..من «الوعود المعسولة» في عهد عبدالناصر إلي «مداهمات منظمات المجتمع المدني» في عهد المجلس العسكري مثلما توجهت مصر في العهد الملكي للولايات المتحدة لكي تحصل منها علي التأييد السياسي والدبلوماسي لإنهاء الوجود البريطاني في مصر، وكذلك كمصدر للسلاح، كذلك كان كل من الولاياتالمتحدة وحلفاؤها الغربيون، هما التوجه الأول لقادة النظام الجديد في مصر في بحثهم عن مصادر لتلبية متطلبات أهدافهم الاقتصادية والعسكرية المبكرة . ففضلا عن حرص قادة الثورة في أيامها الأولي علي عدم التدخل البريطاني لحماية النظام الملكي، فان الاعتماد علي الولاياتالمتحدة منذ البداية قد تركز حول مشروعين رئيسيين: أ - بناء الجيش المصري وتحديثه خاصة في ضوء خبرة قادة الثورة في حرب فلسطين . ب - رفع المستوي المعيشي للشعب المصري والذي تبلور حول مشروع السد العالي وحيويته في هذا الشأن. منفعة متبادلة وفي الاتصالات الممتدة التي اجرتها مصر مع الولاياتالمتحدة حول هذين المطلبين - السلاح وتمويل السد العالي - كان واضحا علاقة الارتباط التي أقامتها أمريكا بين استعدادها لتلبية هذين المطلبين وبين استجابة مصر لمشروعات الامن الاقليمي في المنطقة ابتداء من مشروع منظمة الدفاع عن الشرق الأوسط ثم حلف بغداد والذي تطور الي اتفاقية الدفاع المركزيCENTO . وحيث رفض جمال عبدالناصر هذا الربط معتبرا أن الشعب المصري ليس مستعدا بعد طرد الانجليز ربط مصر بقوة كبري اخري فان جون فوستر دالاس وزير الخارجية الأمريكي في أول زيارة للمنطقة في مايو 1953 أكد أن المعونة العسكرية الاقتصادية تعتمد علي تحالف مصر مع المحور الدفاعي الغربي، الأمر الذي جعل جمال عبدالناصر يكرر طلباته العسكرية من الولاياتالمتحدة، غير انه بعد محاولات وزيارات وفود عسكرية مصرية إلي واشنطن استخلص عبد الناصر انها لم ينتج عنها الا "الوعود المعسولة" ومستخلصا أن النفوذ اليهودي والصهيوني لهما اثر ضخم هناك، واعتقد انه "سيكون أعجوبة الأعاجيب إن حصلنا علي شيء". وازاء هذا الاقتناع، والضغوط العسكرية الإسرائيلية كما بدت في الغارة الإسرائيلية علي غزة تطلع عبدالناصر الي مصادر اخري توفر له التأييد الدولي، ورأي هذه المصادر في الدول الناهضة الجديدة في آسيا وأفريقيا وقادتها الذين يبشرون بعدم الانحياز، وتبلور علي المستوي السوفييتي في صفقة الأسلحة التشيكية لمصر والتي أعلن عنها في 27 سبتمبر 1955 وهي الصفقة التي وقعت علي " جون فوستر دالاس "- كما وصفها - ك"الصاعقة "، وكانت بحق خطا فاصلا في السياسة الخارجية المصرية نحو الولاياتالمتحدة بل كانت من عوامل الحرب الباردة حول الشرق الأوسط . غير أن المطلب الثاني المتعلق بتمويل السد العالي ظل مفتوحا علي الاقل من جانب السياسة المصرية، فقد ظل عبدالناصر وزملاؤه يفضلون أن يتم بناء السد العالي من خلال كونسورتيوم دولي، وحيث كانت الشكوك مازالت تمتلكهم حول المعاني السياسية والأيديولوجية لتواجد الخبراء السوفييت في عمليات بناء السد العالي . غير أن الأمر قد انتهي إلي أن السفير المصري في لقائه مع جون فوستر دالاس ووجه بقوله " اننا قد توصلنا الي نتيجة نشعر معها أن المشروع ليس ملائما للظروف الراهنة، وانه سيكون اجهادا كبيرا للاقتصادي المصري ". علي أن الرفض الأمريكي لتمويل السد العالي وتأثيراته خاصة علي توجهات السياسة الخارجية المصرية لم يحل دون حدوث لحظات من التعاون مثل تلك التي املاها العدوان علي مصر في نهاية 1956 وكان الموقف الأمريكي المعارض له من عوامل انحساره. وبفعل هذا توالت المؤشرات علي لسان عدد من كبار الساسة الدبلوماسيين من أن جونسون - وتحت وقع فيتنام - يريد أن يترك زمام الأمور لإسرائيل في الشرق الأوسط، وان جونسون - وفقا لما اعرب عنه دين راسك ليوثانت - لم يعد يطيق اسم ناصر، كل هذه المؤشرات وغيرها - والتي غابت للأسف عن صانع القرار المصري خلال مقدمات حرب 1967 - هي التي اوحت بأن الضربة الإسرائيلية كانت بالتشاور والتنسيق مع الولاياتالمتحدة، والتوافق مع اعلي المستويات فيها ممثلة في البيت الابيض ورئيسه. وهكذا تنتهي مرحلة اخري من مراحل التفاعل الصراعي بين الولاياتالمتحدة ومصر خلال العهد الناصري، وحيث ستقطع مصر علاقاتها الدبلوماسية مع واشنطن، وان ظلت الدولتان تحتفظان باقسام لرعاية المصالح بينهما، ومن خلالها سوف تبدا مستويات من الاتصالات حول اجراءات توفير حل سلمي لنتائج حرب 1967 . السادات مثلما واجه جمال عبدالناصر وزملاؤه من قادة ثورة يوليو 1952 مشكلة السيادة وجلاء البريطانيين عن منطقة القناة، كذلك واجه انور السادات بعد توليه السلطة مشكلة تحرير سيناء من الاحتلال الإسرائيلي، في هذه المرحلة كان واضحا أن جميع المقترحات والمبادرات التي بذلت منذ نهاية حرب 1967 لتحقيق تسوية سياسية تضمن جلاء إسرائيل عن سيناء قد فشلت بفعل التعنت الإسرائيلي . لذلك كان اختيار الحرب قد تبلور لدي السادات . والواقع انه رغم الانجاز العسكري الذي حققته مصر فان فكر السادات قد تطور حول طبيعة وإدارة مستقبل النزاع مع إسرائيل، وحول مصر وعلاقاتها مع شركائها العرب خلال هذه العملية، وكذلك حول ادوار القوي الكبري وخاصة القوتين العظميين وقتئذ. وقد تصور السادات أن النزاع مع إسرائيل والمراحل والحروب التي شهدها قد بلغ مرحلة من التعقيد لم تعد معها الحرب هي الوسيلة لحسم هذا النزاع بالنسبة للطرفين، ولذلك فقد تصور أن المراحل القادمة هي مراحل الدبلوماسية والمفاوضات . في هذا الشأن وبالنظر لتقييمه لدور مصر ومكانتها التي تجعلها القائد الطبيعي للعرب، فإنه اينما سيتجه فإن الاخرين سوف يتبعونه. أما فيما يتعلق بتصوره لادوار الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفييتي فيما هو مقبل عليه، فقد كان من الواضح أن السادات بداية لم يكن يرتاح الي النموذج السوفييتي ونظامه الاجتماعي ونسقه الايديولوجي، علي العكس فيما يتعلق بالنموذج الأمريكي والغربي بوجه عام، والذي كان في اعماقه يود أن تكون مصر جزءا منه . ومن ثم كان اعتقاده أن مصالح مصر وتطورها انما يخدمه - بشكل اكثر - التوافق مع هذا النموذج والتعاون معه . اما علي مستوي النزاع مع إسرائيل فقد كان يؤمن بأن الولاياتالمتحدة بارتباطاتها