رجلان يرتديان الزي الأزهري، يجلسان في مكتب زجاجي صغير، بإحدى محطات مترو الأنفاق، يستقبلان عدداً من الأشخاص، يشرحان له رأي الدين في مشكلة ما من المشاكل الحياتية. المكتب الذي يجلس به الرجلان، هو مقر للجنة الفتوى التابعة للجامع للأزهر، أقيم بمحطة مترو أنفاق الشهداء بالقاهرة، ضمن بروتوكول تم توقيعه بين هيئة مترو الأنفاق ومجمع البحوث الإسلامية. المجمع قال إن "العمل دعوي وأن الأكشاك هدفها سرعة التواصل مع المواطنين وأكبر قطاع منهم، وحصولهم على فتاوى صحيحة وأن الأمر يأتي ضمن خطة كبرى يعمل عليها المجمع لنشر الفكر الصحيح ومواجهة المتطرف والتفسيرات الخاطئة للنصوص الدينية في كل بقاع مصر". وأعلنت وزارة النقل، في يوليو الماضي، عن التعاون مع لجنة الفتوى في مجمع البحوث الإسلامية، في إنشاء كشك لتلقي طلبات الفتوى من المواطنين بالمترو، وكانت أول تجربة للكشك في محطة الشهداء بمترو الأنفاق. المتحدث باسم مترو الأنفاق، أحمد عبد الهادي، قال في بيان له: "تأتي التجربة تلبية لاحتياجات الناس المعرفية، وحاجاتهم للإجابة عن الأسئلة المرتبطة بواقع حياتهم، ومواجهة الفتاوى المضللة، التي تحاول بعض التيارات المتطرفة الترويج لها بأشكال ووسائل مختلفة، ويعمل مجمع البحوث على بيان معالم التيسير في الإسلام ومراعاته لواقع الناس ورفع الحرج عنهم". الكشك أثار جدلًا كبيرًا بين مؤيد للفكرة كوسيلة لخدمة الجمهور، ومحاربة الأفكار المتطرفة، ومعارض لها يرى أن هناك أمورًا أكثر أهمية كان يجب الاعتناء بها. يقول خالد عبد الله – 23 عامًا، بمحطة مترو الشهداء، إن الفكرة جيدة، لأنه كثيرًا ما تراوده أسئلة حول قضايا دينية، وفكرة الأكشاك سهلت عليه الحصول على الأجوبة. بينما قال حسن إبراهيم، 32 عامًا، إنه كان يفضل وجود حمامات أو علب قمامة أو منافذ أفضل لتوفير الوقت لبيع التذاكر أو إجراءات لمنع التحرش الجنسي بدلاً من أكشاك الفتوى. الحقوقي ومدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الانسان جمال عيد، طالب بوجود تدابير أخرى لمواجهة الإرهاب، مستبعدًا أن يكون للأكشاك أي فعالية في ذلك. في حين هاجم الدكتور خالد منتصر، الأكشاك قائلًا: "الفضاء العام للمسلم والمسيحي والمواطن المصري، ولا يصح أن نعرض الجدل في محطة المترو، والأمر ليس ملحًا، فهل يسمح بكشك للمسيحي والشيعي والبهائي؟ الحكومة تزايد وكأن على رأسها بطحة، فتقول نحن متدينين وورعين". وأشار إلى أن "كشك الفتوى مقدمة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويسحبنا بعيدًا عن الدولة المدنية، باتجاه دولة دينية". وتابع أن هذه الأفكار "تنم عن أشخاص لا يعرفون قيمة البلد، يريدون تسليمها للمؤسسة الدينية لترعى فيها كيفما تشاء وأن السلطة الدينية في مصر تتسع وتمتد أمام الدولة المدنية التي تتقلص". صحيفة الجارديان البريطانية، قالت إن الأكشاك التي افتتحتها مصر، في محطات مترو الأنفاق، أثبتت شعبيتها في أوساط المصريين الذين يمرون عبر محطة المترو. ولفتت إلى أن المواطنين الذين يمرون من المحطة المزدحمة، يصطفون للجلوس مع مجموعة من علماء الدين داخل كشك أخضر مزخرف، محمي من صخب المترو. محيي الدين عفيفي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، انتقد الهجوم على أكشاك الفتوى قائلًا: إن ما يقوم به الأزهر يخدم مصالح الأمة ومواطنيها، فمن غير الأزهر سيواجه العنف والتيارات الدينية المتشددة ويحمي الأمة من أقوالهم وأفكارهم. الجدل الدائر بين أزهريين وخبراء والمواطنين العاديين حول مدى فاعلية تلك الأكشاك، وصل إلى البرلمان، الذي انقسم بين مؤيد ومعارض. أمين سر اللجنة الدينية بمجلس النواب، عمرو حمروش، رحب بالفكرة، واعتبرها متأخرة، وتمنى أن يتم تعميمها في جميع وسائل المواصلات حتى الطائرات؛ لنشر سماحة الإسلام والفكر الوسطي، والبعد عن التشدد والتطرف. من ناحيته، استنكر النائب البرلماني محمد أبو حامد، الفكرة واصفًا إياها ب"العبثية والسطحية". الدكتور محيي الدين عفيفي، قال إن لجنة الفتوى بمترو الأنفاق أجابت على 2850 فتوى خلال 32 يومًا، وأن اللجنة أنشئت تلبية لمطالب الناس وشهدت تنوعا في الأسئلة، منها ما يتعلق بالأحوال الشخصية كالزواج والطلاق، وسجل الأخير النسبة الأكبر في عدد الأسئلة الواردة إلى اللجنة بواقع 17% من الإجمالي بما يعادل 480 سؤالًا، وهو ما يجعل منه قضية مجتمعية تحتاج إلى مواجهتها، في حين جاءت الأسئلة المتعلقة بالعبادات في المرتبة الثانية بنسة بلغت 16 بالمائة. وزارة النقل أعلنت إغلاق الأكشاك، الموجود في محطة المترو، بعد حديث عن فشلها في تحقيق أي تقدم في مواجهة الأفكار التي أنشئت بسببها، بالإضافة إلى تأكيد عدم فاعليتها، وأنها أنهت البروتوكول الموقع مع مجمع البحوث الإسلامية لتشغيل الأكشاك بعد انتهاء المدة الرسمية له.