ينتعش فنّ السخرية في أجواء من الحرية والديمقراطية، وطالما وظّفت الضحك لإنارة العقول وعريت السياسيين أمام الرأي العام، وعكست أوجاع الشباب السياسية، وبرزت آلام المواطنين الاجتماعية وقدمتها في قالب ساخر يرسم البسمة على الوجوه، طالما زادت فرصة القبض عليك وتوجيه حزمة من التهم المعلومة. وأقر الدستور المصري المستفتى عليه في 2014 حرية الإبداع في مادته 67 التي تنص على أن "حرية الإبداع الفني والأدبي مكفولة، وتلتزم الدولة بالنهوض بالفنون والآداب، ورعاية المبدعين وحماية إبداعاتهم، وتوفير وسائل التشجيع اللازمة لذلك. ولا يجوز رفع أو تحريك الدعاوى لوقف أو مصادرة الأعمال الفنية والأدبية والفكرية أو ضد مبدعيها إلا عن طريق النيابة العامة، ولا توقع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بسبب علانية المنتج الفني أو الأدبي أو الفكري، أما الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو التمييز بين المواطنين أو الطعن في أعراض الأفراد، فيحدد القانون عقوباتها. وللمحكمة في هذه الأحوال إلزام المحكوم عليه بتعويض جزائي للمضرور من الجريمة، إضافة إلى التعويضات الأصلية المستحقة له عما لحقه من أضرار منها، وذلك كله وفقاً للقانون. "أطفال شوارع" في المصيدة ستة شباب استخدموا الشارع باعتباره أبناءه، وقدّموا "سكتشات كوميدية" في خمسة عشر مقطع فيديو لم تتعد كل منهم دقائق عبر كاميرا الموبايل "السيلفي"، انتزعوا خلالها الكوميديا والسخرية وانتقدوا الوضع السياسي المصري والرئيس عبدالفتاح السيسي، وهو ما قادهم خلاف الأسوار. وتوقع الشبان الستة الذين كوّنوا فرقة غنائية ساخرة تسمى "أطفال شوارع"، وذاعوا فيديوهاتهم على موقع "يوتيوب"، أنّ الخمسة عشر مقطع فيديو، خصوصًا الأخير منهم "السيسي رئيسي" وما قبله "عبدة البيادة" واللذان يعتبران الأعلى سقفًا للسخرية من المادة السياسية المصرية، توقعوا أن يقودهم إلى السجن. أحد أعضاء الفرقة أكد في تدوينة له بعد القبض على أصغر عضو منهم أنهم توقعوا القبض عليهم، لكنّهم برروا استمرا أعمالهم، بقوله "مش عاوزين لما نكبر نفتكر نفسنا ونفتكرها إنها كانت جبانة". ويضيف "مصر مخيفة أوي.. مكنش ينفع منوصلش للمرحلة دي.. عمرنا بيتغير قدام عينينا.. بس مصر مصرة متتغيرش.. مصر بقت فعلا مخيفة.. الموضوع صعب.. كل اللي اقدر أقوله ف الآخر.. متخافوش برا.. إحنا مش هنخاف جوا". السبت الماضي، ألقت قوات الأمن القبض على أصغر أعضاء الفرقة عز الدين خالد (19 عامًا) من منزله، وتم حبسه أربعة أيام، ثم أخلت النيابة سبيله بكفالة، قبل أن تلقي قوات الأمن القبض على بقية الأعضاء أمس. أمس الثلاثاء، عرضت قوات الأمن الشباب على النيابة وقد ظهر حلق شعر اثنين منهم، ما أدى إلى استنكار النشطاء واعتبروه أنه هدفه "ترويض المرح"، إلا أن الشباب أكدوا لمحاميهم أنه لم يتم حلق رؤوسهم جبرا وأنهم "حلقوا" من قبل القبض عليهم. "السيسي رئيسي".. آخر فيديو وكان آخر مقطع فيديو للفرقة بعنوان "السيسي رئيسي"، والذي حاز على مشاهدة عالية وصلت مليون مشاهدة في فترة قصيرة، يسخر من أغنية "تسلم الأيادي"، ونهايات خطابات السيسي التي تختتم بعبارة "تحيا مصر"، شعار "سيسي.. أنت رئيسي"، إلى جانب التهكم على قضية جزيرتي "تيران وصنافير". 8 تهم أمام الفرقة وأمرت نيابة شرق القاهرة الكلية، قرارًا بحبس أعضاء الفرقة 15 يومًا؛ لاتهامهم بالتحريض على قلب نظام الحكم، والترويج لأفكار إرهابية، واستخدام مواقع الشبكات الإلكترونية للترويج لهذه الأفكار، والتحريض على الاشتراك في التظاهرات والتجمهر، والاشتراك مع آخرين في إنشاء جماعة الغرض منها الدعوة إلى مناهضة المبادئ الأساسية التي يقوم عليها نظام الدولة، والتحريض على مقاومة السلطات، والاشتراك مع آخرين في إذاعة أخبار وبيانات كاذبة عمدًا من شأنها تكدير الأمن، وإلحاق الضرر بالمصلحة العامة. مصدر إزعاج يستحق الإسكات أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية الدكتور عمرو حمزاوي يستنكر القبض على أعضاء الفرقة ويقول عبر صفحته على "تويتر" إن "أطفال الشوارع أو أن تصبح ضحية للقمع بسبب أغاني وتسلب حريتك حين تتداول أغانيك، في جمهورية الخوف ليس المواطن إلا مصدر إزعاج يستحق الإسكات".