كتاب مستقبل الادب الاسلامى للدكتور حامد طاهر - الأدباء في العالم الإسلامي يجب أن يتمتعوا بحرية أدباء الغرب - التشكيك في إمكانية قيام أو استمرار أدب إسلامي متكامل- حكم متسرع استطاع الأدب الإسلامي أن يفرض نفسه على الساحة الأدبية كنموذج من الإبداع الملتزم، حيث يعبر عن أخلاقيات المسلم في انسيابية ونعومة، بعيدا من المغالاة في الوصف الخارج عن العادات والتقاليد الإسلامية. من هذا المنطلق أكد الدكتور حامد طاهر نائب رئيس جامعة القاهرة السابق أن الأدب الإسلامي ليس ضربا من الخطب والمواعظ، نافيا عنه صفة الجمود أو التشدد، ولم يتوقف الأمر عند ذلك بل طالب بنفس الحرية التي يتمتع بها الأدباء في الغرب لأدباء في العالم الإسلامي، وذلك من أجل أن تتاح لهم الفرصة ليكتبوا عن مجتمعاتهم الأدب الذي تريده وليس ما يفرض عليها من الخارج، فمن الظلم البين أن يقدم الأدب الغربي لهذه المجتمعات علي انه هو الزاد الذي يشبع ظمأها الروحي. قال حامد طاهر في كتابه" مستقبل الأدب الإسلامي": إن في القرنين الماضيين بدأ العالم الإسلامي مسيرته علي طريق النهضة محاولا التخلص من قيود فترة طويلة من الركود وساعيا بكل جهده إلي تعويض ما فاته لكي يلحق بركب التقدم، مؤكدا أن ال50 سنة الأخيرة شهدت صحوة إسلامية حقيقية بعد انحسار موجة الاستعمار الغربي، مشيرا إلى أنه مع زيادة نسبة التعليم العصري بين المسلمين والرغبة القوية في الإصلاح بدأت تظهر اتجاهات عديدة لبعث المفاهيم الإسلامية في الحياة المعاصرة ومن الأمثلة علي ذلك ظهور مصطلح الاقتصاد الإسلامي وعلي غرار ذلك بدأت الدعوة إلي أدب إسلامي يعبر عن القيم والبادئ السامية التي أرساها الإسلام لكن هذه الدعوة مازالت محدودة فهي تتردد علي استحياء أحيانا وتتأكد في أحيان أخري. وحدد حامد طاهر ثلاثة معايير كسبيل لتحديد هوية الأدب الإسلامي: أولها يتمثل في عامل المكان فهل يمكن أن نقول أن الأدب الإسلامي هو الأدب الذي يتم إنتاجه قي البلاد الإسلامية ؟ وعلق قائلا: الحقيقة انه لا يكفي وحده معيارا لتحديد هوية الأدب الإسلامي فقد يعيش علي ارض المسلمين من ينتج أدبا لا يتماشى مع عاداتهم وتقاليدهم ولا يستلهم مبادئ دينهم الذي هو أخص خصائصهم. والمعيار الثاني: هل يمكن اعتبار كل ما يتم إنتاجه بعد مجيء الإسلام أدبا إسلاميا؟ لكن الواقع أن كثيرا من الأدباء الذين كتبوا بعد ظهور الإسلام وحتى الآن لا ينطبق علي أدبهم السمة الإسلامية. المعيار الثالث : الالتزام بمبادئ الإسلام وقيمه العليا أثناء عملية الإنتاج الأدبي، وقال: في رأيي هذا المعيار هو اصدق المعايير في تحديد هوية الأدب الإسلامي وهو معيار عادل ينفي عن أي أدب يصدر عن المسلمين صفة الإسلامية إذا ما قدس الرذيلة أو شوه قيم الخير. في القسم الأول من الكتاب يشير الكاتب إلى انه ظهرت الدعوة إلى إحياء الأدب الإسلامي في إطار الصحوة الإسلامية التي تشهدها معظم البلاد الإسلامية وتتمثل هذه الصحوة في المناداة بإحلال الإسلام بشرائعه ونظمه وقوانينه محل النظم والقوانين الوضعية التي يثبت في كل يوم عدم جدواها لتحقيق سعادة الإنسان علي الأرض أو صلته بخالق الكون ولان الأدب هو مرآة المجتمع والأدباء هم أصوات ضميره والمعبرون عما يختلج فيه من شجون ويتواثب فيه من آمال فقد أصبح من الضروري أن يصدر عن المجتمعات الإسلامية أدب حقيقي يعبر عن آلامها