وزارة التعليم تحقق فى ترويج مدرسة دولية لقيم مرفوضة مجتمعيا    أسعار النفط تستقر عند الإغلاق مع توجه واشنطن لفرض عقوبات على إيران    نشرة «المصري اليوم» من الإسكندرية: مقترح ببيع الفينو بالكيلو.. و11 غطاسًا يواصلون البحث عن جثمان غريق الساحل الشمالي    الاتحاد الأوروبي يسعى لتوسيع العقوبات على إيران بعد الهجوم على إسرائيل    وزير الرياضة يُشيد بالإنجازات الأخيرة لعدد من الاتحادات    عضو باتحاد الإسكواش: أبطال مصر حققوا نتائج ممتازة في بطولة بلاك بول    السجن المشدد 10 سنوات لمتهمين بسرقة سيارة أجرة بالإكراه في الإسماعيلية    أحمد عبد العزيز من عزاء شيرين سيف النصر: التواصل انقطع بعد مين اللى ميحبش فاطمة    بتأثر بعملي في المداح.. حمادة هلال يتحدث عن حياته بعد رمضان    بالفيديو.. خالد الجندي: الأئمة والعلماء بذلوا مجهودا كبيرًا من أجل الدعوة في رمضان    إحالة 5 من العاملين بوحدة تزمنت الصحية في بني سويف للتحقيق لتغيبهم عن العمل    جداول امتحانات الفصل الدراسي الثاني ببني سويف    لجنة متابعة إجراءات عوامل الأمن والسلامة لحمامات السباحة تزور نادي كفر الشيخ الرياضي    هانى سرى الدين: نحتاج وضع خطة ترويجية لتحسين المنتج العقاري ليكون قابلًا للتصدير    شاهد مرافعة النيابة أمام المحكمة فى قضية سائق أوبر المتهم بواقعة حبيبة الشماع    محافظ دمياط تناقش استعدادات مدينة رأس البر لاستقبال شم النسيم وموسم صيف 2024    إعلان الكشوف المبدئية لمرشحي مجلس الإدارة والجمعية العمومية بالمؤسسات الصحفية القومية    وزارة النقل العراقية توضح حقيقة فيديو الكلاب الشاردة في مطار بغداد الدولي    أنشيلوتى: لدى ثقة فى اللاعبين وسنكون الأبطال غدا أمام السيتى    "من 4 إلى 9 سنين".. تعرف على سن التقدم للمدارس اليابانية والشروط الواجب توافرها (تفاصيل)    خبير تغذية يحذر من هذه العادات: تزيد الوزن "فيديو"    برلمانية: التصديق على قانون «رعاية المسنين» يؤكد اهتمام الرئيس بكل طوائف المجتمع    بالشيكولاتة.. رئيس جامعة الأزهر يحفز العاملين بعد عودتهم من إجازة العيد.. صور    الفريق أسامة عسكر يلتقى قائد قوات الدفاع المالاوية    إصابة فني تكييف إثر سقوطه من علو بالعجوزة    ضبط 7300 عبوة ألعاب نارية في الفيوم    مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا يقدم استقالته للأمين العام    فوز العهد اللبناني على النهضة العماني بذهاب نهائي كأس الاتحاد الآسيوي    أحمد حسام ميدو يكشف عن أكثر شخصية جاذبة للستات    أفلام كان وإدفا في الإسكندرية للفيلم القصير.. القائمة الكاملة لمسابقات الدورة العاشرة    برلماني عن المثلية في المدارس الألمانية: "بعت للوزارة ومردتش عليا" (فيديو)    إسلام أسامة يحصد فضية بطولة العالم للسلاح للشباب (صور)    فانتازي يلا كورة.. دفاع إيفرتون يتسلح بجوديسون بارك في الجولة المزدوجة    شولتس يعلن اتفاقه مع شي على التنسيق بشأن مؤتمر السلام الخاص بأوكرانيا    بعد إصابة 50 شخصًا في أعينهم.. ضبط 8 آلاف قطعة ألعاب نارية قبل بيعها بسوهاج    أوبل تستبدل كروس لاند بفرونتيرا الجديدة    الخميس.. "بأم عيني 1948" عرض فلسطيني في ضيافة الهناجر    بعد انتهاء إجازة العيد.. مواعيد غلق المحلات والمطاعم والكافيهات 2024    بعد تحذيرات العاصفة الترابية..دعاء الرياح والعواصف    عالم بالأوقاف: يوضح معني قول الله" كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ"؟    الحرية المصري يشيد بدور التحالف الوطني للعمل الأهلي في دعم المواطنين بغزة    وزير التعليم: مد سن الخدمة للمُعلمين| خاص    وزير الخارجية ونظيره الصيني يبحثان تطورات الأوضاع في قطاع غزة ومحيطها    سلوفاكيا تعارض انضمام أوكرانيا لحلف الناتو    هل يجوز العلاج في درجة تأمينية أعلى؟.. ضوابط علاج المؤمن عليه في التأمينات الاجتماعية    توقعات برج الدلو في النصف الثاني من أبريل 2024: فرص غير متوقعة للحب    توفير 319.1 ألف فرصة عمل.. مدبولي يتابع المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر    مؤتمر كين: ندرك مدى خطورة أرسنال.. وتعلمنا دروس لقاء الذهاب    ناقد رياضي يوضح أسباب هزيمة النادي الأهلى أمام الزمالك في مباراة القمة    طلبها «سائق أوبر» المتهم في قضية حبيبة الشماع.. ما هي البشعة وما حكمها الشرعي؟    بعد التحذير الرسمي من المضادات الحيوية.. ما مخاطر «الجائحة الصامتة»؟    ضبط 23 مليون جنيه في قضايا اتجار بالعملة خلال 24 ساعة    مستشار المفتي: مصر قدَّمت مع ميلاد جمهوريتها الجديدة نموذجًا محكما في التواصل العالمي    بضربة شوية.. مقتل منجد في مشاجرة الجيران بسوهاج    رئيس جهاز العبور يتفقد مشروع التغذية الكهربائية لعددٍ من الموزعات بالشيخ زايد    ميكنة الصيدليات.. "الرعاية الصحية" تعلن خارطة طريق عملها لعام 2024    «لا تتركوا منازلكم».. تحذير ل5 فئات من الخروج خلال ساعات بسبب الطقس السيئ    دعاء السفر قصير: اللهم أنت الصاحبُ في السفرِ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من محمد نجيب إلى السيسى.. حكاية رؤساء مصر فى بلاد العم سام
نشر في الموجز يوم 05 - 02 - 2018

اتسمت الفترة التاريخية الممتدة من نهاية الحرب العالمية الثانية سنة 1945 وحتى انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991 بسعي الولايات المتحدة الأمريكية إلى إعادة تأهيل دول المحور المهزومة وإعادة إدماجها في السياسة الدولية كجزء من سعيها لمواجهة الاتحاد السوفيتي.
