بعد المصالحة بين مصر وقطر أصبحت جماعة الإخوان في مأزق كبير حيث فقدت الداعم الرئيسي لها سواء ماديا أو سياسيا ولم يبق لقيادات الجماعة سوى العيش في حياة الشتات حيث سيجوبون الدنيا بحثا عن لقمة العيش بعد أن كانت طموحاتهم في العهد القريب تتمثل في السيطرة على كل الوطن العربي وهو الأمر الذي أوضحه تقرير لصحيفة إيكونوميست البريطانية التى أكد أن حلم الإخوان تبخر وأصبح فى مهب الريح. وقالت الصحيفة إن مشهد اجتماع القادة الخليجيين في يوم 9 ديسمبر بالدوحة والتي علته الابتسامات ،كان مبشرا بنهاية الانقسامات بين الدوحة وجيرانها ،وبشكل أكثر دقة كان ذلك تأكيدا على تراجع الدولة المضيفة الصغيرة جدا ولكن الثرية عن مواصلة سياستها الخارجية الناشطة والتي كانت تسبب إزعاجا كبيرا لجيرانها التي رأوا فيها أنها سياسة تخريبية. وأضافت الصحيفة أنه على مدى العقد الماضي قدمت قطر دعما هادئا وسخيا ومستمرا لجماعة الإخوان المسلمين ،حيث منحت الدعم الدبلوماسي والمنصة الإعلامية القوية ليس فقط للتنظيم الأم الذي تأسس في مصر عام 1928 ،ولكن لكل مجموعة من الجماعات الإسلامية التابعة لها والتي تنتهج نفس الفكر في كل أنحاء المنطقة , وأشارت إلى أن القادة القطريين اعتمدوا على أيديولوجيا تدعم الإخوان المسلمين المحافظين والوسطيين ،ورأوا انها ستعطي قوة لطموحاتهم حيث راهنوا على أن الجماعة ستقود الموجة السياسية في المستقبل العربي وفي الواقع فإن ثورات الربيع العربي التي اندلعت عام 2011 أدت إلى فوز الإخوان في الانتخابات سواء في مصر أو تونس ،كما أخذت الجماعة زمام المبادرة في الانتفاضات الدموية في كل من سوريا وليبيا واليمن ،كما أن الفرع الفلسطيني المسلح المتمثل في حركة حماس سيطر على قطاع غزة ،وخضعت تركيا تحت سيطرة رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية الذي بدا وكأنه نموذجا ناجحا اقتصاديا لحكم الإسلاميين الديمقراطي في مظهره الحديث إلا أن حلم الإخوان المسلمين ابتعد وتبخر بسرعة مذهلة ،بعد الثورة الكبرى التي اندلعت في مصر في 30 يونيو وأطاحت بالرئيس الأسبق محمد مرسي من السلطة في منتصف عام 2013 ،ومنذ ذلك التوقيت عانت العلامة التجارية لجماعة الإخوان من تسلسل لاذع من الانتكاسات ،ففي تونس تحول الناخبين إلى العلمانيين ،وخسرت الجماعة قطر بوصفها الداعم الرئيسي لها ،ولم يعد هناك سوى أردوغان الذي يقدم الدعم ،ولكن سياسته الاستبدادية على نحو متزايد أدت إلى ابتعاد الأصدقاء عنه . وتساءلت الصحيفة كيف حدث ذلك؟ وأجابت بأن الإخوان نفسهم يقع عليهم جزء من اللوم ،فقد تحولت مبكرا إلى جماعة حادة مناهضة للإمبريالية ،وبعد خروج القوى الاستعمارية أصبحت المعارض الرئيسي للأنظمة العلمانية القمعية التي كانت مجرد أدوات لتنفيذ مصالح الغرب ،وفي أثناء ذلك تحولت في بعض المسارات إلى العنف ،وأصبح شعارها الداخلي :: الإسلام هو الحل". ويبدو أن هذه كانت طريقتها لتصدر مشهد الربيع العربي ،ولكن في أماكن مثل مصر وتونس أساءت الجماعة ميزة فوزها في الانتخابات حيث اعتبرته جزء من مشروعها الإسلامي ،وقد انعكس ذلك عليها بالضعف فبعد سنوات من الديكتاتورية كانت الجهات الفاعلة السياسية تتطلع إلى مزيد من الديمقراطية ،ولكن الجماعة نفرت منهم وخسرت دعمهم وفي المقابل وجدت نفسها أمام الإسلاميين الذين طالبوا بتطبيق الشريعة على الفور بدلا من تطبيقها بشكل تدريجي ،ورفضوا الديمقراطية باعتبارها انحرافا عن شرع الله ،وفي سوريا والعراق بعد أن كان ينظر إليها على أنها اكبر جماعة معارضة في عام 2011 لم يعد لديها حاليا أي تأثير يذكر على أرض الواقع وكان الإخوان أيضا يشكلون العدو القوي الذي شهدت له الحكومات الغربية ،حيث وجدوا أن هناك احتمالا كبيرا بأن تكون الجماعة عبارة عن قطعة الإسفنج التي يمكنها امتصاص المتطرفين الإرهابيين بأمان ،أما الحكومات العربية فقد نظرت للجماعة على أنها تهديدا مميتا ، وهذا الأمر كان الاعتقاد السائد في الدولة المصرية العميقة ،وكان ذلك سببا في الحملة التي شنها النظام الجديد ضدهم ،كما تم تضييق الخناق على حركة حماس لنفس السبب . وأشارت الصحيفة إلى أن دول الخليج الغنية اتجهت للقضاء على الإخوان بشكل أكثر هدوء ،حيث رأت أنها مجموعة فاشية ، ورأى المسئولون في الخليج أيضا أنها كانت جهاز لتجنيد كل أنواع المتطرفين ،وهذا العداء دفع كل من السعودية والإمارات للانضمام إلى مصر في فكرة حظر الجماعة وإدراجها في قائمة الإرهاب ودعمت دول الخليج الحكومة المصرية ضد الإخوان وضغطت بشكل كبير على قطر من خلال طرد سفراءها والتهديد بفرض عقوبات عليها وقد أدت هذه الضغوط إلى رضوخ قطر وطردها لقيادات الجماعة من أراضيها بهدوء وكذلك وقف البوق الإعلامي الداعم لهم ،والذي أدى إلى جعل جماعة الإخوان المسلمين أقوى فصيل معارض لسنوات وبذلك تركت قادة الجماعة بلا مأوى لهم في كل الدول العربية واتجهوا جميعا نحو المنفى في تركيا ليعيشوا كأفراد عاديين ،ويقال إن كثيرا منهم قد ينضم إلى الجهاديين او قد يعمل كفنيين ومعلمين وأطباء والبعض قد يلتحق ليقاتل في صفوف الدولة الإسلامية بالعراق والشام ،وهذه النتيجة التي قد لا يرغب بها حكام الخليج.