تمتلك بريطانيا واحدًا من أقوى أجهزة المخابرات في العالم، ويُعتبر قانون الأسرار الرسمية البريطاني أحد المزايا التي جعلت MI6 من أنشط الأجهزة؛ حيث يُبعِد المواطنين عن فكرة السؤال عن أي من عمليات هذا الجهاز أو محاسبته أو غير ذلك من التدخل في شئونه. وتعود جذور نشأته لعهد الملكة إليزابث الأولى، حيث تم تأسيسه عام 1909 بواسطة جون ساويرز، وبرغم تميز الجهاز بطبيعته السرّية لهيكله التنظيمى وآليات عمله وعملياته وأهدافه، إلا أن عملاء مزدوجون قاموا بإختراقه خلال مراحل تاريخية منذ تدشينه ، ويعمل فيه نحو ثلاثة آلاف موظف، ويُقدم مشورته وتوصياته وتقاريره لوزير الخارجية البريطاني. ويعتبر معيار الكفاءة، كما ذكره الكاتب نبيل شرف الدين فى دراسة له, هو المعيار الأساسى لمنح فرصة عمل بالجهاز، لكن هناك تقليدًا عُرفيًا، بأن يقتصر منصب رئاسته على الشخصيات ذات الجذور البريطانية الأرستقراطية. ويتبع الجهاز مكتب الخدمات السرية الذى تأسس بمبادرة مشتركة من "الأدميرالية البريطانية" و"مكتب مراقبة عمليات المخابرات السرية" داخل بريطانيا وخارجها. وكانت أبرز أهدافه حينذاك رصد وتتبع أنشطة الأجهزة الألمانية، حتى ضمت لإشراف البحرية الملكية التى تخصصت بعمليات التجسس الخارجى ومكافحة أنشطة التجسس الداخلي، عام 1914. وقُبيل اندلاع الحرب العالمية الأولى، خضعت المؤسستان لإعادة هيكلة إدارية وتشكلت دائرة الاستخبارات العسكرية التى أطلق عليها حينذاك (MI6) الاسم الذى مازالت تحمله حتى الآن. ولم تعترف الحكومات البريطانية المتعاقبة رسميًا بوجود جهاز مخابرات حتى عام 1992، ولا يوجد أساس قانونى لأنشطة الجهاز حتى صدر "قانون أجهزة المخابرات" عام 1994، وترجع أهمية هذا القانون بالنسبة لجهاز المخابرات، لأنه حدد مهام الجهاز ومسئولياته، وجعله يتبع وزارة الخارجية البريطانية، بإشراف البرلمان ورئيس الوزراء والقضاء, على أنشطة الجهاز وممارساته. وتولى عددًا من الضباط البريطانيين رئاسة الجهاز بداية من سيدي مانسفيلد كومينج سميث الذى تولى خلال الفترة من 1909إلى1923، حتى أليكس يونجر الذى عُين أول نوفمبر 2014 , وورد فى سيرة ذاتية نشرتها الخارجية أنه يهوى الموسيقى والملاحة وتسلق الجبال، وهو متزوج ولديه أولاد، ويُشار لهذا المنصب تقليديًا بحرف (C)، نسبة لأسم أول رؤساء الجهاز مانسفيلد كومينج الذى كان يوقع رسائله بأول حرف من اسم عائلته فقط. ويقوم وزير الخارجية بتعيين رئيس الجهاز ولذلك يعتبر رئيس الجهاز تابعًا لوزير الخارجية، ويعد هو المسئول والمشرف على فعالية الجهاز وعملياته. وتتصدر واجبات رئيس الجهاز ضمان التزام العمليات بشروط عمل الجهاز المنصوص عليها بالقانون البريطاني، لذلك يُقدم سنويًا تقريرًا بشأن أداء الجهاز لكل من رئيس الوزراء ووزير الخارجية، ويشمل الهيكل التنظيمى للمخابرات البريطانية عدة هيئات وأجهزة هي, لجنة المخابرات المشتركة التابعة لمكتب رئيس الوزراء، ومهمته بلورة التقديرات الاستخباراتية القومية وإدارة شئون جميع أجهزة المخابرات برؤية شاملة وتفصيلية. بجانب هيئة المخابرات السرية المستقلة، التابعة لوزارة الخارجية، والمسئولة عن جمع المعلومات الاستخباراتية، والخدمة السرية خارج حدود الدولة ورعاية مصالحها العليا وأمنها القومي' فضلا عن وكالة الأمن المستقلة التابعة لوزارة الداخلية، ومسئولة عن الدفاع عن بريطانيا تجاه التهديدات الأمنية الكبرى، مثل المؤامرات، وأعمال التجسس، والإرهاب، ووكالة التنصت القومية، وهى وكالة مستقلة تابعة لوزارة الخارجية, وهيئة المخابرات بوزارة الدفاع، وهى وثيقة الصلة للغاية بأجهزة المخابرات العسكرية الأخرى فى بريطانيا. وهناك تنظيمات أخرى للمخابرات فى المملكة المتحدة مثل خدمة مخابرات الدفاع , التابعة لوزارة الدفاع، وخدمة استخبارات الاتصالات المختصة بالاستطلاع الإليكترونى ومخابرات الاتصالات، وتُشرف على جميع وكالات الاستخبارات البريطانية وتوجه سياستها وتُقّيم أداءها لجنة الاستخبارات المشتركة على غرار مجلس الأمن القومى الأمريكي، ويرأسها مساعد وزير الخارجية للشئون الأجنبية بمجلس الوزراء. وبرغم الالتزام الصارم بقواعد الخدمة السرّية ومدرسة التقاليد البريطانية العتيقة لكن جهاز (MI6) أدرك التحولات الجوهرية التى أفرزتها ثورة المعلومات، فأطلق موقعًا إلكترونيًا وتفاعل مع شبكات التواصل لدرجة إعلانه فى أكتوبر الماضى عن حاجته لعملاء. ومن جانبه، قال رئيس جهاز المخابرات الخارجية البريطانية، أليكس يونجر، إنه يسعى إلى تجنيد كادر جديد من الضباط ذوي الأصول السوداء والآسيويين، وتبديد صورة ضباط المخابرات البريطانيين المحصورة في نخبة من أبناء الطبقات الغنية أو خريجي جامعتي أوكسفورد وكامبريدج. وكشف رئيس جهاز المخابرات الخارجية البريطانية, في حديث خاص لصحيفة "ذي جارديان" عن حاجة الجهاز للتوسع، نظرًا للتهديدات المتزايدة التي تواجهها بريطانيا من الجماعات الإرهابية والدول المعادية. وقال إن أداء الجهاز سيكون أفضل في حال توفرت له قدرات بشرية من خلفيات اجتماعية متنوعة. وذكرت تقارير صحفية أن الاستخبارات البريطانية بحاجة إلى تجنيد نحو 1000 منتسب جديد في صفوفها بحلول عام 2020 بسبب تزايد التهديدات الأمنية من الجماعات الإرهابية. وقالت التقارير إن عددا من عناصر جهاز الاستخبارات الخارجية البريطاني سيرتفع من 2500 إلى نحو 3500 عنصر بسبب اشتداد الضغط على عملياته نتيجة الإنترنت والتطورات التكنولوجية. ودعا "يونجر" إلى انخراط النساء في جهاز الاستخبارات الخارجية البريطانية, خصوصا النساء اللواتي لديهن مؤهلات علمية وتكنولوجية، مؤكدًا أنه يُريد الوصول إلى جميع مكونات المجتمع البريطاني، والتأكد من تجنيد أفضل الأشخاص بصرف النظر عن أصولهم.