عاكف المصري: قمة شرم الشيخ أكدت أن مصر الحارس الأمين للقضية الفلسطينية وخط الدفاع الأخير    ضياء رشوان: مقولة الرئيس السيسي القائد الحقيقي يمنع الحرب لا يشنّها تلخص مشهد قمة السلام    رئيس مدغشقر يغادر البلاد دون الكشف عن مكانه    بريطانيا توجه رسالة شكر إلى مصر بعد قمة شرم الشيخ للسلام    وزير الاتصالات: الذكاء الاصطناعي التوليدي يعيد تشكيل العملية التعليمية    عماد النحاس يكشف عن رأيه في حسين الشحات وعمر الساعي    شادي محمد: حسام غالي خالف مبادئ الأهلي وأصول النادي تمنعني من الحديث    جولة داخل متحف الأقصر.. الأكثر إعجابًا بين متاحف الشرق الأوسط    «زي النهارده».. استشهاد اللواء أحمد حمدي 14 أكتوبر 1973    «شرم الشيخ» تتصدر مواقع التواصل ب«2 مليار و800 ألف» مشاهدة عبر 18 ألف منشور    ترامب: لا أعلم شيئًا عن «ريفييرا غزة».. ووقف إطلاق النار «سيصمد»    الأمم المتحدة: تقدم ملموس في توسيع نطاق المساعدات الإنسانية بقطاع غزة    مدير منظمة الصحة العالمية يعلن دخول 8 شاحنات إمدادات طبية إلى غزة    إسرائيل تتسلم جثث أربعة رهائن كانوا محتجزين فى غزة    بشارة بحبح: تعريف الولايات المتحدة لنزع سلاح حماس لا يشمل الأسلحة الفردية    ارتفاع كبير في عيار 21 الآن بالمصنعية.. مفاجأة بأسعار الذهب اليوم الثلاثاء بالصاغة    رسميًا بعد الانخفاض الجديد.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الثلاثاء 14-10-2025    توفير أكثر من 16 ألف يومية عمل ضمن اتفاقية تحسين مستوى المعيشة بالإسكندرية    «اختياراته تدل على كدة».. رضا عبدالعال ينتقد حسام حسن: يحلم بتدريب الأهلي    هبة أبوجامع أول محللة أداء تتحدث ل «المصري اليوم»: حبي لكرة القدم جعلني أتحدى كل الصعاب.. وحلم التدريب يراودني    «بين الأخضر وأسود الرافدين».. حسابات التأهل لكأس العالم في مجموعة العراق والسعودية    «التعليم» توضح موعد بداية ونهاية إجازة نصف العام 2025-2026 لجميع المراحل التعليمية    سحب منخفضة على القاهرة وسقوط رذاذ.. بيان مهم من الأرصاد يكشف طقس الساعات المقبلة    اعرف حالة الطقس اليوم الثلاثاء 14-10-2025 في بني سويف    تسجيل دخول منصة الشهادات العامة 2025 عبر موقع وزارة التربية والتعليم لطلاب أولى ثانوي (رابط مباشر)    شاهد سقوط مفاجئ لشجرة ضخمة على سيارة بمنطقة الكيت كات    ذاكرة الكتب| «مذكرات الجمسي».. شهادة تاريخية حيَّة على إرادة أمة استطاعت أن تتجاوز الانكسار إلى النصر    «زي النهارده».. وفاة الشاعر والإعلامي واللغوي فاروق شوشة 14 أكتوبر 2016    إسعاد يونس: خايفة من الذكاء الاصطناعي.. والعنصر البشري لا غنى عنه    بعد استبعاد أسماء جلال، هنا الزاهد مفاجأة "شمس الزناتي 2"    أحمد التايب للتليفزيون المصرى: مصر تحشد العالم لدعم القضية الفلسطينية    957 مليون دولار أمريكى إيرادات فيلم A Minecraft Movie    دولة التلاوة.. تاريخ ينطق بالقرآن    4 طرق لتعزيز قوة العقل والوقاية من الزهايمر    هتشوف فرق كبير.. 6 مشروبات واظب عليها لتقليل الكوليسترول بالدم    التفاح والقرنبيط.. أطعمة فعالة في دعم صحة الكلى    علماء يحذرون: عمر الأب يحدد صحة الجنين وهذا ما يحدث للطفرات الجينية في سن 75 عاما    قرار جديد للشيخ سمير مصطفى وتجديد حبس صفاء الكوربيجي.. ونيجيريا تُخفي علي ونيس للشهر الثاني    مصرع شاب غرقًا في حوض زراعي بقرية القايات في المنيا    د.حماد عبدالله يكتب: القدرة على الإحتمال "محددة" !!!    