اختتم مؤتمر أدباء مصر - في دورته الخامسة والعشرين - فعالياته بمجموعة من التوصيات منها تأكيده علي الموقف الثابت والمبدئي لمثقفي وأدباء مصر برفض كل أشكال التطبيع والتعامل مع العدو الصهيوني، والتمسك بضرورة كفالة حرية التعبير ورفض جميع أشكال الوصاية علي الإبداع والفكر، والدعوة إلي التعامل مع الإبداع والثقافة وفق معاييرهما الخاصة. تابع الزميل عيد عبدالحليم المؤتمر وأعد التقرير التالي. المؤتمر تم افتتاحه بدار الأوبرا بحضور فاروق حسني وزير الثقافة ود. أحمد مجاهد - رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة - ود. أحمد زايد، رئيس المؤتمر، ود. جمال التلاوي أمين عام المؤتمر، وقد غاب عن الافتتاح د. عبدالعظيم وزير محافظ القاهرة المحافظة الراعية للمؤتمر. وقد كرم المؤتمر مجموعة من المبدعين هم فوزية مهران وطلعت الشايب ومحمد فريد أبوسعدة، والشاعر الراحل محمد صالح، ومن الوجه البحري محمد الدسوقي ومن الوجه القبلي أبوالقاسم الشريف، ومن الإعلاميين أحمد المريخي. وقد أقيمت باقي الفعاليات بقصر ثقافة الجيزة، وقد حمل المؤتمر عنوانا رئيسيا هو «تغيرات الثقافة.. تحولات الواقع». وقد بدأت الجلسات البحثية بمحاضرة للدكتور أحمد زايد أكد فيها: أن مفهوم الثقافة يشير إلي جماع المنتجات العقلية والفنية والعلمية، التي تميز شعبا من الشعوب، هذا ما إذا أخذنا الثقافة بالمعني الضيق، أما إذا ما أخذناها بالمعني السوسيولوجي الأوسع، فإنه يشمل كل أساليب الحياة من العادات والتقاليد، والمعتقدات والفنون، والمنتجات المادية وكل ما يتعلمه الإنسان بوصفه عضوا في الجماعة، وعلي ذلك فإن الثقافة هي في التحليل النهائي هي النسق المنوط به المحافظة علي استمرار المجتمع وعلي حفظ مكونات هويته وخصائصه المميزة. وأضاف د. زايد أن الثقافة هي تراث حي لا يسكن عند حالة معينة ولا يقف عند شواطئ محددة، بل يتغير علي نحو دائم، ويتفاعل مع المتغيرات الجديدة تفاعلا ديناميا وخلاقا، ولقد شهدت ثقافات العالم كله تحولات جذرية عبر مختلف المراحل التاريخية، والعولمة إذ تجمع العالم من أعلي في هياكل اقتصادية متشابهة، فإنها تفرقه من أسفل، أعني هنا عملية التمزيق الثقافي المستمر الذي تظهر تجلياته في صراعات عرقية ودينية وإقليمية وجندرية، وأحسب أن ساحة الثقافة تتحول في هذا الظرف إلي ساحة عراك حقيقي، بين التقليدي والحديث، والديني والعلماني، والمحلي والعالمي، والذكوري والأنثوي، والماضي والحاضر والشمال والجنوب. المثقف الآن وفي المحور الأول والذي جاء تحت عنوان «المثقف الآن» قدمت مجموعة من الأوراق البحثية منها «الثقافة ومفهوم المثقف الآن» للدكتور كمال مغيث والذي قدم فيه سؤالا مهما وهو: «المثقف المصري إلي أين؟» مؤكدا أنه أصبح من الضرورة بمكان اعتبار التقدمية والتجديد من أهم خصائص الثقافة، ومن ثم فإن التجديد الديني يعد أمرا بالغ الخطورة والتعقيد. وأضاف د. مغيث أن الظرف التاريخي يعد أحد المحددات المهمة لدور المثقف في المجتمع، فكلما زادت حدة الصراعات بين القديم والجديد، وزادت حدة التحديات والتغيرات التي يواجهها المجتمع، أصبح دور المثقف مطلوبا ومهما وأساسيا، وأيضا كان الثمن الذي يدفعه المثقف باهظا. وتحدث د. محمد علي سلامة عن «المثقف بين الموسوعية والتخصص» مشيرا إلي أن القرن الماضي اتسم بكون مثقفيه تحصنوا بثقافة موسوعية فظهر السياسي محمد حسين هيكل يكتب أدبا وفكرا إسلاميا، بالإضافة إلي ما تركه من مقالات في السياسة والفلسفة والفكر بصفة عامة، كما برز توفيق الحكيم في مجال الأدب، رواية ومسرحا، وإن كان أدبه لا يخلو من تأثر بالثقافة الموسوعية تاريخيا واجتماعيا وفلسفيا، وكذلك إبراهيم عبدالقادر المازني صاحب المؤلفات المتنوعة بين الأجناس الأدبية، سيرة وقصة وشعرا وفكرا فلسفيا مغلفا بغلاف الأدب، ويتضح في هذا النتاج الإلمام الواسع بعلوم إنسانية كثيرة، وخاصة الفلسفة وعلم النفس وعلم الاجتماع. وفي النصف الثاني من القرن الماضي ظهرت كوكبة أخري أمثال عبدالحميد يونس وسهير القلماوي وعبدالعزيز الأهواني ومصطفي سويف ولويس عوض ومحمد مندور، وكل منهم أسهم بفكره وثقافته الواسعة في شتي المجالات سواء في الكتابة الإبداعية أو النقدية أو الأدب الشعبي. أما د. وائل غالي فتحدث عن «التمثيلات الثقافية لتغيرات الواقع» مؤكدا أن «المستقبل» الذي رآه طه حسين في «مستقبل الثقافة في مصر» مازال صالحا إلي الآن بل إننا في حاجة ماسة لاستعادته خاصة في شرط الاستمرارية والانصهار المجتمعي بين فئات المجتمع وهو ما يشير إليه د. أنور عبدالملك في تأكيده علي «أقدمية التكوين القومي المتجانس». صراع الحضارات وجاء المحور الثاني: تحت عنوان «الأدب العربي نحو شراكة حضارية جديدة»، فتحدث د. خالد فهمي عن «إسهام الأدب المصري في الثقافة الإنسانية في ضوء المتغيرات المعاصرة» مؤكدا أنه بإمكان الأدب المصري المعاصر أن يقود قاطر التقدم والرقي في أرجاء الوطن، وتصديره للبلدان المجاورة من خلال فتح ملف «صورة المصري» بما هو عربي ومسلم وشرقي في العقل والوجدان الغربيين بالشكل الإيجابي، فالأدب المصري ورث تركة بالغة الثراء من رافدين أساسيين هما رافد الأدب المصري القديم «من مصر القديمة» التي توصلت إلي شيء من أسرار الكون والحياة، ورافد الأدب العربي الإسلامي الذي عبر عن التحولات التي أصابت النفس العربية في رحلة انتقالها من الجاهلية إلي الإسلام. وفي بحثه «الثقافة الوطنية وثقافة العولمة» أشار د. السيد إبراهيم إلي أن العولمة قد صنعت بالفعل عالما موحدا متشابها تلخصه كلمة «التنميط»، عالما مليئا بالتهديدات، لا هدف له سوي الاستهلاك، تكتسب فيه الثروة بالمضاربات أكثر مما تكتسب بالعمل والعرق ليعود العالم بذلك مرة أخري إلي شريعة الغاب وقانون الأقوي.