إن زواج القاصرات يعد جريمة مكتملة الأركان مع سبق الإصرار وباتت ظاهرة للعيان، فلم تعد قاصرة على محافظة بعينها لكنها أصبحت منتشرة فى أغلب المحافظات والمدن المصرية، فبحجة الستر والاطمئنان وخوفًا من واقع قاتم يلجأ كثيرون إلى تزويج بناتهم وهن قاصرات ويتم اغتيال براءتهم والمتاجرة بهن فى علاقات تتستر باسم الزواج وما يحدث بعيد تمامًا عن أى زواج وتدفع ثمنها فتيات فى عمر الطفولة، فإقرار المجتمعات لزواج القاصرات يعد سبة فى جبينها مهما كانت المبررات مثل «زواج البنت سترة» فهى عبارة تعد انتهاكًا لحقوق الطفلة لأن ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب. ففى إحصائية نشرت عام 2012 للمجلس القومى للمرأة أكدت خلالها أن نسبة زواج القاصرات بلغ 22٪ تزوجن قبل سن 18 عامًا، وفى دراسة أعدت بالتعاون بين وزارة التضامن ومنظمة اليونيسيف أشارت إلى ان حالات زواج القاصرات فى مصر تزيد على 40 ألف فتاة وفى إحصائية غير رسمية لعام 2016، أشارت إلى ارتفاع النسبة إلى 35٪ تقريبا.. هذه الإحصائيات والزيادة الكبيرة تجعلنا نتساءل عن الأسباب التى أدت إلى زيادة زواج القاصرات بهذا الشكل. استطيع أن أقول إن هذه الأسباب تكمن فى الفقر حيث تلجأ العائلات الفقيرة )لبيع( البنت للاستفادة من مهرها لدفع ديون العائلة أو لتحسين وضعهم المادى وكذلك للتخلص من الإنفاق عليها دون الالتفات إلى أن زواج البنت الصغيرة غالبًا ما يفشل فترجع إلى أهلها مع أطفال تجب إعالتهم فيزيد من عبئها عليهم، فالزواج المبكر للقاصر يضع البنت طول حياتها ضمن دائرة الفقر والتخلف، إذ لن تحظى بتعليم أو تعلم مهارة أو حتى نضوج عقلى يمكنها من إعالة نفسها بشكل كريم. بالإضافة إلى الاعتقاد الخاطئ فى بعض المجتمعات الفقيرة أن هذا الزواج يعزز المكانة الاجتماعية والاقتصادية لأسرة الزوج التى ستعمل على تشغيل الفتاة والاستفادة من خدماتها، بالإضافة لإنجابها لأيدٍ عاملة إضافية، وفى الحقيقة فإن هذه البنت، ومن ستنجبهم سيبقون فى حالة جهل، وسوف تستمر أجيال فقيرة بسبب هذه الأعراف والتقاليد، مما يجعل الحالة العامة لذلك المجتمع يسودها المرض والتخلف، ومن المستحيل أن يتطور أو ينهض ذلك المجتمع، أيضًا اعتقاد الأهل بأن الزواج يحمى البنت من الانحراف فيعتقدون تزويج البنت فى صغرها ضروريًا للحفاظ على شرف الأسرة فى بعض المجتمعات، إذ يوضع عبء شرف العائلة على كاهل البنت. لكنه فى الحقيقة سلب لكرامتها واحترامها لذاتها، مما يهدم مصداقية العائلة فى المحافظة المزعومة على الشرف، ويؤكد الهدف الحقيقى وراء هذا السلوك المشين وهو: السيطرة على البنت وحرمانها من أى سند يعينها فى حياتها لتبقى تحت سلطة من يعيلها ويحميها، أيضًا الاعتقاد بأن الزواج والحمل المبكر يؤدى لتكوين عائلات كبيرة وبذلك يضمن وجود وريث للأسرة، فتسعى الأسرة لتزويج أبنائها لكى تضمن ولادتها لأكبر عدد ممكن من الأبناء لكنها تجهل احتمال تعرض هذه الطفلة لمضاعفات خلال الحمل أو أثناء الولادة، تؤدى غالبًا لوفاتها أو إنجابها أطفالًا مصابين وغير أصحاء. ولا ننسى التخلف والتقليد الأعمى لجيل الآباء والأجداد والاعتقاد بخرافات وأفكار خاطئة عن الحياة وانتشار الأمية والجهل بمخاطر ومساوئ زواج الصغيرات، والضغوط المسلطة من كبار الأسرة أو العشيرة على الآباء لتزويج بناتهم حيث تعتبر البنت عبئًا فى نظرهم، لذلك يجب التخلص منها بتزويجها إذا سنحت الفرصة مهما كانت صغيرة فى السن. لذلك ولكل هذه الأسباب الخطيرة التى تهدد بناء المجتمع لابد من وجود إجراءات رادعة ويتم تنفيذها بشكل فعلى حتى نحد من هذه الجريمة التى ترتكب فى حق الطفولة وتتمثل فى: استخدام الخطاب الدينى عن طريق الخطباء فى المساجد الموجودة فى القرى أو المدن بالتوعية لخطورة ذلك الزواج وتأثيره على الفتاة النفسى والجسمانى والآثار السلبية التى تهدد المجتمع ككل. وأيضًا لابد أن يشمل الحبس جميع الأطراف المسئولة عن ذلك وبالأخص الأب وأيضًا توقيع عقوبة الفصل النهائى من الخدمة للمأذون الذى يثبت تورطه فى عقد القران العرفى. بالإضافة إلى ان تقوم مؤسسات المجتمع بدورها لنشر الوعى وحماية الفتيات من التحول لأمهات بصورة مبكرة، فهناك أدوار لوزارات التضامن، الصحة، التربية والتعليم، المجلس القومى للمرأة والطفولة، والإعلام أيضًا والأجهزة القانونية لمعاقبة كل من ينتهك براءة الصغيرات بتزويجهن وتحويلهن إلى أمهات، وأيضًا قيام المجتمع بدوره لرعاية الأسر الفقيرة ماديًا حتى لا تضطر إلى بيع فتياتها ليصبحن أمهات. إن علاج آثار هذه الظاهرة يكلف موازنة الدولة الملايين لمعالجة هذه الآثار والانتهاكات من الناحية الصحية والاجتماعية، فإذا تم توجيه هذه الملايين للوقاية من الظاهرة لكان أفضل، فالوقاية خير من العلاج. وفى النهاية أقول إن الأهم هو تنفيذ هذه الإجراءات وعدم الاكتفاء بوضعها فقط الباحثة فى علم الاجتماع