إن الشعر موهبة نادرة الحدوث لا يلقاها إلا القليل من الناس. فمن أوتي حظها فقد أوتي حظًا عظيمًا وبلغ مقامًا مرموقًا، وأصبح موضع الإعجاب والتقدير من الناس لأنه وهب ما ليس عند غيره. فالشعر منحة من الله لمن استخدمها في الفكر الراقي واللفظ المستنير النابع من الخلق والأدب العظيم. أدب المعني النبيل والهدف المنشود في تبليغ الرسالة السامية التي تحث الناس علي التخلق بالأخلاق الحميدة ووضعهم في الإطار الصحيح لكي يفهموا الأدب من الكلمة النبيلة والحكمة الأصيلة والقصة المأثورة والتاريخ والسيرة، وأخذ العبر والحكم والمآثر الجميلة، لا الكلمة المبتذلة الرخيصة. كالتغزل بأعضاء الجسد البالي الفاني الذي يفني وتبقي الكلمة السيئة حملا ثقيلا ورصيدا متبقيا لكاتبها يوم الحساب علي كل كبيرة وصغيرة، فلا تنفعه كلمات الغزل ولحن الفشل، ولا صاحبة الجسد المسجي، ولا عقله الذي مال فأماله في الشقاء والعذاب ! فكيف يكتبها و أول من يقرأها أقرب الناس إليه.. إن كان لا يهمه غيرهم، وقبل ذلك الله الذي علم بالقلم. ألا من عقل رشيد لمثل هؤلاء... ألا يعي كل منهم الحكمة والوعي الذي ينجي صاحبه من عذاب النار. إنها نكبة كبري في أيام كثرت فيها النكبات والأزمات ،وتحلل البعض من القيم والأخلاق بحجة مسايرة العصر الذي نعيش فيه، فما من فحش إلا وارتكبوه ،ورقصٍ إلا ورقصوه ،وكتابة الفجر والعري إلا وكتبوها، ونسوا أنها دخيلة علينا، بعد بعدنا عن الدين والتحلل والانسلاخ مما هو ديني جميل. لقد هدموا كل ما هو جميل بحجة حرية التعبير ،بل إن شئت فقل بحجة تحسين المدينة! ألا من مراجعة .. ألا من محاسبة .. أين مخافة الله ؟! (اتقوا الله ) يا من ضللتم الطريق وارتميتم في أحضان الفكر الغريق، لا العريق. إن الأديب الذي يمتلك الكلمة الجميلة لابد و أن يكون لدية القدرة الفائقة والإدراك الجيد، و علي قدر كبير من البيان اللغوي والأدبي فيعبر عما يجول بخاطره بلغة سليمة وبطرق مؤثرة ،تؤثر تأثيرا في وجدان وعقل القارئ والسامع والمتلقي والمتذوق للأدب والفكر، فيحرك المشاعر، فتتفاعل مع الكلمة، مع المعني فترتقي النفس وترتقي ! وربما تتحرك الكلمات بداخله فيكتب أيضا نبضات وأحاسيس ومشاعر كامنة في خياله أتتها اللحظة المناسبة، لتنساب في معين لا ينضب من العطاء، وفي ذلك يكون وجد من استنشق من رحيق كلماته، فصار شاعرا متذوقا للكلمات الجميلة. والأديب الذي يعي معني الكلمة بحق لا يحق له أن يصف الله الحق ( الذات العلية ) بأوصاف متدنية، أو غير واعية، وأما التعامل مع الخلق يتطلب امتلاك الأديب للوازع الديني والثقافي الجيد المنبع العذب المنهل، فلا يتعامل من منطق العصبية والانفعالات. فإن الشعر تحفه الفتن من كل جانب وعليه تحف صاحبه أيضًا... إلا من خشي الله وتذكر لقائه يوم لا ينفع الابتذال في اللفظ أو الخروج عن المعني.. صاحبه شيئا. والكاتب والشاعر الحصيف هو الذي يتجنب الكلمات المهجورة والغريبة التي لا تزيد المعني إلا غموضًا وإبهامًا فهي غريبة علي السامع ثقيلة علي اللسان لاتصل إلي ألأذهان ولا الوجدان، فلا تأثير لها ولا أثر يذكر إلا غرابتها فيهجرها الناس، وبالتالي يهاجروا ويهجروا الأدب لما فيه من صعوبة وغرابة ،فلا أذواقهم ارتقت، ولا مشاعرهم تهذبت، بل تشتت أفكارهم، وماذا يفعل الأديب إذ لم يكن دوره الرئيسي هو تثقيف الناس وتحويل مشاعرهم نحو الأدب الجيد والنقد البناء الذي ينفعهم في الحياة؟! لابد له أن يبحث عن مواطن الجمال في الطبيعة، فيضيف إلي الجمال جمالا بكتاباته الجميلة. ولابد له أن يجوب حقول الأدب، يستنشق من رحيقها، يلقح زهورها، يذيب وجدانها.. كالفراشة التي تجول عندما يلوح في الأفق البعيد قرص الشمس الأحمر الدائري.. في لقاء جديد لبناء يوم جديد ،كما تبني الكلمات الجميلة النفوس الطيبة . فالكلمة الراقية عندما تكون القصيدة الراقية أيضًا.. تغمر ناظمها بالسعادة وخصوصًا عندما تكون تجربة ذاتية، فتغمره الفرحة بما أفاء الله عليه من نعم الكلم وما أوتي من قدرة علي التعبير عما يدور بداخله، وعما يدور من حوله في الحياة. لذا تعود ت دائما.. أن أسأل ربي.. أن يلهمني الإلهام الطيب، فأنهل من معين طيب، وأخط الكلمات الطيبة لتصل إلي القلوب الطيبة، فتطير بها فوق السحاب فلا حدود للفكر والخيال ولا حواجز هناك! وأخيرا.. لابد للغة أن تكون لغةُ حوارِ بناء، لتبني الصروح الشامخة، فتعلوا وتعلوا حيث يذوب علي جوانبها السحاب. فبالحوار والفكر الجيد تبني الأمم الأجيال، وبالعلم والإيمان ترتقي النفوس وتسمو الأخلاق