أسسوا مبادرة "اليثيا" لدعم فكر الآبائي المستنير.. ووصفوا خطاب الكنيسة ب"العوار" تمردوا على التقاليد القديمة.. ورفضوا وضع دستور للإيمان حتى لا يقتلوا روح البحث والمناقشة ----------------------------------------------------------------------------------------------------- شهدت الساحة الكنسية مؤخراً ميلاد حركة قبطية جديدة خرجت من رحم صراع المعاصرة والتقاليد الكنسية، لتعبر عن أفكار جيل جديد من الشباب يحمل رؤية مختلفة تجاه الواقع الكنسي بدعوى استعادة تعاليم الآباء والحفاظ علي الثوابت الإيمانية، وذلك من خلال التمرد علي التقاليد القديمة ورفض أفكار المعجزات والخرافات كما نبذها من قبلهم أصحاب تيار الفكر الآبائي المستنير خلال العقود الماضية. وجاء ميلاد هذه الحركة على يد عدد من الشباب القبطي الذين أسسوا مبادرة بعنوان "اليثيا" أى الحقيقة باللغة اليونانية، وتهدف إلي تقديم العلم الديني بشكل مبسط وتفتح الباب للنقاش والحوار من خلال عقد محاضرات داخل قاعات كنسية مقابل أجر رمزي. ورغم أن هؤلاء الشباب تنوعت وظائفهم ما بين الطب والمحاسبة والتجارة، إلا أنهم خصصوا محاضراتهم لمناقشة الفكر اللاهوتي داخل الكنيسة الأرثوذكسية، مستعينين في ذلك بالترويج إلي كتابات الأب متى المسكين وأخرى من إصدارات مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية المحسوبة على التيار الآبائي المستنير فى الكنيسة. ويري مؤسسو المبادرة التي انطلقت عام 2016 أن الخطاب السائد كنسيًا يشوبه العوار وأن الغرض من هذه المبادرة ليس الخروج على تعاليم الكنيسة بل هى جسد من جسد الكنيسة وتعبر عن تيارها الآبائي الذى غابت تعاليمه طوال أربعين سنة سادت فيها أفكار عن المعجزات والخرافات لم تكن جزءًا من الفكر القبطي فيما قبل- علي حد قولهم. وأوضحوا أن تلك المبادرة تستهدف توفير مصادر مفتوحة للتعليم الأرثوذكسي وخلق حالة من الحراك اللاهوتي، مستلهمين في ذلك بالجدل اللاهوتي الذي شهده عصر الأب متي المسكين ومروراً بما حدث مع الدكتور جورج حبيب بباوي الذي حوكم كنسياً واتهم بالهرطقة بسبب فكره المستنير علي وصفهم. ورفض مؤسسو "إليثيا" اقتراح المجمع المقدس بكتابة دستور لإيمان الكنيسة القبطية، لأنه وفقا لتعبيرهم سيقضى على حالة الحوار القائمة حول القضايا اللاهوتية رغم إنها تحتاج سنوات، معللين ذلك بأن الدستور الكنسي سيحتكم للنص وليس الخبرة الكنسية وهو اعتراف ضمني أن الخبرة لا تكفى، بينما عاشت الكنيسة إيمانها طوال ألفي عام بتلك الخبرة الإيمانية التي سلمت الإيمان من جيل لجيل وحافظت على الطقس القبطي والليتوروجيا. من جانبه قال أمير سمير وكيل لجنة التعليم بمنظمة حلف مصر لحقوق الإنسان إن الكنيسة المصرية تمر بأخطر مراحلها فى العصر الحديث، فالمعركة الحالية أصبحت عبارة عن صراع حول الأفكار بداية من عصر الأب متى المسكين وحتى مقتل الانبا ابيفانيوس رئيس دير أبو مقار الأمر الذي أثار حالة من الجدل أكثر بين المنتفعين من الأفكار القديمة وخوفهم من ظهور تيار جديد يدعو إلى تشغيل العقل مثل مبادرة "اليثيا". وتابع: هذه المبادرة تقود حركة تنوير من خلال طرح بعض الأسئلة والموضوعات الشائكة المتعلقة ببعض الأمور المسكوت عنها من قبل أصحاب فكر السمع والطاعة داخل الكنيسة. وأشار سمير إلي أن اقتراح المجمع المقدس بكتابة دستور لإيمان الكنيسة القبطية سيقضى على حالة الحوار القائمة حول القضايا اللاهوتية وخاصة في ظل "الجوع المعرفى" لدي الشباب في كثير من الأمور الكنسية والذي يحمل مسئوليته بعض رجال الدين- علي تعبيره. وقال إن ما يقوم به رجال الدين يدفع الشباب للبحث عن منابع مياه صالحة يستقوا من خلالها معلومات وإجابات صحيحة لا تتعارض مع العقيدة أو طقوسهم الدينية. وناشد سمير أباء الكنيسة باحتواء الشباب والإنصات إليهم بدلاً من الهجوم عليهم أو انتقادهم في أفكارهم الجديدة التي تعبر عن روح العصر في التجديد والتطوير الذي يدعمه البابا تواضروس الثاني وينتهجه داخل الكنيسة منذ توليه للكرسي الباباوي من أجل إنتاج شباب واع وصالح يفيد المجتمع والكنيسة. وفي ذات السياق قال هاني صبري المحامي إنه يثار بين الحين والآخر في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية إشكالية الصراع بين المعاصرة والتقاليد الكنسية وينتهي الأمر إلي لا شيء لاعتبارات كثيرة، لذا يجب فتح هذا الموضوع المسكوت عنه باعتباره ضرورة ملحَّة لتلبية الكنيسة لاحتياجات شعبها، ولكي تستمر بأكثر فاعلية في أداء دورها المنوط بها. واستطرد: أن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية أحد أهم صمامات أمان المحافظة علي الإيمان المسيحي في العالم كله وتاريخها يشهد بذلك، والإيمان في كنيستنا هو إيمان واحد مصدره الكتاب المقدس ثم أقوال الآباء القديسين وقوانين المجامع المقدسة، وكتب الطقس الكنسي وتسمي في مجموعها بالتقاليد الكنسية وبالتالي يجب أن يكون التجديد والمعاصرة وفق هذا الأساس. وأشار صبري إلي أن هناك محاولات من البعض تتجاهل الحداثة وتحاول التخلّص منها أو احتوائها ويرونها من منطلقات دينية ضيقة - خصمًا لهم، وهو ما ولّد أزمة حالية بين المحدثين والتقليدين واتسعت الفجوة بينهم. وقال إن الواقع الذي نعيشه حالياً أصبح يتطلب من الكنيسة أن تجمع الفكر التراثي والمعاصر، فالبحث في كنوز الآباء لا ينفصل عن وعينا بواقعنا المعاصر، وما نستلهمه من الآباء نترجمه في لُغة العصر لنُصِّدر خطابًا يُعبِّر عن الكنيسة التي تحمل في جعبتها جدداً وعتقاء- علي حد تعبيره. وأضاف: يجب أن نستعد للتجدُّد والمغامرة في التلامس مع إشكاليات العصر دون أن نقطع الخيط الذي يصلنا بهوّيتنا الإيمانيّة، وكذلك فهم الفكر الآبائي بمعناه الصحيح وهو السير على خُطاهم، المُحاكي سيرتهم، الواعي بدوره المعاصر، والمنفتح على قضايا وإشكاليات مجتمعه. ويري صبري أنه عندما يثار خلاف داخل الكنيسة بين بعض الأشخاص لتحقيق مصالح شخصية ضيقة أو ادعاء مجد زائف مما يدعون أنهم حماة الإيمان وحراس العقيدة وغيرهم من المحدثين فإنه تكون معارك ثنائية صفرية ومفتعلة لا فائدة منها ولا طائل من ورآها وتستطيع الكنيسة تجاوزها والتصدي لها. واقترح صبري بعض الأمور التي تساهم في الحفاظ علي استقرار الكنيسة وإنهاء الصراعات داخلها ومنها التواصل مع المخدومين لمعرفة احتياجاتهم، ومنع تدخل رجال الدين فى السياسة، والإسراع في إعداد