أصدرت المحكمة الإدارية العليا حكما ببراءة سبعة عشر موظفا بهيئة البريد بمكتب بريد اشمون من تهمة الاضراب عن العمل خلال الفترة من 23/2/2014 وحتى 27/2/2014. وبهذا الحكم، أرست المحكمة مبدأ هاما وهو أن الاضراب السلمي حق لا يجوز العقاب على استعماله، حتي ولو لم ينظمه المشرع. صدر الحكم برئاسة المستشار الدكتور محمد ماهر ابو العنين نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية كل من المستشار الدكتور حسني درويش والمستشار عبد الفتاح الكاشف، و المستشار أسامة حسنين، والمستشار سعيد عبد الستار، والمستشار هشام عزب نواب رئيس مجلس الدولة، وحضور مفوض الدولة المستشار جوزيف ناجح وكيل مجلس الدولة. وأقامت المحكمة حكمها على أن حق الاضراب نص عليه الدستور في المادة (15) منه، وأوجب على المشرع تنظيم هذا الحق إلا أن المشرع لم يتدخل لتنظيم الإضراب في المرافق العامة أو فى نطاق الوظيفة العامة بصفة عامة، وكان يجب عليه التدخل بالتنظيم في قانون الخدمة المدنية، فإذا لم يفعل وتبين من الأوراق أن الموظفين المتهمين لم يتجاوزوا حدود استعمال هذا الحق وقاموا بالإضراب لمطالب وظيفية مشروعة منها زيادة البدلات والحوافز ، وقد استجابت لهم جهة الإدارة فعلا وقامت بزيادة الحوافز واحتسبت أيام الاضراب إجازة اعتيادية من رصيد إجازاتهم، فلا يمكن مجازاتهم عن استعمال حق قرره الدستور وهو حق الاضراب، حيث لم يتم إساءة استعمال هذا الحق من قبل الموظفين، فقد ثبت أن الاضراب كان جزئيا ولم يكن كليا، وكانت أعمال المكتب تسير بصورة عادية، وشهدت الإدارة أن الإضراب كان مهنيا، ولم يكن له علاقة بأي تنظيم سياسي، وعليه فلا وجه لمساءلتهم تأديبيا عنه . وذهبت المحكمة لمناشدة المشرع التدخل لتنظيم هذا الحق في قانون الخدمة المدنية، حيث أن قانون العمل تضمن تنظيما لهذا الحق، فأصبح واجبا على المشرع التدخل لتنظيم هذا الحق في نطاق الخدمة المدنية على نحو يضمن التوازن بين هذا الحق وعدم إساءة استعماله أو الانتقاص منه من ناحية، وبين دوام سير المرافق العامة بانتظام وإطراد، ولحين أن يتدخل المشرع بهذا التنظيم فإن المحكمة ترى أن الضوابط الأساسية للإضراب السلمي غير المعاقب عليه، تدور حول عدة قواعد وأسس منها أن تكون المطالب التي نظم الاضراب من أجلها مطالب مشروعة ترتبط بالوظيفة العامة وليست لها صبغة سياسية، ويتعين لجوء الموظف لجهة الإدارة أولا بالوسائل القانونية المشروعة كالتظلم ومخاطبة السلطات العامة لتنفيذ هذه المطالب، وأن تتم المفاوضة حولها، وأن يتم إخطار الجهة الإدارية بالإضراب قبل الشروع فيه بوقت كاف، وأن تعطي الجهة الادارية مهلة لبحث هذه المطالب والرد عليها، وأن يبدأ الاضراب بصورة متدرجة بأن يكون جزئيا قبل أن يكون إضرابا شاملا، وأن تكون هناك بدائل لمعالجة الحالات المستعجلة التي لا يجوز تجاهلها بالإضراب حتى لا تتعطل مصالح المواطنين، مع وجوب الإشارة إلى أن المشرع لم يحدد الوظائف التي يمتنع فيها الاضراب لمساسها بسير المرافق العامة وبمصالح المواطنين مساسا مباشرا فإذا التزم العمل بهذة الضوابط والأصول العامة عند ممارسته لحق الاضراب ولم يرتبط الاضراب بأي نوع من انواع العنف فلا يجوز معاقبة الموظف على هذا الحق الذي اباحة له الدستور ولا يجوز القول بأنه مادام المشرع لم ينظم هذا الحق تعين وقف استعماله لأن في ذلك مصادرة لحق نص عليه الدستور وهذا لا يجوز .