والتزاماتها مع إسرائيل هي القوة الدولية الوحيدة القادرة علي تحقيق تسوية سياسية، وتمتلك في هذا 90% من اوارق اللعبة . ورغم انقطاع العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع الولاياتالمتحدة الا أن السادات حرص علي فتح قنوات خلفية للاتصالات معها، ومن خلالها استقبل الرئيس الأمريكي محمد حافظ إسماعيل مستشار الأمن القومي المصري في واشنطن عام 1973، لقاءات بين حافظ إسماعيل وهنري كيسنجر في لقاءين حاسمين في واشنطن وباريس في فبراير ومايو 1973 وتجلي هذا الحسم في صياغة قرار القيادة المصرية تجاه الحرب وترتيبات وقف إطلاق النار الذي تم بتنسيق وجهود أمريكية، الأمر الذي يفتح الطريق لدور متقدم بل وحاسم للدبلوماسية الأمريكية في ترتيبات ما بعد الحرب، والتي بدأت باتفاقيتي فض الاشتباك الاول والثاني علي الجبهة المصرية حتي سبتمبر 1979، وهما الاتفاقيتان اللتان ستصبحان، في التحليل الاخير، هما المدخل الطبيعي والمؤدي الي زيارة السادات للقدس ثم الي اتفاقيتي كامب ديفيد في سبتمبر 1978 ومعاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية في مارس 1975، وهو التطور الذي بلغت به العلاقات المصرية - الأمريكية قمة تطورها وتحولها ومن خلالها أحدثت مصر تحولا جذريا في علاقاتها الدولية ونقلتها من الارتباط والتعاون الوثيق مع الاتحاد السوفييتي الي علاقات الشراكة الاستراتيجية مع الولاياتالمتحدة والغرب، بل إن الامر تحول الي مستوي القطيعة بين مصر والاتحاد السوفيتي، وأصبحت مصر من القوي المناوئة للسياسة السوفييتية ليس فقط في منطقتها بل وفيما وراءها كذلك. ومما له دلالته علي مسار العلاقات المصرية - الأمريكية، ليس فقط في الحقبة الساداتية، وانما في تطورها وتفاعلاتها بعد ذلك، وهو ما خاطب به الرئيس الأمريكي كارتر الرئيس الراحل أنور السادات خلال مقابلته له في البيت الابيض في ابريل 1977 : " استطيع أن اري إمكانية أن تكون علاقاتنا في المجالات الاقتصادية والسياسية بعد عشر سنوات من الان في قوة علاقاتنا (الولاياتالمتحدةالأمريكية ) مع إسرائيل ". غير أن كارتر سرعان ما اضاف شرطا حاسما، فقد لاحظ أن مثل هذه العلاقات الأمريكية - المصرية سوف تعتمد الي حد كبير علي علاقات قوية بين مصر و إسرائيل هو ما يعني أن علاقات ثنائية قوية كان واضحا أن العلاقات المصرية الأمريكية يجب أن تشمل أيضا إسرائيل . ومثلما كانت للسادات توقعاته الكبيرة من الولاياتالمتحدة، كذلك كانت لواشنطن توقعاتها المبالغ فيها ففيما يقول هيرمان ايلتس السفير الأمريكي السابق في مصر في عهد السادات، كانت واشنطن تعتبر أن السادات هو مصر ولم تول اهتماما واجبا للقوي والآراء المعارضة التي كان من المتوقع أن تؤكد نفسها إن عاجلا او آجلا كذلك كان للجانبين توقعاتهما المشتركة المبالغ فيها عن ادراة وقدرة الطرف الاخر علي التأثير في شئون الشرق الأوسط، مثلما توقع السادات أن تقنع واشنطن إسرائيل فيما يتعلق بقضية المستوطنات في الاراضي الفلسطينية، وان تقنع حليفتها السعودية بتأييد اتفاقية كامب ديفيد، كذلك خاب التوقع الأمريكي