أذعنت ايطاليا لضغوط عالمية في مسعى لوقف هبوط للاسواق قد يعرض الاقتصاد العالمي للخطر اذ تعهدت بتسريع وتيرة اجراءات التقشف والاصلاحات الاجتماعية مقابل الحصول على مساعدة تمويلية من البنك المركزي الاوروبي. ومحت المخاوف بشأن احتمال تجدد الركود في الولاياتالمتحدة وانتشار أزمة ديون منطقة اليورو -التي تحدق حاليا باقتصادي ايطاليا واسبانيا الكبيرين- 2.5 تريليون دولار من القيمة السوقية للاسهم العالمية هذا الاسبوع.
وساعد تقرير الوظائف الامريكية الذي أظهر نموا أفضل من المتوقع في يوليو تموز على انتعاش الاسهم الامريكية لكن الاسهم تراجعت اواخر التعاملات يوم الجمعة.
وبعد موجة محمومة من الدبلوماسية الهاتفية قال رئيس الوزراء الايطالي سيلفيو برلسكوني ان حكومته ستعجل بتطبيق تخفيضات هدفها الوصول الى ميزانية متوازنة بحلول عام 2013 اي قبل عام من الموعد المقرر والمضي قدما في تنفيذ اصلاحات لنظم الرعاية الاجتماعية وسوق العمل.
وقال برلسكوني في مؤتمر صحفي بعد يوم من المكالمات الهاتفية مع زعماء العالم ومنهم المستشارة الالمانية انجيلا ميركل ووزير الخزانة الامريكي تيم جايثنر "نرى انه من المناسب التعجيل بتطبيق الاجراءات التي قررناها في الاونة الاخيرة في قانون تخطيط الميزانية حتى يمكننا الوصول الى هدفنا موازنة الميزانية في موعد مبكر بحلول عام 2013 بدلا من 2014."
وقالت مصادر مطلعة لرويترز ان البنك المركزي الاوروبي طالب بمثل هذه الاجراءات مقابل شراء السندات الايطالية لتخفيف الضغوط على روما.
ولم يرد على الفور تعقيب على المسألة من البنك المركزي الاوروبي لكن متحدثا باسم المفوضية الاوروبية قال ان هذه الاجراءات استجابة لتقييمات عبر عنها في وقت سابق اليوم أولي رين مفوض الشؤون الاقتصادية والنقدية في الاتحاد الاوروبي.
ولم تتأثر الاسواق بخطة تقشف قيمتها 48 مليار يورو أقرتها حكومة برلسكوني وهو ما يرجع جزئيا الى أن الاجراءات الاكثر أهمية في الخطة لن تطبق الا بعد الانتخابات المزمع اجراؤها في عام 2013 وذلك لاسباب سياسية.
وعقد زعماء ألمانيا وفرنسا واسبانيا محادثات لبحث الازمة يوم الجمعة بعدما دعت الصين واليابان الى تعاون عالمي لوقف الهلع في الاسواق. وقال مكتب الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ان ساركوزي سيتحدث الى الرئيس الامريكي باراك اوباما يوم الجمعة بشأن اضطرابات الاسواق هذا الاسبوع.
وتسبب الخلاف بين صناع السياسة الاوروبيين بشأن كيفية منع امتداد الازمة الى ايطاليا واسبانيا في خيبة أمل بين المستثمرين الذين تساورهم مخاوف أيضا من احتمال تجدد الركود الاقتصادي في الولاياتالمتحدة.
وعلى وجه الخصوص خيب البنك المركزي الاوروبي امال الاسواق حين اشترى سندات أيرلندية وبرتغالية فقط وامتنع عن شراء سندات ايطاليا واسبانيا التي قفزت عوائدها هذا الاسبوع بسبب مخاوف من أن يحتاج البلدان الى مساعدات لانقاذهما.
وقال بنك بيرينبرج الخاص في مذكرة تعكس القلق العالمي "هلا تحلى البنك المركزي الاوروبي بالجدية ... نريد قاطع تيار لايقاف الدوامة التي يتغذى فيها الخوف على الخوف."
ويحجم البنك المركزي الاوروبي عن مساعدة ايطاليا واسبانيا ثالث ورابع أكبر اقتصاد في منطقة اليورو لاجبارهما على تشديد اجراءات التقشف.
وكرر أولي رين مفوض الشؤون الاقتصادية والنقدية في الاتحاد الاوروبي دعوة الصين واليابان الى تحرك منسق.
وقال رين في مؤتمر صحفي بعد أن قطع عطلته وعاد الى بروكسل "تنسيق السياسة الدولية من خلال مجموعة السبع ومجموعة العشرين له أهمية كبرى."
ودعت بريطانيا الى "جهد دولي منسق" يبين أن الحكومات ستعمل معا لتفادي أزمة مالية. وحثت البرازيل على الوحدة قائلة ان الاقتصاد العالمي "في حالة ضغط."
وقد أعاد البنك المركزي الاوروبي يوم الخميس تفعيل برنامجه لشراء السندات في محاولة للتصدي لازمة الديون السيادية المتفاقمة في منطقة اليورو لكنه لم يشتر الا سندات برتغالية وأيرلندية. وحتى هذه الخطوة لقيت معارضة من أعضاء ذوي نفوذ في المركزي الاوروبي.
وقالت مصادر في المركزي الاوروبي لرويترز ان أربعة من أصل 23 عضوا في مجلس محافظي البنك ومن بينهم محافظ البنك المركزي الالماني القوي ينز فايدمان صوتوا برفض قرار استئناف مشتريات السندات.
