ماذا ينتظر المشير؟ هذا هو سؤال الشارع المصري، عاش المصريون الحلم وانتظروا اللحظة التي يتخلصون فيها من كل الأعباء التي يعيشون فيها منذ ثلاث سنوات، ولكنهم الآن يشعرون أن هناك ألغازا وأسراراً لا يستطيعون فك رموزها خاصة وسط صمت المشير !. شهدت الأيام القليلة الماضية عواصف مثيرة وكشفت عن وجود أصابع تلعب في الظلام لتحقيق أهداف بعينها ومنها تشويه عبدالفتاح السيسي بشكل متعمد ومقصود وبشكل غير مباشر في أحيان أخري، وإذا لم يستوعب المشير ذلك فستكون هناك كارثة كبري لن تخرج منها البلاد. قد يكون هذا الكلام صادما للكثيرين، ولكن إذا استعرضنا ما يجري حولنا في الداخل والخارج سنكتشف أن هناك مخططاً مشبوهاً ومغرضاً يسعي إلي سحب الإجماع الشعبي علي شخصية عبدالفتاح السيسي، وأن هناك من يسعي بكل الطرق لكي يسيء إلي المؤسسة العسكرية وينال من قادتها، ولنأخذ الجدل الذي أثير حول ثروة المشير مثالا أولياً علي التعمد في التشويه والإساءة غير المقصودة التي تحولت بفعل فاعل إلي تشويه متعمد ومقصود، فالتقرير الصحفي حول الذمة المالية للمشير كان غير صحيح ولذلك قررت الصحيفة التي نشرته حذف هذا التقرير لما احتواه من معلومات مغلوطة تتعلق بالذمة المالية للقائد العام للقوات المسلحة المصرية، وكان طبيعياً أن تقوم الصحيفة بفرم الطبعة التي تضمنت التقرير المغلوط كما يحدث مع عشرات من الصحف التي تضطر إلي ذلك إذا كان الأمر يتعلق بشخصية كبيرة أو ينال منها وكان ذلك يتم بهدوء تام ولم يعرف الشارع المصري مئات الوقائع المشابهة التي قررت فيها عشرات الصحف تغيير الطبعة أو "فرم" المطبوع، وكان من الممكن أن يتم الأمر في هدوء ومن دون أي ضجيج، لكن ما حدث الأسبوع الماضي تجاوز كل المعايير وتحول إلي حدث تم تضخيمه حتي يبدو أن الدولة أو قواتها المسلحة أو قادتها الكبار قد تدخلوا وأصدروا الأوامر بإعدام الطبعة التي تضمنت التقرير، وبكل أسف فإن محاولات تكذيب ذلك ونفي تدخل أحد في الفرم تحولت إلي مهرجان للنيل من المشير ومن الدولة وأثيرت ضجة فارغة تناولتها كافة برامج التوك شو في السهرة!!. قد يكون الجميع لا يقصد الإساءة أو التشويه ولكن الظروف التي تعيشها البلاد وحالة التربص الداخلي والخارجي كانت جديرة بأن يكون العقل هو الحكم وليس تصرفات شخصية وبحثاً عن بطولات وهمية، فكل هذه التصرفات أثرت بشكل كبير علي صورة الرجل الذي التزم الصمت وفوجئ بكل هذه الضجة حول ثروته!!. إذن نحن في وقت عصيب وخبر صغير حتي ولو كان مغلوطاً كان جديراً بتلك الضجة التي أثيرت مع ضجة أخري تتعلق بحوار المشير مع صحيفة السياسة الكويتية، فما حدث مع تقرير الذمة المالية لا يختلف كثيراً عما حدث مع هذا الحوار، سعت بعض الأطراف إلي إشعال أزمة بين الشارع والمشير، وكأن عبدالفتاح السيسي يرفض اعلان الترشح للرئاسة أمام أبناء الوطن ويعلنه في الخارج! الواقعتان الأولي والثانية لا يمكن التعامل معهما إلا وفق مخططات صغيرة تظهر في هذا التوقيت لتعيد المصريين إلي مربع الفوضي والجدل بعد أن استقر الشارع