على مدار نحو 77 عاما، لم تتوقف بحور الدم في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة، بدأت بسلسلة المجازر الإسرائيلية في فلسطين مع النكبة عام 1948، حيث مجزرة طنطورة واحدة من أبشع فصولها. في تلك القرية الساحلية، القريبة من حيفا، نفذت القوات الصهيونية عمليات قتل جماعي طالت مئات الفلسطينيين العزل، ولم تكتف بإعدامهم، بل تفننت في تعذيبهم بقطع الأعضاء التناسلية وشق بطون الحوامل لإسقاط أجنتهن، في مشهد يعكس سادية مروعة. ما أثار الذهول أكثر هو تفاخر الجناة بأفعالهم دون خجل أو ندم، بل وتفصيلهم لطرق القتل كما لو كانت بطولة. هذه الوحشية لم تكن استثناء، بل نمطا تكرر عبر عقود دون حسيب أو رقيب، ولم يحاكم أحد على تلك الجرائم، بل أصبحت جزءا من سردية إسرائيلية تتغنى "بالدفاع عن النفس". تدرجت المجازر في عنفها وفظاعتها مع الزمن، ففي صبرا وشاتيلا عام 1982، وتحت عين إسرائيل ودعمها، ذبح الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات بيروت بطرق وحشية، لتستمر هذه السلسلة حتى اليوم، مرورا بمذابح الانتفاضة وحرب غزة الأولى والثانية، ناهيك عن اجتياح لبنان إلخ..... وما يحدث في غزة منذ 7 أكتوبر 2023 ليس مفاجئا، بل نتيجة طبيعية لتراكم عقود من الإفلات من العقاب. عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها المقاومة الفلسطينية، جاءت ردا على هذا الظلم الممتد، وصرخة ألم من داخل أكبر سجن في العالم، على أكبر عدد من المساجين، الذين يعاملون كحيوانات بشرية، وهذا ليس كلامي، فقد نطق به وزير الدفاع السابق، يواف جالانت. وتشير تسريبات إلى علم إسرائيل المسبق بالهجوم، وربما تخطيطها لاستغلاله كذريعة لتصفية القطاع. زخطط مثل الاستيلاء على بحر غزة لاحتياطيات الغاز والبترول، وشق قناة "بن جوريون" لتعزيز السيطرة الاقتصادية، تكشف عن نوايا توسعية كانت دائما في صلب المشروع الصهيوني. الصمت العالمي والتخاذل الدولي شجعا إسرائيل على التمادي، فمنذ طنطورة وحتى إبادة غزة التي تجري حاليا، لم تواجه إسرائيل عقوبات حقيقية، بل حظيت بدعم غربي مستمر تحت مظلة "حق الدفاع"، مستغلة رواية المحرقة النازية كشيك بلا رصيد لتبرير جرائمها. ولو وجدت محاسبة صارمة منذ البداية، لما وصلنا إلى هذا الحد من الدمار، فغزة اليوم تقصف بلا هوادة، وأكثر من 50 ألف فلسطيني قتلوا، معظمهم نساء وأطفال، وسط دمار شبه كامل للبنية التحتية، وأكثر من 100 ألف مصاب ناهيك عمن واراتهم أنقاض البيوت المهدمة ومن نهشت جثثهم الحيوانات الضالة في الشوارع والطرقات، دون أن يرف جفن للمجتمع الدولي. إسرائيل لا تفهم سوى لغة القوة، وحرب أكتوبر 1973 مثال حي على ذلك، وأفضل ما يدلل على كلامي، فبعد الانتصار المصري، أصبحت إسرائيل تحسب ألف حساب لمصر، وتتردد قبل أي خطوة قد تعكر العلاقات. وعلى النقيض، دول ضعيفة تنتهك سيادتها بسهولة دون رد فعل يذكر، وهذا التناقض يكشف أن إسرائيل تتوقف فقط أمام "العين الحمراء"، بينما تستبيح من لا يملكون قوة الرد. واستمرار جرائمها ليس فقط نتيجة غطرسة داخلية، بل دعم خارجي جعلها تعتقد أنها فوق القانون، ما يؤكد أن غياب العدالة هو السبب الجوهري لتكرار المجازر وتصاعدها حتى يومنا هذا. هي أيام ثقال ولكن يقيني الذي يعتريه شك، أنها ستفرج والعوض سيكون عظيما بإذن الله، ولكنا مرحلة لا بد أن نمر بها.. فتحرير الأرض المباركة لا بد له من أثمان باهظة، تفوق ما بُذل في تحرير أراضٍ وأوطان أخرى.