وقال متعاملون ان البنك المركزي تدخل لليوم الثاني يوم الجمعة لكنه لم يشتر سوى سندات البرتغال وأيرلندا. وانحسرت الضغوط على سندات ايطاليا ودول أخرى في أطراف منطقة اليورو لكن عائدات السندات الايطالية العشرية فاقت عائدات نظيراتها الاسبانية للمرة الاولى منذ مايو ايار عام 2010 وظل كلاهما فوق ستة بالمئة مما يؤكد مخاوف المستثمرين بشأن الحاجة الى تحرك.
وكتب رئيس الوزراء اليوناني جورج باباندريو في رسالة الى رئيس المفوضية الاوروبية جوزيه مانويل باروزو مرددا تقديرات ذكرها باروزو نفسه في وقت سابق هذا الاسبوع "التطورات الاخيرة تعكس في الاساس تزايد الشكوك بشأن قدرة منطقة اليورو بأكملها على التعامل مع الازمة الراهنة."
وقال مستثمرون ان الخلافات بشأن السياسات بين حكومات الاتحاد الاوروبي ومحافظي البنوك المركزية تذكي القلق بشأن رغبة أوروبا في القضاء على أزمة الديون.
وقال جورج شوه مسؤول الاستثمار في دي.بي ادفايزرز ذراع ادارة الاصول التابعة لدويتشه بنك "في أوروبا.. البنوك المركزية والحكومات لا تسير بعضها بمحاذاة بعض." وأضاف أن الاسابيع الاربعة أو الستة المقبلة ستكون حاسمة.
فاتخاذ قرار بانقاذ اسبانيا من شأنه اختبار أقصى قدرات صندوق الانقاذ الحالية بينما انقاذ ايطاليا سيفوق قدراته لكن رين أصر على أن البلدين لن يحتاجا الى مساعدة.
وفي اليابان قال وزير المالية يوشيهيكو نودا ان صناع السياسة العالمية عليهم التصدي لاختلالات العملات وأزمات الديون والمخاوف بشأن الاقتصاد الامريكي.
وقال للصحفيين بعد يوم من تدخل اليابان في السوق لبيع الين "أوافق على أنه ينبغي بحث هذه المسائل ... كل مشكلة مهمة لكن كيفية ترتيب أولوياتها هو أمر يجب بحثه."
وباعت اليابان الين يوم الخميس للحد من صعود العملة الذي يجعل المصدرين اليابانيين في وضع صعب. وتردد في السوق حديث عن أن اليابان تدخلت مجددا يوم الجمعة رغم أن العملة تحولت سريعا الى الهبوط مما ينبئ بأن طوكيو لا تتدخل في السوق. وأصبح الين ملاذا امنا رائجا مثل الفرنك السويسري في ظل تنامي المخاوف بشأن الولاياتالمتحدة وأوروبا.
وقال وزير الخارجية الصيني يانغ جيه تشي ان مخاطر الدين الامريكي تتعاظم وانه ينبغي على الدول أن تعزز التعاون بشأن المخاطر الاقتصادية العالمية.
ودعا يانغ الولاياتالمتحدة أثناء زيارة الى بولندا الى تبني سياسات نقدية "حصيفة" وحماية الاستثمارات الدولارية للدول الاخرى.
وسيعقد مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الامريكي) اجتماعه التالي لتحديد السياسة النقدية يوم الثلاثاء ويقول خبراء اقتصاديون انه لم يعد بوسعه فعل الكثير لتحفيز النمو.
في غضون ذلك يخشى المستثمرون من أن تضطر ايطاليا واسبانيا الى حذو حذو اليونان وأيرلندا والبرتغال في طلب المساعدة.
وقال محللون ان الاسواق ستنتظر لترى ان كان الزعماء الاوروبيون مستعدين لزيادة حجم الية الاستقرار المالي الاوروبي وهي صندوق للانقاذ الى مستوى يضع حدا لهلع السوق. ويقول المحللون انه لا بد من مضاعفة حجم الصندوق الذي يبلغ 440 مليار يورو حاليا الى المثلين أو ثلاثة أمثال لتغطية اقتصادات كبيرة مثل ايطاليا واسبانيا.
وقال رين انه ينبغي أن يواصل الاتحاد الاوروبي تعديل صندوق الانقاذ المالي ويدرس في الاجل الطويل اصدار سندات مشتركة من منطقة اليورو.
وقال لاذاعة بي.بي.سي "لكي يكون الصندوق فعالا يجب أن يتمتع بالمصداقية والاحترام لدى الاسواق. ولذلك يجب أن نقيمه باستمرار."
وحتى الان تعارض ألمانيا وفرنسا اصدار أي أدوات دين مشتركة قائلتين ان ذلك سيلغي عاملا مهما للانضباط المالي في الدول الاعضاء منفردة وسيرفع تكلفة اقتراضهما باعتبارهما يحملان التصنيف الائتماني الممتاز AAA .
وفي الولاياتالمتحدة أيضا هناك شعور بالشلل. فبعد أيام قليلة من التوصل الى اتفاق في اللحظة الاخيرة لرفع سقف الدين العام وتجنب التخلف عن السداد أصبح هناك ادراك بأن بنودا عديدة من خطة خفض العجز التي تبلغ قيمتها 2.1 تريليون دولار هي بنود قصيرة الاجل وليست راسخة.
وانتشرت في الاسواق شكوك في التزام الكونجرس بتنفيذ الخطة بالكامل بعد الانتخابات التي ستجرى في نوفمبر تشرين الثاني عام 2012. (رويترز)