كذلك اتسمت بتغير جذري في عدد وماهية الوحدات الدولية, فقد تمثلت القطبية الثنائية بعد الحرب العالمية الثانية في بروز القطبين السوفيتي والأميركي ويقود كل منهما معسكر من الدول المنضوية تحت لوائه.
ومع نهاية الحرب البارد وإنهيار الاتحاد السوفيتي حاولت الولايات المتحدة الأمريكية فرض هيمنتها على النسق الدولي ثقافيًا واقتصاديًا وسياسيًأ وأمنيًا، منعًا لظهور أي قوى منافسة.
انعكست حالة التنافس الدولي على مسار العلاقات المصرية الأمريكية بشكل كبير، جعلها في حالة شد وجذب خلال تلك الفترة نتيجة وجود طرف ثالث يمثل بوصلة التوجه للعلاقات بين الجانبين فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية كان الاتحاد السوفيتي، ثم إسرائيل بعد حرب 1973، شهدت العلاقات المصرية الأمريكية في عهد الرئيس "محمد نجيب" هدوءا نسبيا نتيجة عدم استقرار الأوضاع الداخلية، مع بداية الاستقرار في مصر وقدوم الرئيس جمال عبدالناصر دخلت العلاقات في حالة من الندية والصراع، على عكس حقبة الرئيس محمد أنور السادات الذي أراد تحويل هذه العلاقات إلى شراكة استراتيجية قوية، وبالفعل استمرت هذه العلاقات برغم من تخللها العديد من التوترات بسبب التقارب الأمريكي الإسرائيلي، بعد ذلك امتدت العلاقات بين البلدين على كافة الأصعدة في عهد الرئيس محمد حسني مبارك الذي يعد الحليف الاستراتيجي في الشرق الأوسط لواشنطن.
ومع قيام ثورة 25 يناير 2011، اتسمت العلاقات بحالة من التناقض نتيجة التغير في النهج الأمريكي في التعامل مع أزمات المنطقة حيث بدا التوجه الأمريكي نحو مساندة الإسلام السياسي نتيجة لإدراكهم أن استقرار المنطقة مرة ثانية لن يتم إلا بدمج الإسلاميين في الحكم، وبالفعل دعمت الإدارة الأمريكية برئاسة باراك أوباما النظام الحاكم للرئيس الإخوانى محمد مرسي، ومع قيام ثورة 30 يونيو حاولت الإدارة الأمريكية تقبل الوضع القائم في مصر من وجهة نظر واقعية وبإعتبارها رغبة شعبية وبرغم من ذلك جمدت الإدارة الأمريكية مساعداتها لمصر.
انتهج الرئيس السابق باراك أوباما سياسة محايدة لإبقاء الوضع كما هو عليه دون الرغبة في تطوير العلاقات مع القاهرة، ومع قدوم الرئيس عبدالفتاح السيسي وانتهاجه سياسة الباب المفتوح واعتماده على نهج أكثر انفتاحًا في تحركاته الخارجية بدأت الإدارة الأمريكية تغير من نهجها من خلال عودة المساعدات ومناورات "النجم الساطع" التي جمدتها هي الأخرى، والتي تزامنت مع تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حيث بدأت العلاقات بين البلدين إلى مسارها الصحيح رغم بعض التوترات إلا إنها تميزت بالشراكة الاستراتيجية والندية والاستقلالية على كافة المستوىات.
منذ تحول النظام السياسي المصري من الملكية إلى الجمهورية عقب ثورة 23 يوليو 1952، ارتبطت العلاقات المصرية الأمريكية برؤية الرئيس الحاكم، فضلاً عن طبيعة المتغيرات الداخلية على كافة المستويات والتي فرضت نفسها على طبيعة العلاقات بين البلدين.
نحاول فى هذا الملف إلقاء الضوء على مسار العلاقات الأمريكية المصرية منذ الرئيس محمد نجيب وحتى الرئيس عبدالفتاح السياسي من خلال توضيح طبيعة العلاقات بين الجانبين والأطر الحاكمة لهذه العلاقة التي برزت من خلال المتغيرات الإقليمية والدولية المتلاحقة التي شهدتها كلا البلدين، وذلك لوضع تصور مستقبلي لمدى تطور العلاقات الأمريكية المصرية.
عند الحديث عن العلاقات الدولية لابد من الأخذ في الاعتبار نقطة مهمة وهي مدى الترابط بين المصالح والتوافق في إدارة الملفات على المستوى الإقليمي والدولي بما يتوافق مع مصالحهم الوطنية وبالنظر إلى مصالح الولايات المتحدة في مصر تتمثل في الحفاظ على مصالح الحليف الاستراتيجي من خلال استمرار السلام المصري الإسرائيلي، الحفاظ على الصوت المصري المعتدل في المحافل الدولية والإقليمية، الدور القيادي لمصر في المنطقة ونفوذها الإقليمي، موقع مصر الاستراتيجي ومزايا العبور من قناة السويس فضلاً عن إشراف مصر على أهم اثنين من البحار في العالم (البحر المتوسط، البحر الأحمر) هذا بجانب التعاون العسكري ومكافحة الإرهاب مع مصر. وفي المقابل تعتمد المصالح المصرية بالأساس على المساندة الأمريكية للدور المصري إقليميًا ودوليًا، والحفاظ على قدر من توازن الاستراتيجي في المنطقة بجانب تحديث القدرات العسكرية المصرية وتطويرها.
تعتمد العلاقات بين البلدين على السياسة الدفاعية الأمريكية في المنطقة والموازنة ما بين التهديدات والمخاطر التي تواجها واشنطن، هذا بجانب الإلتزام الأمريكي بالحفاظ على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل وقدراتها الدفاعية ضد أي تهديد، ومنع إيران من امتلاك برنامج النووي غير سلمي، وسعي واشنطن إلى لعب دور الحليف الذي يساهم في استقرار المنطقة ودعم شركاءها. لذا تتسم العلاقات بين البلدين بخصوصية واضحة، الأمر الذي يفسر اهتمام الإدارات المتعاقبة بالارتقاء بعلاقات تعاون مع القاهرة وخاصةً بعد توقيع إتفاقية السلام مع إسرائيل عام 1979.