دستور للكنيسة القبطية كما أوصي به المجمع المقدس. الهرم الكنسي تضم العقيدة المسيحية العديد من الألقاب القبطية في الهرم الكنسي، ما بين راهب وقمص وأسقف وشماس وقسيس وغيرها من المسميات التي تعطى وفق الرتبة التي حصل عليها الشخص الكنسي وفق أعماله الخدمية بالكنيسة. وتختلف الطوائف القبطية في الهرم الكنسي فالطائفة الإنجيلية والتي يرأسها الدكتور أندريه زكي حاليًا، ليس لها هرم كنسي معرف به مثل الطائفة الأرثوذكسية، ولكن بابا الكاثوليك أي المسئول الأكبر عن شئون الكاثوليك هو بابا الفاتيكان. ويعد لقب "الأسقف" وهى كلمة مشتقة من الكلمة اليونانية إبيسكوبوس ومعناها المشرف، وهى رتبة دون المطران وتعلوا القسيس والأسقف هو رئيس القساوسة، ويقوم بدور البابا في إلقاء الدروس والوعظات وتقديم الاستشارات وإدارة أمور الكنيسة في منطقته. ويعتبر الأسقف هو الأب المسئول عن عدد من الكنائس داخل مدينة أو إقليم محدد، وهو يترأس القسوس والقمامصة القائمين على تلك الكنائس، ويتخذ عادة الكنيسة الكبرى في الإقليم مقرًا له، وتعرف في هذه الحالة بال(كاتدرائية)، ويوضع في جميع الكنائس كرسي خاص بالأسقف تقديرًا لقامته الدينية، ولأهمية تلك الرتبة الدينية كما يتم اختيار الأسقف من بين الرهبان (القساوسة والقمامصة المتبتلين ساكني الأديرة) وهو رئيس قساوسة وقمامصة الكنائس الواقعة داخل أبارشية جديدة أو صغيرة "المدن الكبيرة أو الصغيرة". ويعود استخدام هذا اللقب تاريخيًا حين كان عدد الأساقفة قليلًا في البداية، وكانت الجغرافية هي التي تميز الأساقفة بعضهم عن بعض، وكان اسم الأسقف مرتبط دائمًا بمدينته. بينما "القسيس" هو لقب مشتق من كلمة يونانية بمعنى "الشيخ"، وهو رئيس الأقباط في علوم الدين و مقيم الصلوات وهو تحت الأسقف و يعلوا الارشيذياكون و هو رئيس الشمامسة. ويعتبر القسيس هو كاهن الكنيسة والأب الروحي، ووجوده هو تطبيق لسر "الكهنوت" أحد أسرار الكنيسة السبعة المعترف بها لدى الطوائف الأرثوذكسية والكاثوليكية، وتشمل مهامه إقامة الصلوات والطقوس التي تتمثل في صلاة القداس الإلهي و تقديم سر التناول وطقوس المعمودية وصلاة الاكليل أو صلاة التجنيز وتبريك البيوت، بالإضافة إلى دوره التعليمى في تقديم الوعظ الديني وتفسير الكتب الدينية والارشاد الروحي، أو ما يعرف بالاعترافات وهي أن يقوم أي شخص بالاعتراف باخطائة للقسيس حتى يتجرد من اخطائة ويتوب إلى الله عن أفعاله الخاطئة. وتنقسم رتب القسيس داخل الكنيسة إلى ثلاث درجات. أولًا القس وهو أحد الكهنة، و ثانيًا القمص كبير القسوسة بالكنيسة، وهذه الكلمة مشتقة من اللغة اليونانه وتعني "مدير"، وثالثًا الخورى ابسكوبس معاون الأسقف بالقرى، و"الخورى ابسكوبس" هي كلمة يونانيه معناها "أسقف القرى". أما المطران هو أسقف كبير ذو أقدمية ويكون عادة أسقفًا على الابارشية المهم من حيث الحجم والتاريخ ويطلق على الابارشية التي يتبعها مطرانية. ويشمل الهرم الكنسي رتبة "الشماس"، وهي كلمة تعني الخادم ومهمته تفقد الخدام أو الأقباط المسؤول عن رعايتهم ومعرفة أخبارهم، ويقوم بالوعظ والإرشاد والخدمة الروحية كما يكون مساعد الأسقف، وكلمة شماس معربة مأخوذه من اليونانية.