هل تُطبق البصمة على طلاب الأزهر؟. رئيس الجامعة يحسم الجدل    جامعة بنها الأهلية تشارك في مؤتمر الجامعات الرقمية في العالم العربي بعمان    القليوبية ترفع درجة الاستعداد لانطلاق العام الدراسي الجديد    خريطة الأسعار اليوم: ارتفاع الزيت والأسمنت والذهب    التعليم العالي: مصر وألمانيا تطلقان مشروعا مشتركا لتعزيز سلامة الغذاء والصادرات    قرض ومنحة ب60 مليون يورو.. قرار جمهوري بشأن مركز التحكم الإقليمي بالإسكندرية    إطلاق مبادرة "صحح مفاهيمك" بالوادي الجديد برعاية المحافظ    جاهزية 75 قطعة أرض بمشروع «بيت وطن» لتوصيل الكهرباء في القاهرة الجديدة    بولندا: صاروخ أطلق من طائرة مقاتلة غربية هو الذي سقط على الأرجح على منزل أثناء التوغل الروسي    سوريا.. قوات الأمن تحرر مختطفين من السويداء    اتصال بين وزير الخارجية والمبعوث الأمريكى الخاص للشرق الأوسط    مصر ل"ويتكوف": الفلسطينيون باقون على أرضهم.. ولا تهجير    لويس دياز عن مفاوضات برشلونة: فضلت الانتقال لبايرن لتحقيق البطولات    ميسي يقترب من توقيع عقد جديد مع إنتر ميامي    فيريرا يطيح ب شيكو بانزا أمام الإسماعيلي.. إعلامي يكشف التفاصيل    إصابة 4 أشخاص إثر انقلاب سيارة في الوادي الجديد    رسميًا.. توزيع درجات الثانوية العامة والبكالوريا للعام الدراسي الجديد    الإعلان عن موعد عرض أولى حلقتي مسلسل ولد – بنت – شايب على WATCH IT (فيديو)    "يارب أسعد حبيبي".. مريم منيب تطلب من جمهورها الدعاء لخطيبها الراحل    الاثنين.. استراحة معرفة- دبي تناقش رواية «سنة القطط السمان» لعبد الوهاب الحمادي    الصحة: المبادرة الرئاسية «صحتك سعادة» تواصل تقديم خدماتها المتكاملة في مكافحة الإدمان    «الري»: خرائط لاستهلاك المحاصيل للمياه للوفاء بالتصرفات المائية المطلوبة    ميدو: مواجهة الزمالك والإسماعيلي فقدت بريقها.. وأتمنى عودة الدراويش    الكلاسيكو 147.. التاريخ يميل نحو الزمالك قبل مواجهة الإسماعيلي الليلة    شبانة: وكيل إمام عاشور تخطى حدوده    هل اقترب موعد زفافها؟.. إيناس الدغيدي وعريسها المنتظر يشعلان مواقع التواصل    معا من أجل فلسطين.. حفل خيري بريطاني يهدم جدار الخوف من إعلان التضامن مع غزة    البورصة تواصل الصعود بمنتصف تعاملات الخميس    نائب وزير الصحة تشهد إطلاق ورشة عمل للإعلاميين حول الصحة الإنجابية والتنمية السكانية    وزير الدفاع الصيني يجدد تهديداته بالاستيلاء على تايوان لدى افتتاحه منتدى أمنيا    النقل تناشد المواطنين الالتزام بعدم اقتحام المزلقانات أو السير عكس الاتجاه    مفتى كازاخستان يستقبل وزير الأوقاف على هامش قمة زعماء الأديان    سكاي: مورينيو يوافق على تدريب بنفيكا    فرنسا تستعد لاحتجاجات واسعة وسط إضرابات وطنية ضد خطط التقشف الحكومية    ديستيني كوسيسو خليفة ميسي ويامال يتألق فى أكاديمية لا ماسيا    «نعتز برسالتنا في نشر مذهب أهل السنة والجماعة».. شيخ الأزهر يُكرِّم الأوائل في حفظ «الخريدة البهية»    آثار تحت قصر ثقافة ومستوصف.. سر اللقية المستخبية فى الأقصر وقنا -فيديو وصور    فيديو متداول يكشف مشاجرة دامية بين جارين في الشرقية    التأمين الصحي الشامل: 495 جهة حاصلة على الاعتماد متعاقدة مع المنظومة حتى أغسطس 2025    الصحة تشارك في مؤتمر إيجي هيلث لدعم الخطط الاستراتيجية لتطوير القطاع الصحي    10 ورش تدريبية وماستر كلاس في الدورة العاشرة لمهرجان شرم الشيخ الدولي لمسرح الشباب    ضبط المتهم بإنهاء حياة زوجته بمساكن الأمل في بورسعيد    جبران: تحرير 3676 محضرًا خاصًا بتراخيص عمل الأجانب خلال 5 أيام فقط    مصر وروسيا تبحثان سبل التعاون بمجالات التعليم الطبي والسياحة العلاجية    تزامنًا مع عودة المدارس.. «الطفولة والأمومة» يطلق حملة توعوية لحماية الأطفال من العنف والإساءة    الهلال الأحمر يدفع بأكثر من 80 ألف سلة غذائية للأشقاء الفلسطينيين عبر قافلة «زاد العزة» ال 40    التحفظ على أكثر من 1400 كتاب دراسى خارجى مقلد داخل مكتبتين    مصرع شخصين وإصابة 3 آخرين فى حادث تصادم أتوبيس مع سيارة نقل بطريق مرسى علم    الأولى من نوعها.. مصر وإسبانيا توقّعان اتفاقية الشراكة من أجل التنمية 2025-2030    رئيس اتحاد الصناعات: العمالة المصرية المعتمدة تجذب الشركات الأجنبية    حكم تعديل صور المتوفين باستخدام الذكاء الاصطناعي.. دار الإفتاء توضح    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 18سبتمبر2025 في المنيا    شديد الحرارة.. حالة الطقس في الكويت اليوم الخميس 18 سبتمبر 2025    هنيئًا لقلوب سجدت لربها فجرًا    "سندي وأمان أولادي".. أول تعليق من زوجة إمام عاشور بعد إصابته بفيروس A    "معندهمش دم".. هجوم حاد من هاني رمزي ضد لاعبي الأهلي    سعر الأرز والفول والسلع الأساسية في الأسواق اليوم الخميس 18 سبتمبر 2025    احتفظ بانجازاتك لنفسك.. حظ برج الدلو اليوم 18 سبتمبر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحمبولي ...« خُط الصعيد».. آخر اللصوص الاشتراكيين!
نشر في الفجر يوم 21 - 11 - 2011


