عقدت أمس بنادى القصة ندوة لمناقشة المجموعة القصصية الموسومة ب "فلفل حار" للقاص الروائي صبحي فحماوي، من الأردن، تحدث فيها كل من د. مدحت الجيار من جامعة الزقازيق، ود. سليمان العطار من جامعة القاهرة، ود. حامد أبوأحمد من جامعة الأزهر بالقاهرة، ود. شريف الجيار من جامعة بني سويف، ابتدأها الدكتور مدحت الجيار فقال: إن صبحي فحماوي بدأ قاصاً سنة 1987 حيث أصدر مجموعته القصصية الأولى الموسومة ب "موسم الحصاد"، ثم غاب عنا عشر سنين ليخرج علينا بمجموعته القصصية الثانية "رجل غير قابل للتعقيد" ثم غاب تسع سنين أخرى فإذ به يتدفق علينا بمنتج متتابع من الروايات والقصص القصيرة، ويبدو أنه كان يستفتي قلبه؛ هل يستمر مهندس حدائق – أم يتفرغ ليكون روائياً وقاصاً؟ ويبدو أن مصر قد استأثرت بداية بروايات صبحي فحماوي، وقدمته إلى الجماعة المصرية، وهذا يعود بالفضل على مصر، هذا الوطن الذي رعاه، فكان الاتكاء على التجربة التي عاش فيها الطالب فحماوي في جامعة الاسكندرية، لتكون روايته "الاسكندرية 2050" التي رسم فيها معالم مستقبل الوطن العربي وليست الإسكندرية وحدها لعام 2050. واليوم يعود إلينا في مجموعته القصصية "فلفل حار" ليرد الجميل بتذكره ما حصل معه في الاسكندرية، حين آثر أن يعرض للظروف الصعبة التي يعيشها طالب جامعي بعنوان "أيام جامعية" إذ أراد أن يشير إلى أشياء تعفيه من السخرية من "أبو اسماعين" صديق أبيه. وفي المجموعة مشاهد غاية في الجمال، تصور كرم العرب، ففي قصة "أحد شباب ثورة 25 يناير" تجد الولد الثائر في مصر يعطيه الخبز من المخبز مجاناً، وليس المصريون فقط الذين يكرمون، بل اللبنانيون أيضاً تجدهم في منتهى الكرم، وذلك ما نقرؤه في قصته "تقرير صحفي من لبنان" (اللبناني ما بيقفل باب، بابه مشرّع عالميلين) ولكنه في نفس المجموعة كتب قصة عن البخل بعنوان "ما لم يقله الجاحظ في كتابه (البخلاء)" فصور بخلاً يفوق ما جاء في كتاب الجاحظ، وهو (بخل ما بعد الموت). وأضاف الجيار: أعتقد أنه يخلق توازناً في قصصه التي يسردها عن الكرم، فيسرد بعدها قصصاً تصور شدّة البخل، لدرجة تجده أحياناً يقترب في مفارقات سرده من النكتة. وهذا ما يجعلني أعتقد أن ملفات فحماوي التي لم تنشر بعد تحوي أكثر من خمسين قصة، ولكنه عندما يشاء أن يصدر كتاباً في هذا الخصوص، فهو يُنسقها ويوازنها، ويقلب المآسي، ويجمع قصص الجماليات على قصص القبح، حتى أنه يُطَلِّع مصارين العالم العربي، إذ أنه من خلال قصتين لبنانيتين أحزنني على بيروت القائمة من أحداث الحرب الأهلية اللبنانية، والتي كانت باريس الشرق السياحية، ومتنفس العرب، وفيها الموضة، وفيها تحل جميع مشكلات العرب، وفيها تنعدم الرقابة على كل شيء، ابتداء من شعرائها وكُتّابها العرب، وصحافتها وأفلامها وأسواقها الحرة التي هي بلا ضرائب، إلى البضائع التي تباع بأعلى الأسعار، وحيث تعقد المؤتمرات العلمية، وتُجرى العمليات الطبية المتخصصة، لنجدها في النهاية قد انهارت وتحطم بنيانها بهذه الحرب. وإنني مدين لهذه القصة التي أفهمتني ما لم أكن أعرفه من قبل (كيف تكّون "حزب الله"). ولهذا فحين