محمد نجيب.. قصر فترة حكمه لم تمكنه من التعامل مع الجانب الأمريكى
جاءت السياسة الخارجية المصرية غير واضحة في فترة حكم الرئيس محمد نجيب نتيجة لقصر فترة حكمه، كما لم تتضح معالم العلاقات في تلك الفترة القصيرة وموقفه منها بشكل صريح، إلا أن الأوضاع الداخلية المصرية كانت تتخذ أولوية كبرى فضلًا عن الرغبة في تحقيق الاستقرار الداخلي والسيطرة على الأمور لذا فبعد تولي الرئيس جمال عبدالناصر الحكم بدأت العلاقات المصرية الأمريكية تتبلور في مسارات متعددة.
جمال عبدالناصر.. أمريكا فشلت فى احتوائه وعاقبته بإلغاء تمويل السد العالى والوقوف وراء العدوان الثلاثى
مع نهاية الحرب العالمية الثانية فرضت الولايات المتحدة نفسها كقوى عظمى في النظام الدولي تتنافس مع المعسكر الشرقي والمتمثل في الاتحاد السوفيتي حاول الطرفان بسط نفوذهما على أكبر عدد من الدول العالم لخلق توازنات للقوة في العديد من المناطق الأمر الذي انعكس على طبيعة السياسة الخارجية المصرية.
حاول الرئيس عبدالناصر انتهاج مبدأ الاستقلالية والخروج من حالة الصراع الدولي التي كانت دائرة بين المعسكريين الشرقي والغربي بإعلانه مبدأ عدم الإنحياز، كما رفض التدخل الأمريكي في الشأن الداخلي لمصر والانضمام إلى المعسكر الغربي الرأسمالي، وذلك لأن الاتحاد السوفيتى لم يقدم على أى خطوة أو إجراء عدوانى ضد مصر، كما أن الشيوعية ليست خطرًا على الشعب المصرى لأنه ذات طبيعة متدنية بشكل أصيل.
بدأت المحاولات الأمريكية بالفشل في احتواء "عبدالناصر"، ومن ذلك الحين بدأت تتبلور مواطن العداء لدى القيادات الحاكمة في مصر والولايات المتحدة فبالنسبة لواشنطن فإنها أدركت مدى خطورة النظام الثوري الحاكم في مصر على تنامي مصالحها في المنطقة ومدى تهديده لإسرائيل، ومن جانب آخر أدركت القيادة المصرية أن "تل أبيب" هى العدو الأول للعرب وأن حليفها الاستراتيجي هو واشنطن والداعم لمشروعها الاستيطانى الصهيوني.
سعى "عبدالناصر" إلى الكشف عن مشروعه القومي على أساس بناء دولة مصرية قوية سياسيًا واقتصادًا واجتماعيًا لديها استقلالية في صناعة القرار الداخلي، إيمانًا منه بدور مصر المحوري في ريادة المنطقة العربية علاوة على الرغبة في توحيد العرب والتي لن تتحقق إلا بتحرير فلسطين.
جاءت هذه القناعات خلال الزيارات بين البلدين وخاصةً بعد انتخاب الرئيس الأمريكي "إيزنهاور"، عندما أرسل وزير خارجيته "جون فوستر دالاس"، عام 1953 لدعوة مصر لسياسة تطويق الاتحاد السوفيتي ودمج القاهرة في سياسة الأحلاف الغربية وقواعدها العسكرية.
ترجم "عبدالناصر" هذه القناعات بشكل إيجابي من خلال تزعمه مؤتمر "باندونج" في 1955 لدعوة عدم الإنحياز على طرف دون الآخر. كما بدأ في الاعتراف بالصين الشعبية، والتقرب من السوفيت من خلال إبرام أول صفقة سلاح "صفقة الأسلحة التشيكية" بعد رفض واشنطن تسليح الجيش المصري للرد على الإعتداءات والإنتهاكات التي كانت تتعرض لها قطاع غزه.
بدأت مرحلة الردع الصامت لتحركات "ناصر" الخارجية من خلال الإقرار بإلغاء تمويل السد العالي، والضغط على البنك الدولى لرفض تمويل المشروع، الأمر الذي انعكس بشكل عميق على القرار السياسي المصري الذي حاول التصدي لهذا التعنت من خلال تأميم قناة السويس كشركة مساهمة مصرية في يونيو 1956 ، هنا بدا الرد غير المباشر للولايات المتحدة من خلال عدوان 1956 بقيادة بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على مصر لتوجيه ضربة قاسمة للدولة المصرية نتيجة محاولتها الإفلات من التبعية الأمريكية.
حاول الرئيس "إيزنهاور" عام 1957 وضع خطة جديدة للمنطقة العربية لاحتواء التدهور الأمني في المنطقة مدعيًا الرغبة في مساعدة الدول العربية في تحقيق تنميتها بهدف الهيمنة الأمريكية على القرار العربي. جاء الرفض المصري في شكل حاسم بالاستفتاء الشعبي في مصر وسوريا لإعلان الوحدة بينهما في فبراير 1958.
تصاعدت وتيرة المواجهات بين الطرفين نتيجة النفوذ المصري القوي على المستوى الإقليمي والدولي الذي تجلى في دعم الثورة اليمنية ضد مؤمرات الانفصال، والتدخل في الثورة العراقية في يوليو 1958، وخاصة بعد محاولة العراق الانضمام إلى دولة الوحدة المصرية –السورية، إلا أن الأوضاع تغيرت بشكل كبير نتيجة انهيار الوحدة المصرية السورية في سبتمبر 1961، وفي عام 1961أرسل الرئيس الأمريكي "جون كيندي" خطابًا إلى الرئيس "عبد الناصر" يعرض عليه رغبة الولايات المتحدة فى تسوية النزاع العربى الإسرائيلي. فكان الرد المصري أن الطريق الوحيد للتسوية عن طريق تحرير الأراضي العربية من قبضة العدو الصهيوني.
أثناء حكم عبدالناصر قدمت واشنطن مساعدات إلى القاهرة, واتخذت عدة أنماط جاءت في البداية على هيئة توريدات لشحنات القمح الأمريكي، وكان ذلك بداية عام 1953، ولم يكد يحل عام 1956 حتى بلغت المساعدات نحو 19 مليون دولار، إلا إنها قامت بتجميدها كعقاب رادع على قرار تأميم قناة السويس.