تماماً علي أن المرشح المنتظر هو الرجل الذي أنقذه من طوفان الإخوان القاتل، ما يحدث هو بداية لإثارة الفتن والتشكيك في المؤسسة الوحيدة التي وجدها الشعب المصري تسانده وتحميه بعد عواصف كثيرة أفقدت الناس الثقة في كل شيء، وبالقياس نفسه لا يمكن التعامل مع واقعة تسريب جلسة عادية جدا بين المعزول محمد مرسي ومحمد سليم العوا، فالحوار الذي تم تسريبه باعتباره سبقاً صحفياً أساء إلي صورة الدولة وجعل البعض يشير إلي وجود دولة أمنية تتجسس حتي علي حوارات متهم مع المحامي الخاص به، لقد قرأت تلك التسريبات وتعجبت من السبب وراء تسريبها للرأي العام فليس في الحوار بين المعزول وسليم العوا كلمة واحدة تستحق التسريب فليست هناك أسرار أو معلومات أو آراء محددة في أي شيء!! فهل المقصود هو التأكيد علي أن هناك من يسجل للناس كل كلمة وأن هناك من يرسل التسجيلات الخاصة!! أم أن المقصود هو إثارة التعاطف مع المعزول الذي يعيش تحت حصار التسجيلات! وإذا كان الأمر كذلك فمن هو الذي يسجل للناس خلف القضبان أو في الجلسات الخاصة؟ هل هو عسكري صغير؟! أم أنها الدولة والمؤسسة العسكرية؟! ما هذا العبث ولصالح من يتم كل ذلك؟ إن أقل حدث ينسب علي الفور إلي "السيسي" وليس إلي أي شخص أو حتي مؤسسة وأعتقد أن الذين أشرفوا علي تسريب التسجيل الساذج والتافه بين مرسي والعوا يعلمون ذلك! إن الوضع غاية في الخطورة ولا يجوز التعامل مع تلك الأمور بهذا التساهل ولا تحتاج الصورة المعقدة إلي تعليق، فخلال أقل من سبعين ساعة تم ضرب أكثر من قنبلة في اتجاه واحد هو "السيسي" والقنابل المصنوعة في معامل أصحاب الأغراض والأهداف الخاصة تكون أكثر تأثيراً من القنابل العشوائية، فاحذر يا سيادة المشير وتخلص من الصمت ولا تترك كل الأطراف تتاجر بك وباسمك. أموال التنظيم ومؤامرات الخارج أما إذا نظرنا إلي الصورة بشكل أوسع فسوف نجد أن هناك مؤامرات صغيرة تسير بالتوازي مع المؤامرات الأصغر، فإذا كان التشكيك وإثارة الفتن هدف المؤامرات الداخلية فهناك عشرات المخططات الخارجية التي تستهدف مصر في الوقت الحالي، فقد استضاف مقر منظمة "رادو" لحقوق الإنسان بالعاصمة السنغالية داكار عصر السبت الماضي وفداً من بقايا تنظيم الاخوان ورجال المعزول ضم كلا من عز الدين الكومي وكيل لجنة حقوق الإنسان بمجلس الشوري والدكتور أمير بسام عضو مجلس الشوري وياسر حسانين، ولم يخجل الوفد المصري الجنسية من المطالبة بضرورة تحريك دعاوي قضائية ضد مصر والمشير السيسي أمام محكمة العدل الأفريقية والمحكمة الجنائية الدولية بروما، ويأتي ذلك في الوقت الذي بدأت فيه عناصر التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين التحرك في الخارج في حملة جمع الأموال لدعم مرشح إسلامي في الانتخابات المقبلة، ولم تستقر قادة الجماعة بالخارج علي مرشح بعينه خاصة أن محمد سليم العوا وكذلك عبدالمنعم أبوالفتوح لم يعلنا موقفهما بعد من الترشح، ويبدو أن الجماعة تراهن علي شخصية عسكرية تكون قادرة علي منافسة المشير السيسي في حالة