تنتهي من قراءة هذه المجموعة، يحصل لك شعور متوازن ب (الفلفل الحار) الذي يحمله العنوان. وتحدث د. سليمان العطار فقال إن القاص صبحي فحماوي هو حكاء بطبعه، فلو جلست معه، لحكى لك في سهرة واحدة مجموعة قصص تعمل منها كتاباً كاملاً. ولهذا فهو متمرس بطبعه بحكاية القصة وواثق من نفسه بكتابتها بطريقته الخاصة به. وقال العطار رئيس الأدب الإسباني والدراسات العليا في جامعة القاهرة: وأما عن عتبات النص – العنوان - والذي نتوقع منه أن يُلخص العمل، فالعناوين عند فحماوي لا تعطي هذا الانطباع من القراءة المبدئية، وإنما تكتسب معناها العميق أثناء قراءة القصة، والعنوان هنا لا يلخص العمل، ولكنه يكتسب مغزاه في ذهن القارئ أثناء قراءة العمل، كالموشحات التي مطلع كل منها هو جزء ينسب لكل المقطوعة، ثم نعود إلى المطلع مرة أخرى، ثم مقطوعة جديدة، ثم المطلع، فالمقطوعة الثالثة. هنا العناوين تشبه المطلع في الموشحات، وتكتسب قيمتها خلال قراءة القصة، أي إن العناوين في هذه المجموعة لا توجز القصص وكأنها مصمته، ولكن يتضح معناها بعد قراءة القصة نفسها، فمثلاً عنوان "فلفل حار" يحمل مغزاه من مجمل القصص، إذ نشعر أن الكتاب كله يمور ب فلفل حار. وأضاف العطار مترجم رواية (دونكيخوتة) ل سيرفانتيس أن في هذه القصص مفارقات مدهشة، وفيها النكتة المضحكة، والنص المبكي، فالقصص هنا كلها مبنية على النكتة والمفارقة، ولو أخذنا مثالاً من هذه القصص قصة "فلفل حار" نجد أن أبطالها ثلاثة شخوص، رجل تعبان، وامرأة عفية، ودرويش غلبان، والراوي هو الشخص الرابع، الذي يحكي ما رآه وسمعه، رغم أنه طفل صغير شقي، فنضحك بخبث ونحن نقرأ القصة، فنفهم منها أنها علاقة بين امرأة ورجلين، ومما يضحكنا في هذه القصة أن الطفل يعرف أن العلاقة الزوجية تتم يوم الخميس، حسب أغنية شادية "تعرف إني كل خميس.." حيث أن استراحة الزوج العامل المرهق في كسارة الحجارة هي يوم الجمعة، وللسخرية فإن كثيراً من الأزواج يهربون من بيوتهم ليلة الخميس، ويتحججون بالأعمال، أو بالتأخر في زيارة جماعتهم في تلك الليلة، وذلك تهرباً من أداء واجباتهم الزوجية. وفي قصته "1+1= صفر" نقرأ سرداً حول رجل أعمال أوروبي أشقر ينزل في فندق خمسة نجوم، وبينما هو يسبح، يلتقي سيدة جميلة حنطية الجسد، فيتحابان، وفي اليوم الثاني تأتي ابنة عمها لتسبح معها في بركة سباحة الفندق، فتُعرِّف الأوروبي على قريبتها، وبعد وقت قصير تعود السيدة الجميلة من دورة المياه، فتضبط صاحبها متلبساً في قبلة حارة من ابنة عمها، فلم يكن منها إلا أن تستشيط غضباً وتتخانق مع ابنة عمها، ثم تأخذها وتختفي من المسبح، ومن حياته تماماً، ومن خلال هذه القصة نفهم أن "1+1= صفر" وأن هذه الدنجوانية التي جمعت امرأتين كانت نتيجتها صفراً. وهذه القصة تقوم على مفارقة "اللون" الأبيض والبني، ومفارقة الزوجة وخيانتها، ومفارقة المحبة والكراهية، ومفارقة الحساب 1+1= صفر. وفي قصة "أحد شباب ثورة 25 يناير" نشعر بالمفارقة، إذ نجد أن هذا الشاب القوي المفتول العضلات هو لطيف المعاملة وذو إنسانية وكرم. والمفارقة تحل في آخر سطر من القصة.