في أعقاب التعنت الأمريكي بسحب عرضها لتمويل السد العالي، وبعد عامين من حرب السويس سعى الرئيس الأمريكي "أيزنهاور" إلى استئناف العلاقات مع القاهرة، الأمر الذي ترتب عليه إبرام ثلاث اتفاقيات تحت مظلة "برنامج القانون العام 480 لفائض الحاصلات الزراعية" بقيمة 164 مليون دولار.
ومع تولي "جون كيندي" مقاليد الحكم, حاول توطيد العلاقات لتحييد الدور السوفيتي في مصر وهو ما تجلى استجابته في فبراير 1962 إلى مطالب الرئيس "عبدالناصر" لتنفيذ خطط التنمية الاقتصادية، حيث قام بإرسال وفدًا برئاسة "إدوارد ماسون"، الذي أوصى باستمرار المساعدات تجنبًا لزيادة الاعتماد المصري على الاتحاد السوفيتي، وبناء على ذلك قرر "كيندي" تقديم مساعدات بقيمة 390 مليون دولار رغم معارضة الكونجرس ، إلا أنها توقفت مرة أخرى؛ في أعقاب الدعم المصري للثورة اليمينة التي أطاحت بالنظام الملكي الموالي للمملكة العربية السعودية, لذا استمرت الولايات المتحدة بالضغط على الدول العربية لتسير مصالح حليفها الاستراتيجي في المنطقة، والتي تجلت في القرار الإسرائيلى بتحويل مجرى نهر الأردن عام 1964، وعدوان يونيو 1967.
اختلس العدو الصهيوني انتصاره واعتبره نهاية مشروع "عبدالناصر" وبداية إحكام قبضته على المنطقة, واعتبر أن المعركة حسمت بشكل نهائي، لكن هذه الاعتقاد تم اسقاطه في المرة الأولي علي يد الشعب المصري الذي خرج رافضًا الهزيمة وتنحي "عبدالناصر"، مصرًا على الحرب لتحرير الأرض بقيادة "ناصر"، والمرة الثانية على يد الجيش المصري الذي استطاع هزيمة العدو الذي لا يقهر كما يتم الترويج عنه من خلال استراتيجية عسكرية تجمع ما بين الدفاع والهجوم في آن واحد لتلقينه درسًا مصريًا تاريخيًا عام 1973.
بدأت المواجهة المشكوفة والصراع المفتوح في العلاقات المصرية الأمريكية عبر إعادة بناء القوات المسلحة بالاستعانة بالحليف السوفيتي، وتهيئة الشعب المصري للتخلص من الآثار النفسية للهزيمة.
تجسدت هذه الإجراءات على أرض الواقع بتوقيع القاهرة اتفاقيتين مع الاتحاد السوفيتي لإعادة بناء القوات المسلحة. واحدة خاصة بالتسليح، والثانية خاصة بالمستشارين العسكريين، وذلك للمساندة في إعادة بناء مسرح العمليات الخاصة بمعركة التحرير ، جاء هذا الدعم السوفيتي بعد عدوان 1967، لمساندة مصر عسكريًا نتيجة ما تعرضت له من خسار جراء هذا العدوان الغاشم الذي تعرضت له الأراضي العربية.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل سعت القيادة السوفيتية إلى إلغاء 50% من ديون مصر العسكرية لدى الاتحاد السوفيتى من عام 1955- 1968. هذا بجانب حضور العديد من المستشاريين السوفيت لمساعدة القوات المصرية.
بدأت حرب الاستنزاف على الجبهة المصرية في إطار التحرك المصري الداخلي والخارجي تمهيدًا للحرب ولكن لم يتم الإعلان عنها إلا من خلال تكوين حائط دفاعي قوي لصد الضربات الإسرائيلية خصوصا بعد حصول الكيان الصهيوني على أحدث المعدات والأسلحة المقاتلة كانت أبرزها طائرات من طراز "سكاي هوك"، "فانتوم"، والتي استطاعت الوصول إلى العمق الاستراتيجي الأمر الذي اعتبره "عبدالناصر" خط أحمر لذا قام بزيارة سرية لموسكو في يناير 1970 للحصول على حائط صواريخ من طراز "سام" و"ستريلا" لتكون هذه الصواريخ دفاعا جويا مضادا للطائرات للدفاع عن الصواريخ استعدادًا لمواجهة هذا العدو الغاشم, بالتزامن مع التحركات المصرية في سياق حرب الاستنزاف دخلت الولايات المتحدة على خط الوساطة لوقف إطلاق النار بشكل مؤقت في أغسطس 1970 من خلال مبادرة وزير الخارجية الأمريكى "ويليام روجرز".
تراوحت العلاقات المصرية الأمريكية في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر ما بين الشد والجذب بل وصلت إلى حد اتخاذ مصر قرارًا بقطع العلاقات السياسية مع الولايات المتحدة عام 1967.
اعتمد ناصر في سياساته الخارجية على الندية والاعتماد المتبادل والتصدي لكافة محاولة الهيمنة الخارجية والتي تسعى من خلالها القوى الكبري تنفيذ أطماعها التوسعية في المنطقة العربية , وبموت جمال عبدالناصر انهار حائط السد المنيع أمام الأطماع الغربية في المنطقة العربية.
محمد أنور السادات .. اعتمد على الولايات المتحدة فى إنهاء الصراع مع إسرائيل وتطبيق سياسة الانفتاح
حمل عهد الرئيس محمد أنور السادات في طياته العديد من المتغيرات المتلاحقة التي انعكست بدورها على طبيعة العلاقات بين الجانبين، حيث بدا النفوذ الأمريكي يتبلور في الداخل المصري بشكل كبير منذ أن توسطت واشنطن لإنهاء القتال الدائر بين مصر وإسرائيل في إطار عملية تحرير الأراضي المصرية من سطوة العدو الصهيوني.
اتخدت العلاقات أشكالاً تتدريجية في التقارب تمثلت أبرزها عندما قام الرئيس الراحل "السادات" في خطوة مفاجئة، بطرد آلاف المستشاريين العسكريين السوفيتيين وأسرهم، مبررًا عدم فعالية مساعدة موسكو للمصريين على مواجهة القوة العسكرية الإسرائيلية، وهو ما يعد نهاية التحالف المصري السوفيتي عام 1972.