محمود التميمى

إنها الأقصر مرة أخري.. فى عام 1997 وتحديدا فى شهر نوفمبر كنت استعد للسفر إلى الأقصر فى زيارتى الأولى لمدينة طالما تخيلتها قطعة من مجد قديم بالغ الزمن فى إبعاده عنا فأصبح أسطورة وبالغنا نحن فى مجافاته فأصبحنا فى الدرك الاسفل من الحضارة.. يومها كنت اهم بحزم حقائبى بينما أصداء الرصاص المخيف فى الدير البحرى كانت تدوى فى القاهرة فيما عرف بمذبحة معبد حتشبسوت التى أطاحت بحسن الالفى وألقت فى طريق مصر بحبيب العادلي.. تحت ضغط الأهل والأصدقاء لم استطع السفر فى هذا الوقت الصعب.

ومرت سنوات زرت فيها الاقصر زيارات عمل خاطفة لكن هذا العام قررت أن أحقق أمنيتى القديمة بتمضية عطلة طويلة ما بين الاقصر وأسوان.. وبينما كنت أهم بحزم حقائبى ومعى عائلتى الصغيرة هذه المرة فوجئت بصوت رنين الرسائل القصيرة على هاتفى وعبر خدمة الأخبار السريعة التى اشترك بها قرأت: «اشتباكات عنيفة فى الأقصر بين قوات الامن وعصابة الحمبولى بعد سرقته المنطاد السياحى» .. أكملت حزم حقائبى وأنا اتمتم : «لا حمبولى ولا غيره.. هذه المرة لن يمنعنى أحد».

هبطت بى الطائرة فى مطار الأقصر.. فتحت هاتفى المحمول بعد إغلاقه طوال الرحلة.. باغتنى صوت الرسائل القصيرة وأنا أبحث عن سيارة تقلنى من المطار.. قرأت الخبر فى الرسالة التى بدت وكأنها موجهة لى شخصيا: «طقس العيد لطيف.. وخُط الصعيد اختطف بالقوة سيارتين سياحيتين بالأقصر».