في أن يستطيع السادات التغلب علي المعارضة العربية لكامب ديفيد وبقاء وضع مصر في معسكرها العربي. التوازن في عهد مبارك وعندما تولي حسني مبارك كان يتميز بالغليان السياسي الداخلي وكان النسيج القومي والاجتماعي لمصر يتعرض للاهتزاز. غير أن الحاجة الي استعادة التوازن في سياسة مصر الخارجية لم تكن اقل اهمية، وكان في مقدمة أولوياتها هو تصحيح العلاقة مع العالم العربي . ولكي يعطي لذلك معني فقد شرعت مصر في تصحيح علاقاتها بالاتحاد السوفييتي وإقامة علاقة مستقيمة معه علي اساس من الاحترام المتبادل واستهل ذلك بدعوة الخبراء السوفييت للاشتراك في إصلاح توربينات السد العالي والعمل في مصانع الحديد والصلب في حلوان . غير أن التصالح مع الاتحاد السوفييتي لم يكن علي حساب العلاقات المتميزة مع الولاياتالمتحدة حيث ظلت هذه العلاقات قوية في جوهرها خاصة مع الحرص المشترك الذي جمع البلدين في اوائل الثمانينات علي استكمال وتطبيق معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية حيث كان علي إسرائيل أن تنفذ انسحابها النهائي من سيناء في ابريل 1982، هذا الهدف والمسئوليات والالتزام الأمريكي تجاهه كان من أولويات القيادة المصرية الجديدة . من ناحية أخري، فان هذا الهدف المشترك والحرص عليه لم يحل دون أن تتطور العلاقات المصرية الأمريكية وبصورة، وان ظلت ودية ومتعاونة في جوهرها، إلا أنها لم تخف ما تتضمنه هذه العلاقات في عهدها الجديد من إمكانية الاختلاف والتباين بل والتناقضات العلنية أحيانا. في هذه الفترة كذلك شهدت العلاقات المصرية - الأمريكية عددا من الاختبارات التي اثارت الشكوك بل وربما عدم الثقة في دوافع وتوقعات كل جانب إزاء الآخر . فقد جاء الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982 لكي يثير الشكوك بأنه تم بموافقة الولاياتالمتحدة والتنسيق معها، ولكي يمثل إحراجا للقيادة المصرية ويثير التصور بأن المعاهدة المصرية - الإسرائيلية اما الاختبار الآخر الذي تعرضت له العلاقة المصرية -الأمريكية فكان حول حادث السفينة أكيلو لاورو في أكتوبر 1985 وتداعياته حيث اجبرت الطائرات الأمريكية طائرة مصرية علي الهبوط في ايطاليا وما أثاره هذا العمل في مصر من الشعور بالمهان ومن شكوك، وانتقاد في الولاياتالمتحدة حول النوايا المصرية . كذلك تلا حادث أكيلو لاورو القصف الأمريكي الجوي لبني غازي في أبريل 1986وهو العمل الذي انتقدته مصر بشدة. وعلي المستوي الثنائي اعترضت العلاقات قضية الديون العسكرية تجاه الولاياتالمتحدة والتي كانت قد بلغت عام 1985 خمسة بلايين دولار وحيث كانت تمثل عبئا علي الاقتصاد المصري، اما التطور الايجابي فكان يتعلق بمسار عملية السلام في الشرق الأوسط والاهتمام الذي أعطته إدارة بوش ووزير خارجيته جيمس بيكر بدفع هذه العملية في اعقاب ازمة الخليج، وربما بسببها، وقد ادي هذا الاهتمام الي عقد مؤتمر مدريد الدولي حول الشرق الأوسط في ديسمبر 1992، وهو الصيغة التي جاءت في الواقع متوافقة مع ما ظلت مصر تدعو اليه، حتي خلال معركة اكتوبر، من أن مؤتمرا دوليا هو الصيغة