قال الدكتور ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية، إنه تم التحريف المتعمد لفتواه التى رد فيها على أحد السائلين على موقع "أنا السلفي" التابع للدعوة السلفية، حول تقديم حفظ النفس على حفظ العرض. وأكد برهامي على وجوب دفاع الزوج عن عرضه إذا كان هناك احتمال بالدفع، وأن هذا ما قاله النبي، صلى الله عليه وسلم: "من قُتل دون عرضه فهو شهيد"، مشيرا إلى أن الحالة التي ذكرها في فتواه هي التي سيقع فيها يقينا مضرتان، القتل والاغتصاب، فإذا تيقن المرء بذلك فيسقط عنه وجوب الدفاع حفاظا على النفس. وأضاف نائب رئيس الدعوة السلفية: "سيدنا إبراهيم لما جاء إلى مصر، وطلب الجبار امرأته سارة فقال إنها أختي، ويقصد أنها أخته في الإسلام، حتى لا يُقتل وتُؤخذ، ووقف يصلي ويدعو الله أن ينجيها وقد نجاها الله". وكانت بعض وسائل الإعلام قد نقلت فتوى لبرهامي، نشرت على موقع "أنا السلفي"، مدعين أن برهامي يجيز عدم الدفاع عن العرض إذا ظن الزوج أنه سيقتل على يد المعتدين، الذين يريدون الاعتداء على زوجته حفاظا على حياته، وذلك قياسا على فتوى للإمام العز بن عبدالسلام، عن وجوب تسليم المال للصوص حفاظًا للنفس من القتل. وأهاب برهامي بمن يوجهون إليه الانتقاد بأن يتثبتوا ويتحروا الدقة وأن لا يكتفوا بقرءاة الأخبار على وسائل الإعلام، ثم يوجهون سهامهم. وكان هذا نص السؤال الذي وجه إليه: سمعتُ حضرتك تستدل بقصة إبراهيم -عليه السلام- المشهورة مع الملك الظالم على عدم وجوب الدفاع عن العرض إذا كان الإنسان يغلب على ظنه أنه سيُقتل وتؤخذ زوجته أو ابنته؛ لأن في هذا مفسدتين، وفي فتوى سابقة قرأتُ لحضرتك أنك قلتَ في الدفاع عن المال: إنه إذا علم أنه سيقتل إن لم يعطِ اللصوص ماله فلا يجوز له أن يقاتلهم أو يقاومهم، بل يجب أن يسلم لهم المال حتى لا يُقتَل... والسؤال: هل كذلك تقول حضرتك في العرض أن مَن علِم أنه يقتل وتغتصب زوجته أيضًا فيجب عليه ألا يقاتلهم أو يقاوم المجرمين؟ وما الحكم لو كان الإنسان إذا دافع عن عرضه يعلم أنه مقتول لا محالة، لكنه سيحفظ عرض زوجته أو ابنته بقتل نفسه على أيدي المجرمين؟ فهل في هذه الحالة يكون قتاله لهم واجبًا عليه أم هذا يعتبر إكراهًا أو عذرًا في عدم الوجوب؟" وكانت هذه نص إجابته للسائل على موقع "أنا السلفي"، والتي شوهتها وسائل الإعلام: "الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ 1-فالنقل الذي اعتمدتُه في الإجابة المذكورة هو كلام الإمام العز بن عبد السلام -رحمه الله- في كتابه: "قواعد الأحكام في مصالح الأنام"، وهو إنما ذكر وجوب تقديم المال لحفظ النفس، ولم يتعرض لمسألة العرض، ولكن مقتضى كلامه ذلك أيضًا؛ ولكن انتبه أن هذا الأمر إنما هو في حالة واحدة، وهي العلم بقتله وأن تغتصب، وأما مع احتمال الدفع؛ فقد وجب الدفع بلا خلاف. 2-هو في هذه الحالة مكره، وسقط عنه الوجوب على مقتضى كلام العز بن عبد السلام -رحمه الله- وغيره، ولكن نعيد التنبيه أنه مع احتمال الدفع يجب الدفع، مع أن صورتك في السؤال صورة ذهنية مجردة؛ إذ كيف يكون غرضهم اغتصابها ثم إذا قتلوه لم يغتصبوها؟". وكان الشيخ قد كتب بشكل أكثر تفصيلا