بدت التسريبات همساً حول مقايضة مقبلة في خريطة الوجود الأجنبي في سوريا، وهو ما يؤسس لخارطة طريق ترسمها أمريكاوروسيا في ضيافة إسرائيلية أواخر هذا الشهر من أجل تحقيق مصالح تتقاطع بين أضلاع المثلث حرصاً من واشنطن على وضع استراتيجية عمادها الأول تحجيم إيران، وتلقيم أذرعها. الأمر معلن في العاصمة واشنطن كما في موسكو "الاجتماع في القدسالغربية" يضم رؤساء مجلس الأمن القومي الأمريكي جون بولتون، ونظيريه الروسي نيكولاي باتروشيف، والإسرائيلي مئير بن شبات. ما يراد له من ترتيبات في سوريا يعني أن شرطه تحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة، وفي سوريا خصوصاً، وهو ما بات قيد الإعداد والترتيب، بالشراكة الكاملة مع روسيا المفترض أنها حليف استراتيجي لدمشق. الطابع الأمني للاجتماع يبقى طي الكتمان، إلا أن هدفه المعلن إبلاغ طهران بشكل مباشر وجلي، أن العالم، بما في ذلك حليفها، ذاهب بجدية للتعامل مع سلوكها الشاذ في العالم، بحسب ما ذكر الكاتب في صحيفة "العرب" محمد قواس. تأتي "الورشة الثلاثية" المقلقة بطبيعتها لإيران تنفيذاً لتفاهمات جرت على مستوى الرئيسين، الروسي فلاديمير بوتين، والأمريكي دونالد ترامب، خلال اجتماعهما الشهير في هلسنكي يوليو (تموز) 2018 للعمل على ضمان أمن إسرائيل، بما يخصّب الاجتماع بجدية مستوحاة مما أبداه الروس والأمريكيون، على الرغم من خلافاتهما الكبرى في ملفات دولية أخرى. ولا تستجيب موسكووواشنطن للمزاج العربي الذي طالما كرر المطالبة بخروج إيران من سوريا، بل هذه المرة تستجيب الأطراف لتفاهمات خاصة بجانب الإسرائيلي. وتراقب طهران الورشة الأمريكية الروسية الإسرائيلية بألم من "التواطؤ الروسي" العلني الذي وفّر بيئة حاضنة للعمليات العسكرية الإسرائيلية، التي لا تنتهي، ضد مواقع إيران وميليشياتها في سوريا، كلما ارتأت تل أبيب أنها تمثل خطراً على أمن إسرائيل. وتراهن إسرائيل على الوقيعة بين طهرانوموسكو بالتعويل على أن المصالح الروسية الإسرائيلية المشتركة تفوق مصالح روسياإيران، وترجح مصادر مقربة أن يلعب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو على وتر التوسط لدى الولاياتالمتحدةالأمريكية لإلغاء العقوبات عن موسكو، والحد من تطور دور حلف الناتو وتقدمه في شرق أوروبا و لاسيما أوكرانيا مقابل التحول الروسي ضد النفوذ الإيراني الممتد من العراقسوريا ولبنان وهي الصفقة التي تبدو مواتية للمصالح الروسية في سوريا. تسريبات الاجتماع الثلاثي الأمريكي الروسي الإسرائيلي، تحدثت عن خارطة طريق يتم من خلالها تعامل الغرب مع المقاربة الروسية لمستقبل سوريا، بما في ذلك التعامل مع نظام دمشق وفق صيغة للحل تكون المعارضة جزءاً منها، بالإضافة إلى الانخراط بالجهد المالي المطلوب لإعادة الإعمار. العرض الذي تقدمه واشنطنلموسكو يكسر محرماً ويفصح عن استراتيجية أمريكية أوروبية عمادها الاعتراف بالدور الروسي في المستقبل السوري، وهو أمر لا يمكن إلا أن يرسم ابتسامة انتصار على وجه زعيم الكرملين بوتين، فيما يستمر الكرملين بنفي ما يشاع عن هذه المقايضة بحسب ما ذكر "المركز العربي للبحوث والدراسات". وعلى الأراضي السورية تملك موسكو القدرة على ضبط نفوذ إيران، وتحركات روسيا في سوريا ضد ميليشيات العسكر والأمن الموالية لطهران باتت حديثاً يومياً هناك. لكن السؤال هل تريد موسكو ذلك؟ هذا ما تقرره طبيعة الصفقة المقبلة وما ستناله روسيا بالمقابل. تراهن الولاياتالمتحدةوروسيا على اللقاء المنتظر عقده لتحقيق اختراق في الأزمة السورية، خاصة وأن العمل العسكري بات في مراحله الأخيرة من خلال الحملة التي تشن حالياً في آخر معاقل الفصائل المعارضة في شمال غرب البلاد. وكان المبعوث الأمريكي الخاص للشؤون السورية، جيمس جيفري، رد في وقت سابق على تقارير تداولتها وسائل الإعلام حول اعتراف الولاياتالمتحدة بالرئيس السوري بشار الأسد، مقابل ضغوطات روسية على إيران بأنها "غير صحيحة". ويقول المحللون إنه "بالرغم من الأصوات المنبعثة من هنا وهناك والتي تدين العملية العسكرية في إدلب، هناك شعوراً بوجود اتفاق دولي ضمني على ما يحدث في المحافظة وجوارها، وقناعة بأن حسم المعركة في تلك البقعة لا يمكن أن يتم إلّا بعمل عسكري في ظل وجود تنظيمات مسلحة تسيطر عليها". وسعى ماكرون لإقامة حوار مع موسكو من خلال مجموعة اتصال تضم ست دول، دون أن ينجح في جهوده، ورأى السفير الفرنسي السابق في سوريا والمستشار الخاص لدى معهد "مونتينه" للدراسات ميشال دوكلو، أن الأسرة الدولية تعاني منذ وقت طويل من "إحساس بالعجز" و"في هذه الحالة، يفضّل تحويل الأنظار في اتجاه آخر". وإذا ما قررت موسكو ضبط إيران في سوريا، فيجب ألا ننسى أن بوتين ليس وحده وهو يستفيد جداً من ضغوط واشنطن التي يعاندها العالم ضد إيران، وأنه قد يحصد في الحقل السوري ثمار ما تواطأ العالم على فلاحته.