الملائمة لبحث الجوانب المتعددة والمتشابكة للنزاع العربي - الإسرائيلي . وهكذا بدا عقد التسعينيات ومصر والولاياتالمتحدة تملكان قاعدة جيدة لتطور علاقتهما علي أساس من التعاون والمشاركة، غير أن هذا لم يخف انه علي الجانب المصري، تطورت عدة شكاوي وتحفظات حول ما تبديه الولاياتالمتحدة من قبول، وتسامحها مع السلوك الإسرائيلي المنافي لأهداف عملية السلام بل وتوافقها في بعض الاحيان مع عدد من المفاهيم الإسرائيلية حول قضايا جوهرية مثل مدي الانسحاب الإسرائيلي من الاراضي الفلسطينية، ومدي إجراءات التطبيع العربي - الإسرائيلي والتعاون . وعلي الجانب الأمريكي كان ثمة آمال لتعاون أمني ثلاثي تشارك فيه إسرائيل، وتوقع أن تستجيب مصر للتصورات الأمريكية لدعم عملية السلام واتفاقية السلام المصرية - الإسرائيلية من خلال تعاون اقتصادي وتجاري بين مصر وإسرائيل . بوش وإذا كان اشتراك مصر في الائتلاف الدولي لإخراج صدام حسين من الكويت قد قدم دفعة للعلاقات المصرية الأمريكية سواء علي المستوي الإقليمي بدعوة إدارة بوش وبيكر لعقد مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط، أو علي المستوي الثنائي بإعفاء مصر من ديونها العسكرية للولايات المتحدة (7 بلايين دولار ) فانه في عهد إدارة بوش الابن (2000- 2008 ) شهدت العلاقات المصرية الأمريكية ضغوطا وتوترات لم تكن الا نتيجة لسياسات هذه الإدارة خاصة في منطقة الشرق الأوسط وبعض المفاهيم التي تبنتها مثل مفهوم الترويج للديمقراطية . وبفعل هذه السياسات والممارسات تراجعت الاسس التي تأسست عليها العلاقات وهي التعاون من اجل صنع السلام في الشرق الأوسط وهو التعاون الذي اثمر اتفاقيات كامب ديفيد، غير أن هذا لم يمنع أن العلاقات المصرية الأمريكية في عهد بوش قد شهدت تطورات ايجابية في اتجاه المطالب الأمريكية، منها السماح لمرور السفن الأمريكية الي العراق خلال 2003، وعقد اتفاقية الكويز، وتصدير الغاز الي إسرائيل، والموقف من إيران ورفض تطوير العلاقات معها و يعتبر المتتبعون للعلاقات المصرية الأمريكية وخاصة في تطورها منذ نهاية السبعينيات أن التعاون الامني والعسكري هو من المكونات المهمة لهذه العلاقات وتتألف العلاقات العسكرية الثنائية بين مصر والولاياتالمتحدةالأمريكية من التدريبات المشتركة، وتنسيق واسع النطاق حول القضايا الإقليمية، فيما يتعلق بالتعاون العسكري فهو يتبلور في المناورات المشتركة التي اخذت اسمBright Star وغيرها . إدارة أوباما وتجيء ادارة اوباما بمفاهيمها حول التغيير والتجديد وتصحيح سياسات ادارة بوش وتوجهاتها وهو ما بدا فيما يتعلق بقضية السلام في الشرق الأوسط في الايام الاولي من الإدارة عندما عبرت عن التزامها بتحقيق تقدم علي أساس حل الدولتين، في ضوء هذه التوجهات لم يكن غريبا أن يستخلص الباحثين والمهتمين بالعلاقات الأمريكية المصرية أن هذه العلاقات سوف تشهد مستوي جديدا من النمو القائم علي المصلحة المشتركة والاحترام المتبادل، غير انه مع هذه المؤشرات والمناخ الإيجابي فان هذا ينفي التوقعات أن العلاقات سوف تواجه تحديات