بعد مرور عام على طرد المستشاريين الروس، أعلنت القيادة المصرية البدء في إعلان الحرب على الكيان الصهيوني في السادس من أكتوبر عام 1973 الأمر الذي مهد الطريق بشكل كامل أمام واشنطن لكي تحل محل موسكو كأكثر قوة أجنبية مُهيمنة في الشرق الأوسط.
لعبت الوساطة الأمريكية إبان حرب أكتوبر عام 1973 من خلال وزير الخارجية الأمريكى هنري كيسنجر, دورًا هامًا في تحقيق التوازن ما بين الجانب العربي والجانب الإسرائيلي من خلال مد "تل أبيب" بأحدث الأسلحة والمعدات، وفي هذا الإطار طرحت واشنطن مبادرة تقديم المساعدة لقوات الجيش الثالث المصري الموجود داخل سيناء، من خلال الضغط على إسرائيل للسماح بإدخال معدات غير قتالية للجيش المصري, وهو ما يؤكد أن التدخل الأمريكي جاء لحسم المعركة لصالح أمريكا وحليفتها في المنطقة وتقويض الدور السوفيتي في الحرب ليحل محله الدور الأمريكي.
استمر الحال كذلك إلى أن عادت تلك العلاقات السياسية فى شهر مارس عام 1974، وتطورت إلى أن أصبحت واشنطن منذ عام 1978 المصدر الرئيسى للأسلحة وأكبر مانح للمساعدات الاقتصادية والعسكرية لمصر، مع رعايتها بشكل كبير لعقد محادثات السلام بين مصر وإسرائيل وتوقيع معاهدة "كامب ديفيد".
انتهج الرئيس "السادات" سياسة خارجية أكثر انفتاحًا على الغرب مع الرغبة في التعاون معه على كافة المستويات على النقيض من سياسة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر. ويمكن الاستدال على ذلك من خلال زيارات "السادات" إلى واشنطن سواء قبل توليه الرئاسة وبعدها، فعلى سبيل المثال قام السادات بزيارة لأمريكا فى فبراير 1966، بصفته رئيس مجلس الأمة، لمدة 10 أيام، تضمنت زيارة واشنطن ونيويورك وكاليفورينا، التقى خلالها بالرئيس الأمريكي ووزير الخارجية ، ورئيس مجلس النواب الأمريكي، ورؤساء اللجان البرلمانية.
هذا بجانب زياراته الأول في أكتوبر 1975 منذ توليه الحكم لبحث تطورات الساحة الإقليمية وإنهاء حالة الصراع الدائرة ما بين القاهرة وتل أبيب، علاوة على إمداد القاهرة بالأسلحة المتقدمة، بالإضافة إلى إلقاءه خطابًا أمام الكونجرس فى نوفمبر 1975 حول الأوضاع غير المستقرة التي تشهدها المنطقة نتيجة الانتهاكات الإسرائيلية.
شهد النصف الأول من عام 1977 بداية المباحثات بين "السادات" ونظيره الأمريكي جيمى كارتر فى واشنطن حول الأوضاع في المنطقة وكيفية الوصول إلى حل سلمي للتعامل مع هذه الأزمات، وصولاً لزيارته التاريخية عام 1978 للتفاوض لاسترداد الأراضي المصرية، وتحقيق السلام في المنطقة، وخلال هذه الرحلة تم توقيع اتفاقية السلام فى كامب ديفيد، برعاية أمريكية، وبعدها تم توقيع إتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل.
بعد توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل عام 1979، أضحت القاهرة وإسرائيل تتلقى مبلغًا ثابتًا من المساعدات العسكرية والاقتصادية، تحولت هذه المساعدات المقدرة بنحو 2.1 مليار دولار إلى منحة لا ترد، حيث انقسمت إلى 815 مليون دولار مساعدات اقتصادية، و1.3 مليار دولار مساعدات عسكرية.
لعبت هذه المساعدات دورًا بالغ الخطورة على استقلالية القرار المصري وسياساته الداخلية وخاصةً على الصعيد الاقتصادي، فقد ساهمت هذه المساعدات على زيادة عجز الميزان التجاري، رغم أن المبلغ بعد أن تم تخفيضه أصبح 1.8 مليار دولار، لم يتجاوز 2% من إجمالي الدخل القومي المصري.
حسني مبارك.. جمعته بواشنطن علاقة "ود وغرام" وسمح للقوات الأمريكية باستخدام المطارات المصرية فى حروبها.. لكنها تخلت عنه أثناء ثورة يناير
مع تولى الرئيس محمد حسني مبارك سدة الحكم عقب حادثة الاغتيال التي تعرض لها الرئيس الراحل محمد أنور السادات في 1981 أثناء العرض العسكري لانتصارات أكتوبر، استمرت العلاقات على نفس النهج من الترابط، بل والانفتاح الأمر الذي انعكس بشكل كبير على الدور المصري ونفوذه الخارجي، فقد أدى توطيد مكانة مصر إقليميًا ودوليًا وهو ما تمثل في مساهمة القيادة المصرية في لعب دور الوسيط ما بين الإسرائيلين والفلسطينين التي تمت برعاية أمريكية. هذا بجانب مشاركة مصر في التحالف الدولي الذي قادته الولايات المتحدة خلال حرب العراق عام 1991.
وفي ظل التقدم الذي أحرزته الدولتين خلال فترة الرئيس السادات وما بعدها حاولت البلدين خلق إطار مؤسسي لدعم هذه العلاقات ولتوثيق الروابط بينهما على كافة المستويات الأمر الذي تطلب ضرورة الاتفاق على إطلاق الحوار الاستراتيجي، لتحقيق التفاهم بين البلدين، حيث تم عقد عدد من الجلسات بين البلدين للتشاور حول الملفات الشائكة في المنطقة وبحث القضايا السياسية والأمنية الدولية والإقليمية على مستوى الخبراء من الجانبين.
