أرست المحكمة الإدارية مبدأ مهما وهو أن الإضراب السلمي حق لا يجوز العقاب على استخدامه حتي ولو لم ينظمه القانون، وأصدرت المحكمة حكما ببراءة 17 موظفا بهيئة البريد بمكتب بريد أشمون من تهمة الإضراب عن العمل خلال الفترة من إلى 23 إلى 27 فبراير 2014. وأقامت المحكمة حكمها على أن حق الإضراب نص عليه الدستور في المادة (15) منه وأوجب علي المشرع تنظيم هذا الحق إلا أن المشرع لم يتدخل لتنظيم الإضراب في المرافق العامة او في نطاق الوظيفة العامة بصفة عامة وكان يجب عليه التدخل بالتنظيم في قانون الخدمة المدنية فإذا لم يفعل وتبين من الاوراق أن الموظفين المتهمين لم يتجاوزوا حدود استعمال هذا الحق وقاموا بالإضراب لمطالب وظيفية مشروعة منها زيادة البدلات والحوافز. وقد استجابت لهم جهة الإدارة فعلا وقامت بزيادة الحوافز واحتساب أيام الإضراب إجازة اعتيادية من رصيد إجازاتهم فلا يمكن مجازاتهم عن استعمال حق قرره الدستور وهو حق الإضراب، حيث لم يتم اساءة استعمال هذا الحق من قبل الموظفين، فقد ثبت ان الاضراب كان جزئيا ولم يكن كليا وكانت أعمال المكتب تسير بصورة عادية وشهدت الإدارة ان الاضراب كان مهنيا ولم يكن له علاقة بأي تنظيم سياسي، وعليه فلا وجه لمساءلتهم تأديبيا عنه. وذهبت المحكمة الي مناشدة المشرع التدخل لتنظيم هذا الحق في قانون الخدمة المدنية حيث ان قانون العمل تضمن تنظيما لهذا الحق فأصبح واجبا علي المشرع التدخل لتنظيم هذا الحق في نطاق الخدمة المدنية علي نحو يضمن التوازن بين هذا الحق وعدم اساءة استعماله او الانتقاص منه من ناحية وبين دوام سير المرافق العامة بانتظام واطراد. والي حين ان يتدخل المشرع بهذا التنظيم فإن المحكمة تري ان الضوابط الاساسية للإضراب السلمي غير المعاقب علية تدور حول عدة قواعد وأسس منها ان تكون المطالب التي نظم الاضراب من أجلها مطالب مشروعة ترتبط بالوظيفة العامة وليست لها صبغة سياسية ويتعين لجوء الموظف الي جهة الادارة اولا بالوسائل القانونية المشروعة كالتظلم ومخاطبة السلطات العامة لتنفيذ هذه المطالب وان تتم المفاوضة حولها وان يتم اخطار الجهة الادارية بالإضراب قبل الشروع فيه بوقت كاف وان تعطي الجهة الإدارية مهلة لبحث هذه المطالب والرد عليها وان يبدأ الاضراب بصورة متدرجة بأن يكون جزئيا قبل ان يكون اضرابا شاملا وان تكون هناك بدائل لمعالجة الحالات المستعجلة التي لا يجوز تجاهلها بالإضراب حتى لا تتعطل مصالح المواطنين. مع وجوب الاشارة الي ان المشرع لم يحدد الوظائف التي يمتنع فيها الاضراب لمساسها بسير المرافق العامة وبمصالح المواطنين مساسا مباشرا فإذا التزم العمل بهذة الضوابط والأصول العامة عند ممارسته لحق الاضراب ولم يرتبط الاضراب بأي نوع من انواع العنف فلا يجوز معاقبة الموظف علي هذا الحق الذي اباحة له الدستور ولا يجوز القول بأنه مادام المشرع لم ينظم هذا الحق تعين وقف استعماله لأن في ذلك مصادرة لحق نص عليه الدستور وهذا لا يجوز .