ترشحه. المؤشرات الأولية تشير إلي أن الفريق سامي عنان قد يكون ورقة الرهان بالنسبة للتنظيم الدولي لجماعة الإخوان، فهو الوحيد الذي لم يعلن أنه لن يترشح لو ترشح السيسي، وهناك ثمة توقعات بأن يحصد أصوات الإسلاميين خاصة مع أقاويل وبلاغات رسمية تتهم الفريق سامي عنان بتلقي تمويلات من جماعة الإخوان الإرهابية لحملاته الانتخابية وتجهيز مقرات الدعاية الخاصة به، كما أن الفريق عنان لم ينف تلك الشائعات أو يرد عل والرسالة الآن إلي المشير السيسي لكي يعلن موقفه بشكل واضح وأن يتوقف عن هذا الصمت ويخرج للناس التي تنتظره حتي تشعر بالانتصار علي كل هؤلاء الذين يتربصون به ويتلاعبون به وفق مخططات وأهداف لن تظهر أبعادها الآن وستكشف الأيام أن هناك من سعي لضرب السيسي في حين كان يظهر أمام الناس كأنه مناصر له ومساند له، وسنري كيف تلعب المليارات والثروات لعبة حقيرة لإثارة الفتن في الوقت الحالي. ولا يحتاج القارئ إلي الكشف عن عناصر المخابرات العالمية التي تلعب هي الأخري وتجند رجالها حتي تهدم المؤسسة العسكرية المصرية التي تتعافي وتتماسك. ولاشك أن موقف المشير السيسي هو الذي سيحسم كل هذه الصراعات، وعليه أن يسرع باتخاذ القرار وأن يعلن ترشحه حتي تتوقف كل هذه الألاعيب الصغيرة. ومنذ فترة قصيرة كتبت رسالة إلي الفريق عبدالفتاح السيسي قبل أن يحصل علي رتبة "مشير" حذرته فيها من ترك أمور البلاد رهن الظروف وطالبته مع مسئولي الدولة بضرورة وضع ضوابط لإجراء الانتخابات الرئاسية وقطع خطوة نحو الاستقرار خاصة ان الشعب الذي خرج لتفويض الجيش لمحاربة الإرهاب ثم خرج للاستفتاء علي الدستور قد فعل كل ما يمكن أن يفعله وأن هناك مسئوليات تجاه هذا الشعب يجب أن يتحملها هو شخصياً إلي جانب الحكومة الانتقالية التي أصبحت عائقاً أمام طموحات الشارع المصري. واليوم وبعد مرور مايقرب من شهر علي إقرار دستور مصر أطالب المشير السيسي بأن يكون أكثر حسما ووضوحاً وأن يدرك أن ما يجري في مصر حاليا من تجارة باسمه ومزايدات علي شخصه قد يسحب من رصيده ويسيء إليه شخصياً وهناك من ينتظر هفوة واحدة لكي يحولها إلي ضجة وقضية تثير القلق وتفتح أبواب التشكيك والمناخ يسمح بما هو أكثر من ذلك. سيادة المشير: إن شعب مصر الذي وثق بك وخرج بالملايين تلبية لندائك لا يستحق كل هذا الانتظار ليحدد موقفه. إن شعب مصر الذي عاش الدمار واحتمل الخراب والضياع ينتظر لحظة نور وليس من حقك أن تبخل عليه بها وتتركه رهن الصراعات والجدل والمعارك التي تشتعل هنا وهناك. شعب مصر الذي يرفع صورك في الشوارع والميادين لا يستحق أن يتلاعب به أصحاب المليارات من أباطرة الإعلام الذين يرتبطون بمصالح هنا وهناك. شعب مصر ينتظر موقفك يا سيادة المشير فاخرج له وتحدث إليه كما عهدناك. شعب مصر يعرف أن الطريق نحو الاستقرار طويل فلا تتركه رهن الاحتمالات وقل كلمتك لتزيل كل هذا الضباب الذي ملأ الشوارع في أسبوع واحد. الانتظار أكثر من ذلك سيجعل الناس تفقد الأمل وما أسوأ أن يفقد الإنسان الأمل بعد أن عثر عليه وتمسك به.