وآمالها والملاحظ أن المجتمعات الإسلامية قد تعرضت علي مدي القرنيين الماضيين لموجة من الأدب الغربي الذي جري استيراد معظمه دون أن تكون هناك حاجة ماسة إليه وإنما تم استيراده وتسويقه أحيانا في إطار السيطرة الثقافية التي حاول الغرب أن يفرضها علي شعوب الأمة الإسلامية وقد تفوق عليها من الناحية المادية وأحيانا أخري بفعل أبناء هذه الشعوب الذين انخدعوا ببريق الإنتاج الأدبي في الغرب دون أن يشعروا أن هذا الإنتاج لا يصور مجتمعاتهم ولا يشبع تطلعاته وفي غمرة النقل الأدبي عن الغرب كانت تتم في كثير من الأحيان عمليات التشويه والتعمية والتدليس واستغل المغرضون هذا التيار الجارف فحملوا لنا من الغرب أسوا أنواع البضاعة الأدبية وفي مقابل هذه العملية ألكبري لم يجد أدباؤنا أو الكثيرون منهم مفرا من محاكاة الأدب الغربي سواء في موضوعاته أو في صوره وأساليبه ونشا بالتدريج أدب عربي مشوه لا هو بالأدب الغربي الجيد ولا هو بالتعبير الحقيقي عن المجتمع العربي المسلم ثم جاءت الصحوة وبدا المسلمون يدركون أنهم علي غير الطريق الصحيح وان ما ينتجه أدباؤهم في غالبيته لا يعبر عنهم في شيء، ولهذا بدأت الدعوة إلي ضرورة إيجاد أدب إسلامي يعبر بصدق عن أحوال الشعوب التي تعتنق الإسلام ويصور مشكلاتهم الحقيقية التي يعانون منها. وأضاف: إن الأدب الإسلامي لا يرفض كل أنواع الأدب الأخرى فهو يحترم الأدب الراقي في كل لغات العالم ويرحب بنماذجه المتميزة وقد يتأثر بها ويحاكي أسلوبها ولكنه يظل متمسكا بمضمونه الأساسى داعيا إلى المثل العليا التي نادي بها الإسلام وان إحياء الأدب الإسلامي يتطلب من أدباء المسلمين أن يرجعوا إلى النماذج الجيدة التي تم إنتاجها منذ ظهور الإسلام وحتى اليوم وهذه النماذج موجودة في صورة نثر رائع وشعر متميزو وحين يستوعبون هذه النماذج ستصبح بالنسبة لهم ركائز انطلاق إلي إنتاج نماذج أخري معاصرة وهنا نقطة مهمة أن الأدب الإسلامي ليس فقط المكتوب باللغة العربية وإنما يشمل إلي جانب ذلك الأدب الإسلامي المكتوب بالفارسية والتركية والأوردية وسائر لغات المسلمين في شتي بقاع العالم وفي نفس الوقت لابد من رفض الأدب الذي سبق إنتاجه في العالم الإسلامي دون أن يكون صادرا عن قيم الإسلام الأساسية فليس من الأدب الإسلامي التغني بالخمر آو الغزل الحسي بالمرأة وليس من الأدب الإسلامي التفاخر بالحسب والنسب ولا المدح المبالغ فيه وهكذا نري أن إحياء الأدب الإسلامي يتطلب عدة أمور أولها البحث عن النماذج الأدبية التي تتمشي مع مبادئ الإسلام وثانيها رفض النماذج الرديئة التي لا تمثل روح الإسلام بل علي العكس تكاد تتعارض معه ومتابعة النماذج الأدبية العالمية والاستفادة من أساليبها الفنية ومناهجها المتنوعة والالتزام بالتعبير الصادق عن قضايا الأمة الإسلامية مع استشراف حلولها من مصادر دينها الحنيف وتلك هي مسئولية الأدباء في بعث الأدب الإسلامي من جديد وتبقي بعد ذلك مسئولية الأجهزة المعنية في الدول الإسلامية لتشجيع هذا الدب علي الظهور والانتشار. وينتقل الكاتب إلى الحديث عن مصادر الأدب الإسلامي فيقول: إن مصادر الأدب الإسلامي تمثل أساسًا هامًا في محاولة تحديد هويته وإحياء منابعه الجديدة والنهضة به في عالم اليوم ليصبح صوتا معبرا عن الشعوب الإسلامية ومرآة حقيقية لحاضر المسلمين أن القرآن الكريم هو مصدر المصادر لحياة