ومع بداية الألفية الثالثة بدأت العلاقات تكسب زخمًا وحراكًا كبيرًا أدى إلى وضع عدد من النقاط الهامة للتعاون بين البلدين جاءت في مقدمتها تحقيق الاستقرار الإقليمي في المنطقة والتصدي للإرهاب والاصلاح الاقتصادي نتيجة التطورات التي شهدتها المنطقة من خلال لقاءات وتشاورات مستمرة بين البلدين، لذا لم تقتصراللقاءات بين البلدين على لقاء واحد بل تعددت اللقاءات لبحث سبل الاستقرار في المنطقة, الأمر الذي انعكس على الزيارات الرسمية بين الجانبين خصوصا أن الرئيس "مبارك" قد اعتاد سنويًا زيارة أمريكا للتشاور حول قضايا المنطقة وخاصة القضية الفلسطينية , وتجسد ذلك بشكل جلي في 2002 والذي شهد لقاءين بين البلدين إحداها في شهر مارس والآخر في يونيو لبحث التسوية السلمية للقضية الفلسطينية في ظل تأزم عملية السلام.
ومع إعلان أمريكا الحرب على الإرهاب في المنطقة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 لعبت مصر دورًا بارزًا في التعاون واشنطن في مكافحة الإرهاب خاصةً في المجال الإستخباراتي والعسكري حيث قدم مبارك معلومات إستخباراتية لواشنطن حول تنظيم القاعدة وعندما كانت القوات الأمريكية تقاتل في أفغانستان والعراق، سمحت مصر للطائرات الأمريكية بالتحليق فوق أراضيها.
امتد التدخل الأمريكي في المنطقة إلى الإضرار بالشأن الداخلي للدول من خلال رغبتها في نشر قيم الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان التي كانت تخفي في مكنونها العديد من النوايا الخبيثية والتي ساهمت في زعزعة أمن واستقرار المنطقة لتقسيمها إلى دويلات على أساس طائفي وديني وإثني يسهل السيطرة عليه. الأمر الذي انعكس على مسار العلاقات بين البلدين فقد زاد من حدة التوتر، كما أدى إلى انقطاع الزيارات الرسمية للرئيس مبارك.
ومع تولي الرئيس الأمريكي باراك أوباما الحكم حاول استعادة العلاقات المصرية من خلال السعي إلى استعادة جسور التواصل بين البلدين التي تأثرت بالحرب على الإرهاب في المنطقة. كانت مصر القبلة الأولى للتوجه الأمريكي نحو المنطقة للتأكيد على الدور الثقافي والحضاري والأمني لمصر في منطقة الشرق الأوسط. لذا فقد ألقى أوباما خطابه الشهير فى يونيو عام 2009 من جامعة القاهرة.
استأنفت القيادة المصرية زياراتها الرسمية إلى واشنطن للتشاور حول قضايا المنطقة وخاصة فيما يتعلق بفلسطين ولبنان وسوريا، كانت الزيارة الأولى في أغسطس 2009، والثانية في سبتمبر 2010. جاءت هذه الزيارة لتشهد محادثات ثلاثية بين الرئيس المصري ونظيره الأردني الملك "عبدالله الثاني" ورئيس الوزراء الإسرائيلى "بنيامين نتنياهو" برعاية "أوباما" لتسوية القضية الفلسطينية وإيجاد سبل لحلها.
بدأت الإضطرابات في مصر 2010 مع تعالي الأصوات الداعمة للتظاهر للرغبة في إدخال تعديلات على النظام السياسي، واحتجاجًا على الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية السيئة، وبدأت العديد من المسيرات في الخروج بنهاية 2010 ومع انطلاق المسيرات الشعبية في 25 يناير 2011 في اليوم الذي حددته عدد من حركات المجتمع المدني من بينها حركتى كفاية، وشباب 6 أبريل، وذلك عدد من الشباب عبر مواقع التواصل الاجتماعي. بالتزامن مع خروج المسيرات في الجوار فقد سبقت تونس مصر وتلاها سوريا وامتدت نحو لبنان والبحرين واليمن, بدأت السياسة الخارجية الأمريكية تتمهل في رد الفعل وتتعامل مع أزمات المنطقة بالقطعة كل واحدة على حدة بما يتوافق مع مصالحها للخروج من مأزق الشرق الأوسط وأزماته ، بما لا يتناقض مع حماية مصالح الحلفاء التقليديين في منطقة الخليج، والرغبة في دمج الإسلاميين في الحكم، ودعم التيارات الدينية الوسطية وخاصةً جماعة الإخوان المسلمين، مع إبرام إتفاق مع القوى الإقليمية مثل إيران للحد من برنامجها النووي لتقويض قدراتها المستقبلية لضمان استمرار توازن القوى لصالح حليفها الإستراتيجي "تل أبيب" .
محمد مرسي.. تلقى دعما كبيرا من بلاد "العم سام" لتنفيذ مشروعها فى الشرق الأوسط
مع قيام ثورة 25 يناير 2011 تحولت السياسة الخارجية الأمريكية بشكل كبير حيث تخلت واشنطن عن حليفها في القاهرة، "حسنى مبارك" الذي أعلن عن تنحيه في 11 فبراير 2011، حيث أشاد الرئيس الأمريكي بما يحدث في مصر معتبرًا ذلك انتصار لمبادئ الحرية والديمقراطية, في اعتراف غير مباشر بتخليه عن النظام السياسي للرئيس "مبارك" ومباركته للتحول الجديد الذي يسير في تجاه المصالح الأمريكية في المنطقة.
بدأت مرحلة جديدة من البراجماتية الأمريكية تمثلت في دعم التيارات الإسلامية في مصر والتي اعتمد بالأساس على مساندة الإخوان المسلمين للوصول إلى الحكم.
هذا فى الوقت الذى شهد عهد الرئيس محمد مرسي العديد من الاضطرابات السياسية الداخلية والخارجية فلم يتمكن من زيارة واشنطن، فلم تدم فترة حكمه سوى عام واحد، فقد ثار عليه الشعب المصري دفاعًا عن هويته المصرية والحفاظ على نسيج الوحدة الوطنية والتي تعرض لحالات من التمزق والانقسام، نتيجة إعلاه قيم الولاء والطاعة لجماعته وأهله وعشيراته على حساب الولاء للدولة المصرية الوطنية بكل طوائفها.