طالعت الرسالة وأنا أختار من بين السيارات خارج المطار تلك التى ستقلنى وعينى على زوجتى وطفلتى الوحيدة ولا اعرف هل ستصل بنا السيارة إلى الفندق أم اننا سرعان ما سنحل ضيوفًا على الحمبولى!.. بدأ اهتمامى بهذا الحمبولى يتصاعد.. ترى كم أفسدت عطلتهم أخبارك يا حمبولى؟.. وكم افسدت اخبارك عملهم فى السياحة.. خُط الصعيد يتحصن فى الاقصر.. من يجرؤ إذن على اختيارها كوجهة لعطلة من المفترض أن تكون هادئة؟!

اخترت سيارة من سيارات كثيرة تعانى بطالة وكساداً واضحاً على وجوه الناس.. ونبهت السائق أن يلتزم بطرق آمنة قدر المستطاع.. فجلجلت ضحكته قائلا : « يا بيه انت خايف من الحمبولى ولا ايه؟.. ماتخافش الحمبولى راجل زين ومايسرقش ولاد بلده.. هو بس ب «يحلق» على شركات السياحة وأصحاب المصانع والناس اللى واكلة البلد فى بطنها دى ويدى للغلابة ومش مؤذى أبدا.. لو سرق عربية فى حتة مقطوعة ينزل سواقها وبعد ما ياخدها يعرض عليه يوصله لأى حتة عمار علشان مايسيبوش فى الصحرا» (!).

لم استطع إخفاء دهشتى.. واعتبرت أن هذا السائق من أقرباء خُط الصعيد او متعاون معه وقررت انه رأى شاذًا فأنا اتحدث عن مجرم قاطع طريق بينما يتحدث السائق عن ثائر اشتراكى أو أدهم الشرقاوي..سألته عن خطف المنطاد السياحى ألا يعتبر ذلك جريمة وهو يعتمد على السياحة فى رزقه.. غضب السائق وقال بانفعال : « الحمبولى ماسرقش البالونة إلا لما ظباط المديرية قبضوا على ابنه حشمت اللى ماعداش 13 سنة وعزبوه بالكهربا وسمعوه صوت ولده وهو بيتكهرب.. كنت عايزه يعمل ايه؟ «.. كأنى فى فيلم رعب.. رفضت تصديق هذا المنطق وقلت بحده إن السرقة سرقة وأن الحمبولى يوزع ما يسرقه على الناس لأنه لا يملكه أصلا وليس عزيزًا عليه.. هو يوزع أطنان السكر والزيت التى يسرقها من سيارات الحكومة على فقراء قريته.. الرجل هنا لا يعتبر كريمًا أوصاحب عطاء أو مكرمة على الآخرين.. ربما فقط يوصل الدعم إلى مستحقيه.. صمت السائق لدقيقة ثم ابتسم ابتسامة لها معنى ليسألنى : « طيب واللى بيسرقوا بالملايين ما بيفكروش ليه يوزعوا ولوحاجة بسيطة من اللى بيسرقوه على الغلابة.. يا بيه لو كل الحرامية اللى فى مصر عملوا زى الحمبولى ماكانش فى محتاج نام من غير عشا « (!!)

باظت الإجازة قبل أن تبدأ.. غدا أبدأ رحلة البحث عن الحمبولى خُط الصعيد.. رجل مثله له كل هذا التأثير فى محيطه لا يجب أن أمر عليه مرور الكرام.. استعنا على الشقا بالله.

■ ■ ■

ياسر عبدالقادر أحمد إبراهيم الحمبولي.. مواليد قرية الزينية مركز طيبة فى 26 أغسطس 1973.. فى لحظة ميلاده كانت مصر تخرج من عباءة عبد الناصر.. لتبدأ فى الأفق القريب زمن الانفتاح.. الطفل الصغير يكبر فى بيت فقير لأب فقير والفقراء فى مصر اما اتقياء جدا أو أشقياء جدا.. الفقر يعلم صاحبه أن يكون متطرفا.. كبر الحمبولى صبيا وأدخله ابوه المدرسة فتعلم حتى الاعدادية ثم كتب الفقر نهاية علاقة ياسر بالمدرسة فالصبى المراهق لابد أن يعمل ليأكل.. عمل فى مهن عديدة باليومية.. لا يعرف أحد بالضبط متى بدأت علاقته بالسرقة لكن بعض الأهالى قالوا لنا فى الاقصر إنه بدأ وعمره 15 عامًا والبعض قال 25.. البعض قال إنه بدأ بسرقة بقرة الجيران بعد مشادة معهم.. أراد أن يعاقبهم على ظلم تعرض له منهم فسرق بقرتهم.. ثم احترف المسألة بعد ذلك.. وحرامى المواشى فى قرانا وبلادنا شخصية معروفة.. أحيانا معروف بالاسم.. المهم أن ياسر عند هذه النقطة لص عادى جدا أصغر من أن تنتبه إليه القرية وليس محافظة الاقصر كلها..

