حاول الحبيل ربط الحركة اليسارية بالتحالف الغربي وإيران، لاستغلال عداوة إيران لدول الخليج مدخلاً لحث الخليج على محاربة اليسار بما يشغلها، ويخفف ضغطها على الحركات المتأسلمة، التي كانت تحتاج فترة التقاط أنفاس. وعلى الرغم من تحذيره غير المباشر للحكومات الخليجية ممن أسماهم ب"اليسار المهجّن"، إلا أنه بالمقابل يخاطب اليسار مخاطبة ودودة ناعمة، يدعوه فيها إلى الالتحام مع الحركة المتأسلمة مؤكداً أن ما بين اليسار والحركة من عداوة حالة غير طبيعية، وليس لها مايبررها: "والتساؤل عن القطيعة التي تعززت بصورة غير مبررة وغير منطقية بين الحركة اليسارية والتيار الإسلامي في الخليج العربي استمرت عقودا، رغم الأحداث الكبيرة التي اجتاحت المنطقة وعززت هذا الاختراق الأميركي لمثقفي اليسار، وهو ما يقودنا للبحث عن أسبابها!هناك أسباب عديدة يتشارك فيها التياران المسؤولية، وربما كان الخطاب السائد لدى الحركة اليسارية أن الخطاب الديني كان دائما في صف السلطة ومعاديا للتيارات الثورية ومحرضا عليها إضافة إلى جملة من المعايير التي تطرحها أدبيات الفكرة اليسارية". ويحاول مهنا الحبيل جاهداً سدّ الثغرات المجافية للواقع في طرحه، مقابل الفكرة التي يستميت في محاولة توصيلها، وذلك من خلال تبرير التقاطعات السلوكية للمتأسلمين مع الشعارات الدينية، التي يرفعونها في العلن، حتى لو أدّى الأمر إلى التضحية ببعض جنود التنظيم، والتخلّي عنهم بعدما أدّوا أدوارهم التي رسمها لهم التنظيم في تنفيذ تلك الخروقات: "أما محاور الحراك الفكري السياسي الأخرى فهي قد تخضع لمعيار التقاطعات بين أي تيار ومؤسسة سياسية أو تيار آخر إذا كان ذلك من المبادئ الأساسية للتيارات الفكرية في التنافس والصراع، والتيار الإسلامي واحد منها، أما إذا كانت صفقة على حساب مصالح الشعب وهويته فالمسؤولية على من نفذ الصفقة وليس على الفكر". ويجسّد الكاتب مهنا الحبيل ما تمتاز به هذه الجماعات المتأسلمة من عدم ثبات في المواقف، وما تملكه من إستعدادات مطلقة للتحالف مع من تعتبرهم في العلن من "الكفرة الضالين"، فها هو ذا يغازل اليساريين مطمئنا إياهم بأن لافرق في الأهداف بين اليسار واليمين، وأن تحالف اليسار مع المتأسلمين أفضل من تحالفه مع القوى الأخرى، وأن المتأسلمين ينتظرون على الضفة الأخرى قدوم اليساريين لمعانقتهم وتشكيل قوة متحدة لقلب الأوضاع القائمة: "هذه القضية مفصلية في تاريخ علاقة الحركة اليسارية بالمجتمع العربي في الخليج، فلقد تطور اليسار الدولي وتحديدا في أميركا اللاتينية وتخلص من الكليات الإيمانية في الماركسية الإلحادية أو الاشتراكية العلمية، بل إن الزعيم الدولي المجدد الذي يقود طلائع التحرر في أميركا اللاتينية كسر هذه القاعدة مطلقا حين أخرج الإنجيل في حملته الانتخابية وقبّله ورفعه عاليا، وقال والجمهور يهتف له: نعم نحن مع السيد المسيح مباشرة وليس عبر من سرقوا الإنجيل وسرقوا المسيح، في دلالة على الوجه الأميركي البشع المدعوم من قوى التبشير الاستعمارية". ويحاول الحبيل رسم صورة ذهنية توهم اليسار بأن المتأسلمين يملكون القوة الشعبية الكاملة في الخليج؛ وأن الاتحاد معهم هو الاتحاد مع القوي، وبين