ظهر التأييد الأمريكي من خلال استمرار العلاقات على كافة الأصعدة حيث شهدت رواجًا كبيرًا حيث يتبين من دراسة معدلات حجم التبادل التجاري بين البلدين – سواء بشكل ثنائي كالصادرات والواردات في الفترة من يناير 2011 وحتى أبريل 2013 فنجد أن حجم التبادل التجاري (وخاصة الصادرات المصرية) في ارتفاع مستمر ولم يتأثر بالأحداث السياسية والأمنية التي شهدتها القاهرة في أعقاب قيام ثورة 25 يناير، فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين في عام 2011 ما يقارب من 8290 مليون دولار (من بينها صادرات مصرية ب1819 مليون دولار)، ثم بلغ في عام 2012 حوالي 7284 مليون دولار (من بينها صادرات مصرية ب2009 مليون دولار)، وآخيراً بلغ في الربع الأول من 2013 حوالي 2230 مليون دولار (من بينها صادرات مصرية ب423 مليون دولار). وفي السياق ذاته؛ فقد مثلت كل من المنسوجات والملابس أكثر من نصف صادرات مصر غير البترولية إلى واشنطن والتي بلغت في عام 2011 حوالي 1105 مليون دولار، ثم انخفضت في عام 2012 لتصل إلى 921 مليون دولار، وبلغت في الربع الأول من عام 2013 حوالي 316 مليون دولار.
السيسي.. دخل فى "حرب ضروس" مع أمريكا بسبب موقفه من الإخوان.. لكنه نجح فى إعادة العلاقات تدريجيا مع تولى "ترامب" الحكم
مع انتخاب الرئيس عبدالفتاح السيسي كرئيسًا لمصر دخلت العلاقات بين البلدين في مرحلة توتر حاد، نتيجة عدم رضا الإدارة الأمريكية عما يحدث في مصر، رغم وصف وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إبان ثورة 30 يونيو بأن "تدخل الجيش المصري جاء لاستعادة الديمقراطية، مشيراً إلى أن ملايين الشعب المصري طلبت من المؤسسة العسكرية التدخل لحماية البلاد من الفوضى" وذلك في أغسطس 2013.
لكن ذلك لم يمنع الإدارة الأمريكية من تجميد المساعدات العسكرية السنوية البالغة 1.3 مليار دولار، كما أوقفت المناورات العسكرية المشتركة "النجم الساطع"، ثم أوقفت تسليم مشتريات الأسلحة إلى مصر والصيانة والتدريب، مع استمرار إدانة النظام المصري بانتهاكات حقوق الإنسان في مصر وقمع الإسلاميين.
ومع إعلان " السيسي" استراتيجيته لمكافحة الإرهاب مع تعزيز الجهود الرامية إلى تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة بدأت إدارة الرئيس الأمريكي تتراجع عن موقفها من خلال إعادة المساعدات العسكرية إلى مصر في أبريل 2015, وإن لم يكن ذلك كافيًا لإعادة الأمور إلى طبيعتها, إلا إنها شهدت تعدد الزيارات ما بيم المسئولين الأمريكيين وأعضاء الكونجرس إلى القاهرة، خصوصًا وزير الخارجية الأمريكى السابق "جون كيري"، للتشاور والتنسيق مع نظيره المصرى "سامح شكرى" حول القضايا الإقليمية المثارة ذات الاهتمام المشترك، خصوصًا بعد تنامى ظاهرة الإرهاب العابر للحدود وانتشار التنظيمات الإرهابية على رأسها تنظيم "داعش" فى عدة دول بالمنطقة، وتفجر الأحداث فى كل من سوريا وليبيا واليمن والعراق وغيرها من الدول.
سعت القيادة المصرية إلى الاستقلالية في السياسة الخارجية المصرية بعيدًا عن الصراعات والتحالفات بما يتوافق مع المصلحة الوطنية المصرية لذا تغيرت العلاقات المصرية بشكل جذري مع مجئ الرئيس عبدالفتاح السيسي، فقد أبدى دعمه للمرشح الجمهوري رجل الأعمال دونالد ترامب في أعقاب التنافس الإنتخابي مع المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون خلال لقائه المرشحين في نيويورك في سبتمبر 2016.
وبفوز "دونالد ترامب" وعقب تنصيبه بدأت مرحلة جديدة من العلاقات تتوافق فيها القيادتين حول العديد من الملفات فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب في العالم، وبحث سبل التسوية السلمية للقضية الفلسطينية، مع التأكيد دائمًا أن مصر حليفًا استراتيجيًا مهمًا ومؤثرًا في منطقة الشرق الأوسط.
وقد كان هذا واضحًا في مواقفهما المتقاربة في تلك القضايا في المحافل الدولية، مثل القمة الإسلامية-الأمريكية بالرياض، بالإضافة إلى الزيارات المتبادلة بين الطرفين. ويمكن توصيف تلك المرحلة ب "مرحلة التقارب" للتوافق الواضح بين البلدين، وتأكيد الاستراتيجيات الخاصة برؤى كليهما تجاه المواقف الدولية‮, علاوة على انعكاس ذلك في دعوة "ترامب" للرئيس المصري لزيارة البيت الأبيض, بعيدًا عن التدخل الأمريكي في الشأن الداخلي المصري أو الحديث عن ملفات الشائكة في العلاقات بين الجانبين.
جاءت الزيارة الأولى للرئيس السيسى إلى واشنطن في أبريل 2017، وذلك لتعزيز التعاون بين البلدين نظرًا للتحديات المشتركة التى تواجهها مصالح البلدين في المنطقة. لذا كان قرار الخارجية الأمريكية في 22 أغسطس 2017 بخفض المساعدات الاقتصادية والعسكرية لمصر بما يصل إلى 300 مليون دولار، في إشارة إلى تدهور حقوق الإنسان في مصر باعتبارها السبب الرئيسي لهذه التخفيضات غير المتوقعة في المساعدات. رغم تكهن البعض بأن هذا القرار مرتبط بشكل وثيق بالعلاقات الاقتصادية والأمنية الوثيقة بين مصر وكوريا الشمالية التي تميزت بالترابط والتعاون المشترك، بالإضافة إلى تنوع الترسانة المصرية من الأسلحة التي لم تعد تعتمد بشكل شبه كامل على التوريدات الأمريكية، فضلاً عن اتباع الدولة المصرية سياسة الباب المفتوح في علاقاتها الخارجية التي يكللها المزيد من التوزان مع القوى الإقليمية والدولية دون الانحياز لطرف على حساب آخر.
