كانت الغرفة تعج بالصوت، لكنه من النوع الذي لا يقول شيئًا.. أوراق مبعثرة، ملفات مفتوحة كأن أحدًا بدأ ولم يكمل، وجدران تغرق في شعارات باهتة كُتبت قبل أن يُفكر أحد في معناها.. ففي هذا الركن المتهالك من الزمن، كان البيت الأبيض بلا قلب.. الجميع يتكلم، والجميع يعد، والجميع يتصدر الصورة.. لكن الصورة بلا ملامح.. ثم... سُمعت خطوات هادئة.. لا جلبة.. لا فلاشات.. لا صوت يسبق صاحبه. مؤمن الجندي يكتب: متى نصبح جمهورًا لزملائنا؟ مؤمن الجندي يكتب: أزرار السوشيالجية دخل رجل غريب عن هذا المشهد، كأنّه لا ينتمي إليه، ومع ذلك بدا وكأنه يعرف كل تفاصيله منذ زمن.. لم يحمل حقيبة أسرار، ولم يبدأ بمحاضرة، ولم يرفع صوته ليُثبت وجوده، وقف في منتصف الغرفة.. تأمل الفوضى، تنفّس ببطء، ولم يعبس.. لم يسخر.. لم يتهكم.. لم يُلق باللوم على أحد.
فقط.. بدأ.. بدأ كما يبدأ الضوء حين يتسلل من شق صغير في جدار مهمل.. لا يثير الانتباه، لكنه يغير شكل كل شيء.
أصوات تتعالى ولا تُسمع، وجدران ممتلئة بملصقات "نحن نعرف الطريق"، بينما الطريق ذاته كان يضيع كل يوم أكثر. ثم... ظهر هو.. جون إدوارد المدير الرياضي الجديد لنادي الزمالك.. بدأ يعيد ترتيب الكراسي، يطوي الأوراق المبعثرة، يطفئ الأضواء الزائدة، ويكتب على جدار صغير بخط رفيع: "سنعود كما يجب أن نكون." في لحظات التوهان الكبرى، لا يحتاج الكيان إلى بطل خارق، بل إلى رجل يعرف ماذا يفعل، ومتى يصمت، ومتى يقرر.. جاء جون إدوارد في توقيت بدا فيه الزمالك كبيت قديم، لا ينهار دفعة واحدة، لكنه يتساقط حائطًا تلو الآخر. الرجل الذي أوقف الضجيج.. هل سينجح؟ جاء لا يرفع شعارات، لا يوزع تصريحات وردية، لا يملأ الشاشات وميكروفونات الصباح والمساء.. بل جاء يعمل. في زمن مضى، كان كل ما يُقال عن الزمالك هو "لدينا المشروع"، "لدينا الرؤية"، "لدينا القائمة الموحدة"... لكن الحقيقة أن ما كان لديهم فعلًا: ضجيج بلا صوت، وشعارات بلا تنفيذ، ووجوه تبحث عن "الصورة" أكثر من رغبتها في تغيير الواقع. رأيت بنفسي من يُدير الكرة كأنها عزبة، ومن يبيع الأوهام باسم "أي شيء سوى الزمالك"، ومن يتعامل مع الأزمات كما يتعامل مع زجاج سيارة معتمة.. يراها من الخارج باردة، لكنها من الداخل تحترق. جاء الرجل، لم يتفلسف في تصريحات كمن سبقوه، بل بدأ.. جاء، فلم يجلس في مؤتمرات الكلام، بل وقف وسط الفوضى وبدأ الترتيب. نظر للفرقة لا كمجموعة أسماء، بل كفريق يجب أن يكون له عمود فقري.. وروح، وخلال أسابيع، حدث ما لم يحدث في موسمين: تفكيك إرث ثقيل من التراكمات، إعادة ترتيب البيت، بيع من لا يرغب أو لا يُفيد، والتعاقد مع من يعرف دوره، حتى لو لم يكن نجم شباك. لم يكن الهدف الصفقات، بل المنظومة.. ولم تكن الخطوة مجرد انتقالات، بل انتقال كامل من فوضى إلى رؤية، أو على الأقل نشعر أن هناك رؤية ما. الزمالك الذي كان كل دقيقة خبر وكواليس من الداخل، بات مغلقًا.. وهذا شيء أعجبني، لأنه كان مثل الست اللتاتة في كل قناة وبرنامج وصفحة على الفيس بوك. في النهاية، جون إدوارد الذي لا أعرفه شخصيًا بالمناسبة، لم يعد بشيء، ولم يحقق شيئًا أيضًا، ولاتزال التجربة في انتظار انطلاقها حتى نحكم عليها في نهايتها.. لكنه حقق أول خطوة في طريق "النظام". لا أحد يعرف بعد إن كان سينجح.. لكنه جعل الجميع ينتبه فجأة أن الهدوء ممكن، وأن النظام ليس عدوًا، وأن القائد لا يحتاج أن يصرخ ليُسمع. للتواصل مع الكاتب الصحفي مؤمن الجندي اضغط هنا