من أهمها الانتخابات التشريعية والرئاسية التي سوف تشهدها مصر عام 2010والأسلوب الذي سوف تجري به . وفي أعقاب الانتخابات البرلمانية في مصر أعرب الناطق باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي في بيان عن " إحباط البيت الأبيض بسبب موقف الحكومة المصرية عام 2010 قبل انتخابات وخلالها وانه مع تواصل تقويمنا للأنباء الواردة من مصادر عدة عن مخالفات في لجان الاقتراع وثمان مراقبين أجانب وعرقلة عمل المراقبين المحليين وتقييد حرية الصحافة، نجد إنها تدعو الي القلق". غير أن تطورا جديدا في العلاقات المصرية الأمريكية جاء مع ثورة 25 يناير 2011 في مصر وتطور مواقف الإدارة الأمريكية منها وكانت الأحداث المصرية أيضا اختبارا واقعيا لنهج إدارة اوباما من الديمقراطية وحقوق الإنسان . ويوحي رصد تطور مواقف الإدارة انها بدأت بما يتفق مع نهج الإدارة في عدم إغضاب النظام في مصر حيث اعتبرت هيلاري كلينتون في تصريحاتها المبكرة أن " النظام في مصر مستقر، وان الرئيس المصري حليف للولايات المتحدة " غير انه مع تصاعد الاحتجاجات قال المتحدث باسم البيت الأبيض " أن الحكومة لديها فرصة مهمة للإصغاء إلي تطلعات شعبها واحترام حقوق الديمقراطية والقيام بإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية لتحسين حياة الشعب والمساعدة علي ازدهار مصر ". فقد دعا كيري الرئيس السابق للإعلان انه لن يرشح نفسه لدم رئاسة جديدة او ترشيح ابنه، ومع استمرار الاحتجاجات وكثافتها صدرت عدة تعقيبات من الرئيس الأمريكي كان فحواها أن " ساعة التغيير في مصر قد حانت "., و مع تطور العملية السياسية في مصر, بدأت تصريحات الخارجية الأمريكية علي لسان وزيرة خارجيتها الأمريكية هيلاري كلينتون : " بأن نقلا حتميا للسلطة في ايدي مدنية منتخبة هو وسيلة مضمونة لمنع عدم الاستقرار في البلاد و إلا ستفقد مصر فرصة تاريخية ". في موضع آخر ابدي " وليام بيرنز " نائب وزير الخارجية الأمريكية، توقع الولاياتالمتحدة أن تري مشهدا مختلفا في مصر بعد عهد "مبارك " من انتخابات ديمقراطية تنافسية برلمانية ورئاسية، يتبعها العمل علي تكوين مجتمع مدني مستقل لما هو في صالح مقتضيات الديمقراطية . يضاف الي ذلك المداهمات المفاجئة التي حدثت بتاريخ في أواخر العام 2011 م علي المنظمات الحقوقية وذلك من قبل رجال الأمن والقضاة، وقد عبرت الخارجية الأمريكية أن مثل هذا الفعل لا يعبر عن طبيعة التعاون و التنسيق بين البلدين منذ عدة سنوات فيما يتعلق بشان تطوير المجتمع المدني , ما يتطلب العمل المطلوب علي باسم الخارجية الأمريكية " فيكتوريا نولاند " 5 مشيرة الي احتمال تأثر المساعدات الأمريكية لمصر أثناء إعادة النظر فيها أمام الكونجرس الأمريكي .