أسعار اللحوم الجملي والضاني اليوم الثلاثاء 14-10-2025 في الأسواق ومحال الجزارة بقنا    اعرف مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 14-10-2025 في بني سويف    موعد صرف معاشات شهر نوفمبر 2025    تخصيص 20 مليون دولار لتأمين الغذاء والمياه والمأوى بغزة    بالتفاصيل| خطوات تحديث بطاقتك التموينية من المنزل إلكترونيًا    ضبط 10 آلاف قطعة باتيه بتاريخ صلاحية مزيف داخل مخزن ببني سويف    أردوغان لميلوني في قمة شرم الشيخ: تبدين رائعة (فيديو)    89.1 % صافي تعاملات المصريين بالبورصة خلال جلسة الإثنين    قرار من النيابة ضد رجل أعمال نصب على راغبي السفر بشركات سياحة وهمية    ألمانيا تفوز أمام ايرلندا الشمالية بهدف نظيف في تصفيات أوروبا لكأس العالم 2026    قلادة النيل لترامب.. تكريم رئاسي يعكس متانة العلاقات المصرية الأمريكية    بحضور صناع الأعمال.. عرض أفلام مهرجان بردية وندوة نقاشية بالمركز القومي للسينما    محافظ قنا يشهد احتفالية قصور الثقافة بذكرى انتصارات أكتوبر    جامعة بنها: إعفاء الطلاب ذوي الهمم من مصروفات الإقامة بالمدن الجامعية    وزير الري يشارك فى جلسة "مرفق المياه الإفريقي" المعنية بالترويج للإستثمار فى إفريقيا    دار الإفتاء تؤكد جواز إخراج مال الزكاة لأسر الشهداء في غزة    هتافات وتكبير فى تشييع جنازة الصحفى الفلسطيني صالح الجعفراوى.. فيديو    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 13-10-2025 في محافظة قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المرشد العام: توحيد القبلة يذكرنا بما نحن فية الان
نشر في الجمعة يوم 05 - 07 - 2012

قال المرشد العام للإخوان المسلمين: "ان الأمة في هذه الحال أحوج ما تكون إلى الربَّان الماهر والمخلصين من المصلحين، والزعماء الأقوياء الذين تتوفر فيهم شروط القيادة الصالحة، من علمٍ بسياسة الأمم، وتحليلٍ للنفوس وطبائع الجماعات، ومعرفةٍ بمطالب العصر الجديد، وإقدامٍ على الدعوة والإقناع، واستيعابٍ في مظاهر النهوض، بحيث تشمل شئون حياة الأمة، وإخلاص يدعوهم إلى التضحية، وإيمان يدفعهم إلى الثبات، هؤلاء هم الذين يخرجون الأمة من حيرتها، وتكون هدايتها وإرشادها على يدهم.
اضاف: أيها المسلمون أجمعون.. في شهر شعبان كان الحدث الأكبر، تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخصه بمزيد من الصيام، ولنا مع ذلك وقفة لنتزود من خلالها بزاد يغيِّر من واقع الأمة، ويرفع من شأنها، ويعيد إليها عزتها، ويسترد لها كرامتها، ويجعلها تتبوأ المكانة التي أراد الله لها.
أولا: تحويل القبلة: إن في تحويل القبلة حكمةً بالغةً أراد الله بها أن تخلص النفوس المؤمنة، وأن تتخلص من كل الرواسب والوشائج التي كانت قبل الإسلام، وأن يتوحد المصدر الذي تتلقى منه لا يشاركه مصدر آخر، وهذا ما جاء في قوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ﴾ (البقرة: 143).
وقد كشف هذا التحويل عن مكنون النفوس وضمائر القلوب، وظهرت الحقيقة جليةً واضحةً، أما المؤمنون الصادقون فقد امتثلوا لهذا الأمر في الحال، قائلين: آمنا بربنا وسمعنا وأطعنا لكل الأوامر، لأن كلاًّ من عند ربنا، ويتبين ذلك من خلال هذا الحديث، عن البراء رضي الله عنه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلَّى إلى بيت المقدس ستة عشر شهرًا أو سبعة عشر شهرًا، وكان يعجبه أن تكون قبلته قِبَلَ البيت، وإنه صلَّى- أو صلاَّها- صلاة العصر وصلَّى معه قوم فخرجَ رجلٌ ممن صلّى معه فمر على أهل المسجد وهم راكعون قال: أشهد بالله لقد صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم قِبَلَ مكة، فداروا كما هم قِبَلَ البيت.." البخاري.
