن شاء القدر أن نعود إلي النقطة صفر وأن نبدأ من نفس المربع الذي بدأناه منذ عهد السادات ومبارك!!.. إن الدماء المصرية التي سقطت في الشوارع والميادين كانت من أجل الحرية وليست من أجل الركوع تحت أقدام الأمريكان!!.. إن أمريكا ليست سوي الوجه القبيح للوبي الصهيوني المنتشر في الولاياتالأمريكية والمكون من كبار رجال المال في العالم وهذا اللوبي هو الذي يتحكم في القرار الأمريكي وهو الذي يدفع رواتب للوزراء ويمول حملات رؤساء أمريكا الانتخابية، ولاشك أن جماعة الإخوان تعرف أكثر مني عن هؤلاء وعن صفقاتهم السياسية القذرة، وبكل أسف فإن النظام الحالي يقع في نفس أخطاء نظام مبارك ويحل لنفسه ما قام بتحريمه بالأمس!!.. ومن هنا لابد أن نسأل: ماذا سيقدم جون كيري أو الولاياتالمتحدةالأمريكية لمرسي؟ وماذا ننتظر؟! أولا علينا أن نعرف أن أمريكا لم تكن بعيدة عن الإخوان وعن مكتب الإرشاد حتي قبل خلع مبارك بسنوات وقد بدأ التقارب بين البيت الأبيض ومكتب الإرشاد منذ عام 2005 وتوالت اللقاءات سواء بين قيادات إخوانية وجهات رسمية أمريكية أو من خلال دعم الولاياتالمتحدةالأمريكية لمواقف بعينها، وبالطبع امتد هذا التقارب بعد ثورة يناير مباشرة وتطور حتي وصل إلي لقاءات جمعت جون كيري نفسه حين كان عضوا في مجلس الشيوخ الأمريكي بقيادات جماعة الإخوان قبل إجراء الانتخابات الرئاسية وكان لجون كيري زيارتان لمصر بعد الثورة، كانت الأولي في 12 ديسمبر 2011 والثانية في أول مايو 2012، لم تمرا إلا بعد أن التقي فيها قيادات جماعة الإخوان المسلمين، وكانت الأولي بعد 10 أشهر من الثورة، والتقي فيها مرشد الإخوان المسلمين الدكتور محمد بديع، والمرة الثانية التقي فيها الأمين العام لحزب «الحرية والعدالة» وقتها الدكتور سعد الكتاتني، وأثارت الزيارتان الانتقادات وقتها بعد أن نفت جماعة الإخوان اللقاءات رغم وجود صور للقاءات!!.. وكان المهندس خيرت الشاطر نائب مرشد جماعة الإخوان المسلمين، حريصا علي توجيه رسالة إلي السفارة الأمريكية أعرب فيها عن ارتياحه لسلامة وأمن أفراد السفارة الأمريكيةبالقاهرة، وعدم تعرضهم لأي أذي خلال الاشتباكات الدامية بين المتظاهرين وقوات الأمن علي خلفية عرض الفيلم المسيء للرسول، كما التقي خيرت الشاطر السفيرة الأمريكيةبالقاهرة آن باترسون، في مكتبه بعمارة محجوب بمدينة نصر من قبل، ولاشك أن كل هذه اللقاءات والمناقشات سواء كانت معلنة أو غير ذلك تشير بقوة إلي أن النظام الحالي يلعب بنفس أوراق النظام السابق وأنه لا يتعلم من الأخطاء ولا يريد لهذا الوطن أن يستقل حتي ولو بشكل جزئي عن تلك الرعاية الأمريكية الجاثمة علي صدورنا، كان نظام مبارك يتحدي مشاعر الجميع ويواصل التقارب مع الأمريكان ويخضع لكل إملاءات البيت الأبيض وهاهم جماعة الإخوان يمارسون نفس الدور ويبحثون عن حماية لمناصبهم ونظامهم حتي ولو كان ذلك علي حساب شعب قام بثورة وضحي بأبنائه من أجل الحرية والكرامة!!.. ولاشك أن التيارات الإسلامية التي لم تتوقف عبر السنوات الماضية عن التظاهر ضد الأمريكان وضد الوحشية الأمريكية وضد وجود سفارتهم في قلب القاهرة بدأوا يتعاملون مع السياسة الجديدة بكل الرضا رغم أن اللوبي الصهيوني الأمريكي لم يتغير أو يتبدل، بل إنه عاد ليفرض كلمته علي مصر التي تعتبر قلب الوطن العربي، والسؤال للرئيس وباقي التيارات الإسلامية التي صدعت رؤوسنا بالجهاد ضد الصهاينة والأمريكان: أليست هذه هي أمريكا التي تقتل العرب والمسلمين في كل مكان؟!.. أين بيانات الشجب والإدانة والاعتصام أمام السفارة الأمريكية؟!.. وهل البيت الأبيض يعمل دون الرجوع إلي الجاليات اليهودية التي تمول حملات الرئيس الانتخابية؟!.. إن هذا الترحيب الغريب بزيارة وزير الخارجية الأمريكية جون كيري يؤكد أن اللعبة لم تتغير وأن قواعد تلك اللعبة ستظل في قبضة أمريكا