هل تنقذ الحكومة تاريخ مصر الفرعونى؟، وهل تنتبه إلى ثروات مصر المهدرة المعرضة للنهب والسرقة؟، ومتى ستتم محاكمة مافيا الآثار؟ .. وغيرها من التساؤلات التى وجهتها "الموجز"، منذ أكثر من 6 سنوات ماضية، عندما انفردنا بنشر تحقيق مصور داخل جبانة تل المحاجر الأثرية بمدينة قويسنا بالمنوفية، وأزحنا الستار عما أخفته الحكومات المتعاقبة، كما كشفنا تفاصيل المؤامرات التى كانت تحاك حول تاريخ مصر القديم وآثارها الفرعونية، ومنذ أيام قليلة مضت تقدم النائب أحمد رفعت، عضو مجلس النواب عن حزب المصريين الأحرار بدائرة قويسنا وبركة السبع، بطلب إحاطة إلى الدكتور على عبد العال رئيس مجلس النواب، كشف خلاله حجم المؤمرات التى تتعرض لها الآثار المصرية، مطالبا بتشكيل لجنة لتقصى الحقائق بشأن القضية. وأكد النائب أحمد رفعت، فى تصريحات خاصة ل "الموجز"، أن أرض منطقة «جبانة قويسنا» ملكا للدولة، وكانت أكبر شاهد وخير دليل على جريمة إهدار ثروات مصر، كاشفا عن أنه تم بيع 200.000 متر رمل فى تل أثرى بمنطقة قويسنا، دون تصريحات رسمية من الجهات المعنية مشيرا إلى أن سعر هذه الرمال يصل لنحو 5 ملايين جنيه، مشددا على ضرورة محاكمة المتورطين فى وقائع الفساد. وأكد رفعت، أنه طالب مسئولى الآثار بتوريد قيمة الرمال المهربة والتى تم بيعها فى غفلة من المسئولين ، مشيرا إلى أنه فى حالة توريد المسئولين لثمن الرمال فيمكن التعامل مع وزير الآثار على أنه المتهم الأول، وفى حالة عدم التوريد فيتم توجيه تهمة الإهمال لمسئولى الآثار، موضحا أن مسئولى الآثار، متهمون بتمكين لصوص الآثار من الاستيلاء على الرمال الأثرية دون وجه حق. وأضاف ، أنه يستهدف بمطلبه الحفاظ على تراث الوطن، وتفعيل دوره الرقابى كنائب للشعب، وأن مهمته تبدأ بوقف مهزلة الفساد والسرقة التى تتعرض لها آثار مصر، كما طالب رفعت، بالتحقيق فى الأمر مشددا على ضرورة محاكمة المتورطين فى نهب ثروات وتاريخ مصر الفرعونية. و"الجبانة" التى سبق لنا زيارتها ونشر تفاصيل الزيارة عقب اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير عام 2011، تعد من أهم المعالم الأثرية بالمنوفية، وكشفنا خلال تحقيقنا السابق أن منطقة آثار قويسنا كانت ومازالت أكبر دليل على جريمة الإهمال التى مارستها الحكومات المتعاقبة فى حق تاريخ الفراعنة حيث غض المسئولون الطرف عن المنطقة وجعلوها فريسة سهلة أمام اللصوص ومافيا تجارة الآثار يتلاعبون بمقدراتها ومحتوياتها دون رقيب أو عتيد، بل والأدهى من ذلك أن بعض مسئولى النظام الأسبق قاموا بالتخطيط لفتح المنطقة على مصراعيها أمام تجار الآثار، حيث تم البدء فى إنشاء مدينة صناعية قريبة من المنطقة فضلا عن السماح للتجار بتحميل الرمال من المنطقة التى لا تتنافس معها أى منطقة أخرى فى توفير الرمال، وكشفنا فى 2011، عن بعض الوقائع المدعومة بالمستندات الدفترية التى تؤكد تورط بعض المسئولين السابقين فى عمليات تهريب محتويات المنطقة الأثرية خلال شحنات الرمال التى كانت تخرج من المنطقة بمبالغ زهيدة ويتم التصرف فيها لصالح أحد المسئولين السابقين، كما أنه تم حرمان المنطقة من انتشار أفراد أمن