بدأت الأحزاب السياسية في تونس الاستعداد بقوة للانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة ، حيث بدأت تعمل لاستقطاب الناخبين من خلال حملات تتخللها خطابات مليئة بالوعود والاحصاءات للقضاء على البطالة وتحسين الوضع الاقتصادي، وتحسين أوضاع البلادبشكل عام. وكانت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس أكدت أن موعد إجراء الانتخابات التشريعية سيكون في السادس من أكتوبر المقبل، بينما سيتم إجراء الانتخابات الرئاسية في 10 نوفمبر. ويرى الخبراء أن المشهد السياسي في تونس سوف يشهد خلال الشهور المقبلة لحين إجراء الانتخابات صراعا قويا بين مختلف الأحزاب، وستكون مسألة الإرهاب وحقيقة وجوده في تونس والجهات التي تموله وتغذي وجوده من أهم الموضوعات التي ستشغل الناخبين والمرشحين على حد سواء. وعلى الرغم من أن الانتخابات التشريعية سوف تجرى قبل الانتخابات الرئاسية، إلا أن غالبية الأحزاب تركز بشكل كبير على كرسي الرئاسة الكائن في قصر قرطاج، رغم أن دستور عام 2014 قلص صلاحيات رئيس الدولة وحصر منصبه فقط على المسائل المرتبطة بالعلاقات الخارجية والأمن والدفاع الوطني. ولا يزال هناك انقساما بين النخب التونسية حول هذا المنصب، فهناك من يرى ضرورة لتوسيع صلاحيات الرئيس بسبب تغيير النظام السياسي، وآراء أخرى ترى ضرورة تقليص صلاحيات الرئيس حتى يبقى منصبا شرفيا كما هو الحال في إيطاليا مثلا. كل هذا الجدل يعني وفقا للخبراء السياسيين أن الصراع على منصب الرئيس في تونس هو الذي يحرك خارطة التحالفات هذه الأيام. وكان الرئيس التونسي الحالي الباجي قائد السبسي اشترط ترشحه لانتخابات 2019 بنجاح مؤتمر حزب نداء تونس، المتوقع عقده أوائل شهر أبريل المقبل، وهو الحزب الذي قاد حملته الانتخابية عام 2014، وأسسه على منهج مختلف عن فكر الإسلام السياسي الذي كان يحكم البلاد قبله. ويرى السبسي أنه سيستجيب للواجب إذا فرض عليه تقديم نفسه لموعد الانتخابات المقبلة 10 نوفمبر المقبل. ويپدو أن السبسي سيحظى بتأييد أعضاء حزب نداء تونس ليكون ممثلا له في الانتخابات الرئاسية، حيث صرح القيادي بالحزب رؤوف الخماسي، بأن السبسي هو مرشح طبيعي عن الحزب، لأن ما قام به من إنجازات في خلق توازنات سياسية ضد الإخوان خلال فترة حكمه الأولى يجعل منه رمزا للعائلة الحداثية. ويعتقد الخماسي القريب من السبسي أن الرئيس التونسي سيحدد مصيره الانتخابي خلال شهر أبريل المقبل، مؤكدا أن اهتمامه اليوم متجه نحو إنجاح القمة العربية التي ستحتضنها تونس آواخر مارس الجاري. أما جماعة الإخوان المسلمين في تونس متمثلة في حركة النهضة فترغب أيضا في المنافسة بقوة على منصب الرئيس ، حيث بدأت الحركة فور الإعلان عن موعد الانتخابات في إجراء عدة اتصالات للتفاوض مع عدد من الشخصيات السياسية لدعمها في الانتخابات الرئاسية المقبلة، حيث تفاوضت مع رئيس حزب المبادرة كمال مرجان، وأكدت مصادر أن هناك اتصالات سرية مع سياسيين آخرين لدعم منصف المرزوقي من جديد، حيث يصعب ترشح راشد الغنوشي لمنصب الرئاسة بسبب الرفض الشعبي له، وذلك بعد مواجهته لعدد من القضايا في المحاكم التونسية . وكان كل من وزير العدل التونسي السابق غازي الجريبي ووزيرة الشباب والرياضة السابقة مجدولين الشارني قد حركا قضية ضد الغنوشي، لمطالبته بأن يمد القضاء بأسماء الوزراء الفاسدين ويقدم الحجج والأسانيد التي صرح على أساسها بأنه كان هناك وزراء فاسدين، وإلا يعتبر متسترا على الجريمة ومشاركا فيها، وفى حالة عجزه عن ذلك فإن تصريحه يعتبر ادعاء بالباطل. وبشكل عام يرى الخبراء أن الغنوشي يعد من الشخصيات غير المرحب بها في تونس، حيث بينت عدة استطلاعات أن الغنوشي يحظى بنسبة 3% فقط من الشعبية عند التونسيين. وبعد أزمة الغنوشي تبحث حركة النهضة عن الشخصية السياسية التي تساعد على إخفاء الملفات العالقة بها مثل قضية الاغتيال السياسي ، ومسئوليتها في انتشار الإرهاب ، وتسفير الشباب التونسي إلى مناطق القتال في تنظيم داعش الإرهابي، أثناء الفترة التي حكمت فيها البلاد بين عامي 2011و 2014 ، حيث إن هيئة الدفاع عن شكري بلعيد ومحمد البراهمي اللذان تم اغتيالهما توصلت إلى حقائق خطيرة فيما يتعلق بالجهاز السري للحركة وتورطه في قتلهما. أما فيما يتعلق باليسار التونسي المتمثل في الجبهة الشعبية، فيتوقع الخبراء وجود انقسامات داخله بسبب الطموحات المتزايدة في الوصول إلى قصر قرطاج، حيث قام منجي الرحوي بترشيح نفسه دون المرور على المجلس المركزي للأحزاب الشريكة في الجبهة، الأمر الذي شكل أزمة نتج عنها تراشق خطابي بين مكونات هذا الائتلاف الذي حافظ على صموده منذ تأسيسه عام 2012. ووفقا لتصريحات أيمن العلوي النائب في البرلمان عن الجبهة الشعبية،فإن تباين المواقف بين حزب العمال وحزب الوطنيين الديمقراطيين لا يعني وجود انشقاقات، فيما أكد أن اليسار التونسي يختلف دون أن يؤثر ذلك على وحدته، مشيرا إلى أن الجبهة ستجري انتخابات داخلية لتقديم مرشح عام لها. وتشير التوقعات إلى أن الجبهة ستختار حمة الهمامي الذي ترشح عن الجبهة الشعبية عام 2014، حيث يعتبره العديد من قيادات اليسار التونسي زعيما سياسيا أوحد ، ومن الضروري الوقوف إلى جانبه كمرشح للعائلة الديمقراطية الحداثية في تونس دون غيره. كما يرى أعضاء الجبهة الشعبية أن النضالات التاريخية لحمة الهمامي منذ سبعينيات القرن الماضي تجعل منه الأوفر حظا في تمثيل اليسار التونسي في الانتخابات المقبلة. ويرى الخبراء أن اليسار التونسي وصل إلى مرحلة من النضج تجعل منه أكثر وعيا بمقتضيات المرحلة والعمل على إنقاذ البلاد من سياسات الإخوان الإرهابية.