وحليفها الكيان الصهيوني، وبالتالي فإنه ليس من المهم معرفة ماذا دار من حوارات بين كيري والرئيس مرسي في الكواليس ولكن الأهم من ذلك هو استخدام النظام الحالي لنفس الورقة القديمة التي أسقطتنا في الفقر والحاجة والخضوع للأمريكان، وبكل أسف فإن الشارع المصري الذي لم يعرف هذا الجانب عن جماعة الإخوان والذي ظنها ستكون شوكة في حلق أمريكا وأعوانها وأذنابها يصاب بالإحباط وفقدان الأمل، ولاشك أن المواطن المصري يتفاجأ كل يوم بمواقف مهينة يتم اتخاذها في هذا الشأن، وكان اعتذار الدكتور مرسي عن تصريحاته السابقة بشأن إسرائيل والكيان الصهيوني هو آخر حلقة في هذا المسلسل المهين والذي لم نكن نتوقعه من رئيس منتخب جاء لتغيير سياسة مصر الخارجية تحديدا تجاه الكيان الصهيوني والولاياتالمتحدةالأمريكية، إن التراجع والاستسلام تجاه أمريكا بدأ مبكرا وكانت كل المؤشرات تؤكد أن العلاقات بين جماعة الإخوان والبيت الأبيض سوف تتطور بشكل يعيد إلي الأذهان عهد مبارك، ولاشك أننا جميعا تابعنا بدايات هذا الركوع أمام الأمريكان عندما أدان البيت الأبيض تصريحات الرئيس محمد مرسي التي أدلي بها عام 2010، حين كان زعيما بجماعة الإخوان المسلمين، واعتبرها "معادية للسامية"، وكنا نتوقع أن تكون تلك الإدانة وسام شرف يضعه الرئيس علي صدره ويفخر به كموقف ثابت تجاه كيان صهيوني عنصري يمارس كافة أشكال الوحشية من قتل وتشريد واغتصاب للأرض والعرض، وكنا نتوقع أن يقف الدكتور مرسي ليؤكد أن مواقفه ثابتة في هذا الشأن وأن القبول بإسرائيل وفق البروتوكولات والمعاهدات لا يعني الموافقة علي ممارساتها العنصرية التي يدينها العالم أجمع، ولكن الدكتور محمد مرسي سارع بالاعتذار للصهاينة وأصدر بياناً علي لسان المتحدث باسم الرئاسة أن تصريحاته في 2010 تم نزعها من سياقها!!.. وهي الطريقة المعهودة في الاعتذار وتقديم فروض الولاء والطاعة للأمريكان والصهاينة!!.. ولو كان رئيس مصر شخصا غير الدكتور محمد مرسي الذي ينتمي إلي جماعة الإخوان المسلمين لكان الاعتذار عن تلك التصريحات وارداً، وكان طبيعيا أن نتعامل معها باعتبارها جزءاً من طريقة تفكيره ومن ثوابته الداخلية، ولكن الوضع مختلف مع رئيس من المفترض أنه يعادي الصهاينة والأمريكان ويرفض تركيع بلاده أمامهما، وبكل أسف فوجئنا بالرئيس المنتخب والذي يمثل جماعة الإخوان المسلمين التي ترفع شعارات محاربة الصهاينة يسارع بالاعتذار ويخرج خائفا مرتعشا بمجرد إدانة البيت الأبيض لتصريحاته السابقة!! والحقيقة أن تلك الواقعة كانت مؤشرا قويا علي ما يحدث حاليا وما سنراه قريبا من تقارب أمريكي، فالصفقات الشهيرة والتي تضمن حماية إسرائيل من خلال تعهدات للإدارة الأمريكية ستكون هي أول خيط في تلك الصفقة، سيضيف تنازلات جديدة تضيف إلي كاهل السياسة المصرية ما تتحمله من تبعية أزلية للأمريكان والصهاينة.. إن الحقائق التي تتكشف كل يوم تؤكد أننا بصدد دولة تابعة جديدة، وليست الخطوات التي يسير فيها مرسي في هذا الاتجاه مفاجئة بالنسبة لي، ولكني أقدمها اليوم لكل الذين توهموا ببناء دولة مستقلة وغير تابعة للصهاينة والأمريكان، وكل خطوات الدكتور مرسي منذ وصل إلي الحكم تؤكد أن مصر مقدمة علي مرحلة تركيع غير مسبوقة، وكتبت هنا عن زيارة هيلاري كلينتون التي وصلت القاهرة بعد أيام من وصول الرئيس محمد مرسي للحكم، وكان عنوان «الموجز» يومها "مصر الثورة تركع تحت حذاء هيلاري ونتنياهو!!.. شكرا يا مرسي"!!.. لذلك فكل مواقف الرئيس تجاه الصهاينة والأمريكان ليست مفاجئة بالنسبة لي، فالمؤشرات تؤكد أن الغرور الأمريكي مازال مستمرا وأن الرئيس مرسي يمارس نفس دور الرئيس السابق في الخضوع للإرادة الأمريكية الصهيونية، وقامت الثورة المصرية وكان من أهم أهدافها عودة السيادة المصرية ورفع السيف الأمريكي من علي رقاب العالم العربي والإسلامي.