بالمنطقة بينما تم الإبقاء على فرد أمن واحد دون حمل سلاح، ويأتى ذلك فى إطار عمليات فتح الباب أمام مافيا الآثار للسرقة واقتناء ما يكفيهم من خيرات المنطقة الأثرية. ولمن لا يعرف فالجبانة الأثرية –التى نتحدث عنها-، تبتعد عن مدينة قويسنا بنحو 10 دقائق، وتقترب كثيرا وإن كانت تتلاصق مع المنطقة الصناعية لمنطقة كفور الرمل، ويعود تاريخ الثروات الموجودة بها إلى العصور الفرعونية واليونانية والرومانية، وتم اكتشافها عام 1990، وتبلغ مساحتها حوالى 365 فدانا. وما يثير الدهشة فى الأمر أن كل السرقات التى تم اكتشافها لم تشمل المنطقة كاملة حيث أجريت بالمنطقة أعمال الحفر داخل مساحة فدان واحد فقط من إجمالى مساحة الأرض المقام عليها الجبانة، وتم العثور على 3 آلاف قطعة أثرية تنتمي للعصور الفرعونية، والبطلمية، والرومانية، وتتنوع بين تمائم وتوابيت وذهب وأوشابتي، فضلا عن أنها تضم 6 وحدات معمارية وعدد من غرف الدفن بالإضافة إلى جبانة خاصة بالطيور. وكانت "الموجز"، قد انفردت بنشر العديد من الحقائق التى تعرضت لها منطقة الجبانة، منها تورط عدد من مسئولى الآثار فى إهمال المنطقة الأثرية بقيامهم بتركها عرضة للسرقة والنهب من قبل تجار الآثار وبعض المسئولين فى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك، فضلا عن انفرادنا وقتها، بالكشف عن قيام أحد أصحاب المصانع بالمنطقة بالتنقيب عن الآثار، وعثوره على قطع أثرية وبيعها وإنشاء مصانع جديدة. واتهم أهالى المنطقة، بعض أصحاب المصانع، باتخاذ أعمالهم بالمصانع ستارا ليتمكنوا من ممارسة أنشطتهم غير المشروعة، للبحث والتنقيب عن الآثار لجمع الثروات الفاحشة، بالإضافة إلى قيام أصحاب تلك المصانع بتقديم الهدايا المتنوعة إلى المسئولين ليضمنوا لهم الحماية من السقوط فى قبضة رجال الأمن، والمشهد داخل الجبانة الأثرية، يستدعى الأمل والحسرة على التاريخ الضائع فى حياة السياحة الأثرية حيث تمتلئ الجبانة بالتوابيت، والمومياوات، التى نالت منها عوامل الطقس كثيرا، وجعلتها عرضة للتلف. من جانبها أوضحت أمينة التلاوى، مديرة مركز النيل للإعلام بشبين الكوم، -التى كشفت لنا فى الماضى أهم الجرائم التى مارستها الحكومات السابقة فى حق تاريخ مصر القديم والسياحة الأثرية، حيث سبق لها وأن تقدمت بدراسة إلى مجلس الشورى للمطالبة بتعيين حراسة على الجبانة -، أن منطقة الجبانة تم اكتشافها على يد الدكتور صبري حسين، أستاذ الآثار بجامعة طنطا، عام 1990، بمنطقة تل المحاجر في قويسنا بالناحية الجنوبية الشرقية من مسطح الرمال علي مسافة تتراوح بين 13 و15 متراً من سطح الأرض الزراعية. وأكدت ، أنه تم حفظ بعض القطع الأثرية في مخازن متخفية بمحافظة الشرقية، وكفر الشيخ كما تم نقل بعضها إلى المتحف المصري بالقاهرة ومتحف طنطا في الغربية، وكشفت التلاوى، عن أن محافظة المنوفية تضم آثاراً تضاهي تلك الآثار الموجودة بمدينة الأقصر التي تعادل نحو ثلث آثار العالم، مشيرة إلى أنه كان من الأولى أن يتم تحويل المنطقة إلي متحف مفتوح. ووجهت التلاوى، اتهامها للمحافظين السابقين بإهمال ملف الآثار والتغاضى عن مطالب إنشاء متحف للمنطقة، فى