البعض قال لنا إن معلمه الاكبر كان هاشم العزب والملقب باللورد.. هوالذى علمه إطلاق النار وحمل السلاح وكما تقول المصادر وهو الذى خرج بياسر من حدود الأقصر إلى أسوان وقنا والبحر الأحمر ليفرض نشاطه على الصعيد وكما كانت بداية الحمبولى مع هاشم العزب كان سقوطه حينما حكم عليه بالمؤبد بتهمة الاشتراك مع أحد عشر آخرين لسرقة محطتى وقود للسيارات وقتل مفتش مباحث القصير عندما حاولوا الفرار وصدر الحكم بإعدام هاشم العزب و4 آخرين وعبثًا حاول الحمبولى الدفاع عن نفسه قائلا إنه لم يشترك فى قتل مفتش القصير حيث إنه كان مصاباً ويتلقى العلاج فى مستشفى الاقصر العام بعد حادث تعرض له أثناء قيادته لدراجة نارية فى قريته الزينية.. لكن فى كل الاحوال ياسر الحمبولى محكوم عليه بالمؤبد.

من أشهر الجرائم التى نسبت إلى الحمبولى بعد حادث مقتل مفتش مباحث القصير هى السطو أكثر من مرة على مخازن شركتى المقاولون العرب ومختار إبراهيم، وقيامه مع أفراد عصابته بتوثيق خفراء الشركتين أكثر من مرة حاملاً أطنانًا من الكابلات النحاسية، وفى الأقصر قيامه بالسطو على محطة وقود فى وضح النهار داخل سيارة بدون لوحات، وعندما سأله أمين شرطة عن اللوحات أمطره بوابل من الأعيرة نجا منها بأعجوبة ونقل مصابًا إلى مستشفى الأقصر.. أبلغنا عدد من الأهالى أنهم شاهدوا الحمبولى أكثر من مرة فى سيارة نصف نقل نصب عليها مدفعًا رشاشًا «جرينوف» وهو مدفع سريع الطلقات مشهور فى الصعيد.

فى أكثر من حوار بالتليفون أجراه معه أكثر من صحفى فى الاقصر قبل أن يتوارى عن الانظار قال الحمبولى إنه كان شقيًا قبل أن يتزوج وينجب وانه بعد إنجابه اول اولاده حشمت قرر أن يبتعد عن «طريق الشقاوة» كما يسميه.. وبالفعل قام بإنشاء مصنع طوب فى قريته بالزينية وقرر أن يعيش حياته بعيدا عن الاجرام - الكلام للحمبولى - ويقول إن الله قبل توبته لكن الشرطة لم تقبل توبته وطلب شهادة كل من إيهاب رضا، رئيس مباحث طيبة السابق، واللواء شافعى محمد حسن مساعد منطقة الصعيد للأمن العام.. الحمبولى يقول : « اسألوهما كيف عشت خمس سنوات فى الحلال وكيف كانت علاقتى بهما طيبة جدا إلى أن جاء إلى الزينية ضابط اسمه عبد الهادى النحاس.. كان معاون مباحث أول ظل يحاول أن يجبرنى على العمل معه كمرشد.. طلب منى معرفة خط سير عدد من الناس ونقل أخبارهم له وقلت له إنى لن استطيع فبدأت مأساتى وشعرت أن أحدا لا يريد لى أن أتوب وكان هذا نهاية عام 2007 «.

