لا أريد أن ألوم إدارة الأهلى على تجاهلها الاحتفال بالذكرى العاشرة لرحيل المايسترو صالح سليم (11سبتمبر 1930-6مايو 2002) التى مرت علينا أول من أمس والأسباب كثيرة أولها الظروف التى تمر بها البلاد والأحداث الدامية التى تقع من حين إلى آخر ويسقط فيها ضحايا وتكتئب من أجلها البلاد، وثانيها أن إدارة الأهلى لم يسبق لها أن احتفلت بالرجل وأحيت ذكراه منذ وفاته بالشكل الذى يليق وتاريخه وقيمته كواحد من الأساطين الذين أثّروا فى المجتمع وتركوا بصمة فى الرياضة فى القرن الماضى، وثالثهما الظرف الخاص الذى يمر به النادى الأهلى منذ مذبحة بورسعيد وسقوط عشرات القتلى الأبرياء من جماهيره، ناهيك بأننى مقتنع بأن إحياء ذكرى أى شخص نَفَع المجتمع وأفاده وأثّر فيه بمواقفه وآرائه لا يكون بعد تلاوة القرآن على روحه باستدعاء مواقفه وحكاياته وقصصه وروايتها لتسلية الجماهير وملء فراغ اليوم فى نتيجة السنة، ولكن الأهم الاقتداء به فى العمل والسير على نهجه وأسلوبه ورؤيته فى التفكير إذا كانت صالحة للتطبيق فى زماننا، وهذا هو مربط الفرس وتلك هى مشكلتى مع السياسة التى يُدار بها النادى الأهلى الآن والتى أخذت من صالح سليم شكل الإدارة وأفسدت المضمون، رغم أنه ما زال من وجهة نظرى صالحا للتطبيق، بل أرى أن الابتعاد عن نهجه هو الذى أربك الصور الذهنية المستقرة لدى الناس عن النادى الأهلى، ودفع إدارته إلى التراجع عن قيادة المنظومة الرياضية ووضعه كرقم صغير فى معادلة كبيرة يتحكم فيها موظف فى الشباب والرياضة أو مجموعة أندية صغيرة ومراكز شباب مجهولة فى اتحاد الكرة، فالأهلى فى اعتقادى أكبر من مجرد نادٍ اجتماعى مغلق على أعضائه وأهم من كونه فريق كرة جماهيريا ومشهورا، بل هو نادٍ قائد للمجتمع فى مجاله ومركز إشعاع يستنير بمواقفه وقراراته وطموحاته الآخرون، وللأمانة فإن هذه الفكرة ترسخت فى الماضى القريب من خلال الفريق عبد المحسن مرتجى والكابتن صالح سليم حيث نجح الاثنان، كلٌّ حسب رؤيته، فى تأسيس -لدى الرأى العام- فكرة النادى القائد ولأن لكل منهما تاريخا شخصيا، الأول عسكرى والثانى رياضى، وكلاهما لديه الموهبة الإدارية، ويحملان للأهلى إخلاص المحبين ونزاهة الشرفاء وعدل القضاة وحسم القادة.. من هنا جاء اختلاف النادى الأهلى عن غيره من الأندية الشعبية وهو ما ضاعف من رقعته الأفقية والرأسية والمعنوية ووضعه أمام الدولة كرقم كبير يصعب تجاهله أو القفز عليه أو معاملته مثل باقى القطيع. فرغم القوانين واللوائح التى تضع الأهلى مع باقى الأندية والمؤسسات الرياضية على قدم المساواة، فإنه كان يحظى بهيئة اعتبارية وقيمة معنوية ضخمة تدفع القائمين على شؤون الرياضة فى الدولة إلى أن يتحسبوا ويتحسسوا الرأى والمشورة من مؤسسة الأهلى قبل الإقدام على أى خطوة أو لائحة أو قانون. إلا أن هذه القيمة الاعتبارية والمعنوية تراجعت فى عهد مجلس الإدارة الحالى نظرا إلى انصراف القائمين عليها إلى الشأن الخاص على حساب المصلحة العامة، مثل أزمة السنوات الثمانى التى قاتل على إلغائها المجلس طمعا فى البقاء حتى آخر العمر، وهذا عكس ما كان يفعله صالح سليم حيث الاستغناء عن السلطة والترفّع عن السعى لها أو الصراع من أجلها، فسقوط هذه القيمة عن مجلس الأهلى أفقده المصداقية والاحترام أمام الرأى العام ومؤسسات الدولة، فهم يسعون لأن يجلسوا على الكرسى باعتباره غايتهم ومستعدون لتحدى الرأى العام والوقوف أمام الرغبة الشعبية لفرض نظام ديمقراطى يتم فيه تداول السلطة وتفعيل أسس المراقبة والمحاسبة، وهى أسس قام الشعب من أجلها بثورة وأسقط نظاما وألقى برموزه فى السجن، إلا أن هذه الرسالة لم تصل إلى إدارة الأهلى وعاندت بشكل مزرٍ لتاريخ هذه المؤسسة القائدة ولرمزها صالح سليم الذى لم يطمع يوما فى الكرسى ولم يحنِ رأسه لحظة من أجل البقاء عليه، وهذه قصة أخرى نستكملها غدا إن شاء الله. نقلا عن جريدة التحرير .