الوقت الذى تم إنشاء متحف دنشواي باعتمادات مالية بلغت حوالى 6 ملايين جنيه، فيما تم إهمال المنطقة الأثرية التي تم اكتشافها في 1990، كاشفة عن أنه كان من الأولي أن يتم إنشاء متحف يضم جميع الآثار القديمة التي تروي تفاصيل ثلاثة عصور. وتعجبت التلاوى، من إهمال وزارة الآثار للمنطقة الأثرية حيث لم ترصد أكثر من 20 ألف جنيه لدعم عمليات استكمال الحفر بالمنطقة، حيث إن المبلغ لا يكفى للبدء فى الحفر، موضحة أن المنطقة التى توجد بها الجبانة المقصودة تخضع لقانون حماية الآثار رقم 117 لعام 1990، وكشفت التلاوى، عن أنها تقدمت ببلاغ للنائب العام الأسبق فى 2011، اختصمت فيه عدداً كبيراً من مسئولى محافظة المنوفية ورجال النظام الأسبق بالاستيلاء على خيرات جبانة قويسنا الأثرية، موضحة أنها تعرضت لضغوط كثيرة ليتم إجبارها على التخلى عن هذا الملف، لكنها تمسكت بحقها فى الدفاع عن ثروات ومقدرات الوطن، وطالبت بمحاكمة المتهمين. وشددت التلاوى، على ضرورة محاكمة المسئولين، وناهبى أهم الأجزاء الأثرية من تاريخ مصر. وكشفت التلاوى عن أن وزيرى الآثار السابقين زاهى حواس، وممدوح الدماطى، طالبا مسئولو محافظة المنوفية بإنشاء متحف خاص بالمحافظة لجمع آثار المحافظة المنتشرة فى مختلف مراكزها، بالإضافة للقطع الأثرية الموجودة بمتاحف طنطا والقاهرة، وشددا على ضرورة بناء سور حول المنطقة الأثرية لحمايتها من السرقة واللصوص ومنع تهريب آثارها ودخول غير المتخصصين أو الزائرين للمنطقة. الغريب وما يثير الدهشة فى الملف قيام المسئولين بالحديث عن إنشاء مشروعات خدمية متجاهلين طبيعة المنطقة الأثرية، وذلك لإخفاء معالم جريمة التآمر على الآثار المصرية، مشيرين إلى أنه تم الشروع فى بناء مدرسة بالمخالفة الصارخة للقانون، وكذا بناء مبنى تابع لإدارة مرور قويسنا دون الحصول على موافقة وزارة الآثار، أو الخضوع للمراقبة الأثرية وهو ما يهدد بالقضاء على التل الأثرى والأراضى الخاضعة قانونا للتل الأثرى، كما اتهم الأهالى المحافظ الحالى هشام عبد الباسط، بأنه وراء السماح بإنشاء المدرسة على أرض خاضعة للآثار وعلى التل الأثرى بقويسنا. وفى إطار متصل، حصلت "الموجز"، على صور ضوئية من البلاغات التى تقدم بها أحد مفتشى الآثار للنيابة الإدارية بشأن كارثة رفع الرمال بالجهة الغربية من التل، والتى تكشف أسماء المتورطين فى ملف إفساد تاريخ مصر القديم من مسئولى وزارة الآثار، بالإضافة إلى صورة من قرار النيابة الإدارية، بوقف كل من "أ.أ" مسئول التل الأثري بقويسنا، و"ع.أ" مدير عام أثار المنوفية، و"م.أ" مدير بمنطقة أثار المنوفية عن العمل، لمدة 3 أشهر عن العمل، بعد ثبوت تورطهم في ارتكاب تهم الاستيلاء على كميات هائلة من الرمال تقدر ب200 ألف متر مكعب تقريباً، وهو ما نتج عنه إهدار مالا يقل عن 5 ملايين جنيه، على الخزانة العامة، بالإضافة إلى الإهمال في الحفاظ على التل الأثري بقويسنا، وهو ما مكن المصانع المحيطة باستخدام أرضه مستودعاً للمخلفات، بالإضافة إلى التقاعس عن اتخاذ الإجراءات اللازمة بشأن حماية التل الأثري، وهو ما نتج عنه العثور على قطع أثرية خارج نطاق الحرم الأثري.