■ ■ ■

قبل العيد بأسبوع نشرت الصحف تصريحًا نسب لوزير الداخلية أظن انه ندم عليه ندما شديدًا الآن.. «القبض على الحمبولى خُط الصعيد خلال ساعات».. الوزير صرح بذلك لأن معاونيه اطمأنوا إلى القبض على الحمبولى بعد أن احتجزوا ابنه حشمت الطفل الذى لم يتعد 13 سنة واسمعوه صوته.. يومها خرج مدير أمن الأقصر السابق اللواء حسن محمد حسن ليقول للصحفيين: «أنتم تبالغون بأهمية الحمبولى ما هو إلا لص سيارات وسيسقط بين لحظة واخرى».. كان من الواضح أن مدير الأمن مطمئنا إلى أن الاسلوب القديم سيفلح.. الطفل فى الحبس والأب فى القصب.. يخرج الأب من القصب فيخرج الابن من الحبس.. معادلة أساسية فى مدرسة حبيب العادلى التى لاتزال تدير الداخلية حتى الآن والتى أفرزت الحمبولى وغيره من الظواهر فى الصعيد.

نظر الحمبولى إلى السماء.. أراد أن يرد على مقولة إنه مجرد لص سيارات.. إنه الخط.. نظر إلى السماء بينما كانت عيون الداخلية كلها تنظر فى القصب منتظرين خروجه رافعاً يداه.. وفى السماء كانت ضالة الحمبولي.. المنطاد الذى يحلق فى سماء الأقصر يرتاده السياح ويملكه رجل أعمال معروف اسمه احمد عبود.. تحرك ياسر ورجال عصابته إلى المكان الذى يركب منه السياح المنطاد أو كما يسميه « البالونة ».. اختبأ وانتظر حتى نزل السياح وركبوا الاتوبيس المخصص لهم ثم ظهر فجأة أمام العمال المصاحبين للبالون وأخبرهم انه سيأخذ البالون والسيارة المصاحبة له رهينة حتى يخرج ابنه حشمت من الحبس.. واتصل ليلتها بقيادة أمنية كبيرة فى مديرية أمن الأقصر وأخبره أنه خطف المنطاد وترك السياح احتراما للسياحة واذا لم يخرج حشمت خلال ساعات سيخطف اتوبيسًا كاملاً بالسياح الاجانب وقال له ايضا لقد نجحتم فى خطف ابنى لكنكم لن تستطيعوا الوصول إلى مكانى لأن أى حملة تخرج من مديرية امن الاقصر يصلنى بها خبر قبل أن يصل إلى مدير الأمن.. فلا تحاولوا معي.

وخلال ساعات بدلاً من القبض على الحمبولى تم الإفراج عن حشمت نجل الخط وصدر قرار نقل اللواء حسن محمد حسن إلى أسوان (!) وسألت يومها فعرفت أن القرار عقابى بعد فشله مع الحمبولي.. لكن ألا يعتبر القرار عقابًا لمحافظة أسوان أكثر منه عقابًا لمدير الأمن؟!

بعد هذا اختفى الحمبولى عن الانظار البعض قال هرب إلى السودان.. البعض قال موجود فى الزينية والبعض تحدث عن اختفائه فى نجع حمادي.. وجاء يوم وقفة عيد الأضحى يوم وصولى إلى الاقصر وفوجئت المدينة بخبر اختطاف سيارتين سياحيتين باسم الحمبولي.. الناس هنا لا تدين ياسر ولكنها تغتبط لفراره الدائم من الشرطة.. الكل يقول إن ياسر الحمبولى هو قاهر الشرطة.. البعض أنشأ صفحة على فيس بوك اسمها «كلنا ياسر الحمبولى».. وشعار الصفحة: «لا موت يهم ولا حكومة تلم».. الأطفال يقصون القصص الكثيرة.. كيف أنه خرج من القصب ذات ليلة فطرق باب سيدة عجوز وطلب منها شربة ماء فجاءت إليه «بكوز من الزير» فسألها انتى معندكيش تلاجة يا حاجة؟ فردت بالنفي.. صباح اليوم الثانى كانت سيارة ربع نقل تقف أمام بيت السيدة العجوز وفيها ثلاجة وتليفزيون وبوتاجاز هدية من الحمبولي.. طفل آخر يحكى كيف أنه لاحظ أن أطفال الزينية يلعبون وهم حفاة فسرق سيارة «شباشب» ووزعها عليهم.. أو قصة أنه اراد تناول «ايس كريم» فسرق سيارة تابعة لشركة مثلجات مشهورة ولما فتحها فوجئ بها مليئة بالأسلحة فاتصل بالجيش وسلم السيارة لهم خشية أن تقع فى يد الأشقياء.. أو قصة أن رجاله سرقوا ذات مرة سيارة فاخرة اكتشفوا أنها تعود إلى طبيب من مواليد الزينية فأعاد إليه السيارة مع اعتذار رقيق.. هذه القصة يحكيها الفقراء فقط فى الأقصر اما الاغنياء وميسورو الحال فيتحدثون عن القانون والدين وضرورة القبض على المجرم.. لكن هل يدافعون هنا عن سيادة القانون أم عن ممتلكاتهم ومصالحهم؟.. إجابة هذا السؤال قد تفسر تعاطف فقراء الأقصر مع الحمبولى.