السطور لم ينس مهمة الترويج للشعارات كافة، التي يتخفّى وراءها المتأسلمون في كلمة حق أريد بها باطلا: "هذه القضية لها عمق مضاعف في الوطن العربي إجمالا والخليج، خصوصاً لأن هذا الشعب العربي في الخليج يؤمن إيماناً مطلقا برسالته الإسلامية، ومفاهيمها العظيمة وأخص من ذلك إيمانه بأن الرسالة الإسلامية تجاوزت وبقوة كل الحملات التي وجهت لها أيدلوجيا وفلسفياً، وآمن الناس عبر المعرفة العلمية الخالصة وعبر العاطفة الراشدة المجلّلة بالحقائق المدلّلة على الإيمان الغيبي الصحيح بعظمة هذا الدين وقدرته على انتصار البشرية وإقامة نظام حياتها". ويلوم الكاتب الحبيل قادة الفكر اليساري، وهو يذكرهم بالانحراف عن المنهج الأصلي لقادتهم في بلدان المنشأ والاحتضان، والذين لم يقوموا بمعاداة النظم الدينية، ولكنهم تحالفوا وتماهوا معها فشكلوا قوة ضاربة مكنتهم من تحقيق كامل أهدافهم: "هذه الصورة تمثل نموذجاً خطيراً لصورة الخطاب اليساري الحالي في مهاجمة المجتمع في منطقة الخليج العربي، تقلب مبادئه المعلنة التي لا يزال هوغو شافيز وأيفو موراليس يكافحون عنها هناك، فيما هي هنا تحالف سيئ بين هذه الطلائع الخليجية لليساريين والإمبريالية والأميركية". ويحاول الحبيل العزف على أوتار شائكة لايهام الحكومات الخليجية بأخطار محدقة؛ تشغلها عن محاربة المتأسلمين في محاولة لتغطية أفعالها وأهدافها عبر لفت النظر لقضايا أخرى، أراد بها وضع الحكومات في موقف حرج، وهي من قبيل العروبة والهوية والخصوصية: "كل ما تقدم يقود إلى قضية مركزية تورط فيها بقايا اليسار الخليجي وهي قضية الاصطدام بالهوية العربية للمنطقة والشراكة المُطلقة مع واشنطن. وعزز هذا الاصطدام المشاركة الغربية، والاندماج مع المشروع الطائفي لإيران، والقوى الثقافية الموالية لها. هذا التحالف تقدم لاستئصال الهوية العربية واستبدالها بمشروع مشترك منذ 2001 بين الولاياتالمتحدة والخطاب الطائفي المتقاطع مصلحياً مع نفس الاستراتيجية. وأصبح هذا التحالف نتاجا لنفس تحالف الولاياتالمتحدة مع إيران لاحتلال العراق ومواجهة المد الإسلامي العربي في المنطقة". ويختتم الحبيل بخلاصة حاول من خلالها مغازلة قادة اليسار، الذين رجاهم التريّث والانتباه للتعرف على صورة غير صورة الأنظمة القائمة، والتي أشار إليها بالصورة التي ترعاها طهرانوواشنطن، وحاول التأكيد على ذلك بكل قوة: "إن من المهم لتلك الشخصيات الطليعية في النضال واستقلاله أن تتقدم إلى الساحة الثقافية والشعبية في الخليج لتتعرف من خلالها على صورة غير الصورة التي ترعاها واشنطنوطهران وأقول ذلك بغض النظر عن التباينات الفكرية المعروفة كتيار إسلامي وتيار يساري. ومن المهم لهم أيضاً أن يتخلصوا من أولئك المتسلقين على أكتافهم الذين لا يجيدون سوى لعن الإنسان العربي في الخليج والسخرية من انتمائه والتساؤل المنطقي أمامهم يقول كم أعطيتم للثقافة الطائفية والمشروع الأميركي من مواقف وخطابات وفرص للاستماع وتنفيذ ما يريدونه أو ليس مجتمعكم العربي بنخبته ورأيه العام أولى هل حقيقة لا تملكون مشتركات مع هذا الإنسان العربي وثقافته وانتمائه وهويته فهل يبادرون بمراجعة الموقف قبل النهاية".