آخر إبداعات ميل جيبسون كمخرج فيلم Hacksaw Ridge الذى يمكن أن يتأرجح تصنيفه بين الأفلام المناهضة للحروب من ناحية ومن ناحية أخرى طريقة ناجحة لرؤية البطل الأمريكى السوبر وإعادة صياغته ليكون نموذجا عالميا ليس قاصرًا على الولاياتالمتحدة فقط خلافًا للأبطال الأمريكيين الذين صاغ حكاياتهم مخرجون كبار مثل ستيفن سبيلبرج وكلينت إيستوود، الفيصل هنا فى الزاوية التى اختارها جيبسون ليعرض بطله ديزموند دوس (أندرو جارفيلد) الذى ظهرت بطولاته خلال معركة أوكيناوا فى اليابان أثناء محاولة الجيش الأمريكى السيطرة عليها خلال الحرب العالمية الثانية تحديدًا على تلة هاكساو. أى بطل يتميز بالاختلاف التام عمن حوله سواء فى طريقة تفكيره أو تمسكه بمبادئه، جيبسون صنع بطله منذ البداية فى الفيلم مختلفًا، حرص أن يظهره مالكًا للقوة العضلية لكنه يختار ألا يستخدمها أو على الأقل يستخدمها بطريقة مختلفة، وهو الشىء الذى يصنع من ديزموند بطلًا صغيرًا يدخل فى شجار مع أخيه وكاد يودى بحياته ثم يقرر لفترة أن ينبذ العنف بعد خوفه على أخيه، وكبيرًا يرفض أن يحمل أى سلاح نارى بعد أن اقترب من قتل أبيه بعد مشاجرة أخرى وهو الأمر الذى جعله يرفض الاقتراب من أى سلاح نارى وهو ما وضعه فى مشكلة حقيقية بعد تطوعه للجيش الأمريكى حيث أصبح فى نظر الكل جبانًا لرفضه استخدام السلاح الذى يعد اساسيًا فى الحرب. كاتبا السيناريو روبرت شينكان وأندرو نايت برعا فى رسم شخصية ديزموند وباقى شخصيات الفيلم على حد سواء، التركيز والاقتراب فقط من الحوادث المحورية فى حياته التى شكلت طريقة تفكيره الفريدة هو شغلهم الشاغل ولم يلتفتا لكتابة سيناريو يوثق كل ما يخص ديزموند، فقط ما يحتاجه المشاهد ليتعرف على فكر وشخصية البطل الذى يقفون أمامه ويروون حكايته وكيف أصبح هذا البطل نتيجة وجود ابطال آخرين فى حياته والده توم (هوجو ويفنج) الرجل الذى حارب ببطولة فى الحرب العالمية الأولى لكن انعكست الحرب على سلوكه فأصبح شخصًا آخر وقع فى هاوية إدمان الخمر والبؤس لكن معدن البطولة مازال موجودا فى شخصيته ويهب لنجدة ابنه عندما يقع فى مشكلة كبرى. الأم بيرثا (راشيل جريفيث) والحبيبة والزوجة دورثى (تريسا بالمر) كلهم شخصيات دعمت بطولة ديزموند وترجمهم الكاتبان على الورق بنفس الطريقة المواقف الهامة فقط، ففى الوقت الذى يلجأ الأب للعنف فى تقويم الابن، تأتى الام على العكس منه وتعمل العقل وتزرع فى ابنها فضيله التفكير والقياس وحسن التدبير ودورثى تعرف جيدًا أن حبيبها مختلف وتدعم قراره أيا كان لمعرفتها وثقتها التامة فى طريقته، ويبقى زملاؤه فى الجيش وقادته الذين شككوا فى منهجه لأنهم لم يعرفوه على مستوى المشاعر كما عرفه المقربون، ومن هنا نشأ الصراع الذى أبرزه الكاتبان بأكثر من طريقة الوقود دائما كان المشاعر والإيمان ففى الوقت الذى مرت فيه الأمور بسلاسة فى محيط العائلة نظرًا للإيمان والمشاعر ناحية باقى أفراد الجيش عند تشككهم أمام ديزموند وعندما آمنوا نجحوا ونجح معهم البطل، كل هذه التفاصيل رسمها السيناريو بشكل أكثر من جيد مستخدمين المشاعر كوسيلة للتعبير بين الحالات المختلفة. خطا المشاعر والإيمان اللذان يعدان صلب سيناريو الفيلم التقطهما جيبسون وترجمهما بصريًا بطول شريط الفيلم، وفعل الصورة لتكون داعمة فى أحيان وبديلة فى أحيان أخرى للحوار، وهو ما يعيدنا لرؤيته التى صنعت بطلًا مغايرًا للنموذج التقليدى عند إيستوود على سبيل المثال، ففى الوقت الذى يسعى فيه إيستوود لدعم فكرة التفوق الأمريكى من خلال اختيار قصص حقيقة لأشخاص قد يختلف البعض على بطولتهم حسب الرواية كما حدث مع فيلم «American Sniper»، سعى جيبسون للانتصار فقط للإنسانية وكراهية القتل منذ المشاهد الأولى التى أسقطت بكل وضوح معركة الأخين صغارًا على قابيل وهابيل وبعدها جاء قرار ديزموند بعدم اللجوء للعنف، ثم كراهية الحرب لكن التأكيد على مشروعيتها فى حال الدفاع عن المبادئ والنفس وجملة ديزموند فى الفيلم بأنه الدافع الذى حركه بالفعل ليتطوع فى الجيش هو الهجوم اليابانى على ميناء بيرل هاربر الذى راح ضحيته مئات الجنود دون حتى أن تعلن الولاياتالمتحدة الحرب على اليابان، لكن فى الوقت ذاته ديزموند رفض استخدام السلاح ففى الوقت الذى أصاب العالم بأكمله الجنون فى استخدام الأسلحة قرر هو أن يصلح بعضا من الدمار الذى خلفته الحرب المشروعة من جانب معسكره. تعبير جيبسون عن المشاعر وتغيرها خلال أحداث الفيلم بالصورة واضح بشكل صارخ، وخروج المعارك بهذا الشكل المميز إلى جانب الاهتمام بالشكل الفنى للفيلم يضعه فى مقارنه مع فيلم سبيلبرج "Saving Private Ryan" الذى تبلغ ميزانية إتناجه الضعف تقريبًا مقارنة بفيلم جيبسون الا أن الأخير أكثر تفوقًا على كل المستويات، جيبسون جعل من ديزموند رسولا لنشر الإنسانية والمعارك قبل الليلة التى أنقذ فيها العديد من أفراد فرقته العسكرية التى فجاءتها نيران اليابانيين والتى وسمته بالبطولة فى أعين زملائه تغير شكل إخراجها وزوايا تصويرها فى المعركة الأخيرة التى مكنت الأمريكان من أوكيناوا، المقارنة بين الجيش الأمريكى بإصراره على القتال فى المعركة الأخيرة أيا كانت النتائج جاءت بإيمان وثقة فى شخص ديزموند الرمز وفى المقابل هزيمة اليابانيين تعد هزيمة للمبادئ المناهضة للإنسانية والتى تبحث عن النصر أيا كانت الطرق المستخدمة للوصول إليه، ينتحر القائد اليابانى حسب تراثه كمقاتل فى حين يعيش ديزموند ورفاقه لوقت طويل فيما بعد يروون الحدث البطولى.