كلمة واحدة وشهادة صدق لا مجال للتكذيب ولا للشك، لأن المجتمع النقي الطاهر لا يعرف إلا الصدق، ولا يعرف إلا العمل الفوري بعد صدور الأمر الإلهي، وأما غير المسلمين فقد جعلوا منه مدخلاً للدسيسة والوقيعة بين المسلمين؛ فقال المشركون: كما رجع إلى قبلتنا يوشك أن يرجع إلى ديننا، وما رجع إليها إلا لأنه الحق، وأما اليهود فقد طار صوابهم وقالوا: خالف قبلة الأنبياء، ولو كان نبيًّا لصلَّى إلى قبلتهم.
وأما المنافقون فقد حاول اليهود كدأبهم دائمًا تشكيك المسلمين في عقيدتهم عن طريق الدسِّ والفتنة وبث السموم، فأوعزوا إلى إخوانهم المنافقين أن يشيعوا بين المسلمين قولهم: إن كان التوجه إلى بيت المقدس باطلاً فقد ضاعت صلاتكم السابقة، وإن كان حقًّا فالتوجه إلى المسجد الحرام باطل، وصلاتكم إليه ضائعة، كما قالوا: إن محمدًا لا يدري الحق من الباطل فلا يجوز اتباعه؛ فأنزل الله: ﴿قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ وقال لهم: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾؛ أي صلاتكم، ودائمًا التشكيك ضده لازمة لشياطين الإنس والجن في كل زمان ومكان، وله صور عديد تشكيك في العقيدة- في الطريق- في وعد الله- في القيادة، مناصب وأشخاص، وإثارة شبهات بالكذب والإفك.
ثانيًا: الصوم في شعبان: وفي هذا الشهر الذي يسبق شهر رمضان كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الصوم؛ تهيئةً للنفس لاستقبال شهر الصيام؛ ولأنه شهر ترفع فيه الأعمال وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحرص على أن ترفع أعماله الصالحة وهو على عمل صالح: عَن عَائِشَة، رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: "كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَصُوم حَتَّى نقُول لَا يفْطر، وَيفْطر حَتَّى نقُول لَا يَصُوم، وَمَا رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم اسْتكْمل صِيَام شهر قطّ إِلَّا رَمَضَان، وَمَارَأَيْته فِي شهر أَكثر مِنْهُ صيامًا فِي شعْبَان"، ولما سئل صلى الله عليه وسلم عن سر ذلك قال: "ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم".
ما أشبه الليلة بالبارحة!!
أيها المسلمون.. إذا كان تغيير القبلة قد أحدث في المجتمع هذه الهزَّات ونجم عنه تلك الأراجيف، فإن عصر الانتقال من حال إلى حال، وتغيير قبلة الأمة المتعددة إلى الشرق أو الغرب أو ما بينهما، وتوحيد وجهتها.. كل هذا شديد الخطورة على الأمة.. وهذا من لوازم عصور التغيير أو مراحل الانتفال، أو حين تأتي الأمة على مفترق طرق، وعن هذه المرحلة يقول الإمام حسن البنا رحمه الله:
"إن عصر الانتقال من حال إلى حال، من أشد العصور خطرًا على الأمة؛ إذ ترغمها الحوادث السياسية والاجتماعية على سلوك طريق لم تعرفها، وانتهاج خطة لم تألفها، فيصطدم القديم بالجديد، ولكلٍّ منهما أنصاره وأعوانه، وتضلُّ الأمة في المفاضلة بينهما، وتقدير المنافع والمضار في كلٍّ منهما، وكثيرًا ما يحملها الاندفاع في تيار الانقلاب الفكري، والغلو في حب الجديد- ولا سيما وهى تحسُّ أن القديم لا يسعفها، وأن الزمن لا ينتظرها- إلى التهور والتهوس، ولذلك قال في موضع آخر: "ألجموا نزوات العواطف بنظرات العقول وأضيئوا نظرات القعول بلهب العواطف" فيحدث التوازن في المرحلة الانتقالية بين العقل والعاطفة.