■ ■ ■

يقول الحمبولى لمن اتصل به ويقسم أنه بريء من أغلب التهم المنسوبة إليه وأخطرها على الإطلاق قتل مفتش مباحث القصير.. ويرجع كل المصائب إلى وقت تولى عبدالهادى النحاس منصب معاون مباحث مركز طيبة.. فبعد أن رفض العمل معه كمرشد فوجئ بتوجيه الاتهام له فى قضية مخدرات يقول إنها لفقت له تأديبا على رفضه العمل كمرشد.. اخلت النيابة سبيله ثم فوجئ بقرار اعتقال.. أمضى شهورًا طويلة فى معتقل وادى النطرون قبل أن يحكم عليه بخمس سنوات فى قضية المخدرات رغم أنه يقسم أنه لا يدخن السجائر العادية حتى وأنه مستعد لأى تحليل يثبت انه لا يتعاطي.. استطاع عمل استئناف للحكم فخفض لثلاث سنوات.. وفى أثناء قضاء المدة قامت ثورة 25 يناير ويوم 28 فوجئ الحمبولى بضباط السجن يفتحون الأبواب كما يقول وهددوا المساجين بالقتل إن لم يخرجوا فورا.. وهرب من سجن قنا العمومى وعاد إلى قريته الزينية أملا فى أن يعيش حياة جديدة ظنا منه أن الثورة قد اسقطت كل ما فات.. وعاش متحصنًا بقريته فى حماية أهلها.. إلى أن وقع حادث مقتل مفتش مباحث القصير الذى اتهم فيه وحكم عليه بالمؤبد.. فاستعاد نشاطه العصابى ليتحول إلى خُط الصعيد الذى يحذر الشرطة من تعقبه ويعرف دبة النملة داخل مديرية أمن الاقصر من خلال ما يقول إنهم أعوان فى المديرية.. الغريب أن أهالى الاقصر من غير المتعاطفين مع الحمبولى يقولون إن الشرطة لا تريد القبض عليه.. وانه لو لم يكن موجودًا لاخترعته حتى يسهل لها العودة إلى سابق قوتها وبطشها بحجة البحث عن الحمبولى ومقاومة العصابات كما أن ائتلاف شباب الثورة بالأقصر أصدر بيانًا طالب فيه بعدم تصفية الحمبولى وضرورة إجراء تحقيقات عادلة وعلنية معه فيما نسبه لضباط الشرطة سواء قبل الثورة أو بعدها ووجود متعاونين معه.

وأكد الائتلاف فى بيانه أنه ليس مع طرف ضد الآخر ولكن نريد أن نعرف الحقيقة كاملة خاصة أن هناك جزءًا «فيما قاله الحمبولى» صحيحاً مائة فى المائة وهو الجزء الخاص بتهريب المساجين من داخل السجون أثناء الثورة بجانب الإرث الثقيل لضباط وزارة الداخلية فيما يتعلق بالتضخيم فى بعض المجرمين وتحويلهم إلى أبطال شعبيين من أجل وضع جميع الجرائم فى جعبتهم لإراحة أنفسهم من البحث والتحري.. إلى جانب البيان قال لنا الأهالى إن الأحداث كشفت عن أكثر من عصابة ادعت صلتها بالحمبولى ثم ثبت أنها تستخدم اسمه فقط.

■ ■ ■

انتهت عطلة العيد التى قضيتها فى البحث عن الحمبولي.. ومن الأقصر توجهت إلى كوم امبو لزيارة معبدها الفريد من نوعه فى تاريخ القدماء.. المعبد الذى عبد فيه المصريون إله الشر إلى جانب إله الخير.. وتقدس اسميهما على حوائطه.. فى معبد واحد على شاطئ كوم امبو ما بين الأقصر وأسوان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.