إلا أن الخارجية المصرية بادرت بالرد علي هذه التصريحات بان مصر لا تقبل اي تدخل خارجي في شئونها الداخلية بما في ذلك التدخل الأمريكي. وعقبت السيدة فايزه أبو النجا وزيرة التعاون الدولي، أن ما حدث لم تكن مداهمات وإنما حق قضاة التحقيق، وهو ما دفع مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشئون الشرق الأوسط ، جيفري فيلتمان للحضور للقاهرة من اجل التأكيد علي اهمية العلاقات المصرية الأمريكية مدللا علي " اننا ليس لدينا شريكا في العالم العربي أكثر أهمية من مصر " وقد ارتبط ذلك بتبدل المشهد السياسي المصري كثيرا في الفترة الأخيرة، بصعود للتيار الاسلامي بشكل غالب في نتائج الانتخابات البرلمانية المصرية مادفع بالإدارة الأمريكية الي التكيف مع الوضع الجديد معربة عن استعدادها للتعاون مع التيارات الدينية الجديدة في مصر وعلي رأسها " حزب الحرية والعدالة " نتيجة هذا الفوز المتصاعد لها في كل مرحلة بعد الأخري، ما جاء علي لسان السيناتور " جون كيري " رئيس لجنة العلاقات الخارجية لمجلس الشيوخ الأمريكي، عندما زار بنفسه مقر جماعة " الإخوان المسلمين" بالقاهرة، من اجل الاطلاع مباشرة علي اتجاه الإخوان المسلمين فيما يتعلق بالسياسة الخارجية المصرية خاصة فيما يتعلق بالعلاقة مع الولاياتالمتحدةالأمريكية ومسألة " اتفاقية السلام " مع إسرائيل ومدي التزام " الإخوان المسلمين " بها. وخلال زيارته للقاهرة في 11 يناير 2012 التقي ويليام بيرنز مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية مع نائب رئيس حزب الحرية والعدالة، حيث ابدي بيرنز استعداد الولاياتالمتحدة لتقديم الدعم الاقتصادي لمصر حتي تتجاوز أزمتها وفي تطور لاحق حذرت وزيرة الخارجية الأمريكية في 4 فبراير و خلال اجتماع مجلس الأمن الدولي في ميونخ من أن الحملة الأمنية التي يشنها المجلس العسكري الحاكم علي منظمات المجتمع المدني من شأنها أن تهدد المعونات التي تقدمها واشنطن لمصر . ويلفت النظر أن فيلتمان في معالجته لمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية اعتبر أن المعاهدة لها جذور في الأمن الإقليمي . ومن اهم ما يلفت النظر أيضا في تصريحاته قوله أن الولاياتالمتحدة يجب أن تكون أكثر إدراكا للرأي العام المصري لأن الحكومة المصرية ستكون مسئولة بشكل أكثر أمام الرأي العام المصري وبالتالي سيكون لذلك تأثير علي كيفية إدارة العلاقات الثنائية. وقد جاءت أزمة منظمات المجتمع المدني، وخاصة بعد إحالتها الي القضاء المصري، لكي تمثل اول اختبار للعلاقات المصرية الأمريكية بعد الثورة، ونلاحظ أن خلال هذه الأزمة حرصت الإدارة الأمريكية علي تأكيد حرصها علي العلاقات مع مصر، ومما له دلالة اعرب رئيس الأركان الأمريكي في ديسمبر عن عدم رضاه عن التلويح بوقف المساعدات لمصر حيث إن هذا يهدد ما تحصل عليه أمريكا علي مستوي الأمن الإقليمي ومن ثم الأمن القومي الأمريكي . كما أكدت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية فيكتوريا نولاند خلال الأزمة أن الولاياتالمتحدة لاتزال ملتزمة بعلاقات ثنائية قوية مع مصر، وانه علي الرغم من التوترات الأخيرة فإن ساس هذه العلاقات الاستراتيجية لا تزال قوية، علي اية حال فإن الدرس الرئيسي للأزمة الأخيرة هو أن العلاقات المصرية الأمريكية سوف تصبح أكثر تعرضا للتوترات والاختلافات، وأن هذه الاختلافات سوف يحسمها تقدير كل جانب لعناصر الربح والخسارة في إدارتها.