التحالف مع الوفد يرضي «ليبرالية» أمريكا والتنسيق مع السلفيين يضمن أصواتهم تسير خطة الإخوان المسلمين بنجاح واضح وبخطوات ثابتة نحو تحقيق هدفهم المنشود بالحصول علي نسبة 30% من البرلمان المقبل بمفردهم، سترتفع وفق التحالفات إلي خمسين في المائة زائد واحد، محققين بذلك أغلبية برلمانية تسمح لهم بوضع قوانين جديدة علي هواهم ، وهو ما اتاحه لهم تغيير قانون الانتخابات إلي نظام الثلثين للقوائم النسبية والثلث للفردي ما يمنحهم فرصة كبيرة في الانتخابات، إضافة إلي استحواذ الإخوان إلي جانب حزب «الوفد» علي القائمة الأولية التي أعدتها لجنة التنسيق الانتخابي بالتحالف الديمقراطي من أجل مصر واحتل مرشحوهم رءوس القوائم الانتخابية للتحالف، بمن فيهم غالبية نواب الإخوان ال88 في برلمان 2005، ما يعني أن الإخوان حققوا أهدافهم من دخول التحالف وضمنوا توجيه الانتخابات، ضمن قائمة توافقية من الأحزاب، لتحقيق أكبر مكاسب ممكنة في مواجهة فلول الحزب الوطني من ناحية، ومن ناحية اخري فإنها بتحالفها مع الليبراليين وفي مقدمتهم الوفد، تبعث رسالة طمأنة وغزل إلي أمريكا والغرب بأنها تتجه نحو "الدولة المدنية"، بعد أن تخلي الإخوان في برنامج حزبهم "العدالة والحرية " عن اعتراض الجماعة علي تولي القبطي والمرأة لرئاسة الجمهورية. ولم تتخل الجماعة أيضا عن علاقتها بالإسلاميين، وتحاول ضمهم إلي التحالف الديمقراطي بهدف الاستفادة من كتلتهم التصويتية، وكذلك ضبط إيقاعهم وعدم خروجهم عن سيطرتها، وهو ما يفسر الضغوط المضنية التي بذلتها الجماعة لضم حزب النور السلفي للتحالف رغم اعتراض الوفديين، فيما تبذل جهودها الآن لإقناع الجماعة الإسلامية بدخول حزبها "البناء والتنمية"، كما كشف د.طارق الزمر وكيل مؤسسي الحزب ل"الفجر". هكذا يحتفظ الإخوان بحلفاء الأمس من السلفيين والجماعات الإسلامية، ورقتهم الرابحة في موقعة التعديلات الدستورية قبل شهور، من دون أن تتخلي عن إظهار نفسها بأنها هي التيار الإسلامي المعتدل المأمون الجانب الذي يقبل المواءمات. وبهذا المنطق «البرجماتي» لم يتردد الإخوان، مقابل تمرير التعديلات الدستورية، في طعن القوي الوطنية التي رفضت بالإجماع هذه التعديلات، وهي نفس القوي الوطنية التي عاد الإخوان يهرولون ناحيتها ويسعون للتحالف معها في مقابل تحقيق مكاسب انتخابية وفقا لمؤشر المصلحة، وهو المؤشر الذي دفعهم أخيرا لقبول التحالف مع حزب الوسط وزعيميه أبو العلا ماضي وعصام سلطان، ابني الجماعة اللذين طردتهما ونبذتهما وقاطعتهما وشهرت بهما طوال 15 سنة، ثم عادت لتجلس معهما علي مائدة واحدة في إفطار الجماعة. لكن آليات الإخوان المتعالية، وتحالفها مع الليبراليين أو مع الإسلاميين، وقبلها الامتناع عن المشاركة في ثورة 25 يناير، تهون في مقابل ما كشفته استقالة كادر الجماعة البارز هيثم أبو خليل من أن الإخوان قد ذهبوا سرا في عز أيام ثورة 25 يناير، وأثناء اعتصام أهالي الشهداء والمصابين في التحرير، للجلوس مع النظام والتفاوض مع عمر سليمان في نفس الوقت الذي احتفظوا فيه بشباب الجماعة في الميدان كورقة ضغط في المفاوضات. ذلك هو قانون الإخوان، فقد أدمنوا الصفقات مع نظام مبارك مرة تلو الأخري وطعن القوي الوطنية في ظهرها ورفع شعار: "فليذهب الجميع إلي الجحيم"، فعلوها في انتخابات 2005 عندما طعنوا حزب «التجمع» في ظهره ودفعوا بمرشح لهم في دائرة كفر شكر أمام زعيم الحزب خالد محيي الدين، ما أدي إلي خسارته، وفي المقابل عقدوا صفقتهم الشهيرة مع نظام مبارك وغنموا 88 مقعدا دفعة واحدة في البرلمان، في صفقة لم يلتزم الإخوان ببنودها أيضا وأخرجوا لسانهم للنظام، الأمر الذي استوجب مذبحة لهم في الجولة الثانية. حاول الإخوان تكرار نفس الصفقة في انتخابات 2010 بمغازلة النظام، فبدأوا بجولاتهم علي الأحزاب الليبرالية، «التجمع» ثم «الوفد» و«الناصري»، لكن فشلت خطتهم بسبب عدم اعترافهم بولاية القبطي والمرأة، فدفعوا بثلاثة مرشحين في انتخابات الشوري كبالونة اختبار لجس مدي استعداد النظام لعقد صفقة معهم، لكن فشلت المحاولة أيضا، وعندئذ لم يبق لهم إلا الباب الذي تركوه مواربا مع البرادعي فارتموا في أحضان «الجمعية الوطنية للتغيير» لتهديد النظام، وأعلن البرادعي وقتها مقاطعة الانتخابات لأنها ستزور وأن أي شخص سيشارك بها سيخالف ضميره القومي، ووقف الإخوان مرحليا إلي جانب الوطنية للتغيير، لكن بعد أن أصرت الأحزاب علي المشاركة أداروا ظهرهم للبرادعي وأعلنوا مشاركتهم قبل شهر واحد من الانتخابات. انتهازية الإخوان المسلمين ثابتة منذ ثمانين عاما، هي عمر الجماعة، بحسب رؤية عبدالرحيم علي،الباحث في شئون الحركات الإسلامية، الذي يقدمها في كتابه "الإخوان المسلمون قراءة في الملفات السرية"، حيث يقول إن للإخوان منهجًا انتهازيًا مفضوحًا، وسلسلة من التحالفات السياسية تنتهي دائما بالغدر بالحليف، يحاولون التنصل دوما من خطاياهم التاريخية ويطالبون الجميع بمحاسبتهم علي الواقع فقط، لا لشيء إلا لأن التاريخ يفضحهم فجميع ما يفعله الإخوان الآن من خيانات وخدع وتحالفات ما هو في حقيقته إلا صورة بالكربون لما كان عبر أنظمة وملوك ورؤساء، أدمن الإخوان مع القوي السياسية خلالها اللعبة «البراجماتية الميكافيلية» ولعبوها دون الالتفات إلي ضمير وطني. فالجماعة في بدايتها لم تقف بشكل صريح ضد الوفد، حتي بداية الثلاثينيات، فحين اشتد عودها وأعلن النحاس باشا إعجابه بكمال أتاتورك زعيم تركيا وبفهمه لمعني الدولة الحديثة، حتي وجه حسن البنا هجوما ضاريا يتهم الوفد بأنه لم يحقق أي شيء من آمال المسلمين مع تعاقب حكوماته، ثم سدد البنا سهامه متهما الوفد بانه معارض لتطبيق الشريعة الإسلامية سنة 1938، وفي نفس العام عندما هاجم «الوفد» السراي ووزارة محمد محمود، لم يتردد الإخوان في الوقوف بجانب السراي، بعدها استغل الإخوان حادث 4 فبراير وتبعاته أيضا، حيث قبل «الوفد» العودة للحكم بدعم بريطاني، في الإساءة لسمعة الحزب والدعاية ضده بضراوة. لكن الإخوان وبنفس الطبيعة «البراجماتية» غيروا من سياستهم حين أمر النحاس بفك الأختام عن مطبعة الإخوان والتصريح لهم بإصدار مجلتهم من جديد، فازدهرت الجماعة في عهد حكومته وكسبت ألف شعبة جديدة في مختلف المحافظات، بعد كل هذا وأكثر بدأ الاخوان المديح والغزل في النحاس و«الوفد» وحكومته، فصدرت مجلة «الإخوان المسلمين» في العدد الثالث لها بمقال لحسن البنا يصف فيه النحاس بأنه أكثر الناس حرصا علي الصلاة، لكن شهر العسل لم يدم حين تبدلت مصالح الجماعة، فحين أراد البنا بحسب ما روي د.