المسلمين في جوانبها العقائدية والفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية ونحن نضيف هنا انه مصدر أساسي لأدباء المسلمين يغترفون منه بدون حدود ويرجعون إليه علي الدوام في سوره وآياته وفي عباراته وألفاظه وآدابه وقصصه أن بلاغة القرآن كانت ومازالت موضع اهتمام الباحثين ثم يلي ذلك بلاغة الأحاديث النبوية وما تشتمل عليه من حكم وأحكام ووصايا مصوغة في أروع نظام ومركزة إلي ابعد حد والسنة النبوية لا تحتوي فقط علي أقوال الرسول صلي الله عليه وسلم وعباراته بل إنها تتضمن مواقف كاملة كان يتحدث فيها مع الصحابة –رضوان الله عليهم- كما تمتلئ السنة النبوية بضرب الأمثال ذات الدلالات المعبرة وتحتوي علي قدر هائل من الصدق في الخطاب والنصح الخالص للأمة ثم بعد ذلك تأتي أقوال الصحابة والتابعين وعلماء السلف التي هي في الواقع خلاصة حية لتجاربهم المستوحاة من دينهم الحنيف وتتنوع هذه الأقوال في صورة خطب ومكاتبات ووصايا وتوجيهات روي احد عمال البصرة كتب إلي عمر بن العزيز يطلب منه مبلغا مبالغا فيه لينفقه علي بناء دار الولاية فكتب عمر- ادارك في البصرة أم البصرة في دارك- ثم نصل بعد ذلك إلي ما أنتجه الشعراء والكتاب من شعر ونثر يتميز بطابع إسلامي أصيل بدء من شاعر الرسول صلي الله عليه وسلم حسان بن ثابت وما قاله كعب بن زهير في الاعتذار للرسول صلي الله عليه وسلم ومدحه هو والصحابة ثم الشعر العذري العفيف الذي تغني به الشعراء خلال العهد الأموي. وأشار إلي انه لا يمكن أن يوافق علي مقولة أطلقها احد النقاد بشأن العلاقة بين الشعر والدين أن الشعر بمعزل عن الدين فقد قال هذه الناقد: إن الدين إذا دخل الشعر أضعفه، فهناك الكثير من القصائد الدينية التي بلغت مستوى عاليا من الجودة الفنية ولا يرجع السبب الحقيقي في ضعف مستوي الشعر إلي انه يتناول أغراضا دينية وإنما السبب الحقيقي يكمن في ضعف مستوي الشاعر نفسه الذي يتعرض لهذه الأغراض دون أن تكون لديه الملكة والمقدرة الفنية ذات المستوي العالي لكتابة شعر متميز فنيا لكننا هنا بحاجة إلي معايير يتم علي أساسها تنقية الشعر والنثر العربي من النماذج التي لا تتمشي تماما مع مبادئ الإسلام والتي جري اعتبارها أدبا إسلاميا مع أنها ابعد ما تكون عن هذا المصطلح الراقي أن أشعار أبي نواس في الخمر وغزليات بشار بن برد الماجنة ومفاخرات ومنافرات الفرزدق وجرير وتجديفات أبي العلاء المعري والمدح المبالغ فيه لدي المتنبي كل هذا لا يعد من قبيل الأدب ذي التوجه الإسلامي وإنما يظل في نطاق الأدب العربي لكن ما أنتجه هؤلاء الشعراء من قصائد لا تمس العقيدة الإسلامية أو المبادئ الإسلامية هو ما ينبغي أن نقبله ونعيد قراءته واستلهامه بينما ننفي ونرفض ما كتبوه متعارضا مع الإسلام ومبادئه. وعلى جانب آخر، يتشكك البعض في إمكانية قيام أو استمرار أدب إسلامي متكامل ويعتمدون في ذلك علي حجتين الأولي قلة النماذج السابقة له والثانية ضعف المستوي الفني لنماذجه الحالية والواقع أن الحكم بقلة النماذج السابقة حكم متسرع وعلينا أن نلاحظ أن الشعر بقصائده الطوال والمتوسطة وأبياته المفردة لم يتم تسجيله في البداية عن طريق الكتابة لأنه كان يعتمد علي الحفظ الشفهي وبالتالي فقد ضاع منه جزء كبير أما ما وصلنا حتى الآن فهو جزء من أجزاء كثيرة ما زالت مخطوطاتها مبعثرة في مختلف مكتبات العالم