الشباب هم عماد هذا الوطن، هم حاضره ومُستقبله، لا يمكن أن تتقدم مؤسسة بمعزل عنهم ولا أن تقوم فكرة دون اجتهادٍ منهم، وإلا اعتراها الكلل ودبت فى آركانها أعراض الشيخوخة. والكنيسة القبطية رغم كونها "مؤسسة آبوية" تُقدس حكمة الشيوخ، إلا أنها لم تغفل دور الشباب فيها.. قال عنهم مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث: "كنيسة بلا شباب، هى كنيسة بلا مستقبل". طغمة الشباب فى الكنيسة لا يحتاجون أبداً أن تأتيهم الفرصة لإبداء آرائهم فى كل شأن يخص كنيستهم، هم دائماً مستعدون لإبداء آرائهم دون أن يطلب أحد ذلك منهم.. فى آحاديثهم الجانبية، وفى نقاشاتهم العلنية، وأصبح صوتهم مسموعاً ومؤثراً بفضل وسائل التواصل الحديثة، فلم يعُد ممكناً بأى حال من الأحوال تجاهلهم. شاءت العناية الإلهية أن يتقلد قداسة البابا تواضروس الثانى مسئولية إدارة الكنيسة فى لحظات فارقة، حيث كانت تنتظره أمور عالقة تحتاج للبت فيها، عبر قداسته عنها بعبارة: "ترتيب البيت من الداخل". وتلاقت هذه العبارة البليغة مع طموحات وتطلعات الشباب دونما الدخول فى التفاصيل، وانتظروا أن يُصحح قداسته أوضاعاً لطالما تاقوا لتصحيحها، وبعد أقل من عام لجلوس قداسة البابا تواضروس على الكرسي البابوي، نجدها فرصة لتقييم بعض الخطوات التى أقدم عليها قداسته اتساقاً مع الوعد الذى قطعه على نفسه بترتيب البيت الكنسي من الداخل. * كانت أولى الخطوات التى اتخذها البابا تواضروس داخل المقر البابوي هى اختيار طاقم سكرتاريته، وقد اختارهم من بين الكهنة وليس الأساقفة أو الرهبان، فالأباء الكهنة اعتادوا على الخدمة والتواصل مع الشعب عن قرب، ولن ينمو عندهم طموح الرتب الكهنوتية أو شهوة الكراسي، أما الرهبان فمكانهم الطبيعي داخل الأديرة للعبادة والوفاء بنذر الوحدة. كان الشباب دوماً يتطلعون لأن تكون سكرتارية البابا عاملاُ مُساعداً على زيادة التواصل بينه وبين شعبه، لا أن تحجب البابا عن شعبه أو تمنع شعبه عنه. * خطوة أخرى هامة قام بها قداسة البابا كان من أهم نتائجها أن قطع الطريق على المُتاجرين بهموم الأقباط فى وسائل الإعلام بتعيينه متحدثاً رسمياً ناطقاً بأسم الكنيسة هو جناب الأب "بولس حليم"، رجل مشهود له بالحكمة والإطلاع والثقافة والإلمام بفنون التواصل التى تمكنه من آداء مهمته، ويا حبذا لو أتبعت هذه الخطوة بتعيين مُمثل قانونى للكنيسة، يتم اختياره من بين المُخلصين الذين تذخُر بهم كنيستنا. * ولأن الوقت لايزال مُبكراً للقيام بكل ما يحتاجه ترتيب البيت من الداخل، خاصة فى خضم الأحداث المُتسارعة على مستوى الوطن برمته، فإن صوت الشباب لايزال يُسمع بين الحين والآخر، مؤكدين على تطلعهم لمزيد من الإصلاحات داخل البيت الكبير الذى يسكنه خليفة مارمرقس الرسول ويدير من خلاله كرازة مترامية الأطراف فى شرق المسكونة وغربها. ماذا يُريد الشباب من قداسة البابا ؟ نريد تفعيل دور المجالس الملية فى القاهرة والأقاليم، وأن يتم انتخابهم من بين المخلصين ومن ولائهم للكنيسة وليس هواة الشو الإعلامى أو المُتعاونين مع الجهات الأمنية الذين يتحينون الفرصة للقفز على أماكن صُنع القرار داخل الكنيسة، من أجل مصالح وولاءات خاصة وليس من أجل صالح الكنيسة وشعبها. لا نريد أن يحظى رجال الأعمال أو المُقربون من الأمن بصُحبة البابا أو بوضع خاص داخل الكنيسة حتى لا تنشأ مراكز قوى داخل المؤسسة الكنسية. نريد من قداسة البابا أن يُقوِّم بالحب سلوك بعض الأباء الكهنة (وبعض الرهبان) الذين استهواهم العمل العام والظهور فى وسائل الإعلام على حساب الخدمة فى كنائسهم. لا نريد أى دور لأفراد الأمن العام داخل أسوار الكنيسة، ولا نرغب فى رؤية كلاب الحراسة فى ساحة الكاتدرائية، والأفضل أن يتم الاعتماد على الخُدام وفرق الكشافة فى النظام كما حدث فى أيام الانتخابات والقرعة الهيكلية. نريد من قداسة البابا أن يُفسح المجال لمُشاركة الشباب داخل منظومة العمل الكنسي لتُجدد الكنيسة شبابها من خلالهم، وأن يكون للبابا مستشارين من بينهم. نريد من قداسة البابا أن يتواصل مع الشباب بالطرق العصرية، وأن يُعطى اهتماماً خاصاً لمؤتمرات الشباب والاُسر الجامعية، وأن يُشجع الابتكار والإبداع بكل صوره وأشكاله. نريد من قداسة البابا أن يهتم بأخوة المسيح، وأن يحرص على وصول خدمة الكنيسة إلى المحتاجين فى القرى والنجوع والأحياء الفقيرة. وأن يعمل على تضييق الفجوة بين حالة الفقر التى يعيشها أخوة المسيح وبين بعض مظاهر البذخ التى تظهر أحياناً فى بعض الكنائس وفى مواكب بعض الأباء الأساقفة والكهنة. نريد من قداسة البابا أن يهتم بالطفولة وأن ينهض بمستوى الخدمة التى تُقدم للطفل فى الكنائس من أجل تنشئة مسيحية سليمة، وأن يدرس إمكانية إنشاء مدارس خاصة فى الأحياء الفقيرة لخدمة غير القادرين والنهوض بالمستوى التعليمي للأطفال الفقراء، والمُساعدة فى توفير فرص عمل لخريجي الجامعات. * نريد أيضاً لقداسته دوام الصحة وراحة البال، ونصلى من أجلى أن يُعطيه الرب فيضاً من الحكمة والمواهب الروحية لقيادة شعبه وإدارة كنيسته فى هذه المرحلة الصعبة من تاريخ بلادنا الحبيبة مصر.