عن هذا الموضوع في كتاب طليعة الشرح الأزهر ص 219: ثالثًا: حكم دفع الصائل عن العرض: (أ) فقد أجمع الفقهاء ([1]) على أنه يجب على الرجل دفع الصائل على عرض - أي : بضع- أهله ، أو غير أهله ؛ لأنه لا سبيل إلى إباحته ، فيأثم الإنسان بتركه ، قال شيخ الإسلام رحمه الله :"فإن دفع الصائل على الحرمة واجب بلا نزاع"2 ومثل الزنا بالبضع في الحكم مقدماته في وجوب الدفع حتى لو أدى إلى قتل الصائل فلا ضمان عليه ، وإن قتل الدافع بسبب ذلك فهو شهيد، لقوله صلى الله عليه وسلم : "وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُو شَهِيدٌ" ([3])، ولما في ذلك من حقه وحق الله تعالى - وهو منع الفاحشة - ولقوله صلى الله عليه وسلم : "انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا، أو مَظْلُومًا". إلا أن الشافعية شرطوا لوجوب الدفاع عن عرضه وعرض غيره : أن لا يخاف الدافع على نفسه ، أو عضو من أعضائه ، أو على منفعة من منافع أعضائه ، قال في حاشية البجيرمي : "لو فرض صيال على مال وبضع ونفس ، قدم الدفع عن النفس ثم البضع ثم المال الأخطر فالأخطر". ([5]) (ب) أما المرأة المصول عليها من أجل الزنا بها ، فيجب عليها أن تدفع عن نفسها إن أمكنها ذلك ؛ لأن التمكين منها محرم ، وفي ترك الدفع نوع تمكين ، فإذا قتلت الصائل - ولم يكن يندفع إلا بالقتل - فلا تضمنه بقصاص ولا دية ؛ لما روي أن رجلًا أضاف ناسًا من هذيل، فأراد امرأة على نفسها ، فرمته بحجر فقتلته ، فقال عمر رضي الله عنه : "والله لا يودى أبدًا " وللحديث قبل السابق . قال شيخ الإسلام رحمه الله :" وأما إذا كان مطلوبه [أي : الصائل] الحرمة – مثل أن يطلب الزنا بمحارم الإنسان ، أو يطلب من المرأة ، أو الصبي المملوك ، أو غيره الفجور به ؛ فإنه يجب عليه أن يدفع عن نفسه بما يمكن ولو بالقتال ، ولا يجوز التمكين منه بحال ؛ بخلاف المال فإنه يجوز التمكين منه؛ لأن بذل المال جائز وبذل الفجور بالنفس ، أو بالحرمة غير جائز". ([6]) وقال رحمه الله :ولو استكره المجنون امرأة على نفسها، ولم يندفع إلا بقتله، فلها قتله، بل عليها ذلك بالسنة واتفاق أهل العلم". ([7]) وقال في طليعة الشرح الأزهر أيضًا ص 148: قصة إبراهيم عليه السلام مع الجبار وتوجيه أهل العلم لها : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : "لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام قَطُّ ، إِلَّا ثَلَاثَ كَذَبَاتٍ : ثِنْتَيْنِ فِي ذَاتِ اللَّهِ : قَوْلُهُ : إِنِّي سَقِيمٌ ، وَقَوْلُهُ : بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا . وَوَاحِدَةٌ فِي شَأْنِ سَارَةَ ؛ فَإِنَّهُ قَدِمَ أَرْضَ جَبَّارٍ وَمَعَهُ سَارَةُ ، وَكَانَتْ أَحْسَنَ النَّاسِ ، فَقَالَ لَهَا إِنَّ هَذَا الْجَبَّارَ إِنْ يَعْلَمْ أَنَّكِ امْرَأَتِي يَغْلِبْنِي عَلَيْكِ ؛ فَإِنْ سَأَلَكِ فَأَخْبِرِيهِ أَنَّكِ أُخْتِي ؛ فَإِنَّكِ أُخْتِي فِي الْإِسْلَامِ ؛ فَإِنِّي لَا أَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ مُسْلِمًا غَيْرِي وَغَيْرَكِ فَلَمَّا دَخَلَ أَرْضَهُ رَآهَا بَعْضُ أَهْلِ الْجَبَّارِ أَتَاهُ ، فَقَالَ لَهُ : لَقَدْ قَدِمَ أَرْضَكَ امْرَأَةٌ لَا يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تَكُونَ إِلَّا لَكَ ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا فَأُتِيَ بِهَا ، فَقَامَ إِبْرَاهِيم. إِلَى الصَّلَاةِ فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ لَمْ يَتَمَالَكْ أَنْ بَسَطَ يَدَهُ إِلَيْهَا ، فَقُبِضَتْ يَدُهُ قَبْضَةً شَدِيدَةً ، فَقَالَ لَهَا : ادْعِي اللَّهَ أَنْ يُطْلِقَ يَدِي وَلَا أَضركِ ، فَفَعَلَتْ فَعَادَ ،فَقُبِضَتْ أَشَدَّ مِنْ الْقَبْضَةِ الْأُولَى ، فَقَالَ لَهَا مِثْلَ ذَلِكَ ، فَفَعَلَتْ فَعَادَ ، فَقُبِضَتْ أَشَدَّ مِنْ الْقَبْضَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ ، فَقَالَ ادْعِي اللَّهَ أَنْ يُطْلِق يَدِي فَلَكِ اللَّهَ أَنْ لَا أَضركِ ، فَفَعَلَتْ وَأُطْلِقَتْ يَدُهُ ، وَدَعَا الَّذِي جَاءَ بِهَا فَقَالَ لَهُ : إِنَّكَ إِنَّمَا أَتَيْتَنِي بِشيطَانٍ وَلَمْ تَأْتِنِي بِإِنْسَانٍ ، فَأَخْرِجْهَا مِنْ أَرْضي وَأَعْطِهَا هَاجَرَ . قَالَ : فَأَقْبَلَتْ تَمْشي فَلَمَّا رَآهَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَام انْصرفَ ، فَقَالَ لَهَا : مَهْيَمْ؟ قَالَتْ : خَيْرًا كَفَّ اللَّهُ يَدَ الْفَاجِرِ وَأَخْدَمَ خَادِمًا ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَتِلْكَ أُمُّكُمْ يَا بَنِي مَاءِ السَّمَاءِ" . (البخاري[2217]، ومسلم [2371] واللفظ له) قال النووي رحمه الله : "قال العلماء : والواحدة التي في شأن سارة هي أيضًا في ذات الله تعالى ؛ لأنها سبب دفع كافر ظالم عن مواقعة فاحشة عظيمة " . (شرح النووي على مسلم [15 / 124،125]) وقال ابن حجر رحمه الله: "واختلف في السبب الذي حمل إبراهيم على هذه الوصية مع أن ذلك الظالم يريد اغتصابها على نفسها ، أختًا كانت أو زوجة. فقيل كان من دين ذلك الملك أن لا يتعرض إلا لذوات الأزواج ،كذا قيل ، ويحتاج إلى تتمة وهو أن إبراهيم أراد دفع أعظم الضررين بارتكاب أخفهما ؛ وذلك أن اغتصاب الملك إياها واقع لا محالة ، لكن إن علم أن لها زوجًا في الحياة حملته الغيرة على قتله وإعدامه أو حبسه وإضراره ، بخلاف ما إذا علم أن لها أخًا فإن الغيرة حينئذ تكون من قبل الأخ خاصة لا من قبل الملك فلا يبالي به . وقيل أراد إن علم أنك امرأتي ألزمني بالطلاق ، والتقرير الذي قررته جاء صريحًا عن وهب بن منبه فيما أخرجه عبد بن حميد في تفسيره من طريقه . وقيل كان من دين الملك أن الأخ أحق بأن تكون أخته زوجته من غيره ؛ فلذلك قال هي أختي اعتمادًا على ما يعتقده الجبار فلا ينازعه فيها . وتعقب بأنه لو كان كذلك لقال هي أختي وأنا زوجها ، فلم اقتصر على قوله هي أختي؟ وأيضًا فالجواب إنما يفيد لو كان الجبار يريد أن يتزوجها لا أن يغتصبها على نفسها". وذكر المنذري في حاشية السنن عن بعض أهل الكتاب أنه كان من رأي الجبار المذكور أن من كانت متزوجة لا يقربها حتى يقتل زوجها ؛ فلذلك قال إبراهيم هي أختي ؛ لأنه إن كان عادلًا خطبها منه ثم يرجو مدافعته عنها ، وإن كان ظالمًا خلص من القتل. وقال العز بن عبدالسلام رحمه الله: "قاعدة : إذا تعذرت العدالة في الولاية العامة والخاصة بحيث لا يوجد عدل ، ولينا أقلهم فسوقا وله أمثلة : - أحدها : إذا تعذر في الأئمة فيقدم أقلهم فسوقا عند الإمكان ، فإذا كان الأقل فسوقا يفرط في عشر المصالح العامة مثلا وغيره يفرط في خمسها لم تجز تولية من يفرط في الخمس فما زاد عليه ، ويجوز تولية من يفرط في العشر ، وإنما جوزنا ذلك لأن حفظ تسعة الأعشار بتضييع العشر أصلح للأيتام ولأهل الإسلام من تضييع الجميع ، ومن تضييع الخمس أيضا ، فيكون هذا من باب دفع أشد المفسدتين بأخفهما ، ولو تولى الأموال العامة محجور عليه بالتبذير نفذت تصرفاته العامة إذا وافقت الحق للضرورة ، ولا ينفذ تصرفه لنفسه ، إذ لا موجب لإنقاذه مع خصوص مصلحته ، ولو ابتلي الناس بتولية امرأة أو صبي مميز يرجع إلى رأي العقلاء فهل ينفذ تصرفهما العام فيما يوافق الحق كتجنيد الأجناد وتولية القضاة والولاة ؟ ففي ذلك وقفة. ولو استولى الكفار على إقليم عظيم فولوا القضاء لمن يقوم بمصالح المسلمين العامة ، فالذي يظهر إنفاذ ذلك كله جلبا للمصالح العامة ودفعا للمفاسد الشاملة ، إذ يبعد عن رحمة الشرع ورعايته لمصالح عباده تعطيل المصالح العامة وتحمل المفاسد الشاملة ، لفوات الكمال فيمن يتعاطى توليتها لمن هو أهل لها ، وفي ذلك احتمال بعيد". وقال رحمه الله: "إذا تفاوتت رتب الفسوق في حق الأئمة قدمنا أقلهم فسوقا ، مثل إن كان فسق أحد الأئمة بقتل النفوس وفسق الآخر بانتهاك حرمة الأبضاع ، وفسق الآخر بالتضرع للأموال ، قدمنا المتضرع للأموال على المتضرع للدماء والأبضاع ، فإن تعذر تقديمه قدمنا المتضرع للأبضاع على من يتعرض للدماء ، وكذلك يترتب التقديم على الكبير من الذنوب والأكبر والصغير منها والأصغر على اختلاف رتبها. فإن قيل : أيجوز القتال مع أحدهما لإقامة ولايته وإدامة تصرفه مع إعانته على معصيته ؟ قلنا : نعم دفعا لما بين مفسدتي الفسوقين من التفاوت ودرءا للأفسد فالأفسد ، وفي هذا وقفة وإشكال من جهة أنا نعين الظالم على فساد الأموال دفعا لمفسدة الأبضاع وهي معصية . وكذلك نعين الآخر على إفساد الأبضاع دفعا لمفسدة الدماء وهي معصية ، ولكن قد يجوز الإعانة على المعصية لا لكونها معصية بل لكونها وسيلة إلى تحصيل المصلحة الراجحة وكذلك إذا حصل بالإعانة مصلحة تربو على مصلحة تفويت المفسدة كما ، تبذل الأموال في فدى الأسرى الأحرار المسلمين من أيدي الكفرة والفجرة". وليس هذا ببعيد مما قررته أولًا ، وهذا أخذ من كلام ابن الجوزي في مشكل الصحيحين ؛ فإنه نقله عن بعض علماء أهل الكتاب أنه سأله عن ذلك فأجاب به ". (*) ونقل القسطلاني رحمه الله توجيه ابن حجر في إرشاد الساري (5/ 349) . وقال القاري رحمه الله : "ثم قيل: كان من أمر ذلك الجبار الذي يتدين به في الأحكام السياسية أن لا يتعرض إلا لذوات الأزواج ، ويرى أنها إذا اختارت الزوج ، فليس لها أن تمتنع من السلطان ، بل يكون هو أحق بها من زوجها ، فأما اللاتي لا أزواج لهن ، فلا سبيل عليهن إلا إذا رضين ، ويحتمل أن يكون المراد أنه إن علم ذلك ألزمني بالطلاق ، أو قصد قتلي حرصًا عليك ، وقيل: لأن دين الملك أن لا