تركز حكومة يوسف الشاهد، على مواجهة الأزمة المالية الخانقة التي تواجهها تونس، ولعل أبرز عناوينها تتمثل في وجود اختلال في التوازنات المالية العمومية، مما تُرجم بالخصوص، من خلال العجز الكبير في الميزانية الحالية، من المتوقع أن يصل في نهاية العام الجاري إلى حدود 6.5%، وهو ما يعني ضرورة توفير تمويل إضافي للميزانية يتراوح ما بين 2.5 و2.9 مليار دينار تونسي. وهو وضع مرشح للتفاقم أكثر خلال السنة القادمة، خصوصا مع شروع تونس في تسديد مستحقاتها من القروض الأجنبية، فتونس مطالبة بدفع ما قيمته 7000 مليون دينار ديون خارجية خلال سنة 2017. التقشف لمواجهة الأزمة لمجابهة هذا العجز، وفي ظل توقع استمرار تراجع موارد الدولة، لوّح الشاهد بإمكانية لجوء الحكومة إلى "سياسة التقشف"، بعد أن أعلن حقيقة الوضع الحالي للتوازنات المالية. وهي خيار لا بديل عنه في ظل تراجع مداخيل الدولة، المتأتية خصوصا من الضرائب ومن السياحة ومن الصادرات خاصة من مادة الفوسفات الذي عاد معدل إنتاجه إلى سنة 1930، بعد تعطل الإنتاج بسبب الحراك الاحتجاجي، الذي هو في غالبيته عشوائي. كشف قانون المالية لسنة 2017، الذي أحالته الحكومة على البرلمان، ويتوقع أن تبدأ مناقشته خلال النصف الثاني من شهر ديسمبر القادم، عن ذهاب الحكومة لنهج "التقشف". برز ذلك بالخصوص من خلال إعلانها عن تجميد الزيادة في مرتبات الموظفين، مما قوبل بالرفض من قبل الاتحاد العام التونسي للشغل. تطالب المنظمة الشغيلة بأن لا يكون العمال هم الوحيدون المعنيون بالتضحية، وتتمسك قياداتها بأنه على الحكومة أن تجني موارد مالية من المتهربين من الضرائب ومن الاقتصاد الموازي، الذي يقوده ما أصبح يسمى في تونس "أباطرة التهريب"، فضلا عن إقرار سياسة حازمة في مقاومة الفساد، الذي انتشر خلال السنوات الأخيرة، ويقدر الخبراء أنه يحرم تونس من نقطتين في النمو سنويا. مصادر مطلعة في حكومة الشاهد أكدت لمراسل "العربية.نت" في تونس تفهمها لمطالب ومقترحات المنظمة الشغيلة، التي أشارت إلى أن الحكومة شرعت بالفعل في نهج سياسة تروم الوصول إلى تحقيق عدالة جبائية، وهو ما نص عليه بالفعل قانون المالية لسنة 2017، ووجد رفض واحتجاج وصل حد التصعيد، من قبل مهن حرة على غرار هيئة المحامين ونقابة الأطباء. في ذات السياق، لم تستبعد المصادر الحكومية ل"العربية.نت" الوصول إلى تفاهمات مع المركزية النقابية خلال الأيام القليلة القادمة. نفس المصادر الحكومية شددت ل"العربية.نت" على أهمية الحوار والتفاوض مع المنظمة الشغيلة، مشيرة إلى أن اتحاد الشغل طرف رئيسي في الاستقرار الاجتماعي، وأيضا في دعم وحماية مسار الانتقال الديمقراطي. الحكومة تطالب الشعب بالتضحية وفي مصارحة لعموم التونسيين، قال الشاهد، في تصريح لوكالة "تونس إفريقيا" للأنباء الرسمية، "إن قانون المالية لسنة 2017 الذي صادق عليه مجلس الوزراء يتضمن تضحيات يجب أن تقوم بها كل الفئات، لأن بناء مستقبل تونس يحتاج إلى التحلي بروح المسؤولية، ويستدعي من الجميع التضحية من أجل مصلحتها". وأكد الشاهد في نفس التصريح الإعلامي على "أن الحكومة احترمت الآجال (المهل) الدستورية في إعداد قانون المالية لسنة 2017 قبل موعد 15 أكتوبر 2016، وهي منفتحة على الحوار مع كل الأطراف الاجتماعية للخروج من أي مأزق، باعتبارها اختارت السير في نهج التوافق". تجدر الإشارة إلى أن ميزانية الدولة لسنة 2017، التي صادق عليها مجلس الوزراء، قوبلت برفض كبير من قبل المنظمات الاجتماعي، على غرار اتحاد الأعراف واتحاد الشغل وكذلك من قبل الأطباء والمحامين الذين شنوا إضرابا عاما يوم الجمعة الماضي احتجاجا على ما اعتبروه ضغطا جبائيا على منظوريهم. كما أكد عدد من الخبراء على نقده الشديد للأحكام التي تضمنها مشروع قانون المالية لسنة 2017. في هذا الإطار قال الخبير المالي عزالدين سعيدان إن الحكومة بمشروع ميزانية الدولة الذي عرضته لسنة 2017 ستكون غير قادرة على تجاوز الأزمة حسب الملامح الأولية، وإيقاف نزيف الاقتصاد التونسي. ووصف عز الدين سعيدان، ميزانية 2017 "بميزانية الضرائب بامتياز"، مشيراً إلى أنها "ستؤدي إلى تعميق الأزمة المالية الاقتصادية في البلاد حيث إن الميزانية التي تم تقديمها تفتقد لاستراجية واضحة" و"حذر سعيدان من أن تؤدي الأزمة المالية والاقتصادية الحادة في تونس إلى أزمة اجتماعية".