والأمة في هذه الحال أحوج ما تكون إلى الربَّان الماهر والمخلصين من المصلحين، والزعماء الأقوياء الذين تتوفر فيهم شروط القيادة الصالحة، من علمٍ بسياسة الأمم، وتحليلٍ للنفوس وطبائع الجماعات، ومعرفةٍ بمطالب العصر الجديد، وإقدامٍ على الدعوة والإقناع، واستيعابٍ في مظاهر النهوض؛ بحيث تشمل شئون حياة الأمة، وإخلاص يدعوهم إلى التضحية، وإيمان يدفعهم إلى الثبات، هؤلاء هم الذين يخرجون الأمة من حيرتها، وتكون هدايتها وإرشادها على يدهم.
ثم يقول رحمه الله: "وإن من خصائص هذه المرحلة أن يكثر أدعياء الإصلاح، وطلاب الشهرة والمشتاقين إلى المناصب، ويستغلَّ ذوو الأغراض والغايات موقف الأمة وظروفها وغليان شعورها لمنفعتهم الخاصة، فيلبسوا الحق بالباطل، ويظهروا بمظهر المشفق الناصح، ومن وراء ذلك مطامع شخصية وأهواء ذاتية، وكثيرًا ما ينخدع العامة بزخرف أقوالهم فيسيرون وراءهم إلى غير هدى، ويندفعون في تيارهم إلى حيث يضحون في سبيل الأشخاص وضياع الحقوق.. وفي هذا الدور يعمل الخداع اللفظي عمله، فيستغل البعض فخامة الأسماء ولحن القول وزخارفه في إيهام الأمة أنهم يعملون ويجددون، ويغيرون ويبدلون..".
تحديد الغاية والهدف:
أيتها الشعوب العظيمة.. إن الأمة الإسلامية وهي تمر بمفترق الطرق هذا يتحتَّم عليها- وقبل أن تنطلق في أي اتجاه- أن تحدد غايتها، وأن تتعرف على أهدافها وتحدد قبلتها، وتؤمن بها، وتتوحد عليها، وأن تُجَمِّع كل جهودها وطاقاتها وإمكاناتها وتسخِّرها في تحقيق هذه الأهداف، وأن يتحد كل أبناء المجتمع لتحقيق هذه الأهداف، وألا تعمل أي طائفة أو فئة في المجتمع لعرقلة المسيرة ووقف النهوض بالأمة لتعارض القوى؛ لأن محصلة القوى المتعارضة صفر، أما القوى المتوازية فإن المحصلة مجمود تلك القوى ما دام هدفها واحدًا.
كما يجب علينا في هذه المرحلة الحرجة أن نتعرف على أعدائنا في الداخل والخارج، وأن نحذر منهم كل الحذر؛ لأنهم لن يألوا جهدًا في سبيل وقف مسيرتنا، وسوف يسخِّرون أموالهم وإعلامهم وعملاءهم لوقف النهضة أو تعطيلها ووضع العقبات في طريقها؛ لأن الله عز وجل حدد هدفهم (يبغونها عوجًا)، وبهذه الوسائل سوف يبثون سمومهم، وينشرون الأراجيف والشائعات المفرقة لوحدة الأمة، أو المشكّكة في كل خير ونفع، وسوف يعملون على عودة الأمة إلى قبلتهم القديمة شرقًا أو غربًا أو أي قبلة إلا قبلة الإسلام ومنهجه ورسالته التي هي الرحمة العامة والعدل والمساواة والشورى والحرية والعدالة الاجتماعية والتكافل الاجتماعي، وجعل كل ذلك حقًّا مكفولاً لكل مواطن، دون تفرقة بلون أو جنس أو طبقة أو عقيدة، ولو فهموا رسالة الإسلام العظيمة لأدركوا أن الأمن والأمان والسعادة والاستقرار لا تتحقق إلا بمنهج الخالق وتشريعه الذي (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴿42﴾) (فصلت: 42)، كما أن هذا التشريع لا يعرف الحيف أو الجور أو المحاباة أو الميل فالخلق أمامه سواء.. وفي شرعه سواء.
وإذا كان تحويل القبلة قد كشف عن طوائف المدينة، وأبرز مكنونات النفوس التي لا يعلمها إلا الله (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ * ولَوْ نَشَاءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ ولَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ القَوْلِ واللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ) (محمد: 29-30) فإن الله قد أجرى أحداثًا في مصر كشفت عن معادن الرجال، ومدى ما يتمتع به من حب لمصر وحرص على مصلحتها العليا، وكل مصري مطالب بأن يمتلئ حبًّا لمصرنا العزيزة، ويتعب نفسه من أجلها، وينخلع من الأثرة والأنانية وحب الذات والتطلع إلى الشهرة.. ينخلع من ذلك، ويتحلى بالإيثار وإنكار الذات وهضم النفس، وتقديم المصلحة العليا على المصالح الدنيا، وتقديم المصلحة العامة على مصلحته الشخصية؛ فالمرحلة تحتاج إلى من يتفانى ويسهر من أجل نهضة مصر، ويكثر عن الفزع ويقلّ عن الطمع.
