على مدار تاريخ مصر الحديث وبعض حقب من التاريخ القديم كان الفقر ولا زال بيت القصيد فى كافة المناقشات السياسية والصراعات المحتدمة بين الدولة والشعب، وكان المجتمع دائماً والقوى السياسية الشعبية فيه تُحَمِل شخصية الحاكم وطريقة إدارته للدولة ومواردها العبء الأكبر فى كل هذه الشئون وتلك الشجون، وكلما اشتد الفقر وطأة كان حلم الخلاص من الحاكم هو الهدف .. وكأن الخلاص من مصيدة الفقر كان مرهوناً بالخلاص من الحاكم، فيما عدا الفترات التى انشغلت فيها القيادة السياسية بالحروب ومجابهة الأعداء؛ حيث انشغل الشعب عن إشباع احتياجاته الإنسانية بالعمل على استرداد الكرامة وتحرير الأرض، وتأصل ذلك التفاني فى حب الوطن فى شخصية الإنسان المصرى عبر تاريخه الطويل فى صراعه مع حكامه المتجبرين. فالفقر حميم لعامل اللامساواة وغياب العدل والعدالة الاجتماعية والجنائية فهو رذيلة اجتماعية تخشاه كافة المجتمعات المعاصرة وتتحسب له بالتخطيط الجيد للتخلص منه أو التخفيف من قسوته على الفرد والمجتمع. ففي عهد مبارك لم يرى الشعب مبرراً للسنوات العجاف التى لم تنقضِ ولم يجد تفسيراً لها فى كل مجالات الحياة سوى بفشل يلاحق فشلا فى الإدارة السياسية للبلاد.حيث جاء تقرير الأممالمتحدة الصادر فى 2010ليرسم صورة سيئة للأوضاع الاجتماعية فى مصر إبان ثورة يناير؛ مؤكداً أن 10.7مليون مصري لا يحصلون على احتياجاتهم من الغذاء وأن 24.8% من المصريين يعيشون بدخل يومي لا يتجاوز 2 دولار وطبعاً بالقيمة الشرائية للدولار فى أمريكا وليس بالقيمة المصرفية له فى مصر. كما بين التقرير أنه فى أواخر عهد مبارك توقف 23.3% من الأطفال عن إتمام دراستهم، وأخطر ما جاء فى التقرير أن نسبة الفقر ارتفعت بمعدل 7% فى نهاية 2010. ولكي تزداد الصورة قتامة كشف التقرير عن تفشى وباء الالتهاب الكبدي سى إلى حد بلغ فى بعض المحافظات 57% وهذه الصورة بالغة السواد لم تفلح معها ما أعلنته حكومات ما بعد الثورة بأن هناك إجراءات تشرع الحكومة فى اتخاذها للإصلاح الاجتماعي وتنمية الريف المصري الذى بلغ عدد القرى الأكثر فقراً فيه 3150 قرية بل ارتفع معدل الفقر فى المجتمع المصرى بعد الثورة ليصل إلى 17 %.. ولعل هذه الأوضاع المتردية كانت هى العوامل الحافزة لقيام ثورة يناير وتأخر فترة الاستقرار فى مرحلة ما بعد الثورة.. فرغم أن الثورة كانت هى الأمل المعقود للخلاص من مصيدة الفقر العنكبوتية التى تشعبت أسبابها فى كافة أنظمة الحكم الفاسدة إلا أنها كانت صادمة لكثيرين من عامة الشعب الذين تعطلت مصالحهم وتوقفت أعمالهم وانحسرت دخولهم فى إطار من حالات الاحتكار والاستغلال التى يمارسها التجار بتحكمهم فى أسعار السلع الأساسية. فبعد الثورة تزايدت معدلات الفقر في مصر بصورة ملحوظة، سواء إذا ما قيست بعدد الأسر التي تعيش عند مستوى الفقر أو أقل منه؛ حيث أوضحت مسوح الاستهلاك في أوائل 2012م ارتفاع معدل الفقر الكلي، مع عدم قدرة 44% من السكان على الإنفاق بشكل كافٍ للحصول على الحد الأدنى من الغذاء المناسب. كما أدى إغلاق وتوقف كثير من المصانع والأعمال بسبب كثرة التذمرات العمالية وإحراق كثيراً من المصانع فى إطار من حالات الانفلات الأمني إلى انخفاض متوسط الدخول ومن ثم انخفاض الإنفاق العائلي على الطعام. وتشير التقارير إلى أن إطالة الفترة الانتقالية يرتبط بارتفاع معدلات الفقر وشيوع الجريمة. وأنه لا خلاص من هذه المصيدة دون خطة حكيمة تشترك فيها كافة الأطياف المؤهلة من كل قطاعات الدولة من خلال الأخذ بآلية بنوك الأفكار( ثنك تانك) التى تفتح نوافذ الإبداع أمام المبدعين من شباب مصر وكفاءاته المخلصة مع ضرورة التخلي عن سياسات الإقصاء والاستبعاد الاجتماعي المتعمد لميول حزبية أو دينية وأن يكون معيار الاختيار دائماً هو الكفاءة وليس المكافأة للتبعية لنظام أو جماعة، مع تنظيف كافة الأوعية الإدارية مما علق بها من أفكار تعلقت بسياسات النظام السابق ولا نكتفي فقط بتغيير الوزراء واستبعاد الشعبين فالأخطر من ذلك هم وكلاء وزارات العهد السابق وكبار التنفيذيين الذين لم تصلهم الثورة كفكر، ومازالوا يعملون بنفس الآلية ولا يدركون طبيعة المرحلة ولا آليات التغيير [email protected]