لكن يمكن تفسير هذا القرار من جانب ثاني حيث إن الإدارة الأمريكية ما زالت حتى الآن غير واضحة المعالم فيما يتعلق بتوجهاتها نحو المنطقة بصفة عامة والقاهرة بصفة خاصة وهذا يرجع إلى عقيدة الرئيس الجديد الذي يعتمد على مبدأ الصفقات في صنع سياساته الخارجية بما يتوافق مع المصالح الأمريكية، وهو ما تجلى في علاقاته بدول الخليج ومساندته لهم وإبرام صفقات خاصة بالتسلح ومكافحة الإرهاب وعدم اتخاذه موقف واضح وصريح فيما يتعلق بالأزمة القطرية مع الدول العربية والتي قامت بمقاطع الدوحة نتيجة سياساتها العدائية في المنطقة والتي أضرت بالمصالح العربية، فبرغم من إعلانه محاربة الإرهاب والدول الداعمة له قام بإبرام صفقات مع الدوحة.
لم يقتصر الأمر على ذلك فلابد من إلقاء الضوء على دور الكونجرس الأمريكي الذي يلعب دورًا بارزًا في إدارة ملف المساعدات الخارجية وإقرار الميزانيات الخاصة بالسياسة الخارجية والدفاع، التى تقدمها الولايات المتحدة، حيث يمتلك من القدرات التي تمكنه من زيادة حجم المساعدات أو إنقاصها بما يتوافق مع مصالحه وهو ما يتجسد في الحالة الإسرائيلية والتي دائمًا ما تلقى دعمًا سخيًا من الكونجرس، مقابل القاهرة والتي تتعرض للكثير من الضغوط، رغم أن هذه المساعدات هى استحقاق قانوني من الولايات المتحدة تجاه كل من إسرائيل ومصر وليست منحة تهبها واشنطن متى شاءت وتمنعها متى شاءت.
وفيما يتعلق بالسبب المعلن حيث تم ربط وقف المساعدات نتيجة ملف حقوق الإنسان في مصر؛ في حقيقة الأمر هذا السبب يرجع إلى قانون "تعديل ليهي" الذي أصدره الكونجرس الذي يربط بين تقديم الولايات المتحدة جزء من المساعدات أو جميعها بمدى التزام هذه الدولة المتلقية للمساعدات بمعايير معينة لحقوق الإنسان، كما يعطي لوزير الخارجية حق التأكيد أن الدولة المتلقية ملتزمة أم لا، علاوة على حق تعليق هذا الشرط بما يتوافق مع مصالح الأمن القومي الأمريكي، وهذا يعني أن هناك حالة من عدم التوافق ما بين الكونجرس والإدارة الأمريكية انعكست على قرارتهم الخارجية بشأن تقديم المساعدات لمصر.
ونتيجة التطورات التي تشهدها العلاقات بشكل جلى في الآونة الأخيرة أدركت القيادة المصرية أن قرار واشنطن بالتعاون مع القاهرة يرتكز بالأساس على التطورات الداخلية والخارجية والتي تكاد تعصف بالعلاقات في بعض الأحيان برغم من التوافق حول بعض الملفات الإقليمية والتي استطاعت تقريب الرؤى بين الطرفين.
لذا فقد حرصت القيادة المصرية على التعامل مع واشنطن باعتبارها حليف استراتيجي مؤثر بشكل قوي في المنطقة دون امتداد هذا التأثير إلى الداخل المصري ليكون بعيدًا عن التوترات التي تشهدها العلاقات من آن إلى آخر.
وعلى الجانب الأخر؛ أضحت القيادة المصرية بفتح علاقات خارجية جديدة مع القوى الكبرى في النظام العالمي، والتوجه نحو دائر خارجية جديدة لم تكن أولوية من قبل لصاع القرار المصري تجلت في التوجه نحو دول آسيا الوسطى بصفة عامة وجمهورية كازاخستان بصفة خاصة على صعيد الزيارات الرسمية رفعية المستوى والتي أسفرت عنها توقيع مذكرات تفاهم بين الجانبين.
كما تجسدت بشكل كبير كأولوية هامة لدى صانع القرار المصري العمل على تنويع مصادر السلاح كإستجابة للمتغيرات الإقليمية والدولية، وذلك للحفاظ على استقلالية القرار المصري.
تجلى في إبرام القارهرة لصفقات للسلاح مع كل من الصين وألمانيا وفرنسا وروسيا، فعلى سبيل المثال، ففى مايو عام 2015، قام وزير الدفاع المصري "صدقى صبحى" بزيارة الصين لتوقيع عقودًا على أسلحة ومعدات عسكرية جديدة مع نظيره الصيني "تشانغ وان تشيوان"، فيما وقعت مصر اتفاقيات مع ألمانيا لتزويد مصر بأربع غواصات هجومية تقليدية تعمل بالديزل والكهرباء "طراز 209" تم تصنيعها من قبل شركة "ثيسنكروب" بالإضافة إلى اتقافيات "الرافال" مع فرنسا. علاوة على إبرام صفقة أسلحة تبلغ قيمتها نحو ملياري دولار لموسكو لتزويد مصر بنظام الدفاع الجوي المتقدم S-300 والطائرات المقاتلة من طراز "ميج" إلى جانب عدد من الأسلحة الأخرى، وذلك في إطار الجهود الرامية إلى تعزيز التعاون العسكري.
بجانب التعاون العسكري من خلال إجراء المناورات المشتركة والتدربيات العسكرية مع عدد من القوى الكبرى وفي مقدمتها روسيا، فعلى سبيل المثال، تم إجراء أول عملية بحرية مشتركة تدعى "جسر الصداقة 2015" في 6 يونيو 2015، بالإضافة إلى مناورات "حماة الصداقة 1" في 2016 التي تجددت مرة ثانية في سبتمبر 2017.
وفي المقابل؛ لم تتوقف صادرات مصر من الأسلحة من واشنطن، فقد أعلنت السفارة الأمريكية في القاهرة في 22 يونيو 2015، أن واشنطن سلمت سفينتين تابعتين للقذائف الصاروخية السريعة إلى البحرية المصرية، لتعزيز الأمن البحري والإقليمي بشكل مباشر حيث يشمل حماية الممرات والمعابر المائية الحيوية مثل قناة السويس والبحر الأحمر، فضلًا عن استئناف فعاليات التدريب المصرى الأمريكي المشترك "النجم الساطع 2017"، الذى تم تنفيذه خلال الفترة من 10 إلى 20 سبتمبر 2017 بقاعدة "محمد نجيب" العسكرية. حيث تعكس هذه المناورة مدى أهمية وعمق التعاون العسكرى بين مصر وواشنطن، في ظل الظروف التي تمر بها المنطقة، التي تتطلب تضافر الجهود للتصدى للتهديات التي يوجهها أمن واستقرار المنطقة بل والعالم أجمع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.