خلطة طارق جمعت بين السياسة والاقتصاد ولم تضحِ بالفقراء وأصحاب الودائع لحساب رجال الأعمال وقطاع الصناعة من أجمل ما قرأت عن الاقتصاد والاقتصاديين مقولة «الاقتصاد أخطر أن يترك للاقتصاديين» . ولذلك فى الأزمات الكبرى مثل وباء كورونا فإن الحل يجب أن يكون خلطة من الاقتصاد والسياسة ومصالح الفقير وحل أزمات رجال الأعمال. هذه الخلطة لا يمكن تحقيقها بقواعد الاقتصاد الحر أو الاشتراكى، فى الاقتصاد كما فى (البلنتى) لا يوجد سوى خاسر وفائز.حين تخفض سعر الفائدة يستفيد أهل الأعمال، ولكن سيدفع أصحاب الودائع الثمن، وإذا خفضت سعر الغاز أو الضرائب على أصحاب المصانع والأعمال ستدفع بهم للأمام، ولكنك ستجر الموازنة للخلف،وتقل استثمارات الصحة والتعليم، وهكذا الاقتصاد لعبة لها قواعدها وخسائرها وفاتورة يجب أن يدفعها شخص أو فئة ما، فى الاقتصاد الحر تدير جماعات الضغظ المختلفة لعبة الاقتصاد لتحقيق مصالحها.مثل لعبة شد الحبل التى كنا نلعبها فى طفولتنا. كل جهة سواء شركات أو قطاعات اقتصادية تحاول شد القرار الاقتصادى لصالحها، ولذلك آمنت بمقولة إن الاقتصاد أخطر أن يترك للاقتصاديين فقط، بل أضيف عليها فى حالة الوباء العالمى كورونا أن الأهداف الاقتصادية أيضا تتغير وليس بعض القواعد الاقتصادية فقط، ومن هذا المنطق فإننى أحيى وأثمن بالفعل الكثير من قرارات البنك المركزى محافظا ومجموعة عمل. والنكتة السائدة الآن: إن طارق عامر كان واقفاً جنب الباب قبل ما تدخل كورونا، والنكتة تعبر عن الإعجاب بالسرعة الشديدة والحاسمة التى تعامل بها طارق وفريقه مع أزمة كورونا، فقد سبق البنك المركزى المصرى بقراراته وإجراءاته العديد من البنوك المركزية فى العام المتقدم، وفى الوطن العربى. بالطبع التعامل السريع مع الوباء أو بالأحرى توابعه الاقتصادية والمالية والاجتماعية ميزة مهمة، ولكن ما أعجبنى هو الجرأة التى تميزت بها خلطة طارق وفريقه لمواجهة الأزمة وتوابعها، بالطبع أعرف مثل الكثيرين من أهل القطاع المصرفى والمهتمين أن طارق جرىء طول عمره، وقد تسببت هذه الجرأة فى بعض المشاكل، ولكن فى هذه المرة أو بالأحرى الأزمة فإن جرأة طارق تحسب له لا عليه. خلطة طارق تخالف القواعد المصرفية المستقرة، خفض الفائدة 3% وأبقى ذراعا المركزى (البنك الأهلى ومصر) سعر الفائدة على الشهادات، بل قدما منتجاً جديداً بعائد 15%. كيف تقل الفائدة ويزيد العائد؟ سؤال لم تجد له إجابة فى كتاب المصارف، ولكن ستجده فى خلطة طارق عامر وفريقه. مرة أخرى يتخذ طارق قراراً بوقف دفع الاستحقاقات، كل الاستحقاقات للبنوك لمدة 6 أشهر. لم يقصر طارق القرار على أصحاب الأعمال والمستثمرين بل على المواطنين العاديين. وهذا أيضا شىء لم تجده إلا فى خلطة طارق عامر ومن قبل قرارات الدكتور فاروق العقدة بعد ثورة يناير. البنوك وجدت أن دخلها توقف لمدة ستة أشهر حتى رسوم