إبراهيم حسن وكيل جماعة الإخوان المسلمين وقتها، أن يحصل من «الوفد» علي 50 ألف جنيه لدعم جماعته، وفشل في الحصول علي أي دعم من الوفد سعي البنا إلي عقد صفقة مع السراي علي حساب الوفد، لم يتردد الإخوان في التحالف مع أحزاب الأقلية لضرب الوفد، كما تحالفوا مع حكومة إسماعيل صدقي الذي زارهم في مركزهم العام واستقبلوه استقبالا حافلا وصل إلي استخدامهم الآية الكريمة: "واذكر في الكتاب اسماعيل إنه كان صادق الوعد"، وفي المقابل حصلت الجماعة علي عدة تسهيلات رسمية منها ترخيص إصدار الصحيفة الرسمية لها، ومنحهم امتياز شراء حبر الطباعة بالأسعار الرسمية ما أنقذهم من أسعار السوق السوداء. وبنفس الطريقة ظل الإخوان عبر عقود يدخلون في تحالفات مع الوفد ثم الانقلاب عليه منذ الملكية وحتي عصر مبارك، فقد تحالفوا مع الوفد في انتخابات 1984 لتحصل الجماعة علي 7 مقاعد لأول مرة في تاريخها، لكنهم هجروا الوفد وتحالفوا مع حزبي العمل والأحرار في انتخابات 1987ضمن قائمة "التحالف الإسلامي" الذي رفع شعار "الإسلام هو الحل "، ووصل عدد نواب الإخوان في تلك الدورة 36 نائبا. أحزاب اليسار عانت هي أيضا مع الإخوان المسلمين، فقد استغل الإخوان "الشبح الشيوعي" لاحتواء الملك بتخويفه من الشيوعية والمبالغة في خطرها علي النظام القديم وتقديم أنفسهم كحماة للعرش، وفي سياق عدائهم للشيوعيين والأحزاب اليسارية لم يترددوا في تجنيد فرق الجوالة بالجماعة لتعقب أعضاء هذه التنظيمات ونشاطاتها، كما تولت إبلاغ الحكومات بما تجمعه عنهم من معلومات، وحينما بدأ صدقي باشا حملته علي اليساريين وأغلق جميع الأندية والمكاتب والمجلات التابعة لهم ارتفع صوت الإخوان مؤيدا للحكومة، معلنين عبر صحيفتهم أن "سلامة المجتمع فوق الجميع"، وفوق حرية الصحافة. ووصلت الانتهازية بالإخوان إلي أن طلب حسن البنا من السفارة الأمريكية تكوين مكتب مشترك بين الإخوان والأمريكان لمكافحة الشيوعية المصرية علي أن يكون أغلب أعضائه من الإخوان وتتولي أمريكا إدارة المكتب ودفع رواتب أعضاء الإخوان فيه. وبدخول مرحلة جديدة وفي ظل علاقة خصومة مع الوفد وجد الإخوان المسلمون في حركة الضباط الأحرار حليفا مناسبا لتوجيه حركتهما ضده، خاصة أن لبعض أعضاء اللجنة التأسيسية لتنظيم الضباط الأحرار جذوراً من جماعة الإخوان ، فساعدت هذه الصلة في التنسيق بينهما ، غير أن هذه العلاقة التعاونية اختلفت بعد تغير هذا الظرف التاريخي بصعود حركة الضباط الأحرار ووصولها إلي الحكم مع بقاء الإخوان خارجه. وفي عهد السادات كذلك كانت جماعة الإخوان المسلمين هي المطرقة التي استخدمها لسحق اليساريين والشيوعيين، لكن بعد معاهدة كامب بدأ الصدام بين السادات والإخوان، علي الرغم من الموقف المراوغ الذي اتخذه عمر التلمساني، مرشد الجماعة، حيث أعلنت الجماعة إقرارها لمبدأ التفاوض مع إسرائيل لكنها في المقابل ترفض ما ينتج عن هذه المفاوضات. هكذا هم الإخوان المسلمون يهادنون الوفد ثم ينقلبون عليه، يدعمون الملك ثم يناصبونه العداء، يتعاونون مع رجال ثورة يوليو ثم يتصادمون معهم، يساندون السادات ثم يتمردون عليه، يصرخون ليل نهار بالكراهية لأمريكا ويسعون في الخفاء لمد الجسور معها