فلسطين والقدس..
القدس أولى القبلتين وثالث المساجد التي تشد إليها الرحال، ومن ثَمَّ يجب على كل مسلم أن يسعى في تخليصها من أيدي المغتصبين وتطهير فلسطين من براثن الاحتلال، وذلك فرض عين على جميع المسلمين، وعليهم أن يجاهدوا بالمال والأنفس يخلّصونها ويخلّصون أسراها وأسيراتها ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم والقبلة الأولى، ويمكنوا كل المهجرين من العودة إلى أوطانهم وديارهم وأموالهم.
أيها المسلمون في كل مكان.. إن اليهود قد تجمَّعوا من شتات الأرض باسم حق مزعوم في هيكل موهوم، وأقاموا لهم دولة على مقدساتنا؛ فهل آن الأوان لتجتمع كلمة المسلمين وتتوحد على حقهم المؤيد بآيات من كتاب الله وأحاديث من هدي رسول صلى الله عليه وسلم وأسباب الاتحاد بينكم وهي كثيرة، فربُّكم واحد، ورسولكم واحد، وكتابكم واحد، وقبلتكم واحدة، فاعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا، وجدِّدوا إيمانكم، وأخلصوا في عبوديتكم لله، واستجيبوا لله ورسوله إذا دعاكم لما يحييكم، ولا تخجلوا من إعلان الجهاد في سبيل الله، ففيه حياتكم وعزكم، وخروج المحتل من أرضكم، وعودة مقدساتكم، ونشر الأمن والأمان في ربوع دياركم.
التزود بالعمل الصالح..
أيها المسلمون..مع توالي فضل الله علينا، وتتابع النعم ونزول النصر من عنده، ومع رؤيتنا لقدرته القاهرة، ومع يقيننا بأن كل ما يقع إنما هو بقوته وإرادته، وأن البشر بدون حول الله وقوته ما كانوا ليصلوا إلى ما وصلوا إليه في عشرات السنين، وربما مئات السنين، والواقع ينطق ويفسر قول الله تعالى: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (آل عمران: 26).
إن هذا يوجب على كل مواطن أن يشكر الله عز وجل، بأن يزداد قربًا من الله، وأن يكثر من عمل الصالحات، وأن يتطهر من المعاصي والذنوب، فالذنوب أخطر على المجتمع وعلى نهضتنا من كل أعدائنا، كما يجب أن نذيب الخصومات والعداوات بيننا لعل الله أن يقبل أعمالنا ويغفر لنا ذنوبنا، ويوفقنا لعمل الخير في هذه الفترة التي تحتاج من كل مواطن أن يسابق في الخيرات، ويساهم في كل عمل ينهض بالأمة ويرفع من قدرها وبالنية الخالصة يتحول كل عمل إلى عبادة وطاعة، وما أعظم ديننا وهو يشير إلى أعظم الأعمال وأدناها على أنه جزء من الإيمان.. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ- أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ- شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ".
والخصلتان الأخيرتان صفات مجتمعية وخدمية، كما كانت صفات الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وأعماله كلها لخدمة مجتمعه التي لم يكن فيه واحدٌ مؤمن ولا مسلم، وهذا ما شهدت به أمنا خديجة رضي الله عنها: "والله لا يخزيك الله أبدًا، إنك لتقري الضيف، وتحمل الكل، وتعين على نوائب الدهر، وتكسب المعدوم، وتصل الرحم"، وكلها خدمات مجتمعية وأعمال بر تشمل كل طبقات المجتمع.
فليكن شعارنا في هذه المرحلة التنافس في كل عمل ينهض بالوطن، ولا يحتقر أحد جهده، ولا طبيعة العمل الذي يقوم به، فبناء الوطن يحتاج للعمل في كل المجالات، وعلى أبناء الوطن أن يهجروا الكسل، فقد مضى وقت الراحة وإنما يتحدى الصعاب، ويسهم في وضع لبنة في بناء الوطن والارتقاء به.. (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (التوبة: 105).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.