وهكذا يظهر أن الحكم بقلة النماذج لايعتمد علي قاعدة صلبة من الاستقراء الشامل والإحصاء الدقيق أما الشكل الثاني وهو النثر فهو يتوزع بين الخطب والمراسلات ووصف المواقف التي كانت تحدث بين الأدباء والتعرض لما كان يدور في البلاط وهذا الشكل قد تعرض أكثر من الشعر لقدر اكبر من عدم التسجيل الكتابي وهكذا فان ما وصلنا من الشعر والنثر لا يمثل كل ما كتبه الشعراء والأدباء أما دعوي ضعف المستوي الفني فيما يتم إنتاجه من أدب إسلامي في العصر الحاضر فلا يمكن التسليم بها لان الأدب الإسلامي ينبغي أن ينشا من اجله نقد أدبي إسلامي يراعي اتجاه هذا الأدب - في أهدافه ومضمونه – وجهة إسلامية صحيحة ثم بعد ذلك يمكن تطبيق الأسس والمعايير النقدية الفنية عليه وهذا يعني أن الأدب الإسلامي يحتاج إلي مستويين من النقد نقد المضمون ونقد الشكل وهذا ما لم يتم حتى الآن بصورة متكاملة وما ذنب الأدب الإسلامي حين يتعرض للكتابة فيه أدباء متوسطون أو اقل من المستوي المتوسط. وأضاف: ينبغي علي النقد الأدبي الإسلامي القيام بمهمة صعبة تتمثل في جمع هذا التراث الشعري عبر العصور ثم التصدي للموازنة بينه حتى يظهر الجديد من الرديء ويتميز الأصيل من الزائف وأنا علي ثقة من أن هناك نماذج أدبية رفيعة المستوي لكنها بحاجة إلى اكتشاف وتحليل وتقييم. وفي سياق حديث حامد طاهر عن الأجناس الأدبية، قال: في الماضي كان الأدب الإسلامي مقصورا علي الشعر والنثر وفي إطار النثر شاع في العالم الإسلامي ما يعرف بأدب القصّاص وهو عبارة عن حكايات متخيلة تحكي مواقف معينة وعلي الرغم من قلة الأنواع الأدبية التي ظهرت لدي المسلمين، والمتأمل في موضوعاتها وفنونها يجد أنها كانت تلبي معظم حاجات المجتمع الأدبية وفي العصر الحديث بدأت المجتمعات الإسلامية تزيد من اتصالها بالغرب فتجد أنواع أخرى تتمثل في القصة القصيرة بمفهومها المحدد والرواية الطويلة ببنائها المحكم والمسرحية بتخطيطها المسبق إلى جانب المذكرات الشخصية والسيرة الذاتية وكان من الطبيعي أن يتم التبادل الثقافي والأدبي فراح الأدباء العرب والمسلمون يقبلون علي محاكاة هذه الأنواع وان هذه القوالب الأدبية والفنية الجديدة التي تمت إضافتها إلى الأدب العربي والإسلامي ينبغي أن تكون موضع اهتمام بالغ من دعاة الأدب الإسلامي باعتبارها قنوات اتصال معاصرة لإبلاغ الخطاب الإسلامي الصحيح من خلالها إلي القراء المعاصرين سواء من المسلمين أو غير المسلمين. ويشير الكاتب إلي احد المزالق التي يقع فيها كتاب الأدب الإسلامي حين يظنون أن الإسلام هو الماضي وحده أو هو التاريخ وحده، قائلا: علي العكس فالإسلام هو الماضي والحاضر والمستقبل. وقد يظن البعض- خطأً- أن الأدب الإسلامي ينبغي أن يكون أدبا صارمًا جافا لأنه إذا أمر بالفضيلة ونهى عن الرذائل فسوف يصبح ضربا من الخطب والمواعظ ويبتعد بالتالي عن المرح والترفيه عن النفوس والواقع أن هذه المقولة تحتوي على وهم كبير فلا يوجد في الإسلام ما يمنع المرح البريء وإنما فيه ما يمنع العبث واستثارة الغرائز وكل ما هو مضاد للطبيعة البشرية في صفاتها وفطرتها كان الرسول صلي الله عليه وسلم يمزح ولا يقول إلا صدقا وتلك احدي الأسس التي ينبغي أن يتمسك بها الأدب الإسلامي فالمزاح بدلا من أن يتجه للاستهزاء بالآخرين ولكن يتجه وجهة إصلاحية بنائية وفي الأدب الإسلامي هناك عمل للجاحظ يظل نموذجا رائعا لأدب المرح وهو كتاب "البخلاء" ولا يمكن أن نتصور كاتبا يريد أن يهاجم داء البخل المستشري في النفوس بغير الطريقة التي ألف بها الجاحظ كتابه. لكن ظهر في العصر الحديث أشكال مستحدثة مثل ما يسمي بالمسلسل التليفزيوني الذي تطور عن المسلسل الإذاعي وهذا تطور بدوره عن المسلسل القصصي أو الروائي الذي كان ينشر علي حلقات في الصحف والمجلات والذي كان يعرض أحيانا علي هيئة صور متلاحقة تحكي قصصًا معينة وقد وجد المسلمون المستمعون للإذاعة ثم ظهر للمشاهدين التليفزيون الذي لاقى استجابة هائلة فاقت كل تصور فأقبلوا علي كتابتها وشجعهم علي ذلك ما تدره من ربح وفير وأخذت تليفزيونات العالم تتسابق في إنتاج المسلسلات، ونجاح هذا النوع الأدبي الجديد يرجع لعوامل اجتماعية وثقافية عديدة وهنا يتساءل الكاتب إلي متى يظل الأدب الإسلامي بعيدا عن استغلال هذه الإمكانيات الرهيبة ولماذا لا يقوم دعاته باستغلال تلك الفرصة التي يتيحها الإسلام كرسالة ولا يمكن أن يقصر أسلوب هذا البلاغ علي خطبة المسجد فقط أو علي الكتاب فقط أو علي الموعظة المباشرة وإنما البلاغ قول وعمل وكذلك موقف درامي يمكن تقديمه حتى يدرك الناس من خلاله حققه الخير وسوء مال الشر وهكذا فان دعوتنا لاستغلال إمكانية المسلسلات التليفزيونية في الأعمال الإسلامية ليست إنشاء لشيء جديد تماما علي العقلية العربية أو التذوق العربي وإنما هي مجرد استمرار لتقليد قديم لكنه يحتاج فقط إلى الاستعانة بالوسائل الفنية التي بلغت مستوي عاليا في هذا الصدد. وفي ظل وجود هذه الأنواع الأدبية ، كان لابد أن يوجد النقد الأدبي، فلا يوجد أدب بدون نقد يكشف عن جوانب الجودة والجمال في الأدب كما انه هو الذي ينبه إلي مواطن الضعف والقبح فيه، فمن واجبنا هنا أن نذكر بأن نقد الأدب الإسلامي ينبغي أن يتميز بإبراز ثوابت الإسلام ولا ينبغي لأي عمل أدبي أن يتعارض معها أو يضعها موضع الشك وعلي الناقد للأدب الإسلامي ألا يتحرج من رفض أي عمل أدبي حتى لو ارتفعت قيمته الفنية إذا خرج مضمونه عن إطار تلك المسلمات إن ظهور النقد بهذه الطريقة سوف يكون فتحا جديدا في مجال النقد الأدبي العالمي بل إن نقاد الأدب الإسلامي بإمكانهم أن يطبقوا معاييرهم الأخلاقية بالإضافة إلي مقاييسهم الفنية علي الأدب العالمي. ويضرب الكاتب نموذجا تراثيا للأدب الإسلامي ونقده وهو كتاب ابن الجوزي – "تلبيس إبليس" وقد نهض ابن الجوزي بهذا العمل علي خير وجه، فبين أهم المزالق الأخلاقية والنفسية والاجتماعية التي يقع فيها العلماء والصوفية والوعاظ ومن بيدهم مقاليد أمور المسلمين وهم في نفس الوقت يحسبون أنهم يحسنون صنعا، وقال: إن هذا النص نادر وعلي درجة عالية من القيمة في مجال النقد الأدبي الإسلامي المنشود فهو لم يذهب مذهب الرفض القاطع للشعر أو للأدب ولكنه وضع بعض الأسس الهامة التي ينبغي أن تراعي في نظرة المجتمع وبصورة اخص في نظرة النقاد إلي الأدب الذي يتم إنتاجه في العالم الإسلامي وكذلك إلي الأديب الذي ينتج هذا الأدب ويدين ابن الجوزي تصرفات بعض الأدباء المسلمين ويرفض موضوعًا شاع في الأدب العربي وهو شكوى الزمان وذم الدهر. ومع ذلك يؤكد أن ابن الجوزي غابت عنه ملاحظاته على الشعر والأدب في غمرة المؤلفات الدينية التي وضعها ولم ينتبه نقاد الأدب العربي إلى قيمة هذا النص النادر في كتاب "تلبيس إبليس".