سحب الأموال عبر الفيزا تم وقفها، حتى رسوم العمليات الإلكترونية تم إلغاؤها، وهذا وضع عصيب ونادر فى البنوك، ولكن المحافظ مطمئن لقوة القطاع المصرفى. لم ولن تقع البنوك، ولكن بالتأكيد ستتأثر أرباحها السنوية، وبالمثل ستتأثر إيرادات البنك المركزى. وهذه نصيحة أو بالأحرى رسالة طارق عامر للبنوك. لم يقلها صراحة، لم يرسلها عبر قراراته شبه اليومية للتعامل مع الأزمة وتوابعها على اقتصاد كل المصريين. الرسالة أن الأرباح ليست الهدف الرئيسى فى عام الوباء، ولذلك قلت إن الأزمات الكبرى تتطلب تغيير الأهداف. العبور بأمان كوطن ومواطنين والحفاظ على الوظائف هم الأهداف التى تحتل أولوية أجندة محافظ البنك المركزى وفريقه. ربما تخسر البنوك المتوسطة نصف أرباحها السنوية، وربما تعانى البنوك الصغيرة، ولذلك أرجو من طارق وفريقه الاطمئنان على أوضاع البنوك الصغيرة، أما البنوك الكبرى (عامة أو خاصة) فالأمر يختلف.لقد حققت هذه البنوك أرباحا خرافية على مدى سنوات. ووقفت البنوك مع المجتمع فى أزماته، ولكن هذه المرة هى رد الجميل لكل المصريين. لا أتحدث فقط على تبرعات ومساهمات هذه البنوك لصندوق تحيا مصر خلال مواجهة الوباء، بل أتحدث صراحة عن التنازل عن تحقيق أرباح فى مستوى الأعوام الماضية لمساندة مصر. هذه رسالة لكل الجمعيات العمومية للبنوك، رسالة لكل رؤساء البنوك. الربح الوحيد هو إنقاذ مصر وأهلها واقتصادها ومستقبلها، ولذلك لم تلتزم عدد من قرارات طارق عامر بقاعدة تحقيق الربح المالى.القرارات تريد إنقاذ الجميع أو على الأقل تقديم الدعم للجميع. خفض جرىء للفائدة تستفيد منه الحكومة من خلال خفض الدين العام وخفض تكلفة سندات وأذون الخزانة، ويستفيد أيضا من الخفض رجال الأعمال. والإبقاء على فائدة ودائع الثلاث سنوات ب12% دون خفض لصالح الطبقة المتوسطة، وشهادة ال15% إنقاذ سريع لأصحاب الودائع من أهلنا أصحاب المعاشات، وقطاع عائلى كبير يعيش على فوائد الودائع والشهادات، نحن إذن لسنا أمام اقتصاد شد الحبل، بل اقتصاد يصنع من الحبل دائرة يتعلق بها الجميع فى كارثة وباء. النصيحة أو الرسالة الأخرى لطارق عامر من خلال إجراءات عديدة هى أن يقاطع المواطن الذهاب لفروع البنوك. إجراءات طارق هى تطبيق عملى لمقولة (خليك فى البيت) زيادة حد السحب من ماكينات الصرف، إلغاء الرسوم على السحب من بنك غير بنكك..زيادة الحد الأقصى للتعامل من خلال التليفون أو التعاملات المصرفية الإلكترونية. التعامل على شهادة ال15% من خلال الإنترنت. كل هذه إجراءات تبعد المواطن عن فرع البنك والخروج من بيته، وتخلخل الزحام فى الفروع وفى الشوارع. وقد كانت هذه الإجراءات سريعة ومتتالية حتى توقع البعض أن هناك قرارا قادما بإلغاء الفروع أمام المواطنين. وهو ما لم يحدث.وبالتأكيد فى جعبة طارق وفريقه إجراءات أخرى أو بالأحرى مساهمات أخرى. شكرا طارق عامر وفريقه.