يحل له التزوج والتمتع بقرابات الأنبياء ". (**) قال العز بن عبد السلام رحمه الله: "وإنما يجب الصبر على شدة الآلام إذا تضمن الصبر على شدتها بقاء الحياة " . (***) وقال ابن حجر رحمه الله عن دعاء سارة : "وقوله : (فدعت) من الدعاء في رواية الأعرج المذكورة ولفظه :" فقالت اللهم إن كنت تعلم أني آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلا على زوجي فلا تسلط علي الكافر"، ويجاب عن قولها : (إن كنت) مع كونها قاطعة بأنه يعلم ذلك بأنها ذكرته على سبيل الفرض هضمًا لنفسها " . (****) فلو تيقن الإنسان في مثل هذه الحالة أنه سيقتل ، وأنه لن يستطيع الدفع ففي هذه الحالة تُقدّم النفس على العرض فلا يُقاتل دون عرضه ، وقواعد الشريعة تقتضي ذلك وكذلك النصوص ، بخلاف ما لو كان هناك احتمال للدفع كأن يقاتل حتى يهربوا ويتركوا عرضه فإنه يجب الدفع والقتال دون العرض ، حتى لو قتل في هذه الحالة . وقال أيضًا ص 197 : ثانياً : ترتيب الضروريات الأخرى :اتفق الأصوليون الذين رتبوا هذه المقاصد على تقديم النفس على غيرها من الضروريات الأخرى. أما تقديم "حفظ النفس على حفظ النسب والعقل والمال لتضمنه المصالح الدينية لأنها إنما تحصل بالعبادات وحصولها موقوف على بقاء النفس". ([8]) ولأن حفظ النسب إنما كان مقصودًا لأجل حفظ الولد حتى لا يبقى ضائعًا لا مربي له ، فلم يكن مطلوبًا لعينه (بل لإفضائه إلى النفس ، وأما بالنظر إلى المال ، فلهذا المعنى أيضًا فإنه فلم يكن بقاؤه مطلوبًا لعينه) وذاته ، بل لأجل بقاء النفس مرفهة منعمة حتى تأتي بوظائف التكاليف وأعباء العبادات". ([9]) قال العز بن عبد السلام رحمه الله :"فكان صون النفس مقدمًا على صون البضع ، لأن ما يفوت بفوات الأرواح أعظم مما يفوت بفوات الأبضاع".([10]) وتقدم النفس على العقل ، قال العز بن عبد السلام رحمه الله :"شرب الخمر مفسدة محرمة ، لكنه جائز بالإكراه ؛ لأن حفظ النفوس والأطراف أولى من حفظ العقول في زمن قليل ؛ ولأن فوات النفوس والأطراف دائم ، وزوال العقول يرتفع عن قريب بالصحو".([11]) وقال الآمدي رحمه الله :"فمن جهة أن النفس أصل والعقل تبع ؛ فالمحافظة على الأصل أولى ؛ ولأن ما يفضي إلى فوات النفس على تقدير أفضليته يفوتها مطلقًا ، وما يفضي إلى تفويت العقل كشرب المسكر لا يفضي إلى فواته مطلقًا".([12]) انتهى من كتاب طليعة الشرح الأزهر لرسالة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لفضيلة الدكتور ياسر برهامي ، إعداد أكاديمية أسس للأبحاث والعلوم . .([1])النووي على مسلم (2/165) ([2]) الاستقامة (2/ 327) ([3])رواه الترمذي (1421) ، النسائي (4095) ، أبو داود (4772) ، أحمد (1655) ، وصححه الألباني في المشكاة (3529) ، وفي الإرواء (708) وغيرهما ([4])رواه البخاري 2443) ، الترمذي (2255) ، أحمد (11538) ([5]) حاشية البجيرمي على الخطيب (4/ 219) ([6]) مجموع الفتاوى (28/ 319) ([7]) منهاج السنة النبوية (6/ 46) ([8]) التقرير والتحبير (3/ 231) ([9]) الإحكام (4/ 276) ([10]) قواعد الأحكام (1/ 74) ([11]) قواعد الأحكام (1/ 103،104) ([12]) الإحكام (4/ 276) ، وانظر فقه الأولويات (199)