في قرية من قرى محافظة قنا، والتي ما زالت العادات القديمة تحكم تفاصيل الحياة، تقف "ن.ح" كواحدة من الأصوات التي نجت من دائرة تزويج الأطفال، تلك الممارسة التي تُعد من أخطر الانتهاكات الواقعة على الفتيات، والتي لا تزال راسخة لدى البعض وكأنها قدر لا يمكن تغييره. عاشت "ن.ح" التجربة بكل ما حملته من خوف وضغط وأذى، وخرجت منها لتروي بصراحة ما لا تزال كثير من الفتيات يعجزن عن قوله. في هذا الحوار، الذي يتزامن مع انطلاق حملة "16 يوم لمناهضة العنف ضد المرأة والقائم على النوع الاجتماعي"، تكشف لنا تفاصيل رحلتها، وكيف تحولت من ضحية لواقع مفروض إلى صوت يحذر من خطورته وآثاره المدمرة.
إلى نص الحوار:
لماذا ما زالت بعض الأسر في القرى تُقدِم على تزويج البنات في سنّ مبكرة؟ - يرجع ذلك إلى عوامل تاريخية واجتماعية؛ فالتعليم في الماضي كان محدودًا للغاية، وكانت الظروف المادية صعبة، وعدد أفراد الأسرة كبير، مما جعل كثيرًا من الأسر ترى في الزواج المبكر وسيلة لتخفيف الأعباء. هل الزواج المبكر يحمي البنت من "الفضيحة" أو يحافظ على "السمعة" -كما يعتقد البعض-؟ - على العكس تمامًا، فالزواج المبكر قد يدمّر حياة الفتاة؛ إذ تُحمَّل مسؤوليات كبيرة وهي غير مؤهلة لها، وقد تتعرض لمخاطر تُنهي حياتها، خاصة إذا حدث حمل وهي ما تزال صغيرة. ما علاقة العادات والتقاليد بفكرة تزويج البنات الصغيرات؟ - العادات والتقاليد القائمة على الجهل وضعف الوعي تُسهم في استمرار هذه الظاهرة؛ فغياب التطور الفكري يجعل بعض المجتمعات متمسكة بموروثات لم تعد مناسبة للعصر. هل المجتمع يشجع فعلًا على هذا الأمر، أم أن هناك رفضًا داخليًا ولكن لا أحد يجرؤ على التعبير؟ - المجتمع منقسم؛ فهناك من يوافق على الزواج المبكر، وهناك من يرفضه تمامًا، الرافضون عادة أكثر تعليمًا ووعيًا بخطورة الأمر، لكنهم أحيانًا لا يستطيعون التعبير عن رأيهم خوفًا من الصدام مع العادات السائدة. ما نظرة الناس للبنت التي تتأخر في الزواج مقارنةً بالفتاة الصغيرة التي يتم تزويجها مبكرًا؟ - لا يزال البعض يردد عبارات مثل: "كبرت... يا ترى هتخلف ولا لا؟" متجاهلين أن هذا التفكير خاطئ؛ فكبر سنّ الفتاة يعني نضجًا كاملًا في جسدها وفكرها، مما يجعلها أكثر قدرة على تحمل مسؤوليات الزواج. من الجانب الاقتصادي، هل الوضع المادي للأسرة يكون سببًا رئيسيًا في تزويج البنات مبكرًا؟ -نعم، يؤثر كثيرًا؛ فبعض الأسر تسعى إلى تخفيف الأعباء والمسؤوليات المادية عن نفسها، فترى في الزواج المبكر حلًّا يساعدها على تقليل الضغوط. هل الأهالي ينظرون إلى الزواج كوسيلة لتخفيف العبء الاقتصادي؟ - ليس دائمًا؛ فالأمر يختلف حسب فكر الأسرة ومستوى وعيها، فليست كل العائلات تتعامل مع الزواج بهذه الطريقة. هل المهور أو "الشبكة" أو "الجهاز" عوامل قد تؤثر على قرار الزواج المبكر؟ - نعم، في بعض الحالات تعترض الأسر أو تتراجع عن الزواج بسبب المهر أو الشبكة أو تكاليف الجهاز، وقد تُلغى الزيجة بالكامل عندما يصبح العبء المادي أكبر من قدرة الأسرة. هل هناك أسر ترى في الزواج فرصة لتحسين وضعها الاجتماعي أو المادي؟ - هناك بالفعل من يفكر بهذه الطريقة؛ فبعض الأسر تحسبها من زاوية تخفيف المسؤولية عن البنت أو التخلص من عبء إضافي، ويختلف هذا القرار حسب مستوى التعليم والفكر السائد داخل الأسرة. دعينا نتكلم من الجانب الصحي، هل الأهالي مدركون للمخاطر الصحية التي قد تتعرض لها الفتاة الصغيرة؟ - هناك من يدرك تمامًا أن الزواج المبكر خطأ كبير، لكنهم رغم ذلك يقدمون عليه رغبة في تخفيف العبء عن الأسرة. كما أن بعض الفتيات يخضعن لقرارات الآخرين، وحتى إن كنّ يعرفن مخاطر الزواج المبكر، فإنهن لا يستطعن قول "لا". أيضا ما تأثير الزواج المبكر على نفسية الطفلة؟ - عندما ترى الفتاة من هنّ أكبر منها وقد حصلن على التعليم بينما هي محرومة منه، يتأثر وضعها النفسي بشدة، وتشعر بالنقص أو الظلم، مما يترك أثرًا طويل الأمد على ثقتها بنفسها. هل هناك وعي كافٍ بالمشكلات التي قد تواجهها الزوجة الصغيرة في الحمل والولادة؟ - للأسف لا، فغالبية الفتيات اللاتي يتزوجن مبكرًا يتعرضن لمشكلات لا يستطعن التعامل معها؛ سواء كانت مشكلات نفسية نتيجة الضغط والمسؤولية، أو صحية بسبب الحمل والولادة في سنّ غير مناسبة. كيف يؤثر الزواج المبكر على تعليم الفتاة ومستقبلها؟ - غالبًا ما تضطر الفتاة لترك تعليمها، لأن الوعي بأهمية التعليم يكون غائبًا، رغم أنه أهم ما تحتاجه في هذا العمر. وبهذا تفقد مستقبلها التعليمي وفرصها في حياة أفضل.