استيقظ، يوم الخميس على رائحة هواء الفجر الشافي للروح، بادئًا دقائقه الأولى في أول أيام إجازته المشئومة بالتجهز لصلاة الفجر قبل الخروج من بيته الواقع في محافظة الجيزة للقاء أصدقائه. خرج من بيته حاملًا حقيبته على ضهره، متجهًا إلى عروس البحر الأبيض المتوسط في رحلة لمدة ثلاثة أيام مع أصدقائه وفقًا لإجازته من عمله ب "بنك فيصل"، على أن يعود مرة أخرى وسط زملائه وعائلته وعمله.
وصل محمد خالد صاحب ال23 عامًا وأصدقائه إلى الإسكندرية، حيث قضى محمد وزملائه يومي الإجازة "الخميس والجمعة" بين شواطيء الإسكندرية وشوارعها المضيئة، وفي اعتقادهم أن إجازتهم انتهت بسلام ولكن من يترك عروس البحر دون توديعها الوداع الأخير.
قرر محمد توديع شاطيء النخيل أو "شاطيء الموت"، بالتعبير الأصح قبل ذهابه، دون أن يعلم أنه في الأصل قرر توديع أصدقائه وأهله دون رجعة.
وبدأ اليوم المشئوم وهو يوم السبت المقرر عودته هو وأصدقائه إلى حياتهم، بنزول محمد البحر إلى شاطيء الموت "النخيل"، راميًا نفسه وسط أحضان المياه وفارغًا همومه حتى تأخذها الأمواج بعيدًا ويعيش في رحاب السعادة، لكنه وصل إلى منطقة الصخور التي تسحب كل من يقترب منها بين فجواتها ودوامتها التي لا مفر منها، لم يستطع الاستنجاد بأصدقائه حيث سحبته الدوامة أسفل الصخور التي أصبحت هي مثواه الأخير الذي لم يسطتع الخروج منه مهما حاول.
بالرغم من موته ومعاناته أثناء محاولة الإفلات من هذه الصخور قاسية القلب التي لم تستمع لصرخاته وضيق نفسه، إلا أنه قرر لمحمد المعاناة أكثر وأكثر ولكن هذه المرة من المسئولين الذي تحجر قلبهم أكثر من الصخور، حيث ظل في أحضان البحر "محشورًا" بين الصخور لمدة 3 أيام بسبب شدة أمواج البحر حزنًا على ما حدث، حتى استطاعوا إخراجه صباح اليوم حتى يودعه أهله وأصدقائه هذه المرة ذاهبًا إلى مثواه الأخير الحقيقي.
لم يكن في يد أسرة محمد حيلة؛ لانقاذ جسد ابنهم المتوفي من بين صخور شط النخيل، فقط جلسوا أمام الشاطيء على وجوههم ترتسم ملامح الألم، غير قادرين على فعل شيء أمام هذا المشهد القاسي.
البداية انتشرت الأنباء عن الحادثة عندما لجأ الدكتور زكريا الشريف، والذي كان "محمد" أحد طلابه في جامعة القاهرة، إلى مواقع التواصل الاجتماعي بعد أن فشلت كافة محاولاته لانقاذ طالبه المثالي.
ويقول دكتور"شريف" في حديثه ل"الفجر": "عندما علمت بوفاة محمد، تحدثت إلى زملائه أبلغوني أن جسد محمد منحصر ما بين الصخور، وشرطة الانقاذ الميري على الشاطيء غير قادرة على إخراجه".
مساعي جهود الانقاذ وتابع: "تم استدعاء قوات الحماية المدنية، وبعد العديد من المحاولات فشلت القوات في إخراج محمد، نظرًا لشدة الموج، وعدم وجود معالجة منطقية للوضع"، حسبما ذكر.
وأضاف "شريف" أنه تحدث إلى قائد الحماية المدنية والذي كان رده أنه بالفعل يفعل ما في وسعه وفي سبيل ذلك تعرض رجاله إلى إصابات بسبب الأمواج.
وقال "شريف" إن القوات انتظرت بعد ذلك على الشاطيء أن تهدأ الأمواج حتى يستطيعوا إخراج محمد، وانتهى يوم السبت وجسد محمد ما زال عالقًا بين الصخور.
وأوضح أنه حاول أن يحصل على "ونش"؛ لرفع الصخور عن جسد محمد، حيث أنها الطريقة الوحيدة لسرعة إخراجه، إلا أنه لم يجد صدى لتلك المحاولات، قائلًا: "تحدثت إلى المسؤولين في شركة مقاولات كبرى لإحضار ونش لإزالة الصخور، إلا أنهم أبلغوني أن قوات الحماية المدنية والبحرية لديهم بالفعل كافة المعدات".
وقال "شريف" إنه في النهاية تم بالفعل انتظار هدوء الأمواج، وتم إخراج محمد اليوم بالطريقة التقليدية ذاتها دون وجود آلات مساعدة، حيث كان هناك احتمال أيضًا بعدم نجاحها، لافتًا إلى أنها ليست المرة الأولى التي تتسبب فيها تلك الصخور من انهاء حياة شخص.
استنكار وتابع "شريف" حديثه مستنكرًا: "في العام الماضي في المكان ذاته على شاطيء النخيل تم إنقاذ كلب عالق بين الصخور باستخدام المعدات الثقيلة وهو ما تقاعس بعض المسئولين عن إنقاذ محمد".